مذكرة الحكومة المصرية رداً على المذكرة البريطانية المؤرخة في 19 أبريل

مذكرة الحكومة المصرية رداً على المذكرة البريطانية المؤرخة في 21 أبريل 1946، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 502 - 504".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

في يوم 20 أبريل سنة 1946 دعا صدقي باشا حضرات الضابط أعضاء المكتب العسكري الملحق بوفد المفاوضات المصري، وعرض عليهم المذكرة التي سلمها له بالأمس السفير البريطاني واللورد ستانسجيت.

وكان واضحا لأول وهلة أنها أحدثت في نفوسهم رد فعل غير مرض.

فأوضح لهم صدقي باشا أنه لا يطلب منهم سوى رأيهم في الموضوع من الوجهة الفنية، ورجا منهم أن يدرسوا المقترحات البريطانية في ذاتها، وأن يطرحوا جانبا كل الاعتبارات العاطفية.

ويتعين استعراض هذه المقترحات من الناحية الآتية:

"نحن حليفان غير متساويين في القوة، قد يكونان معرضين لاعتداء قوي وسريع، يشنه عدو لا يقل قوة عن بريطانيا العظمى، ومهما تكن مدى الاستعدادات المصرية، فإن دفاعها لأول وهلة لا يستطيع رد العدو المهاجم.

فإن على حلفائنا البريطانيين حينئذ أن يتدخلوا فوراً. وهم لذلك يقدرون أنه إذا لم توجد عندنا من مبدأ الأمر نواة يسمونها "قاعدة إدارية" للحليفين والتي تضمنت المذكرة كيفية تكوينها، وتكون مهمتها في وقت السلم الاستعداد لاستقبال القوات والإمدادات، فإن الدفاع قد يصبح عديم الجدوى."

ففكروا في هذا دون أن تؤثر فيكم الاعتبارات السياسية لهذا الاقتراح، فأنا لا أطلب منكم سوى رأيكم من الوجهة العسكرية.

وقد تقدم أعضاء المكتب برأيهم في نفس المساء، إلى صدقي باشا، في صورة المذكرة المرفقة.

وبعد أن درس رئيس الوزارة بنفسه المذكرة البريطانية التي سلمت إليه في 19 أبريل، وكذلك مذكرة مكتبه العسكري السالفة الذكر، لم يسعه إلا أن يؤيد النتائج التي تضمنتها هذه المذكرة الأخيرة تأييدا تاما، و يضيف إلى ذلك الاعتبارات الآتية التي ستكون نهاية سلسلة الاعتبارات التي أبداها، كتابة أو مشافهة، في هذه الأيام الأخيرة.

(1) لم يبق هناك أى شك أن القاعدة المطلوب إنشاؤها في الأراضى المصرية بالكيفية المبينة في المذكرة المقدمة في 19 أبريل، تجعل منها احتلالا عسكريا حقيقيا للبلاد.

(2) أن هذه القاعدة التى ستضاف إليها قوة جوية بريطانية ستكون لها مظاهر مختلفة - ويخص بالذكر منها وجود قيادة عامة تابعة لجيش أجنبى - بدرجة أن الادعاء بكون هذه القاعدة ليست سوى مجرد قاعدة للحليفين، لا يمكن أن يزيل عنها صفتها الحقيقية.

(3) أن من شأن التدبير المقترح في المذكرة البريطانية أن يجعل من التحالف بين البلدين وصاية عسكرية تقوم بها دولة كبيرة على أخرى أصغر منها والتى ستتمخض سريعا عن سيادة سياسية كما حصل ذلك قبلا.

وأن تحالفا يبرم على قدم المساواة. لن يحتمل أكثر من مشاورات ومحادثات بين هيئتى أركان الحرب للوصول إلى الانسجام بين القوات العسكرية والاشتراك في إعداد خطط الدفاع.

(4) وقد تكون مصر قد ذهبت إلى أبعد مدى ممكن في هذا السبيل إذ أنها ترمى إلى تنمية المساعدة الثقافية التى تقدمها المدارس البريطانية لمدارسنا العسكرية والاتفاق على اختيار أفضل الأسلحة التى يستخدمها الجيشان.

