محضر الاجتماع الذي عقد في رئاسة مجلس الوزراء مع الجانب البريطاني

محضر الاجتماع الذي عقد في رئاسة مجلس الوزراء مع الجانب البريطاني، في 27 أبريل 1953. من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 704 - 712".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

محضر الاجتماع الذى عقد في رئاسة مجلس الوزراء يوم الاثنين 27 أبريل 1953 الساعة 11 صباحا

الحـاضرون:

صاحب السعادة سير رالف ستيفنسون

جنرال سير بريان روبرتسون

مارشال الجو الأول سير أرثر ساندرز

مستر م. ج. كريسويل

بريجادير أ. ج. هـ دوف

بريجادير أ. ف. و. هوب

قائد سرب ج. ج. دافيز


رئيس الوزراء اللواء محمد نجيب

دكتور محمود فوزي

البكباشي جمال عبد الناصر

قائد الجناح عبد اللطيف البغدادي

الصاغ عبد الحكيم عامر

الصاغ صلاح سالم

الأستاذ على زين العابدين حسنى


رئيس الوزراء:

جناب السفير، حضرات السادة:

إننى أرحب بكم جميعا، وأرجو أن تؤتى المحادثات التى نحن على وشك بدئها ثمارها. كما نتمنى جميعا.

إن وجود قوات بريطانية على أرض مصرية لمدة إحدى وسبعين عاما قد أوجد بين شعبينا هوة مظلمة، وبذر بذور التشكك والشقاق بينهما، وإلى جانب ما يعبر عنه وجود هذه القوات البريطانية من الناحية المادية. كرمز للكفاح المرير الذى ليس له ما يبرره بين شعبى مصر والمملكة المتحدة، فإن هناك ناحية أخرى أخطر في طبيعتها من الناحية الأولى. وإننى أقصد بذلك أزمة الثقة التى اقتلعت أساس التفاهم والصداقة بين الشعبين. وكانت النتيجة أن نشأت مشكلة لها الصدارة بين مشكلات العالم.

وما اجتماعنا اليوم إلا تعبير عن رغبتنا في حل تلك المشكلة وتسويتها نهائيا على الوجه اللائق وبدون تسويف، حتى لا يفوتنا القطار وتتضخم المشكلة ويفلت زمامها من أيدينا فتفشل محاولاتنا لإيجاد حل سلمى لها.

فليس أمامنا سوى طريقين علينا أن نختار بينهما. أحدهما التمادى في عدم الثقة والاستمرار في الصراع حتى يتم انسحاب القوات البريطانية الذى ليس منه بد، تاركا وراءه العداوة والبغضاء. والآخر طريق الحقائق وبعد النظر، الطريق الذى يؤدى سلميا إلى هذا الانسحاب، والذى يعيد لنا الثقة والوفاق. ولست أذكر إلا لماما في تاريخ العلاقات الدولية موقفا يبدو فيه طريق الاختيار واضحا مثل موقفنا هذا.

ولم أكن في حاجة إلى القول بأن الدافع لمحادثاتنا الحاضرة هى رغبتنا في إزالة السبب الرئيسى لسوء التفاهم والمانع الأساسى للوفاق بين بلدينا، وهذا السبب وهذا المانع هو وجود قوات بريطانية على أرض مصرية. وكلما أسرعنا في وضع حد لهذا العامل الهادم لعلاقتنا كان هذا أفضل، حتى يسود الوفاق، وتقوم الثقة المرتقبة بيننا على دعائم أقوى، ونجنى ثمار الإخاء كأعضاء في مجموعة الدول الحرة.

إن مصر الحرة القوية الحاصلة على حقوقها، لهى بدون شك حصن أفضل للأمن والسلام مما إذا كانت مقيدة بالأغلال، مثقلة بالأحمال، تستفزها قوات أجنبية ترابط في أرضها. وإنى أناشدكم ألا تذكروا كلمة الفراغ المزعومة، التى يقال إنها ستنتج عن انسحاب القوات البريطانية عن مصر. وإنما الفراغ العميق والذى ينذر بالسوء حقا لهو الفراغ الناشئ عما سوف يحدثه الموقف الحالى من هدم وتخريب. فإن النوايا الطيبة والصداقة الوطيدة لتتحطم نهائيا بين أى جماعتين، ما دام أحدهما يحاول أن يفرض نفسه بالقوة على الآخر. فلنزحزح إذاً هذه الصخرة التى تعوق طريق التفاهم بيننا. ولننحها في الحال ولنتطلع إلى آفاق جديدة.

