محضر محادثة بين مصطفى النحاس رئيس مجلس الوزراء والفيلد مارشال سير وليم سليم، 5 يونيو 1950

لقاء مصطفى النحاس رئيس مجلس الوزراء والفيلد مارشال سير وليم سليم، 5 يونيو 1950

محضر محادثة بين مصطفى النحاس رئيس مجلس الوزراء والفيلد مارشال سير وليام سليم، في 5 يونيو 1950، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 593 -600".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

الحاضرون:


مصطفى النحاس (باشا)

فيلد مارشال سير وليم سليم

ابراهيم فرج (بك)

مستر تشابمان أندروز


النحاس (باشا) - يسعدنى أن أستقبلكم هنا اليوم وأتعرف بكم وقد كنت آمل أن أراكم في زيارتك السابقة لمصر حين أبلغت أنكم تودون مقابلتى - وكنت يومئذ في المعارضة - ولكن للأسف أن هذه الرغبة لم تتحقق. حيث قد اضطرتكم ظروفكم الخاصة إلى مغادرة البلاد قبل أن نتقابل. وتستطيعون أن تتصوروا مقدار سرورى بلقائكم وأنا رئيس للوزارة. وأرجو أن تكون هذه الزيارة فاتحة خير لعهد جديد يفضى إلى خير بلدينا.

فيلد مارشال سليم - يشرفنى أن أتعرف بكم. ويؤسفنى أن الظروف لم تسمح لى بمقابلة رفعتكم في المرة الماضية.

وإنى لسعيد هذه المرة على وجه الخصوص إذ أن في مصر حكومة يؤيدها الشعب وتمثل أمانيه، وتقدر على قيادته في الاتجاه الصحيح الذى سوف يسفر عن تفاهم وطيد بين بلدينا.

النحاس (باشا) - يهمنى الآن أن أعرف وجهة النظر التى يرى الفيلد مارشال أن يبديها للوصول إلى هذه الغاية راجيا منه تسهيل مهمتى في إقناع الشعب بما يتفق عليه. وإنى لعلى يقين في أننا بحسن تقديرنا للظروف وبالنية الطيبة من الجانبين نستطيع الوصول إلى تفاهم حقيقى وتعاون صادق.

مستر تشابمان أندروز - يود الفيلد مارشال أن يوضح الموقف العسكرى في العالم في الوقت الحاضر. كما فعل في مقابلته لوزير الخارجية. وليست هذه المباحثات في الحقيقة مفاوضات بل هى محادثات غير رسمية.

فيلد مارشال سليم - يتلخص الموقف كما تعلمون في أننا نحاول أن نصل إلى اتفاق مع روسيا ولكن جميع مساعينا في سبيل التفاهم لاقت منهم الصدود. والسبب ببساطة هو أن لروسيا مبادئها الخاصة. ولابد في وقت ما أن يقع تصادم بينها وبين الرأسماليين.

النحاس (باشا) - هذه مبادئ هدامة. ولكي نصل إلى اتفاق أرجو أن نحتفظ بسرية هذه المباحثات.

فيلد مارشال سليم - إن روسيا كانت تعد قواتها لهذا الغرض. وتعد للحرب قوات ضخمة تكفي لمهاجمة أوروبا الغربية والشرق الأوسط أيضا في وقت واحد.

والشرق الأوسط هو من أهدافهم الأساسية إذ إن فقده يكون ضربة شديدة لا للشرق الأوسط وحده بل أيضا لأوروبا. وأي هجوم على الشرق الأوسط سيوجه إلى مصر فهي مفتاح الشرق الأوسط ومن يملك مصر يملك الشرق الأوسط. لقد رسمنا خطة الدفاع في إيران وتركيا، أما بلاد الشرق الأوسط الأخرى فليست قوية بدرجة كافية. وتركيا هي البلد الوحيد الذي له بعض القوة وإذا قامت الحرب فالهجوم الجوي يكون مسألة ساعات، ويمكن للجيوش الروسية أن تصل في أسابيع لا أكثر.