(5) أن التوسع في قوة الجيش المصرى الحديثة وكفايته، على أساس تحرير البلاد تحريرا حقيقيا ونهائيا، سيضعف من شأنه الشعور بالنقص الذى سينشأ عن وجود قاعدة بريطانية سيكون من تأثيرها الذى لاشك فيه إيقاف وعرقلة تنفيذ كثير من المشاريع. وإن في حوادث الماضى القريب العهد ما يؤيد ذلك.

(6) أن هذا التأثير بالذات سيستمر مفعوله في المجال السياسى. وهذا رغم كل التأكيدات التى تعطى بإسراف، وهى غالبا تمليها حسن نية لا نزاع فيها، وهذا مجال لا ترغب المذكرة الحالية في الخوض فيه لأنه سيؤدى، بلا ضرورة، إلى إثارة نزاع على ماض لم يكن فيه كثير من دواعى الاطمئنان.

(7) بعد زوال الأسباب التى دعت إلى الاحتياطات التى شملتها معاهدة سنة 1936 زوالا نهائيا، فإن دولة كمصر لا تستطيع أن تقبل بقاء استقلالها تحت رحمة أسباب مختلفة تتجدد بين آونة وأخرى، لا يعجز معجم السياسة عن اكتشافها، وإن على الدولة المستقلة أن تلجأ إلى ضمان

أمنها بوسائلها الخاصة، وهذا ما يجب أن يكون عليه حال مصر. التي لا يزيد أن يكون حالها غير ذلك، ولكن كرامتها كدولة حرة توجب عليها أن ترفض التنازل عن استقلالها تحت تأثير اهتمام مبالغ فيه، ويكاد يكون خياليا، بخطر محتمل وقوعه. وإذا كان هذا الأمر، إلى حد ما، يقبل تفسيرا قبل الحرب الأخيرة، فإن المرء لا يمكنه - منذ إنشاء نظام الأمن العالمي بسان فرانسيسكو - أن يدرك أن دولة مستقلة تقبل راضية أن ترى حرياتها مقيدة باتفاقات سخية، مع أن صلاحيتها موضع جدل كثير

(8) ويلوح أننا الآن في صدد خطر آت من الشرق، وكذلك قد يحدث فيما بعد. عند انتهاء أجل المحالفة أن نتعرض لأي خطر آخر يكون ناشئا عن المشكلات التي تتولد وقتئذ أو مما قد يجول في مخيلة الدوائر السياسية ذات الخيال الخصب.

حقيقة إن السياسة الروسية مدعاة للقلق، ولكنها في الواقع سياسة حذرة أكثر منها خطرة، وحتى إذا كان هذا الخطر الذي قد يبدو واضحا بالنسبة لمصالحها العاجلة أو الآجلة، فإن مصر على كل حال لن تكون الدولة التي تستهدف لاعتدائها الأول. وإن في بعد المسافة، ووجود دول أخرى بيننا وبينها، واقعة إما تحت النفوذ البريطاني وإما تحت الحكم البريطاني، لما يجعل هذا الاعتداء ليس فقط أمرا لا يدخل في الحسبان، بل يعتبر غير متوقع.

(9) و بالاختصار، ومهما تكن رغبه المفاوض المصري. أو ما له من التأثير على مواطنيه، فإن في تطبيق المقترحات الأخيرة التي عرضتها المذكرة البريطانية، يجعل من العسير عليه جدا. إن لم يكن من المستحيل، أن يقنعهم بأنه استطاع استخلاص شيء جدي يحقق أمانيهم في استقلال بلادهم والاحتفاظ بأراضيها كاملة.

(10) وإن صدقي باشا، فيما يعلق به شخصيا، يأسف إذ لا يمكنه أن يؤيد مثل هذه المقترحات التي هي بجانب ذلك بعيدة كل البعد عن مطابقتها لنصوص وكالته.

(11) أما فيما يختص ببريطانيا العظمى، صديقة بلاده وحليفتها، وما عليه من واجبات يمليها الوفاء والإخلاص، فإن عليها أن تتوقع (وقد أوضحت ذلك في مناسبات عديدة) حدوث حركة فكرية من لحظة لأخرى، قد يمكن قمعها أو استمرارها في مستهل النضال السياسي الحالي ولكن قد يفلت زمامها بعد ذلك ولا يمكن السيطرة عليها مطلقا.

وإن صدقي باشا يكون شاكرا لو تفضلتم بإبلاغ هذه الاعتبارات المتقدم ذكرها، وكذلك المذكرة الفنية إلى المستر بيفن على الفور.

21 أبريل سنة 1946


المصادر