محضر محادثة بين وزيري الخارجية البريطانية والمصرية في وزارة الخارجية البريطانية (07/12/1950)

محضر محادثة بين وزيري الخارجية البريطانية والمصرية في وزارة الخارجية البريطانية، في 7 ديسمبر 1950، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 659 - 665".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

الحـاضرون:


دكتور محمد صلاح الدين (بك) - لقد فكرت مليا في المسائل التى أشرتم إليها في آخر الجلسة الماضية ولم يسع الوقت لرد عليها ويمكن تلخيصها في ثلاث نقط:

أولا - ما طلبتموه مني من إعطائكم تأكيدا بأن الحكومة المصرية لا تنوى أن تتخذ إجراء لإلغاء معاهدة سنة 1936.

ثانيا - ما طلبتموه من اقتراح حل آخر غير جلاء القوات البريطانية في فترة انتقال مدتها سنة.

ثالثا - ما ذكرتموه من أنه لا أمل في أي اتفاق على مسألة السودان إلا على أساس إعطاء السودانيين حق تقرير مصيرهم.

أما عن الأمر الأول. فإني لا أملك إعطائكم مثل هذا التأكيد وأعتقد أن الحكومة المصرية لا يمكن أن تقبل ذلك. وقد حددت موقفها في هذا الشأن بكل وضوح في خطاب العرش الأخير وأنتم لا تجهلون أهمية خطاب العرش باعتباره عهدا من جانب الحكومة لممثلى الأمة في البرلمان. وأنتم بالطبع من جهتكم أحرار في أن تقبلوا وجهة نظر الحكومة المصرية بشأن معاهدة سنة 1936 أو لا تقبلوها ولكن الحكومة المصرية لها أسبابها القوية التي تعتمد عليها في اتخاذ الموقف الذي أوضحته في خطاب العرش. وإذا كنتم تكرهون هذا الموقف وتشكون منه فإني أستطيع من جهتي أن أعدد لكم مواقف كثيرة وقفتها الحكومة البريطانية ولا تزال تقفها من مصر وكلها ضارة بحقوق مصر ومصالحها ومن حقنا أن نشكو منها ولكن تبادل الشكوى على هذا النحو لا يقدمنا كثيرا فالأولى أن نصرف همنا إلى محاولة تذليل العقبات التي تعترض سبيلنا والوصول إلى اتفاق يرضى الطرفين. هذا مع العلم بأن خطاب العرش نفسه قد ذكر أن الحكومة المصرية لا تزال تنتظر منكم اقتراحات وتحقق تلاقي وجهات النظر بما يؤمن حقوق مصر ويرضى رغبات شعب وادى الشعب أي أن اتصال الحكومتين ما زال قائما في سبيل الوصول إلى اتفاق مرض وهو ما يجب علينا الآن أن نحصر فيه كل همنا.

أما ما طلبتموه من أن أقترح عليكم حلا آخر غير الحل الذي اقترحته الحكومة المصرية في محادثاتها مع الفيلد مارشال سليم ثم في محادثاتها مع السير رالف ستيفنسون فإني ألاحظ على هذا الطلب أنكم من جهتكم لم توضحوا موقفكم من هذا الحل إيضاحا كافيا لا نعلم هل ترفضونه رفضا باتا أم تعترضون فقط على بعض تفصيلاته وما هي هذه التفصيلات التي تعترضون عليها وما هي أسباب اعتراضكم إلخ. أما إذا كان المقصود الاتجاه إلى حل تشترك فيه دول أخرى مع مصر وبريطانيا العظمى فقد سبق أن بينت أني أنتظر أن يأتي الاقتراح من جانبكم لأنكم أكثر خبرة في هذا النوع من الاتفاقات فإذا أضفنا إلى ذلك كله أن الحكومة المصرية تنتظر ردكم كما أوضحت في خطاب العرش كان لي في هذا الطور من محادثاتنا أن أترك لكم إبداء ما ترونه من اقتراحات جديدة أو تعديلات على الحل الذي اقترحناه.

بقي ما ذكرتموه عن السودان وأكتفى الآن بأن أعلق عليه بأن الحكومة المصرية لن تقبل من جهتها أي حل لا يتضمن الاعتراف بوحدة مصر والسودان قولا وعملا. وأنها تستغرب موقف الحكومة البريطانية الذي لخصتموه في الجلسة الماضية بعد أن كانت اعترفت اعترافا صريحا في مشروع صدقي - بيفن بهذه الوحدة تحت تاج مصر ووافقت على أن توضع في نطاقها تفصيلات حكم السودان. أي أنكم هنا أيضا ترجعون عما سبق لكم الموافقة عليه ولا شك أن الرجوع في مسألتي الجلاء والوحدة ليس من شأنه تيسير الاتفاق أو كسب ثقة الحكومة المصرية والشعب المصري.