إن مصر، مصر الحرة، لسوف تتطور بسرعة وبقوة حتى تستطيع أن تملأ أكثر من الفجوة التى تتخلف عن انسحاب القوات البريطانية. فلسوف، تملأ هذه الفجوة لا بالقوات والمعدات وحدها بل بحماس أبنائها المتدفق المنبثق عن كلمة الحرية السحرية؛ وهذا الحماس لا يقل أهمية عن القوات والمعدات. وإن مصر لتؤمن إيمانا قويا باعتمادها على نفسها، وهى عازمة على أن تكرس قواتها بسواعد أبنائها ومواردها في أرضها لإنشاء قلعة سلام وأمن تصد أى عدوان. كما تؤمن إيمانا صادقا بأن ميثاق الأم المتحدة يصلح أن يكون أساسا متينا للتعاون بين الشعوب الحرة لحفظ حريتهم وصيانة كرامتهم. لقد وقعنا الميثاق ونحن دائما عازمون على احترام توقيعاتنا وتحمل مسئولياتنا. هذا إلى أننا قد قمنا وفق أحكام الميثاق، بعقد ميثاق للأمن بين الدول العربية بهدف إلى دفع العدوان عن أى دولة من الدول الموقعة عليه. وإننى لمؤمن بإمكان، بل وبلزوم تدعيم قوى الدول العربية حتى تصبح قوى فعالة لها أثرها. وإن أقصر طريق لتحقيق هذا الهدف لهو منحها الحرية وإحلال الثقة المتبادلة محل الشقاق والتشكك. وإننا لنتطلع بلهفة إلى ذلك اليوم الذى نصبح فيه فنرى لا مصر فقط بل الدول العربية والدول الإسلامية مناطق قوة وقلاع سلام وأمن.

يجب ألا نخدع أنفسنا، ونتجاهل الطريق الذى يقود إلى حياة أكثر أمنا، وأكثر حرية وأسعد للإنسانية. إنه ذلك الطريق الذى نعيش فيه جميعا في ظل الكرامة، والإخاء والزمالة الحقة. فإن شعوب العالم لا تستطيع إذا ما تنازعت أن تبنى وتنشئ. وطالما تحاول جماعة أن تسيطر على الأخرى فسيظل هناك نزاع وهدم. ولكن إذ ما كانت الصداقة هى نبراسهم والحرية قانونهم، فإنهم يتقدمون ويشعرون بالأمن والسلام.

حضرة السفير، حضرات السادة:

إننا الآن محط أنظار العالم. فإن أعين شعبينا، وأعين العالم العربى والعالم الإسلامى بل أعين العالم أجمع لترقب تقدم مباحثاتنا ونتائجها، ويتمنون من صميم قلوبهم أن تساهم هذه المباحثات في تدعيم السلام والأمن والبناء. فيجب إذن أن نكون عند حسن ظنهم بنا، ويجب علينا أن ننجح، وأن نبرهن على أن العزم الذى عالجنا به مشكلة السودان بعد أن بقيت نصف قرن، لقادر على حل مشكلة الجلاء. وقد مضى عليها واحد وسبعون عاما، تلك المشكلة التى تقف اليوم حجر عثرة أمام ما أبديناه من نيات طيبة، بل أمام إمكانياتنا وما يدور بمخيلتنا. إننا في الحقيقة نواجه مرة أخرى امتحانا وفى نفس الوقت فرصة لإظهار حسن سياستنا في إدارة دفة أمورنا.

لنركع لله طالبين عونه فيما نقوم به من محاولات، ولنسجد له شكرا إذ قادنا إلى ما قطعناه من الطريق.

