محضر محادثة بين وزير الخارجية المصرية والسفير البريطاني (14/08/1950)

محضر محادثة بين وزير الخارجية المصرية والسفير البريطاني، 14 أغسطس 1950، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 632 - 639".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

الحاضرون

الدكتور محمد صلاح الدين (بك)

سير رالف ستيفنسون

الأستاذ فؤاد سراج الدين (باشا)

الكومودور الجوي هيز

الأستاذ إبراهيم فرج (بك)

الأستاذ عبد الفتاح عمرو (باشا)

قائد اللواء الجوي إبراهيم جزارين

الأستاذ علي زين العابدين حسني

السفير البريطاني - تساءلتم في بيانكم الذي أدليتم به في الاجتماع الماضي عن ضرورة وجود قوات أجنبية في مصر في وقت السلم. على حين أن المعاهدات مع البلاد الأخرى تعقد بدون ضرورة لوجود هذه القوات.

والسبب الأساسي لذلك هو موقع مصر الجغرافي، وامتلاكها لقنال السويس وهو حلقة مواصلات حيوية تهتم بها جميع الدول البحرية. ولهذا فإن الموقف هنا يختلف عن الموقف في بلاد حلفائنا الآخرين. فمن المستحيل علينا أن نخاطر بقطع هذه الحلقة الحيوية والقياس الوحيد لذلك هو قناة بناما. فالولايات المتحدة منطقة دفاعية وتأخذ على عاتقها الدفاع عن هذه القناة بمقتضى معاهدة. ونحن لا نطلب منكم في مصر أن تسلمونا منطقة القنال. ولكن نطلب أن نشترك معكم في الدفاع عن منطقة القنال وأهم جزء في الدفاع هنا هو الدفاع الجوي. ويجب على مصر أن توافق على أن يكون لها دفاع جوي مشترك إذ أنها لا تستطيع أن تدافع عن منطقة القنال بمفردها.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - إن هذا السبب الذي أبديتموه للتفريق في المعاملة بين مصر وبين غيرها من البلاد المستقلة التي تعقد محالفات مع غيرها لم يبد اليوم لأوّل مرة. ولكنه سبب قديم تذرع به الاحتلال أمدا طويلا، وأبداه الجانب البريطاني في جميع المفاوضات السابقة

بلا استثناء. ولمصر ردها عليه في جميع هذه المفاوضات فلا حاجة بي الآن لأن أطيل في تكرار الأسباب التي من أجلها تجد مصر نفسها عاجزة عن أن تقبل هذا السبب. ولكني ألاحظ أنكم انتهيتم في سنة 1946 إلى قبول الجلاء الكامل برا وبحرا وجوا. وقنال السويس إذ ذاك هو قنال السويس اليوم، ويمكن على كل حال أن نرد على ما قلتموه بعبارة بسيطة جدا. وهي أن مصر أمة مستقلة وعضو معكم في هيئة الأمم المتحدة على أساس المساواة في السيادة وهي تعتبر بحق أن وجود قوات لكم في أرضها مهما تكن صفتها مخل بسيادتها فلها كل الحق في أن ترفض هذا الإخلال، وأن تحتج عليه مهما تكن أهمية قنال السويس الاستراتيجية بالنسبة لكم. فاستقلال مصر أغلى عندها وعند الشعب المصري بأسره من هذه الأهمية الاعتبارية التي تعلقونها على القناة. على أن قنال السويس لم تعد له هذه الأهمية السابقة من الناحية العسكرية. ودليل ذلك أن أكثر حركة النقل إلى الشرق الأقصى كانت في أثناء الحرب العالمية الأخيرة تمر من رأس الرجاء الصالح ذلك فضلا عن إمكان تعطيل الملاحة في القنال وقتا طويلا إذا ألقيت عليه قنبلة من القنابل الذرية. ومن هذا كله يمكن أن يقال إن مصر نفسها هي مطلبكم الحقيقي لا قنال السويس وحده. وأنتم في كثير من الأحيان لا تنقصكم الصراحة فتعددون المزايا التي من أجلها تطلبون بقاء قواتكم فيها كسهولة المواصلات وتوفر مواد التموين ووجود اليد العاملة إلخ. وهي صراحة مستحبة أفضلها هذه النغمة القديمة التي تعودون اليوم إليها وأعني أهمية قنال السويس الاستراتيجية. أما المقارنة مع بناما أو غيرها فهي لا تجدي شيئا فقد تكون بناما قابلة للاحتلال الأمريكي. أما مصر فيرفض شعبها بإجماع آرائه أي أثر وأية صورة للاحتلال البريطاني.