مستر بيفن - قال إن بيان وزير الخارجية المصرية له على كل حال ميزة الوضوح. ومع ذلك فهو لا يعتقد أن اقتراح جلاء القوات البريطانية في مدة عام يتيح حلا عمليا، لأن الجلاء في غضون هذه المدة يعني أنه ينتظر من بريطانيا أن تأخذ على عاتقها الدفاع عن الشرق الأوسط في وقت الحرب دون أن تتمكن من اتخاذ الاستعدادات الكافية، وأشار مستر بيفن إلى صعوبة تركيب الرادار وتنظيمه كمثل على الصعوبات الفنية التي ينتظر أن تقوم في وقت الحرب إذا لم تتخذ من قبل الاستعدادات اللازمة.

ثم أضاف أن حكومة جلالة الملك لا ترى سببا لترك معاهدة سنة 1936 إذا لم يحل محلها شيء فعال. وأكد أنه لا الجيش المصري ولا الجيش البريطاني يستطيع القيام بمهمته إذا قدر الحد الزمني بعام واحد.

دكتور صلاح الدين (بك) - قبل أن أرد رداً مطولا على ما تفضلتم به الآن أود أن أسأل هل هي مدة السنة التي تعترضون عليها باعتبارها غير كافية لوصول الجيش المصري إلى الحد اللازم لسد الفراغ أم أنكم تعترضون على الحل كله؟

مستر بيفن - قال إن ذهنه غير مغلق بحال. ولكنه لا يستطيع أن يقيد نفسه حتى يرى دليلا على أن تفكير الحكومتين في مسائل الدفاع قد تقارب تقاربا كبيرا. لأن العبارة المصرية المعادة عن الجلاء ووحدة مصر والسودان لا تنهض أساسا عمليا يمكن البناء عليه. وهو يرى مع ذلك أنه إذا أمكن العثور على مثل هذا الأساس فإن مسألة الحد الزمني يمكن مناقشتها فيما بعد. وأضاف أنه غير مفوض في أن يقدم مقترحات ولكنه يحاول إيجاد وسيلة مشتركة لحل المسألة. أما فيما يتعلق بإلغاء مصر لمعاهدة سنة 1936 فإن ما أراد إيضاحه هو أنه إذا كان الطرفان يحرصان علي تسوية المسألة بطريق المفاوضة فإن الإلغاء لا يتفق وهذه الروح.

دكتور صلاح الدين (بك) - أود أولا أن أؤكد لسعادتكم أنني أجهد نفسي لكي تكون تعبيراتي لائقة ومتفقة مع ما أحمله لكم من تقدير واحترام. وإذا كنت قد أشرت إلى رجوعكم فيما سبق أن قبلتموه في مسألتي الجلاء ووحدة مصر والسودان فإني لا أقصد شخصكم ولكن قصدت التعبير عن الموقف الذي وصلنا إليه. وسأعود بعد قليل إلى إيضاح ذك فيما يتعلق بوحدة مصر والسودان. ولكني أبدأ بالرد على ما ذكرتموه الآن بالنسبة للحل المقترح لمسألة الجلاء. وردي بسيط للغاية وهو أن المدة التي يتم فيها الجلاء مرتبطة ارتباطا وثيقا بما أشرتم دائما إليه من وجوب سد الفراغ. وعلى الرغم من أن الرأي العام في مصر لا يربط بين الأمرين ويطالب بالجلاء الكامل الناجز باعتباره حقا طبيعيا من حقوق مصر كدولة مستقلة ذات سيادة وباعتباره نتيجة لاشتراك مصر في هيئة الأمم المتحدة على أساس المساواة في السيادة مع جميع الدول الأخرى. على الرغم من هذا فقد أردنا أن نوفق بين وجهتي النظر فاقترحنا مدة سنة كفترة انتقال يتم في خلالها الجلاء ويكون الجيش المصري في الوقت نفسه قد بلغ المستوى اللازم لسد الفراغ ويهمني أن أكرر هنا أن الفراغ المطلوب سده هو هذا العدد المحدود من القوات البريطانية الذى تسمح معاهدة 1936 ببقائه في منطقة القنال في وقت السلم. وأعتقد مخلصا أن هذا العدد المحدود يمكن سده بمعرفة الجيش المصرى في مدة السنة ولهذا قلت وأكرر أن فترة السنة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالصعوبة التى تثيرونها ضد الجلاء. وتعتبر ردا كافيا عليها. ومن أجل هذا سألتكم هل هى مدة السنة التى تعترضون عليها وتعتبرونها غير وافية بالغرض المقصود؟

