محضر محادثة بين وزير الخارجية المصرية والسفير البريطاني (05/08/1950)

محضر محادثة بين وزير الخارجية المصرية والسفير البريطاني، 5 أغسطس 1950، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 623 - 627".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

الحاضرون

الدكتور محمد صلاح الدين (بك)

سير رالف ستيفنسون.

الأستاذ إبراهيم فرج (بك)

الأستاذ عبد الفتاح عمرو (باشا)

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - لقد راجعت التفصيلات التي تفضلتم بالإدلاء بها في الجلسة الماضية فأيد تحليلها الفكرة العاجلة التي علقت بها عليها في تلك الجلسة وخرجت من هذا التحليل متفائلا بإمكان الوصول إلى حل مرض في مسألة الجلاء الناجز. وتلاحظون أن هذه هي أول مرة أستعمل فيها كلمة التفاؤل. ولكن يشترط لكي يتحقق هذا التفاؤل أن تخلص النيات وتتوفر الثقة. وإليك الآن لغة الأرقام تؤيد ما نذهب إليه من إمكان الجلاء الكامل الناجز.

إذا تم جلاء القوات المقاتلة وعددها 8600 وإذا تم أيضا جلاء جنود الحرس وعددهم 8500 ولا أظن أن أحدا يستطيع القول بأننا نعجز عن إحلال مصريين محلهم، وإذا اتفقنا على جلاء كل من يستطاع إحلال المصريين محلهم من القوات الخاصة بالقاعدة دون أن يتأثر العمل فإننا نجد من السهل جدا الاستغناء عن جميع هذه القوات الخاصة بالقاعدة فيما عدا مئات قليلة لأن العدد الأكبر منهم يقومون في الواقع بخدمة القوات المحاربة وجنود الحرس وبخدمة أنفسهم. فإذا اتفق على جلاء القوات المقاتلة وجلاء جنود الحرس وجلاء من لا تدعو الضرورة الفنية إليهم من قوات القاعدة لم يبق هناك من يخدمونهم وهذا ينطبق بكل جلاء على القسم الطبي وقسم المهندسين وقسم الإشارة وقسم الخزينة والبوليس الحربي والسجن الحربي وقسم السجلات وقسم العمال وقسم التعليم وقسم الطب البيطري وقسم الإيجارات والطلبات. كذلك تنطبق هذه القاعدة على سلاح الخدمة وسلاح المهمات إذ لا شك في أن العدد الأكبر من أفرادها وعددهم على التوالي 2000 و28000 إنما يقوم بخدمة الآخرين. فإذا تقرر جلاء الآخرين لم تبق حاجة إليهم اللهم فيما عدا القائمين بالإشراف الفني على الذخائر. وأكون شاكرا لك إذا حددت عددهم لأن عدد سلاح المهمات قد أعطى مهملا غير مفصل.

والنتيجة أن الأمر يصبح بعد كل ذلك محصورا في سلاح المهندسين الكهربائيين والميكانيكيين الذي ذكرت في الجلسة السابقة أنه وحده هو الذي يدعو إلى شيء من التفكير. وهنا أيضا أطلب منكم شيئا من تفصيل العدد الإجمالي الذي أعطيتموه وقدره 1500 إذ لا شك أن الجزء الأكبر من هؤلاء يقومون بأعمال التصليح والصيانة العادية التي لا نعجز عن أن نعد لها من المصريين من يقوم بها.

والخلاصة أننا نخرج من بيان القوات المقاتلة وجنود الحرس وقوات القاعدة بمئات قليلة من الفنيين. لا نرى بأسا من بقائهم أجلا قصيرا حتى يتمرن معهم على أعمالهم المصريون الذين يحلون محلهم.

أما مركز القيادة العامة والإشارات فلا تبقى أية حاجة إليه بعد جلاء القوات التي ذكرناها لأن عمله الأكبر تنسيق أمورها والإشراف عليها. ولأن رسم الخطط الحربية يمكن أن يتم من أي مكان قريب ولو كان ذلك على ظهر سفينة. والمفهوم بالطبع أن يكون مركز القيادة أقرب ما يكون إلى القوات المقاتلة وأنا أكتفي الآن بهذا البيان وأرجئ الكلام عن سلاح الطيران والدفاع الجوي حتى أسمع ما تقولون. وأرجو أن يجيء متفقا مع آرائي التي أبديتها.