والواقع أن النظرية التي تقولون بها نظرية في غاية الخطورة وتؤدي إلى شيء من الفوضى في المعاملات الدولية. التي يجب أن تقوم على استقلال الدول وتساويها في السيادة. لا على سيطرة بعضها على بعض رضي أو أبى. لمجرد وجود المصلحة. وهذه النظرية يمكن أن تؤدي إلى أن تطالب كل دولة كبيرة الدول الصغيرة التي تقع في طريق مواصلاتها بأن تكون لها عندها قواعد دفاعية ومهما تكن أهمية قنال السويس بالنسبة إليكم فإننا نستطيع أن نضرب أمثلة عديدة مشابهة على أهمية الدول بعضها لبعض من الناحية الاستراتيجية. وأظنكم تقدرون خطورة النتائج التي تترتب على إطلاق هذه القاعدة الغريبة قاعدة احتلال الدولة التي تدعي وجود مصلحة لها عند غيرها من الدول الصغيرة ودون رضاها.

أرجو أن لا تزعجكم هذه الصراحة فأنا إنما أرمي بها إلى أن أفهمكم مبلغ تعلق الشعب المصري بأن يفتح صفحة جديدة من العلاقات بينه وبينكم، صفحة أساسها نسيان هذا الماضي الذي كاد

يؤدي أن تعتقد مصر أن قناة السويس كان نكبة عليها. ومن حسن الحظ أننا وجدنا من جانبكم رغبة مماثلة في إسدال الستار على الماضي وقطع الصلة به وفتح صفحة جديدة في كتاب العلاقات المصرية البريطانية وهذه الرغبة المتبادلة هي التي حاولنا على أساسها نحن الإثنين أن نجد مخرجا من جميع هذه الصعاب التي ورثناها. وأنا شخصيا أعتقد رغم بقاء الكثير من الصعوبات أننا من جهة أخرى قد تقاربنا تقاربا يدعو إلى التفاؤل. فلماذا لا نثابر على تقريب وجهات النظر دون حاجة إلى هذه النظريات القديمة التي أصبحت غير ذات موضوع سواء من الناحية القانونية أو من الناحية العملية. أما ما ذكرتموه عن الدفاع الجوي فقد استصحبت اليوم قائد اللواء الجوي إبراهيم جزارين وهو الذي اتصل من الناحية المصرية بمندوبيكم العسكريين في محادثات صيف سنة 1949 لكي يشرح لكم وجهة نظره الفنية في هذا الشأن. ويسرني أنكم من ناحيتكم قد استصحبتم الكومودور الجوي جو. وهايز. لهذا الغرض وأرجو أن نستفيد من حضورهما فائدة عملية نتغلب بها على ما قد يكون هناك من صعوبات خاصة بالدفاع الجوي عن مصر.

السفير البريطاني - أؤكد أن الملاحظة البريئة التي أثارت ردكم البليغ كان يقصد منها توضيح أن مصر في وضع مختلف بالنسبة للبلاد الأخرى. إنك تقول إن مصر بلد مستقل وترفض نظرية الدفاع المشترك وتنعتها بأنها نظرية غربية بالنظر إلى اتجاه العالم الحديث نحو الدفاع المشترك. وليست المسألة مسألة فرض أي شىء على أي إنسان. وإذا كانت المسألة مسألة إملاء أو فرض أي شىء لما كنت أكون هنا اليوم معكم. إننا نريد منكم أن تدعونا لمساعدتكم في دعم السلام في الشرق الأوسط. وإنه لما يسرني أن تكونوا متفائلين وقد شاركتكم دائما تفاؤلكم. إن الشعب الذي تمثله شعب عاقل رصين يمكنه تقدير حقائق الموقف.