مستر بيفن - وافق علي أن عدد القوات المحاربة في منطقة القنال محدودة ولكن يوجد عدا هذه القوات مسألتا القاعدة والقوات الجوية. وهو دون أن يقلل من قيمة سلاح الطيران المصرى يرى أن من المستحيل أن تكفى سنة واحدة لتدريب هذا السلاح لكى يعهد إليه بأعمال سلاح الطيران الملكى البريطانى لأن تطورات الطيران سريعة وذات صبغة فنية دقيقة ومهما يكن من الأمر فمن الضرورى تنظيم نقل السلطة كما حدث عند انسحاب الإنجليز من الهند حيث ترك عدد كبير من الضباط والفنيين للعمل في الجيش الهندى. وأضاف المستر بيفن أن إلحاح وزير الخارجية المصرية في ضرورة الجلاء لا يتيح الفرصة لتنظيم نقل المسؤولية تنظيما صحيحا. وجدير بوزير الخارجية المصرية أن يذكر أن القاعدة وحدها يلزم أن تمون جيشا كبيرا في وقت الحرب فمن المستحيل بالطبع على حكومة جلالة الملك أن تغفل اتخاذ كل احتياط لكى تضمن أن تكون هذه القاعدة مستعدة عند الحاجة. وأضاف مستر بيفن أنه يكره ترديد عبارة الجلاء ويود أن يرى هذه العبارة غير الموفقة تستبدل بشئ مثل عبارة " نقل السلطة " وهو شخصيا كان يتخيل دائما أن حكومة جلالة الملك ستصل عاجلا أو آجلا إلى اتفاق مع مصر وهذا هو ما فكر فيه عند ما اقترح إنشاء مجلس دفاع مشترك في محادثاته مع صدقى باشا. وهو يود التخلص من الموقف الحالى الذى يضغط فيه المصريون بمطالبهم ويضطر البريطانيون إلى مقاومتها. أن تكرار الحديث عن الجلاء يبدو كإنذار نهائى وهو يؤكد لوزير الخارجية المصرية أن البرلمان البريطانى يعضده بالإجماع في مقاومة ذلك. ومع هذا فهو يفترض أن الغرض النهائى الذى يرمى إلية وزير الخارجية المصرية هو نفس الغرض الذي يرمى هو إليه، أى الصداقة بين بلديهما. وهو شخصيا يرى أنه إذا أمكن تدريب الجيش المصرى وتزويده بالمعدات على أساس صحيح فقد يكون من الممكن الاتفاق على نقل السلطة. كما أنه يود أن يرى خبراء بريطانيا وخبراء مصر الجويين يبحثون معا مسألة الدفاع الجوى عن مصر. وليس على هؤلاء الضباط أن يتعرضوا للمسائل السياسية ولكنه يظن أن هناك بعض الفائدة في التفريق بين طرق معالجة مسائل الدفاع الثلاث في الجو والبر والبحر. وكل هذا لا يمكن إتمامه في سنة أو سنتين. وهو يقترح مخلصا على وزير الخارجية المصرية أن يحاول الطرفان الإقلال من تركيز اهتمامهما على الناحية السياسة من المسألة. وزيادة تركيزه على الناحية العملية. وأشار المستر بيفن إلى استخدام اليد العاملة المصرية كمثل على التعاون العملى المثمر. وأضاف أنه يود قبل كل شئ أن يتفق مع وزير الخارجية المصرية على أن مسائل الدفاع يجب أن تكون محل البحث العملى بمعرفة ذوى الخبرة. كما يود الاتفاق على تعريف (يمكن تسجيله في خطابات متبادلة) للظروف التي يسمح فيها للقوات البريطانيه بالعودة إلى مصر. فإذا أمكن ذلك أمكن تجنب الاضطراب السياسي في المستقبل وأخيرا فإنه يود أن يبحث مع مصر إمكان إشراك دول عربية أخرى في تدبيرات الدفاع عن الشرق الأوسط.