السفير البريطاني - لا أستطيع إلا أن أكرر دعوتي لكم بزيارة فايد. حتى يمكنكم تقدير المسألة على وجه أتم. على أني أود أن أقول في الوقت ذاته إنه على حين أنه من المستطاع إنقاص عدد الجنود في القاعدة فمن الجوهري جدا أن هذه القاعدة تدار إدارة حسنة. والقاعدة التي نحتاج إليها هي قاعدة يمكن توسيعها على الفور فإذا كان عليكم أن تعدوا القاعدة من جديد فسيستغرق ذلك شهورا طوالا. ولقد حاولت أن أبين لكم في الاجتماع السابق أن اقتراحكم بإعداد القاعدة على وجه السرعة فيه صعوبات لا يمكن التغلب عليها. فإن مجرد تحرك الجنود الفنيين قبل نشوب الحرب يعتبر عملا معاديا. وليس في الإمكان ترك القاعدة على أساس العناية بها وصيانتها فإنها بذلك تتحول إلى شيء آخر غير القاعدة وليس هذا في الحروب الحديثة اقتراح يمكن تطبيقه. وفكرة أن القيادة العامة والإشارات لا ضرورة لهما غير صحيحة تماما فإن القيادة في الوقت الحاضر لها اختصاص واسع النطاق جدا إلى جانب القوات المحلية المخصصة للدفاع عن مصر فإن إدارة القائد العام تمتد شمالا إلى تركيا وإيران ومن مالطة في البحر الأبيض المتوسط إلى حدود الباكستان وجنوبا إلى كينيا وهذه كلها منطقة عالمية نحاول أن ندعمها ضد الخطر الشيوعي وفيما يتعلق بالقيادة العامة يمكن اعتبار بقائها إلى حد ما مسألة ضيافة ومجاملة من جانب مصر ولكن هذا لا ينطبق على القاعدة إذ هي ضرورة للدفاع عن مصر.

وقد كنت أوافق كل الموافقة على منطق بيانكم إذا كانت القاعدة مجرد مخزن للسلاح. ولكنها ليست كذلك فهي منشأة حية عليها أن تتسع اتساعا كبيرا عند نشوب الحرب ويمكن إنقاص عدد رجالها غير أن هناك حدا لا يمكن إنقاص عددهم أقل منه وإلا تحولت مستودع ذخيرة وليس هذا هو المقصود منها.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - أود أولا أن أبدي كامل استعدادي واستعداد زملائي الوزراء لزيارة القاعدة مع من نرى استصحابهم من الفنيين، وأرجو أن تؤكد هذه الزيارة وجهة نظرنا، وأنا في الواقع عندما أعطيت بياني التحليلي كنت أدرك أنكم تريدون قاعدة يمكن أن تقوم بالعمل في الحال عند وقوع الحرب. ولا أقول عند وقوع التهديد بها لأن نظريتنا التي أخشى أن يكون قد وقع لبس في فهمها هي بقاء القوات البريطانية في الخارج ليس فقط في وقت السلم بل أيضا في وقت خطر الحرب ونشوء حالة دولية مفاجئة. وقد أوضح رفعة النحاس (باشا) ذلك للفيلد مارشال سليم في صراحة وجلاء.

أما كيف يمكن التوفيق بين بقاء القاعدة صالحة للعمل وبين جلاء القوات عنها فالمرجع في ذلك إلى أمرين: الاحتفاظ بجميع الأماكن والمعدات والمخازن في حالة جيدة أي في حالة استعداد لا تختلف في شىء عن الحالة التي تركت عليها.