وإني على استعداد الآن أن نبحث مسألة المحادثات العسكرية التي جرت في العام الماضي.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - هذا كلام طيب وأرحب به وأشكركم عليه. وبخاصة ما ذكرتموه من أنه لا رغبة لك في أن تفرضوا علينا شيئا لا نرضاه ولكنكم تريدون فقط إقناعنا. ونحن من جهتنا سنبذل جهدنا لإقناعكم بما نرى. ونرجو أن تؤدي هذه المحاولات من الطرفين إلى تقارب وجهات النظر وفي النهاية إلى الاتفاق. كما أرجو أن يأخذ هذا الكلام سبيله إلى غايته المنطقية في حالة ما إذا تعذر علينا الاتفاق المنشود. لأن المحالفات كما تعلمون إذا لم يكن أساسها الرضا الكامل فلا خير فيها. فرضى الشعوب في هذه الأيام وخصوصا في حالة الحرب أثمن من كل مركز استراتيجي. وأنا بعد ذلك لا أطيل التحدث في هذه الحواشي لكي نعود إلى محادثاتنا العملية. ولكني أود قبل ذلك أن أقول بأننا ننظر إلى مسألة الدفاع الجوي لا من زاوية كفاية الدفاع الجوي المصري في الوقت الحاضر ولكن من زاوية عدم وجود الحاجة إلى بقاء قواتكم الجوية في وقت السلم ما دمنا مستعدين بمقتضى المحالفة لأن نقبل حضورها بمجرد نشوب الحرب للتعاون في الدفاع عن مصر.

السفير البريطاني - أظن أنه من السهل جدا من الوجهة الفنية أن ننقض حجتكم عن ضرورة جلاء الدفاع الجوي في وقت السلم. فقد كانت تجربة مريرة بدول كثيرة في عشر السنين الأخيرة إنها عانت الأهوال لأنه لم يكن لها دفاع جوى وقت السلم. ولا فائدة في أيامنا هذه من محاولة اتخاذ إجراءات بعد نشوب الحرب. إذ ليس ثمة شىء يصعب نقله مثل القوة الجوية. وإذا حاولت أن تدافع عن بلد من الخارج فإنك تجعل مهمتك أصعب وأغلى بكثير بحيث لا يمكن لأمة أن تتحملها. وقد أوضح المشروع الذي وضع في محادثات السنة الماضية ما هو ضروري. بما في ذلك الألوية الجوية المقاتلة والمنشآت الأرضية والرادار... إلخ. وإن ما أعلمه عن هذا المشروع يحدوني إلى الاعتقاد بأنه خارج نطاق مقدرة الدفاع الجوي المصري، والآن يمكننا النظر في المشروع نفسه ونطلب إلى قائد اللواء الجوي جزارين توضيحه لنا.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - أود فقط قبل أن أعطى الكلمة لقائد اللواء الجوي إبراهيم جزارين أن أقول إنني بعقليتي المدنية أفرق بين المعدات وبين الرجال. أما عن المعدات فلا مانع مطلقا من أن تستوفي استيفاءا كاملا لكي يجدها الطيارون والفنيون صالحة للعمل عند اللزوم. ولا شك أننا نستطيع أن نجد من المصريين من يصلح للمحافظة عليها في وقت السلم ولكن معارضتنا منصبة على بقاء قواتكم في وقت السلم إذ يستطاع عند نشوب الحرب أن تصل إلى مصر في ساعات قلائل من مطاراتكم التي تحيط بها من كل جانب.

السفير البريطاني - أظن أنكم تتكلمون دون معرفة ما يحتاج إليه الدفاع الجوي عن البلاد.

قائد اللواء جزارين - لا يمكن لأحد أن يقول إن مصر تستطيع بمفردها أن تقاوم خطر هجوم جوي من روسيا. كذلك لا يمكن للقوة الجوية البريطانية الموجودة أن تقاوم هذا الخطر. والموقف هو كالآتي:

هل من المهم حقا أن يكون عندنا قوة جوية أجنبية وقت السلم؟ أو هل تستطيع طائراتكم أن تصل إلى مصر عند نشوب الحرب للمساعدة في الدفاع؟

إن لقوة الطيران الملكي قواعد في قبرص ومالطة وبرقة. ويمكن أن تأتي طائراتكم المقاتلة من هذه الأماكن إلى مصر في وقت قصير. والمسألة هي ما الذي يتطلبه الدفاع الجوي حتى يسير سيرا مرضيا. إنه يحتاج إلى المطارات والورش وقطع الغيار والذخيرة والوقود والرادار للإنذار. إننا على استعداد أن نضع تحت تصرفكم مطاراتنا وورشنا. وقد أعددنا العدة للرادار ووقعنا عقودا مع المصانع البريطانية لتزويدنا بالمهمات. فإذا وصلت هذه المهمات قريبا فسنستطيع أن نستخدمها. وعندما تصل طائراتكم تستطيع هي الأخرى أن تستخدمها. وإذا كانت لديكم هذه المعدات فيمكننا أن نستلمها منكم ونديرها وفقا لنظمكم الخاصة. أما عن القوات اللازمة لإدارة طائراتكم فأظن أنكم توافقونني أنه يمكن نقلها بالجو مع طائراتكم المقاتلة.