وختم المستر بيفن قائلا إنه أوضح أفكاره بكل صراحة وهو يرجو أن لا يساء استعمال ثقته ومع ذلك فإن عليه أن يؤكد أنه إنما قال ما قال على مسؤليته وحدها وأن كل اقتراح عرضه يجب أن ينال موافقة حكومته ومستشاريها.

دكتور صلاح الدين (بك) - أرى من واجبي أن أوضح لكم أمرين أعتقد أن من المهم جدا إيضاحهما لكي تفهموا موقف الحكومة المصرية وموقف الشعب المصري على حقيقته. لقد أبديتم عدم الميل إلى كلمة الجلاء وأكدتم أن جميع أعضاء مجلس العموم لا يميلون إلى هذه الكلمة التي انعقد عليها الإجماع في مصر إلى الحد الذي جعلكم تصفونه بأنه قد أصبح قولا معادا ولكن المصريين لا يرددون هذه الكلمة اعتباطا ومن غير سبب فقد احتلت بريطانيا مصر منذ سبعة وستين عاما واحتجت مصر دائما على هذا الاحتلال. وكان الساسة البريطانيون يؤكدون دائما أنه احتلال مؤقت ويبذلون الوعود المتكررة بالجلاء ولكن شيئا من ذلك لم يتحقق. وانتهزت بريطانيا العظمى فرصة الحرب العالمية الأولى فأعلنت الحماية على مصر تلك الحماية التي لم يقبلها الشعب المصري كما لم يقبل الاحتلال. وترتب على ذلك قيام الحركة الوطنية المصرية بعد نهاية الحرب. وكان انتصار الحلفاء في هذه الحرب يسمح لبريطانيا بالاستجابة لمطالب. ولكنها لم تفعل وحاولت في جميع مفاوضاتها مع الحكومة أن تستبقى الاحتلال فعلا وأن تستبقى أيضا معنى الحماية إلى أن عقدت معاهدة 1936 التي تخلصت فيها مصر من كل أثر للحماية. ولكنها لم تتخلص في الواقع من الاحتلال. وقد كان السبب الأكبر الذي دعا مصر لعقد معاهدة سنة 1936 هو ما اعتقدناه من أن هذه المعاهدة ستنتج لمصر تقوية جيشها وبالتالي التخلص من الاحتلال الذي قاومه الشعب المصري أكثر من ستين عاما ولكن الحوادث التالية خيبت ظن مصر. وبالرغم من البعثة العسكرية البريطانية التي نص عليها في المعاهدة فقد بقى الجيش المصري ضيعفا وبقيت بريطانيا متمسكة بحجة ضعفه لبقاء قواتها في مصر ومن أجل هذا يتمسك الشعب المصري بكلمة الجلاء ويميل إليها بمقدار ما تبغضونها أنتم في بريطانيا. والسبب هو تاريخ الاحتلال وأثره السيئ في الجيش المصري وإخلاف الوعود الكثيرة التي بذلها الإنجليز بالجلاء. هذا هو الأمر الأول الذي أحرص على إيضاحه لتكون عندكم فكرة صحيحة عن موقفنا.

والأمر الثاني هو ما يخالجنا من شك في أي ترتيب يتفق عليه لتقوية الجيش المصري وتعليق جلاء القوات البريطانية على تمام هذه التقوية. وبالتالي للوفاء بوعود الجلاء المتكررة بل إن المدة التي مضت منذ عقد معاهدة 1936 كافية وحدها لهذا الغرض. ومع ذلك بقى الجيش المصري في حالته الراهنة، وبقى الاحتلال بحجة ضعف هذا الجيش أي أننا أمام حلقة مفرغة يتعين من وجهة نظر الحكومة المصرية الخروج منها ولا يكون ذلك إلا بتحديد وقت معين لجلاء القوات البريطانية عن مصر دون أن تربط بين ذلك وبين الترتيبات التي يتفق عليها لتقوية الجيش المصري.

هذه هى الطريقة الوحيدة التى تؤدى في نظرى إلى مواجهة هذا الشك الذى يخالج بحق الشعب المصرى وجميع المسئولين المصريين.