السفير البريطانى - بالإصالة عن نفسى وبالنيابة عن الوفد والخبراء العسكريين الملحقين لوفدنا. أشكركم شكرا جزيلا لحفاوتكم بنا، لقد خولتنى حكومة جلالة ملكة المملكة المتحدة أن أنهى إليكم أنها تسلم طواعية بالمقترحات التى أبديتموها لى في اجتماعنا الأخير الخاص بمحادثات السودان، والتى رددها وزير الخارجية منذ ذلك الحين والتى بفضلها يمكننا أن نبدأ بالمسائل الهامة بيننا، ولذلك فقد فوضتنى حكومة جلالة المملكة، كما فوضت جنرال سير بريان روبرتسون كمندوبين خاصين، وقد سررنا لهذه الفرصة التى أتاحت لنا اجتماعنا بكم في هذا المؤتمر. وإننى أتفق معكم - كما سبق لكم أن صرحتم - في أن نحاول الوصول إلى وسائل عملية من شأنها أن تنشئ علاقات جديدة ترضينا جميعا. وإننا نهدف إلى إيجاد وسائل عملية، وأنظمة وعلاقات جديدة بين بلدينا تحل محل النظم الحاضرة التي لم تعد تقبلها مصر. وإننى أزيد على ذلك كما سبق أن صرحتم بأن النجاح يجب أن يكون رائدنا عند البدء في اتخاذ الخطوة الثانية حتى نفتتح عهدا جديدا في العلاقات بين بلدينا، تلك العلاقات التى أوليها اهتماما بالغا، وأعتبرها رسالتي كسفير للمملكة المتحدة. وإن سير روبرتسون سوف يعرض بعد قليل صورة عامة عن قاعدة القنال من الوجهتين العسكرية والاستراتيجية. ولما كانت مثل تلك الصورة العملية للقاعدة تشمل أمورا على درجة كبيرة من التعقيد من الناحية الفنية لذلك أرى لزاما أن أفضل طريقة، هى انتداب لجان تمثل خبراء عسكريين من البلدين لدراسة هذه الأمور. وبهذا نتمكن من مناقشتها من وجوهها المختلفة، ويجب على هذه اللجان ألا تضطلع بهذه المهام كوفود منفصلة عن بعضها، ولكن كفريق متحد من الخبراء يتبع لجنة واحدة تحقق هدفهم. لقد أشرتم في تصريحكم إلى ضرورة استعادة الثقة المتبادلة بيننا. وإننى لعلى يقين من أن الطريقة التي أشرت إليها لكفيلة بإعادة الثقة بيننا وبدونها يتعذر عليكم الوصول إلى شئ.

وإليكم الحقائق التى علينا أن نستوعبها:

(1) وجود قاعدة على درجة كبيرة من الكفاية في منطقة القنال يمكنها أن تستوعب قوات كبيرة.

(2) تواجد أعداد كبيرة من القوات البريطانية المحاربة في هذه المنطقة.

(3) الرغبة التى أبدتها الحكومة المصرية بأننا يجب أن نترك مصر الآن.

تلك هى الحقائق الثلاث.

فلنحاول إذا أن نجد حلا لهذه المشكلات. سبق أن وقفتم على وجهة نظر حكومة صاحبة الجلالة في الرسالة التى قام مستر كريسويل بتسليمها لوزير الخارجية في 28 مارس. ولقد علمت أن الحكومة المصرية تنظر إلى هذه الأمور من وجهة نظر مختلفة، وأن من الطبيعى أن تختلف وجهات نظرنا. ولكنى أعتقد أن هذا يتطلب - تضامن الخبراء الفنيين لإيجاد حل علمى وأحب أن أؤكد لكم أن حكومة جلالة المملكة ترغب رغبة أكيدة - وهذه هى رغبتنا الشخصية أيضا في حل المشكلات القائمة بين بلدينا عن طريق المحادثات الأخوية. وإننى لعلى يقين أنكم توافقوننى على أن الوصول إلى هذا الحل لهو في صالحكم كما هو في صالحنا. وإننى لا أشك لحظة في أن مصر تواقة - تماما مثل بريطانيا العظمى - إلى أن تكون القوات المعادية أبعد ما تكون عن شواطئ البحر الأبيض وعن أرض مصر. ونحن لا نختلف في هذا الهدف، وإننى متأكد من أن الحكومة المصرية لديها آراء قيمة تحقق هذا الهدف. ولقد أولينا من ناحيتنا هذه المشكلة اهتمامنا، وإنى لأعتقد أنه يجب أن نتمكن من إيجاد الوسائل الفعالة لحل هذه المشكلة، تلك الوسائل التى تحقق أمانى مصر القومية. وينبغى ألا يغيب عن أذهاننا أن مثل هذا الحل يقتضى أن يكون مقبولا للمملكة المتحدة ولمصر على السواء إذ يجب إرضاء الشعبين وليس هذا بمتعذر. وإنى لعلى يقين عندما يتم خبراؤنا الفنيون هذا العمل من أن بلدينا ستفيدان فائدة جمة إذا ما اتبعنا تلك الحلول الإنشائية وساهمنا في المشكلات العسكرية ذات الأهمية الجوهرية لنا جميعا. والآن أرجو سير بريان روبرتسون أن يشرح لنا النقط العسكرية والاستراتيجية التى ترى حكومة جلالة الملكة أن تبنى عليها أعمال هذا المؤتمر.