النحاس (باشا) - من أين تأتي الجيوش الروسية؟

فيلد مارشال سليم - نأتي الجيوش الروسية عن طريق إيران أو تركيا. ويمكنها أن تبلغ مصر في أربعة أشهر. وسيستخدمون في ذلك من 19 إلى 15 فرقة، ويمكن أن يؤخر تقدمهم بعض الوقت إذا صمدت تركيا. ولا تستطيع دولة بمفردها سواء كانت الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أن تهزم روسيا. فإذا دخلت إحدى الدول الكبرى كالولايات المتحدة في حرب مع روسيا أسفر ذلك عن تعادل الطرفين والاستعداد لحرب أخرى. أما إذا دخلت الولايات المتحدة وبريطانيا الحرب معا ضد روسيا فإنهما تنتصران. ولكنها ستكون حربا طويلة. وسيلحق الخراب والدمار بالشرق الأوسط وتعاني بريطانيا نفسها من جراء ذلك. والشرق الأوسط هو هدف هذه الحرب. ولكن إذا انضمت بلاد أوربا والشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة وبريطانيا فإن الموقف يتغير ويصبح من الممكن دفع الخطر الذي يتهدد الشرق الأوسط وهذا هو سبب اهتمامنا بتدعيم الدفاع في أوربا الغريبة ولا تستطيع دولة أن تقف بمفردها فيتعين علينا أن نتحد وأن نسير معا سياسيا وعسكريا واقتصاديا. وليس هذا بالأمر الهين إذ يتعين علينا أن نتنازل عن بعض حقوقنا وتقاليدنا العزيزة.

وعلى كل منا أن يقبل وجود جيوش البلاد الأخرى في أرضه، وإقامة المنشآت العسكرية فيها، ووضع قواته تحت قيادة أخرى. وقد قبلنا نحن البريطانيين الجيوش الأمريكية في إنجلترا والقواعد الأمريكية في لندن. كما قبلنا أن تكون جيوشنا في ألمانيا تحت قيادة فرنسية. وبالمثل قبل الفرنسيون والهولنديون والبلجيكيون أن يكونوا تحت قيادة أجنبية. وهى قسمة عادلة يتنازل كل طرف فيها عن بعض حقوقه. وإني أتكلم عن نفسي. والذي أود أن أراه في مصر - وهو مهم - هو نظام من هذا القبيل يقوم بين مصر وبريطانيا العظمى مادامتا تقومان بالدفاع معا. كذلك أود أن أرى قطع الصلة قطعا تاما بالماضي.

إن المركز في مصر يختلف عنه في بلاد كثيرة أخرى. ولكن ما دامت المسألة تتعلق بالناحية العسكرية فإننا نستطيع الوصول إلى طريقة مماثلة لما يجرى عليه العمل في أوروبا في هذه الناحية إن مصر لا تستطيع الدفاع عن نفسها وكذلك إنجلترا لا تستطيع الدفاع عن نفسها. وليس هذا بعيب ويمكن الدفاع عن مصر إذا وحدت مصر وبريطانيا دفاعهما. ومع أنى أدرك أن في ذلك صعوبة كبيرة أعتقد أن هذه الفكرة الحديثة يمكن أن تكون مقبولة ليس فقط عند الحكومة المصرية ولكن أيضا عند الشعب المصري.

وإني أتطلع إلى نظام للدفاع يظهر بجلاء أن وجود الجيوش البريطانية ليس له معنى الاحتلال بأية حال ولكنه يرمي إلى الدفاع لمواجهة الموقف الدولي.

وإني لعلى يقين من أن السلطات العسكرية المصرية تستطيع أن تجد نظاما لمصلحة بلدينا المشتركة لا تكون لنا فيه السيطرة.