وهنا أرد على المقارنة التى عقدتموها مع حالة الجلاء عن الهند. فقد قلتم إنكم جلوتم عنها لوجود علاقة قديمة بينكم وبين الجيش الهندى سمحت باطمئنانكم إلى تسليمه زمام الأمر. ولكنكم ترون مما سبق أن أوضحت أن هذه العلاقة قائمة أيضا فيما يتعلق بالجيش المصرى فقد كان تحت القيادة الفعلية لرجالكم لغاية سنة 1936. ثم سلم بعد ذلك إلى البعثة العسكرية بحيث يمكن القول بأن العامل الموجود بالنسبة للجيش الهندى موجود أيضا بالنسبة للجيش المصرى. وأضيف إلى ذلك أن الجيشين المصرى والبريطانى تعاونا بالفعل تعاونا طيبا شهد به قوادكم في أثناء الحرب العالمية الماضية وعهد إلى الجيش المصرى وحده ببعض الأعمال الهامة ومنها عمليات مقاومة الغارات الجوية. ومهما يكن من أمر فإنى أستطيع أن أستخلص من ردكم أنكم لا تعارضون في أن فترة السنة قد تكون كافية لإعداد الجيش المصرى لسد الفراغ المترتب علي جلاء العدد المحدود من القوات البرية الذى تسمح معاهدة سنة 1936ببقائه في مصر وقت السلم. غير أنكم تبدون تخوفا من ناحية القاعدة ولكنى في محادثاتى مع سعادة السفير البريطانى أجبت على هذه المخاوف بعد دراسة تفصيلية لعدد القوات الموجودة في هذه القاعدة والأعمال المختلفة التى تقوم هذه القوات بها فأوضحت أن هذه الأعمال كلها يمكن أن يقوم بها جيش مصر إلا عددا قليلا من الأعمال الفنية الدقيقة يمكن أن يحتفظ بعدد قليل من الفنيين البريطانيين لفترة محدودة من الزمن يدربون المصريين على هذه الأعمال ثم يتركونها في أيديهم وفى اعتقادى أن فترة السنة نفسها كافية لهذا التدريب والنتيجة هى احتفاظ مصر بهذه القاعدة صالحة للعمل فتجدونها معدة عند وقوع الحرب وحضور جنودكم إلى مصر بمقتضى المحالفة. والواقع أننى لا أجد أى مبرر للخوف على القاعدة اللهم إلا أمرا واحدا هو عدم الثقة مع أن الثقة أساس أى محالفة ولا معنى للمحالفة دون توفر الثقة.

أما الطيران فألاحظ أيضا في شأنه أن العدد الذى تسمح معاهدة سنة 1936 ببقائه في مصر من رجال الطيران في وقت السلم عدد محدود ولا يصعب إعداد قوات من رجال الطيران المصرى تحل محلهم في فترة السنة.

وعلى كل حال. ومع احتفاظى بالرد على فكرة الحل التى شرحتموها. فإني أبدى لكم اغتباطى بتطور محادثاتنا إلى هذا الحد الذى سمح بأن تعاونونا بأفكاركم على ما نحاوله من الوصول إلى حل مقبول. وهو فيما أعتقد مهمة الطرفين لا مهمة الجانب المصرى وحده. ولا شك أن إبداء رأى من جهتنا في فكرة الحل التى اقترحتموها يتوقف على تبلورها وعلى ما يبديه لكم خبراؤكم من رأى في المسائل التى ذكرتم أنكم ستأخذون رأيهم فيها. على أنى أعتقد أن ذلك لا يتطلب طويل وقت إذ لا شك أن لدى هؤلاء الخبراء فكرة حاضرة. لأن جميع هذه المسائل كانت بالتأكيد في موضع بحثهم في أثناء المحادثات السابقة وفى أثناء محادثاتنا. أى مدى السنوات الأربع الماضية.

مستر بيفن - قال إن مدة السنة التى ذكرها وزير الخارجية المصرية ليست كافية على كل حال ومن الضرورى أن نتذكر الموقف الدولى الذى يهدد بالخطر. وأضاف أن عليه الآن أن يبحث آراءه - التى يؤكد مرة أخرى أنها شخصية محضة - مع زملائه ومع المستشارين العسكريين البريطانيين. ولكنه مع ذلك يقول إن هذه الآراء إذا اتضح في النهاية أنها تصلح أساسا للتفاهم فإنه سيبذل غاية جهده لكى يضمن تقديم كل معونة لتدريب الجيش المصرى. على أنه يظن في نفس الوقت أن من مصلحة البلدين أن يمتنعا عن عمل أى شيء من شأنه خلق المصاعب السياسية.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - لم يتسع الوقت اليوم لمناقشة مسألة السودان فأرجو مناقشة هذه المسألة في اجتماعنا القادم.

واتفق على أن يستأنف الوزيران الاجتماع في الساعة الحادية عشرة من صباح 9 ديسمبر سنة 1950 للتحدث عن السودان.


المصادر