والسؤال الثاني الذي أود أن أسأله هو أننا جميعا نعلم أنه إذا قامت حرب كبرى فستكون مصر عرضة للهجوم الجوي. ولكن متى يقع مثل هذا الهجوم؟ هل يبدأ من بدء الحرب أو يبدأ بعد ذلك عندما تقترب القوات الروسية البرية من مصر؟ ألا يكون من الأفضل لقائد السلاح الجوي الروسي أن يرسل قاذفات قنابله إلى إنجلترا وأوروبا حيث يكون الهجوم أجدى وأكثر ثمرة؟ ألا يكون هناك متسع من الوقت لطائراتكم أن تصل إلى مطارات معدة إعدادا جيدا بدلا من أن تبقى هنا وقت السلم على غير رغبة البلاد؟

السفير البريطاني - أود أن أعلق على سؤال اللواء الجوي جزارين الأخير. هل يكون هناك متسع من الوقت لوصول طائراتنا؟ إن هذا لا يعرفه أحد وكل ما أستطيع أن أقوله هو أن الهجوم قد يحدث منذ بدء الحرب، وقد يبدأ الروسيون بقطع المواصلات بيننا وبين أستراليا أو بضرب أوروبا بالقنابل. ونقط الهجوم الظاهرة هي بالطبع الغرب والشرق الأوسط وربما الشرق الأقصى. على أي حال فإذا لم يكن لديكم دفاع جوي منظم فلا أمل لكم في دفع الهجوم الجوي. إن ما نرجوه هو أن نجعل من الدفاع الجوي الحاضر قوة جوية تستطيع أن تقوم بذلك.

الكومودور الجوي هيز - أظن هناك نقطة أو نقطتين:

أما عن القواعد في قبرص وبرقة فإن القاعدتين الأوليين معدتان وصالحتان. ولكن توسيع قواعد جديدة يستغرق بالضرورة وقتا طويلا. وإنشاء قاعدة في برقة سوف يستغرق وقتا طويلا ولا تستطيع القوات الجوية المصرية أو البريطانية الموجودة أن تدفع هجوما كبيرا كما قال جزارين.

وأما النقطة الثانية فهي، كما قال سعادة السفير، أننا لا نعرف متى يقع الهجوم. وقد دلت التجربة أن الهجوم قد يقع فجأة في أي وقت. والقوة المقسمة، أي نقل القوات إلى قواعد أخرى لا تثمر ثمرتها. إذ يجب أن يكون هناك مركز، وهذا كما يوافق جزارين يجب أن يكون في مصر. وعامل الوقت عامل مهم جدا فإذا عدنا إلى برقة فإننا نخطئ باتجاهنا هذا الاتجاه ولن يكون لنا أمل في دفع هجوم قوي إذا لم تكن لدينا قوة جوية مشتركة.

وهناك نقطة أخرى أثارها جزارين هي إعداد كل شيء لاستقبالنا. أظن أن الإعداد للعمليات الحربية يستغرق وقتا إذ أن هناك شيئا كثيرا من التدريب يجب القيام به، وإني أكرر هنا أنه إذا انقسمت القوات فإن مشروع الدفاع لا بد أن يفشل.

قائد اللواء جزارين - ما هي قوة طائراتكم المقاتلة في قناة السويس؟

الكومودور الجوي هيز - خمسة ألوية.

قائد اللواء جزارين - يمكننا أن نعتبر سلاح الطيران المصري هو النواة التي نبني عليها. إن ألويتكم الجوية الحاضرة لا يمكن أن تدفع هجوما كبيرا. ما هو أقصى ضرر يمكن لهجوم جوي تقوم به قاذفات القنابل على مصر؟ هل يجعلها مثل هذا الهجوم ويجعل قناة السويس خرابا تاما؟ ولماذا يضرب الروسيون مصر بالقنابل عند نشوب الحرب، وهناك أهداف أكثر أهمية في بريطانيا وأوربا؟ ألا يكون من المتيسر أن يضرب الروس مصر بالقنابل عند نشوب الحرب، لقد اقترحت وضع ألويتكم الجوية الخمسة في قواعد أخرى. إن لكم قاعدة في برقة يمكن أن تتوسع. ولا شك في إمكان ذلك. لقد قلتم إن إنشاء قاعدة يستغرق زمنا طويلا ولكني لا أظن أنه يستغرق أكثر من ستة إلى تسعة شهور. كذلك قلتم إن تدريب القوات يستغرق وقتا ولكننا لا نرى أنه يستغرق أكثر من تسعة شهور.