ولست أريد الدخول في تفصيلات هذا النظام فهذه مسألة متروكة لرجالكم ورجالي ولكن أسوق مثلا على ما أقصد وهو أن الدفاع الجوي عن مصر يجب أن يكون على أهبة الاستعداد في الحال. وإذا كان هناك درس تعلمناه فهو أن الدفاع الجوى يجب أن يكون موجودا قبل نشوب الحرب، كما يجب أن يكون معدا في مراكزه من قبل، وإن ما أتخيله هو نظام دفاع جوى مشترك عن مصر يمكن فيه تبادل الفرق المضادة للطائرات ولا يهمنى تحت أية قيادة يكون ولكنى لا أعرف في الوقت الحاضر أى قائد مصرى يقوم بذلك. ويجب أن يكون في هذا النظام للدفاع الجوى وحدات جوية بريطانية فنحن البلد الوحيد الذى يملكها ويعرف كيف يستخدمها.

أما فيما يتعلق بالجيش. فيجب أن يكون لنا جيش مشترك وتدريب مشترك فالعلاقات التى تقوم بين الجيش المصرى والجيش البريطانى في كل هذه النواحى علاقات حسنة. فإذا قبل ذلك أفضى إلى نتائج طيبة ولا يسعنى إلا أن أنوه بأن رفعة رئيس الوزراء يستطيع بمركزه العظيم في الحكومة وعند الشعب أن يبين للناس أن هذا مبدأ جديد وليس المبدأ القديم ولا ينطوى على معنى الاحتلال.

وإنى أعتذر الآن إلى رفعه رئيس الوزراء عن إلقائى مثل هذا الخطاب الطويل على غير عادة الرجل العسكرى.

النحاس (باشا) - أود أولا أن أشكر سعادة الفيلد مارشال على هذه الثقة. ولكنى أعلم علم اليقين بصفتى زعيما للشعب أن الشعب حانق وناقم ولا يمكن أبدا أن يركن لوعود جديدة أو يقبل نظريات مستحدثة ترمى في النهاية إلى بقاء قوات أجنبية في مصر تحت أى اسم أو بأية صفة. ولا يمكنى قط أن أقتنع أو أقنع الشعب أن بقاء جيش أجنبى في بلادنا وقت السلم يعنى شيئا آخر غير نوع من أنواع الاحتلال والانتقاص من السيادة. ولقد قاسينا كثيرا من التجارب المريرة المتكررة الماضية إذ وقفت إلى جانبكم ووجهت الشعب إلى أن يبذل لكم كل معاونة مادية ومعنوية في الحرب الأخيرة ولم أفعل ذلك طبقا لمعاهدة سنة 1936 فحسب، وإنما فعلته إيمانا بقضية الحرية. وكان الشعب من ورائى يخدمكم ويضع مرافقه تحت تصرفكم ويساعدكم بقلبه وروحه كما فعل في الحرب العالمية الأولى وأعطاكم محاصيله وسخر لكم سككه الحديدية ومواصلاته وسائر مرافقه في سبيل خدمة قضية الحلفاء انتظاراً لتحقيق الوعود بالجلاء والاستقلال التام فلم يصدق أى وعد. ولا أستطيع أن أوافق سير وليم سليم على ما يقوله من قطع الصلة بين الماضى والحاضر. فإن الماضى ماثل أمامنا لا يمكن تجاهله أو نسيانه ويتلخص في الاحتلال الطويل والوعود التى لم تتحقق. فكيف يمكننى أن أثق الآن أن أقبل نظرية جديدة لا تختلف في نتيجتها عن تجارب الماضى.