ثانيا - عودة جميع هؤلاء الذين كانوا يديرونها ولهم مران كاف على إدارتها وعلم بأماكنها إلى مصر بمجرد وقوع الحرب. ويمكن ذلك كما تعلمون في ساعات قليلة بواسطة النقل الجوي. وإذا عادوا أمكنهم أن يستأنفوا عملهم في أيام قلائل ولا أقول في ساعات قلائل. وبذلك يمكن التوفيق بين الضرورات العملية وبين ضروراتنا الوطنية والسياسية التي يجب أن تكون دائما نصب تفكيركم ونصب تفكيرنا. إننا نريد في الواقع أن نوفق بين ضرورات الدفاع وبين ما يعلمه الناس جميعا من إصرار الشعب المصري على الجلاء الكامل الناجز. وهذا الذي شرحته لكم هو ما هداني إليه التفكير للوصول إلى هذا الغرض وأؤكد لك أني لا أجد وسيلة سواه، وأراه موافقا وكافيا مع توفر النيات الطيبة والثقة المتبادلة.

السفير البريطاني - إني على يقين من توفر النيات الطيبة والثقة المتبادلة ولكني لا أظن أن ثمة رجلا عسكريا يوافق على اقتراحكم عن التوفيق بين هذين الأمرين.

فإن القاعدة تحتاج إلى عناية مستمرة وليست المسألة مسألة إدارة مفتاح في باب للاحتفاظ بكل شىء في حالة جيدة. فإن المهمات الموجودة فيها سرعان ما تصبح قديمة لا تتفق مع الحاجات العصرية ويجب أن تغير باستمرار. واقتراحكم يجعل من القاعدة مخزنا للأسلحة العتيقة وهذا هو غير المقصود منها. وإني على يقين عندما تذهبون إلى فايد مع زملائكم الوزراء ستدركون الفرق بين القاعدة وبين مستودع السلاح.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - إنني أفهم وجهة نظركم ولكني أحيلكم على ما سبق أن سلمت به من أن حركة الذخيرة والأعمال الفنية العليا تحتاج إلى مئات قليلة من الفنيين البريطانيين حتى يحل محلهم مصريون بعد أن يتمرنوا على العمل مرانا كافيا والواقع أن هذا الذي تريدونه من بقاء القاعدة حية ومستعدة للعمل الفوري في كل وقت لا يمكن أن ينصرف إلى غير حركة الذخيرة والإشراف على الورش. أما الصرافون والحراس والطباخون وعمال الطرق وسائقو السيارات والأطباء والأطباء البيطريون إلى آخره فهؤلاء لا نستطيع أن نفهم مطلقا أن يكونوا لازمين لصلاحية القاعدة.

السفير البريطاني - لا يمكنك أن تدرك ذلك إلا بمشاهدة القاعدة. وأود أن أبدي ملاحظة واحدة. فعلاوة على الوظيفة التي تقوم بها القاعدة الآن والتي ستقوم بها في وقت الحرب. فإن الدفاع الجوي عن مصر لا يمكن القيام به بدون الخدمات التي تؤديها القاعدة.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - ليس لي ما أضيفه إلى ما سبق ذكره إلا أن ألاحظ أنكم تضربون صفحا عن أن جميع هذه الأعمال التبعية والثانوية التي لا تدخل في نطاق العمل الفني العالي يمكن أن يقوم بها المصريون على الفور. فإذا جاريناكم فيما تذهبون إليه من ضرورة استمرار كل هذه الأعمال في بعض الحدود فلماذا مع توفر الثقة وحسن النية لا يقوم بها المصريون.

وبهذه المناسبة أسألكم أن توضحوا لي الحد الأدنى الذي يمكن في اعتباركم أن تدار به القاعدة في وقت السلم لتكون على تمام الاستعداد عند وقوع الحرب.