الكومودور الجوي هيز - هذا سؤال محرج ولكني لا زلت أشعر على أي حال بضرورة وجود القوات الجوية الكاملة غير المقسمة في قواعدنا إذا نحن أردنا أن نواجه هجوما عندما يقع.

السفير البريطاني - وبمعنى آخر. إننا نحتاج إلى قوة مشتركة موحدة.

قائد اللواء الجوي جزارين - إذا كنتم تريدون الدفاع عن مصر فإنكم لا تضعون كل ألويتكم الجوية بها. والواجب أن يكون لكم قاعدة أخرى وسنعمل نحن على إعداد كل شىء لقدوم قواتكم عند نشوب الحرب.

السفير البريطاني - إني مع هذا لا زلت أصر على أنه لا بد أن تكون القوة كاملة غير موزعة لمواجهة الهجوم.

قائد اللواء جزارين - بوصف كوني طيارا ما الأثر الذي يلحقه هجوم روسي بالقنابل على القنال؟ إن من الممكن في أقل من 48 ساعة أن ننظف القنال من القنابل.

السفير البريطاني - إن هذا يكون متعذرا إذا لم نكن موجودين هنا.

قائد اللواء جزارين - إن ما أستطيع أن أضيفه إلى ما قلت هو أن لدينا نواة لقوة جوية وهي نواة صالحة للبناء عليها. وليس هناك قيمة للهجوم الروسي على مصر. إذ ما الذي تستطيع أن تحققه روسيا بضربها مصر بالقنابل؟

السفير البريطاني - إن مسألة الهجوم مسألة تقديرية من الوجهة الاستراتيجية. وإن المشروع المقترح في السنة الماضية يتطلب أكثر من القوة الحاضرة بكثير.

قائد اللواء جزارين - إن المشروع يقوم على إعداد عشرين لواءا جويا يوم نشوب الحرب.

السفير البريطاني - يجب كما اقترح الفيلد مارشال سليم في نقطه الأربع أن يكون هناك دفاع جوي موحد، لا قوة جوية موزعة. فإذا لم تكن القوات الجوية على أهبة الاستعداد في مكانها المعين، فلن يكون من الممكن مواجهة الهجوم.

قائد اللواء جزارين - لا زلت أقول إنه يمكن أن تأتي إلى مصر من القواعد القريبة.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - في الواقع أن هذه المناقشة الفنية التي دارت إنما أكدت الأفكار التي كانت تدور في ذهني، وتؤيد ما نذهب إليه من عدم وجود أية ضرورة لبقاء طياريكم أو سلاح دفاعكم الجوي في وقت السلم. والمثل الإنجليزي ينصح بأن لا نضع جميع البيض في سلة واحدة. وأنا أظن أن هذا المثل ينطبق في حالتنا هذه تماما وأن المصلحة كل المصلحة في توزيع الدفاع الجوي على النمط القائم بالفعل الآن. فإذا كان لكم قاعدة على أهبة الاستعداد في مالطة ومثلها في قبرص وأمكن توسيع قاعدتي برقة وشرق الأردن وتوطيد دفاعكم الجوي في العراق. فإن قاعدة الدفاع في مصر تكون بعد ذلك كله بحيث يكفي أن يتولاها في وقت السلم سلاح الطيران المصري بشرط أن نعمل على استكمال معداته في أقرب وقت. الأمر الذي تحرص مصر عليه أكثر من حرصكم. وقد فهمت الآن من قائد اللواء الجوي إبراهيم جزارين أن قاذفات القنابل الروسية تحتاج إلى نحو اثنتي عشر ساعة لكي تصل إلى مصر بينما تستطيع المقاتلات أن تصل إليها من كل هذه القواعد المحيطة بمصر في ساعتين أو ثلاث وهذا في الواقع يسقط كل حجة يمكن إبداؤها لبقاء قوات جوية بريطانية في مصر وقت السلم. إذ إن مراكز الرادار تستطيع أن تنبه جميع القواعد الجوية في الوقت المناسب فيخف بعضها لملاقاة هذه القاذفات قبل وصولها إلى مصر. ويمكن على كل حال أن تصل مقاتلات بريطانية كافية لتولي مهمة الدفاع قبل وصول قاذفات القنابل الروسية بوقت كاف. أما المعدات المختلفة من مطارات وورش ومخازن وقطع غيار... إلخ. فقد سبق أن قلنا وكررنا أننا لا نجد أي مانع من استيفائها استيفاءا تاما بحيث تجد هذه المقاتلات كل ما يلزم لها عند وصولها وإذا كانت لنا شكوى في هذا الشأن فشكوانا في الواقع هي من تأخر وصول هذه المعدات إلينا. فمع توفر النية الطيبة يمكن استكمالها في وقت قريب.