يمكنك أن تقول إن ثقة الشعب قد ضعفت في وعودكم ونظرياتكم وكذلك في الدول الكبرى المسيطرة على العالم. لماذا نقف إلى جانبكم ونعرض أنفسنا للقتل وأراضينا للخراب ونفقد مواردنا ومرافقنا إذا لم نكن نعرف يقينا أن مطالبنا ستحقق في هذه المرة الثالثة. إننا لا نستطيع أن نقول للشعب إننا سنقطع الصلة بين الماضى والحاضر ما دام الحاضر صورة من الماضى مهما اختلفت أوصافه ومعالمه.

يجب أن نبحث عن طريقة أخرى في تعاون من نوع جديد يحقق الجلاء ويكفل المصالح المشتركة. وأعتقد أننا نستطيع أن ندافع عن بلادنا وأن نفكر في نوع من التعاون بيننا وبينكم يزيل المخاوف ويحقق الجلاء الشامل الناجز وأحب أن تعرف أنه ليس في العالم قوة تستطيع إقناع الشعب المصرى بأن مصر ستكون مقصودة لذاتها بالهجوم أو بالاعتداء فإنما يسبب ذلك وجود جيش أجنبى في بلادنا هو الذى يوجه إليه العدوان الروسى، وأن وجود هذا الجيش سيكون الذريعة التى سيتذرع بها الروس لمهاجمة مصر. ومن البديهى والضرورى أن نستكمل استعداداتنا العسكرية من برية وبحرية وجوية وأن نعمل على تسليح الجيش المصرى تسليحا كاملا. وعليكم أنتم أن تزودوا الجيش المصرى بالأسلحة الحديثة من جميع الأنواع. وأن تساعدونا في ذلك مساعدة جدية فعالة. بخلاف ما تفعلونه الآن إذ تعدوننا بإرسال دبابات دون أن ترسلوها. فإذا استكمل جيشنا استعداداته العسكرية من السلاح والذخيرة وقف إلى جانبكم لرد العدوان عن مصر وتعاون في هذا الغرض تعاونا قلبيا صادقا. وهذا التعاون يكون مثمرا ووافيا دون حاجة إلى الاحتفاظ بقوات أجنبية وقت السلم.

ولا تنسوا الروح المعنوية. فإن الجيش المصرى سيتمتع بروح معنوية عالية كلما شعر باستقلاله. إن جلاءكم عن أرض الوطن سيزيد من قوة هذه الروح ويجعل الجيش يتفانى في خدمة قضية السلام المشترك.

لماذا تبقون قواتكم على القناة وليس في فلسطين أو غزة؟ مع أن هذه القوات نفسها الثقيلة منها والخفيفة يمكن أن تصل إلينا في مدى أسبوع وتكون عندنا وقت الحرب. إنى لا أستطيع إقناع الشعب إلا بهذه الطريقة.

فيلد مارشال سليم - إنى أوافقكم تماما. ولكن ليس الأمر أمر احتلال فإن وجود الجيوش لا يعنى الاحتلال. بل هو فكرة جديدة لدفاع الحلفاء.

النحاس (باشا) - الفكرة تختلف عندنا اختلافا أساسيا. اتفق معى في الأفكار ونحن ننجح. وحيث أنك القائد الأكبر في الإمبراطورية البريطانية فاستخدم نفوذك معنا ونحن نصل إلى اتفاق. ضعوا ما شئتم من الجيوش خارج حدود بلادنا وإنى أؤكد لك أنك ستجد التعاون المادى التام متوافراً بإخلاص وقت وقوع الخطر.

فيلد مارشال سليم - يجب أن تكون معكم بعض القوات الجوية البريطانية إذ ليس لديكم قوات جوية كافية. إنى أتكلم كرجل عسكرى.

النحاس باشا - إن ما تقوله كرجل عسكرى ممكن حله حلاً سياسيا أما عن القوات الجوية فلا مانع من أن تعطونا ما تشاؤون من الطيارات لتكون لنا. على أن تستخدم لصالحكم عند وقوع الحرب. وأن نقوم في داخل بلادنا بجميع الاستعدادات التي يقتضيها الموقف، أما القوات الأخرى فمن السهل تدبير أمر وصولها إلى مصر في حالة الحرب وتيسير ذلك مرهون بالاتفاقات التفصيلية التي تجرى في هذا الصدد.