جنرال سير بريان روبرتسون - إنه لشرف عظيم أن أشترك في هذا المؤتمر، وإن سعادتكم تعلمون أننى حديث عهد بالمفاوضات. ولقد جئت هنا، يا سيدي، تحدوني الرغبة في إيجاد حل لصالح البلدين. إننى يا سيدي أحترف الجندية، ولكنى لم آت هنا بصفتى جنديا، وإننى لأرجو أن يكون إلمامى بمشكلات الشرق الأوسط ذا فائدة في المحادثات التي على نحن وشك البدء فيها. وإن حكومتى لا تنظر إلى المحادثات التي سنبدؤها على أنها استمرار للمحادثات والمناقشات السابقة التى لم يقدر لها النجاح.

لقد مضى زمن على تلك المحادثات، وتغيرت الظروف، ولذلك فإن حكومتى تنظر إلى هذه المحادثات على أنها محاولة جديدة وبداية أخرى. وسوف أعطيكم فكرة واضحة عن فلسفة حكومتى الأساسية.

ولما كان هذا يتطلب منى الإفاضة فإننى سأبذل قصارى جهدى لكى لا أطيل عليكم ولو أن هذه الأشياء تتطلب وقتا. وليس هناك فارق بين الناحية العسكرية والاستراتيجية وبين فلسفة حكومتى الأساسية فجميعها واحدة.

لقد طال بقاء بريطانيا العظمى في الشرق الأوسط. وكان وما زال لها مصالح متعددة في تلك المنطقة. ولكن ليس لحكومتنا إلا مصلحة واحدة تفوق المصالح الأخرى ألا وهى استتباب الأمن في الشرق الأوسط. ولقد رددت ذلك صحافتنا وذكرته التصريحات البرلمانية الخاصة بقواتنا الموجودة في مصر للدفاع عن منطقة القنال. وإن لمنطقة قنال السويس أهمية استراتيجية لمجموعة أمم الكومنولث. وكانت مصر على الدوام مطمعا للغزاة نظرا لأهمية موقعها. ونهتم أيضا بتركيا إذ هى من مناطق الشرق الأوسط التى يتطلع إليها الغزاة. وبهذه المناسبة فنحن مرتبطون بالتزامات تعاهدية تحتم علينا معاونة بعض بلاد تلك المنطقة في حالة الاعتداء عليها. ونهتم أيضا بمناطق البترول في الشرق الأوسط، كما نحرص على توثيق أواصر الصداقة مع بعض الأصدقاء الأوفياء ومن بينهم العرب. وعلى ذلك فاهتمامنا لا يقتصر على الدفاع عن قنال السويس فقط، بل يهدف كذلك إلى الاشتراك في الدفاع عن الشرق الأوسط. ووجود قواتنا في قاعدة قنال السويس يمكننا من الاشتراك في هذا الدفاع. وتشمل المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية في الشرق الأوسط حدود تركيا، وإيران، والخليج الفارسى وقنال السويس. وإن أهمية الشرق الأوسط الإستراتيجية ليست بالشئ الجديد ولا بالشئ العارض إذ أن أهميتها دامت على مر العصور، ولذلك كانت رغبتنا اليوم هى تقوية بلاد الشرق الأوسط نفسها مع تنظيمها بشكل يمكنها من صد أى عدوان مستقبلا. وكما سبق أن صرحتم، فنحن نرحب في أن تصبح مصر والبلاد العربية قلاع أمن وسلام. ولكن هذه البلاد لا تستطيع في الوقت الحاضر أن تصد أى عدوان سواء اتحدت أو بقيت بمفردها وهذا القول ليس بغريب ولا بمتناقض. وعلى كل حال فهناك موقف مشابه لذلك الموقف في أوربا. فبلجيكا، وفرنسا، وألمانيا كلها بلاد تعتمد على مساعدة بلاد أجنبية صديقة. بلدنا واحد منها. وإننى أعتقد أن هناك موقفا مشابها لذلك في الشرق الأوسط.