ومن أجل ذلك كله قلت وكررت أن علينا أن نفرق بين أمرين: معدات وهذه نقبل بل نعمل على استيفائها. والقوات المقاتلة وقد بينا أنه لا حاجة مطلقا لبقائها في وقت السلم. ويبقى بعد ذلك أمر واحد سبق أن ذكرت أننا مستعدون للنظر فيه وهو ما قد يحتاج إليه الأمر من تمرين مشترك بين القوتين.

السفير البريطاني - لا أدعي بأني خبير بالرادار مثل جزارين بك. كذلك لا أعرف إذا كان من الممكن أن ننظم دفاعنا على نطاق واسع. وحتى لو استطعنا ذلك فكيف يمكن تنفيذ القيام بالتمرين المشترك،

قائد اللواء جزارين - يمكن ذلك كما يمكن لقطع من الأسطول أن تزور الإسكندرية لأسبوع أو نحوه.

الكومودور الجوي هيز - لقد عملنا جميعا باستمرار على تدريب قوة الطيران المصرية تدريبا صالحا.

قائد اللواء جزارين - إن وجود قواتكم الجوية هنا ليس هو الذي يدرب سلاح الطيران المصري.

سراج الدين (باشا) - يجب أن نقيم وزنا للرأي العام وخصوصا وأنكم وافقتكم في سنة 1949 على إجلاء هذه القوات.

السفير البريطاني - لست مفوضا من حكومة جلالة الملك أن أتقدم باقتراحات مطلقا ولكن المارشال سليم قال بضرورة أربعة أشياء منها دفاع جوي موحد تندمج فيه كل من قوتي البلدين الجوية الموجودة في مصر وهذا كما فهمت غير مقبول لدى مصر.

ونحن نقول إن توحيد القوتين واندماجهما ضروري. ليس فقط فيما يتعلق بالمنشآت الأرضية بل بأسراب الطائرات أيضا. ويبدو أن هذا غير مقبول أيضا لدى مصر.

إن المنشآت الأرضية تستغرق زمنا لإنشائها، وأنتم لا تريدون إلا أن نساعدكم (بالمعدات والتدريب والتوجيه) في إنشائها. ويترك تقدير عدد الفنيين اللازمين إلى لجنة مشتركة من الجانبين

سراج الدين (باشا) - هذا أساس معقول.

السفير البريطاني - إن المنشآت تتضمن الدفاع الجوي بالمدافع المضادة للطائرات.

قائد اللواء جزارين - لقد أعطى هذا الدفاع في الحرب الأخيرة إلى المصريين لإدارته.

السفير البريطاني - والدفاع الساحلي،

قائد اللواء جزارين - لقد قررت اللجان أن المدافع الخاصة بالدفاع الساحلي كافية.

السفير البريطاني - إن أقل ما تقبله الحكومة المصرية إذن هو المساعدة في المنشآت الأرضية ولمدة محدودة.

قائد اللواء جزارين - تسعة أشهر.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - بضع شهور فقط.

سراج الدين (باشا) - إذا أبقيتم قواتكم الجوية في مصر فسينظر إليها على أنها احتلال. إن المصريين يساورهم الشك في نياتكم ويجب أن نفعل شيئا لإزالة هذا الشك.

ليس لكم جيوش في العراق ولكم فيها طائرات فقط. ومع ذلك فإن وجود هذه الطائرات ينظر إليه في العراق وفي مصر على أنه احتلال.


المصادر