فيلد مارشال سليم - ليس الدفاع مسألة لسلاح واحد. ولكنه تعاون الأسلحة جميعا. إن القوات البريطانية خارج مصر لا يمكنها أن تأتى فجأة بل يجب أن يكون هناك استعداد.

النحاس (باشا) - ستكون الاستعدادات عندنا بالاتفاق معكم وبمعرفتكم وبإشرافكم الفني ولكنكم لن تكونوا معنا بل تكونون قريبين منا وكأنكم خبراء عسكريين لنا.

أردت أن أفسر لك ذلك شخصيا. لكي تفهم نظريتي وهي إيجاد نوع من التعاون المنتج بشرط الجلاء عن بلادنا. لأن ذلك يسهل لنا كل شئ. أريد أن أصل إلى حل يمكن به إقناع الحكومة والشعب والمعارضة. ولا يمكن إنكار أن المعارضة مفتحة الأعين وتتربص بنا. ولكني أسير في طريق الحق.

فيلد مارشال سليم - لا أظن أن أية حكومة بريطانية مستعدة لأن تقول إنه يمكن للقوات البريطانية إذا غادرت مصر أن تعود إليها في أيام قلائل.

النحاس (باشا) إذا كانت الحكومة البريطانية لا تقدر هذا الموقف. فاعلم أيضا أن الحكومة المصرية لا تقبل هذه الأوضاع.

فيلد مارشال سليم - إذا استطعنا أن نحدد ماهية التدبيرات العسكرية التي يمكن اتخاذها لنوضح لعامة الشعب أننا قد انتهينا نهائيا من الاحتلال. وأن النظام الجديد هو نظام دفاع مشترك فحسب. قائم علي المساواة. أمكن لرفعتكم بما لكم من نفوذ أن تعرضوا ذلك في سهولة على الشعب.

إن مصر بلد راق كالبلاد الأخرى. وأنتم الآن في مركز يتيح لكم القيام بذلك. وهذا يحدث بين الدول الكبرى مثل أمريكا وإنجلترا وفرنسا.

مستر تشابمان أندروز - إن عليكم أن تختاروا بين السلامة والدمار.

النحاس (باشا) - لقد قيل هذا الكلام في المفاوضات الخاصة باتفاقية سنة 1936 وفى جميع المفاوضات السابقة على ذلك. وسيكون أثره في الشعب المصري مثل أثره في الماضي تماما. لقد كنا في مركب واحد - فنجوتم أنتم وغرقنا نحن. وأنا أكثر منك خبرة فيما يتعلق بأثر هذا الكلام في الشعب المصري. إن نوع التعاون الذي أنشده هو الذي يقوم على تحقيق الجلاء فعليك أن تفكر - كما سأفكر أنا مع معاوني - في نوع هذا التعاون وتفاصيله.

فيلد مارشال سليم - إننا لا نريد أي نوع من أنواع الاحتلال.


النحاس (باشا) - يجب أن تعلم أن الجلاء مهم جدا، وجوهرى، وإذا تم فإننا سنضع أيدينا في أيديكم ونعمل معكم بقلوبنا وأرواحنا.

فيلد مارشال سليم - سيكون من العسير جدا أن أوصى حكومتى بقبول الجلاء التام. ولا أعتقد أنكم تستطيعون الدفاع عن أنفسكم. فإذا انسحبت القوات البريطانية من مصر فسيكون لذلك أثر وخيم على الحرب الباردة ضد روسيا. إن البلاد العربية وتركيا وإيران وبلاد الدومنيون سيفزعها ذلك وسيظن حلفاؤنا في أمريكا أننا قد تخلينا عنهم. إننا لا نرى أن تبقى القوات البريطانية في مصر إلى الأبد. ولست أرى كيف يستطاع الدفاع عن مصر بغير وجود بعض القوات البريطانية. كما أن حلفاءنا لا يمكن أن يروا كيف يستطاع بدونها الدفاع عن مصر.