ولذلك ترون أننا نشعر شعورا قويا يحفزنا إلى أن نقوم بدورنا في مساعدة جميع أصدقائنا في الدفاع عن بلادهم. ولا يمكن الدفاع عن مصر بمعزل عن غيرها. وذلك لأن الحرب لا بد أن تتشعب، وأحب أن أقرر أننى أعجبت أيما إعجاب بالروح المعنوية للقوات المصرية المسلحة وبكفاءتها التى استلهمتها من قيادتكم. ولقد لاحظ ذلك الجميع وسررت أنا بما شاهدت.

وإذا ما خاضت القوات المصرية المسلحة الحرب فلن تظهر شجاعة فحسب، بل سيكون قتالها ممتازا كذلك. غير أن الدفاع عن مصر لا يمكن القيام به عند حدودها. وإذا لم يدافع عن الشرق الأوسط فإن المعارك ستتقدم شيئا فشيئا إلى أن تدور رحاها فوق أرض مصر، وهذا لا يرضيكم كما أنه لا يرضينا. ومما لا شك فيه أننا لا نحتفظ بقوات كبيرة في الشرق الأوسط، وأن منطقة القنال لتحوى جزءا كبيرا منها، إذ أن هذه المنطقة هى أصلح مكان لها حيث يمكن أن تنتقل بسرعة إلى أى مكان آخر في الشرق الأوسط. نحن على استعداد لوضعها في أى مكان آخر رغبة منا في الوصول إلى الاتفاق معكم ونحن نعترف برغبتكم في إنهاء الاحتلال البريطانى، كما نرجو أن نحقق هذه الرغبة.

وإذا نظرنا إلى مجموع هذه القوات وجدنا أنها ليست بالكبيرة بل هى مجرد قوات "للتغطية"، مهمتها صد الغزو وإيقافه مؤقتا حتى يتسنى إحضار قوات أكبر لصد المعتدى. وعلينا أن نحضر هذه القوات من بريطانيا العظمى ومن الأنحاء الأخرى لأمم الكومنولث. ويوجد أيضا في بعض أنحاء الشرق الأوسط وحدات صغيرة وبعض هيئات أركان الحرب. وكما نعرف فإن الوقت عامل هام في الحروب. والكل يعرف ذلك، وعامل الوقت هذا هو الذى يضطرنا إلى الاحتفاظ بقاعدة في الشرق الأوسط في وقت السلم، ويجب على كل جيش أن يحتفظ بقاعدة منظمة في وقت الحرب تكون مزودة بالذخيرة قبل إمكان تشغيلها على الإطلاق. وإذا تأخرنا في تنظيم هذه القاعدة إلى أن تنشب الحرب لتعطل مجيء الإمدادات ولكان وصولها بعد الميعاد بوقت كبير. وإن تنظيم القاعدة تنظيما حسنا ليتطلب قدرا معينا من النقل البحرى وبعض التسهيلات في وسائل النقل الأخرى، وإذا ما اضطررنا إلى إحضار كل شئ إلى القاعدة عند نشوب حرب لكان معنى ذلك من وجهة نظرنا، أن الموقعة الحاسمة والنهائية قد نشبت. والقاعدة تتكون من عدد كبير من الورش لإصلاح الذخائر التالفة، والمستودعات، كما تحوى طرقا برية ومواصلات للسكك الحديدية وأجهزه للتخاطب بالإشارة ومحطات لتوليد الكهرباء، ومنشآت لتخزين البترول وخطوط أنابيب للبترول ومعسكرات ومستشفيات وما يتبعها من أشياء أخرى، وقوات إدارية ومما يتطلب كل ذلك من استعدادات لحمايتها من الهجوم الجوى، ولا يمكن تشبيه مستودعاتنا بمخزن أثاث حيث يمكنك أن تضع فيه الأثاث إذا لم تكن في حاجه إليه، فإن العمل يجرى باستمرار في مستودعاتنا إذ يلزم تغيير المهمات العسكرية، وإدخال المستحدثات الجديدة عليها. وإن هناك تغييرا مستمرا يجرى لمقادير كبيرة من قطع الغيار كما تحوى جميع المستودعات بعض المخازن غير المستعملة والتى يجب التخلص منها. ويوجد في بعض المستودعات مخازن تحوى مواد خطرة مثل الذخائر الحربية وهذه يجب الكشف عنها بعناية وبدقة.