النحاس (باشا) - لقد اتفقتم مع صدقى باشا على أن يتم الجلاء التام في سبتمبر سنة 1949. فكيف يمكن أن أقول للشعب غير ذلك؟ وقد كنا ضد صدقى باشا في إرجاء الجلاء إلى ذلك التاريخ وطلبنا الجلاء الناجز.

فيلد مارشال سليم - إننا نتقدم في أفكارنا بشأن الدفاع فإذا نشبت الحرب ونحن على اتفاق فستشترك في الدفاع عن مصر بلاد كثيرة. فإن لم تكن في مصر قوات بريطانية فسيكون مضيعة لوقتى أن أطلب إلى هذه الشعوب إمدادى ببعض القوات وغيرها في حين أننى أنا نفسى قد غادرت البلاد.

النحاس (باشا) - يمكن مثلا في هذا الصدد أن نبحث في عقد معاهدة معكم جميعا ليطمئن الجميع.

فيلد مارشال سليم - إنى أسرد حقائق. فقد كنت أزور جميع قوات الإمبراطورية البريطانية في نيوزيلانده وأستراليا وجنوب افريقيا الخ ولا فائدة من أن أطلب إليهم أرسال قوات إلى مصر إذا لم تكن بها قوات بريطانية.

فإذا استطعنا أن نصل إلى اتفاق معقول فالدفاع عن مصر مسألة عملية. ويمكن للقوات أن تصل إليها في الوقت المناسب. ولست أرى انه يعجز مقدرتكم السياسية أن تقنعوا الشعب بأننا قطعنا الصلة بماهدة سنة 1936، وأن القوات الأخرى ستكون على قدم المساواة مع القوات المصرية وأن لمصر سيادتها واستقلالها التامين فإذا كان ذلك عسيرا فأنتم الرجل الذى يذلل العسير.

إن عقليتى عقلية حرة متفتحة. فلست سبنكس باشا، ولا أفكر البتة في الاحتلال.

النحاس (باشا) - لقد توسمت فيك ذلك من نفسى. ولذلك تكلمت معك بصراحة وفى كل شئ، وأردت أن أقنعك في المناقشة للوصول إلى حل عادل.

فيلد مارشال سليم - إنى أقدر صعوباتكم السياسية. والخلاف بينى وبينكم ليس على المبدأ ولكن على التنظيم واختيار الطريقة في سبيل مصلحة مصر.

إبراهيم فرج (بك) - وما هي المدة التي تظنون كرجل عسكري أنها لازمة لهذا النظام الذي تتحدثون عنه؟

فيلد مارشال سليم - لا أحدد وقتا بالذات. فإن الجيش البريطاني لا بريد البقاء في مصر وعائلات الجنود كلها لا تميل إلى ذلك، فالجيش يعيش في أحوال سيئة. وستبقى القوات البريطانية ما دام الموقف الدولي يهدد مصر. ولست أدري كم تلبث فإن ذلك مرتبط بالموقف الدولي.

وإني لعلى يقين من أنكم إذا اتبعتم هذا الرأي فلن يكون بيننا خلاف في المبدأ وإذا رأى رئيس الوزراء أن ذلك في مصلحة مصر فلن يجد من العسير أن يقنع الشعب بقبوله والعثور على مخرج.

النحاس (باشا) - لقد تبادلنا وجهات النظر. فعليك يا جناب المارشال أن تفكر فيما قلت لك. كما أنى سأبحث الأمر مع معاوني ونعاود الاتصال.

فيلد مارشال سليم - ما دمت في مصر فإني أضع نفسي تحت تصرفكم.


المصادر