وإذ عنّ لسيادتكم أو لأى شخص تنيبونه عنكم أن يرى بنفسه هذه المستودعات فإنه ليسرنا حقا أن نعطيكم كل التسهيلات اللازمة، وإن وزارة حربيتنا لتغمرنا دائما بسيل من التعليمات تخطرنا فيها عما يجب أن نفعل وعن التغييرات التى يجب أن تتخذ. ويستلزم هذا وجود هيئة في هذه المستودعات تكون على علم بهذه التعليمات وفى خدمة الحكومة البريطانية. تشرف على تنفيذ هذه التعليمات على الوجه المرضى.

لقد نمى إلى علمنا أن هناك اقتراحات بأن تكون القاعدة تحت إشراف مصر ويهمنى أن أوضح ما يتضمنه مثل هذا الاقتراح من معان:

(1) معنى هذا، كما أعتقد، أن نسلمكم القاعدة، وأن تأخذ الحكومة المصرية على عاتقها المحافظة على هذه القاعدة التى تبلغ قيمة محتوياتها مئات الملايين من الجنيهات. ولا أزعم أن هذا بمستحيل، ولكننى أرى أن ذلك العمل لو قمنا به لدل على ثقة من جانبنا لم يسبق لها نظير على ما أعلم في العلاقات الدولية.

(2) وأن الجيش المصرى سيشاركنا في ما تهيئه القاعدة من تسهيلات. وإننى أعتقد أن هذا كسب كبير للقوات المصرية المسلحة.

(3) أن مصر سوف تقوم بإدارة القاعدة بشكل منظم في وقت السلم. وهذا معناه أن مصر ستقوم بتقديم ما يحتاج العمل من أيد عاملة وطرق المواصلات اللازمة لإدارة القاعدة.

هذه هى بعض ما تضمنته اقتراحاتكم وإذا كان اقتراحكم جادا وواضحا، كان اقتراحا كبيرا، ولقد خولتنى حكومتى أن أحيطكم علما بأنه في حالة عرضكم هذا الاقتراح فإننا سوف نوليه اهتماما كبيرا، ونحن نرحب بأى اقتراح نضعه موضع الدرس والفحص العلمى. ولو رضيتم ببقاء إدارة القاعدة الفنية في الأيدى البريطانية لأمكن تحقيق الغرض من القاعدة، ولست أقصد من يقومون بإدارة الآلات؛ فهؤلاء يمكن أن يكونوا من المصريين، ولكننى أقصد هؤلاء الرجال الذين يعرفون الآلات معرفة حقة بحيث يكونون مسئولين عنها، وهذه مسألة تهمنى أن تبحثها لجنة مشتركة بحثا عمليا، وهى مسألة يمكن تسويها تسوية تحفظ لمصر سيادتها. بينما يمكننا، في نفس الوقت، أن نقوم بالتزاماتنا في الشرق الأوسط والتى سبق أن أشرت إليها والتى نعلق عليها أهمية قصوى، وأخيرا فليس هناك فائدة من وجود قاعدة إلا إذا تهيأ الدفاع عنها من الجو. ونحن نرى أنه من الضرورى أن تنشأ هيئة فعالة للدفاع الجوى في وقت السلم، حتى تكون على استعداد في وقت الحرب.

وإليكم الآن ملخصا للمسائل التى تحدثت عنها.

(1) إن بريطانيا العظمى تهتم اهتماما بالغا بالأمن في الشرق الأوسط، وهى تحتفظ بقوات في القاعدة لا من أجل الدفاع عن قنال السويس فقط، بل من أجل الدفاع عن الشرق الأوسط كله.

(2) يجب إعداد بلاد الشرق الأوسط بحيث تكون قادرة على صد أى عدوان، ونحن نرى أن لابد في الوقت الحاضر من قوة تعاونها لإمكان إنشاء هذه الهيئة في الشرق الأوسط.

(3) إن قواتنا الحالية في الشرق الأوسط ليست هى كل ما يمكننا أو ما نريد أن نساهم به، أما مسألة وجود قواتنا في منطقة القنال فهى مسألة أخرى قائمة بذاتها، ونحن نعترف برغبة مصر في إنهاء الاحتلال العسكرى البريطانى، فإنه إذا أمكن إدارة أى قاعدة في الشرق الأوسط في وقت السلم لأمكننا أن نساهم في الدفاع عن الشرق الأوسط، وإذا أظهرت مصر استعدادها لأن تتسلم القاعدة وتديرها فإن ذلك يبدو اقتراحا ذا مسؤليات جسام، ولكننا على استعداد لأن نوليه عنايتنا على ضوء الاختبار العملى. ونحن نرى أن الإشراف الفنى على بعض أجزاء منشآتنا، إذا قدر لها أن تحقق الغرض منها، يجب أن يبقى في الأيدى البريطانية. ويجب علينا أن ندرس هذه المسألة سويا. كما نرغب في أن نبحث بحثا عمليا مشتركا النظام المماثل في الدفاع الجوى.

إننى لم أطلب شيئا. ولكننا نشعر أن النقطة الهامة الآن هى وضع هذه الاقتراحات موضع البحث العملى المشترك يقوم به رجال فنيون مخلصون يحاولون حقا الوصول إلى حل شريف.

رئيس الوزراء - لقد أنصت باهتمام إلى التصريحين اللذين صرحتم بهما، وإننى لأحتفظ لوفدى بالحق في أن يعلق فيما بعد على ما أثرتم من مسائل.

البكباشى جمال عبد الناصر - متى سنجتمع ثانية؟

السفير البريطانى - نحن على استعداد للاجتماع بكم حالما تكونون على استعداد.

البكباشى جمال عبد الناصر - ليكن اجتماعنا غدا صباحا، وإننى أرى أن نعد جدول أعمال.

السفير البريطاني - إنني أرى أن أول خطوة من جانبكم تكون إجابتكم على تصريحي وتصريح سير بريان روبرتسون، ويتلو ذلك خطوة تنظيم المؤتمر نفسه. وإننى وأرجو أن توافقونى على أن الفكرة الراجحة هى إنشاء لجان فنية للمسائل المختلفة. ويمكننا أن ندلى باقتراحاتنا غدا فيما يختص باللجان نفسها ووجوه اختصاصها. وإذا كان لديكم أية آراء أخرى فيمكننا أن نمحصها بالمناقشات غدا، ويهمنى أن أكرر مرة ثانية أملى في أن تقوم اللجان الفنية التى ستبحث الأعمال المختلفة بهذا العمل كفريق مشترك لا كوفود منفصلة. وبهذا يمكنهم أن يقطعوا شوطا كبيرا في توطيد الثقة بيننا. ولقد اقترح سير بريان روبرتسون أنه إذا ما خطر لكم أو لأى ضابط منكم وفى أثناء قيام هذه اللجان بعملها أن يشاهدوا أو يشاهد القاعدة فإنه على استعداد لأن يقوم بكافة التسهيلات لهذا الغرض. وطبيعى أن هذا قد يحدث في المراحل المتأخرة من محادثاتنا.

رئيس الوزراء - إن لي بعض الآراء الشخصية عن عمل اللجان.

السفير البريطانى - إن التفسير العملي هو جعل اللجان تعمل متكاتفة مع بعضها، إذ أننى لا أرغب في أن يعملوا كوفود متضاربة. بل أرغب في أن يتعاونوا كفريق متحد.


المصادر