السفير البريطاني - هذا سؤال حكيم. لقد تحدثت إلى السلطات العسكرية في أمر إنقاص العدد ولكنهم يصرون أن الأعداد الحالية هي الحد الأدنى. ولم أضرب صفحا عما ذكرتموه من إحلال المصريين محل البريطانيين. فإني على يقين من أن المصريين يستطيعون القيام بكثير من الأعمال ولكن يجب أن يكون في القاعدة عدد كاف من رجالنا. ويجب أن تذكروا أنهم سيكونون هناك في استقبال الإمدادات البريطانية والعناية بها.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - إنني أرجو أن تعاودوا سؤال العسكريين عن الحد الأدنى الذي يمكن به إدارة القاعدة في وقت السلم. مع العلم بأننا يجب أن نأخذ دائما في اعتبارنا أن هؤلاء العسكريين يميلون إلى المبالغة. وأن علينا نحن السياسيين أن لا نأخذ كل ما يقولون قضية مسلمة وأن نعمل على تخفيف مطالبهم ونخلص منها بما تستدعيه الضرورات الحقيقية الحربية.

السفير البريطاني - إني أوافق على التوفيق بين الضرورة الحربية وما هو ممكن سياسيا.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - وأنا أوافقكم على ذلك تمام الموافقة.

السفير البريطاني - من المفهوم تماما أننا نتحدث بصفة غير رسمية دون أي ارتباط.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - والآن أنتقل إلى الكلام عن الطيران والدفاع الجوي. ويتلخص ما أود أن أقوله في هذا الصدد في أمرين:

أولا - إن جلاء سلاح الطيران والدفاع الجوي البريطاني كان متفقا عليه في مشروع صدقي - بيفن فلا بد أنه روعي في ذلك إمكان عودة الطائرات البريطانية وما يتبعها إلى مصر في ساعات قليلة عند نشوب الحرب.

ثانيا - أن هذا الموضوع كان موضع دراسة فنية أخرى في صيف وخريف سنة 1949 بين الفنيين من الجانبين. وقد أكد لي المندوبون المصريون الذين اشتركوا في هذا البحث أنهم تمكنوا من إقناع الجانب البريطاني بعدم الحاجة إلى بقاء سلاح الطيران والدفاع الجوي البريطاني في وقت السلم. فإذا كان الأمر كذلك كان هذا الموضوع مفروغا منه ولا يحتاج إلى أي بحث آخر.

السفير البريطاني - ولو أنه صحيح كل الصحة أن جلاء جميع القوات. بل كل شىء كان متفقا عليه فأرى لزاما علي أن أكرر مرة أخرى أن الموقف الدولي قد تغير منذ سنة 1946. وإني على يقين. مهما تكن آراء طياريكم في المسألة فليس هناك طيار بريطاني يوافق على أن مصر تستطيع الدفاع عن نفسها أو يكون لها دفاع جوي بمفردها. ولقد تحدثت إلى مارشال الطيران سير جون بيكر في هذا الشأن فأخبرني أن في سلاح الطيران المصري عناصر جيدة، وأن صغار الضباط أكفأ بكثير من كبارهم. غير أن سلاحكم الجوي سوف يستغرق وقتا حتى يتم إعداده للدفاع الجوي عن البلاد ويجب أن تعدوا هذا السلاح وتعيدوا تنظيمه على صورة وافية. وإني لا أقصد إهانة ضباطكم ولكن صغار الضباط يعرفون جيدا أن هذا لا يمكن عمله بعد. فإذا خرجنا من مصر فستتعرض للهجوم الجوي الذي يشن عليها وليس لديكم سلاح أو معدات لمواجهته.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - أظن أن الوقت لا يتسع لرد مفصل على ما قلتموه ولكني أعتقد أنه يجب التفريق بين استعداد سلاح الطيران والدفاع الجوي المصري. وبين جلاء سلاح الطيران والدفاع الجوي البريطاني. فنحن لا نقول بوجوب جلائه استنادا إلى تمام استعداد سلاحنا الجوي. ولكننا نستند إلى عدم الحاجة لبقاء طائراتكم وسلاح دفاعكم الجوي في وقت السلم ما دام من المستطاع أن يصل في ساعات قليلة من قبرص ومالطة وبرقة وشرق الأردن وأظن أن هذا الأمر الأخير هو الذي دار عليه البحث بين الطرفين في سنة 1949. أما استكمال استعداد سلاح الطيران المصري من جميع النواحي، وما قد يحتاج إليه الأمر من مناورات مشتركة بين الطرفين المتحالفين في وقت السلم فهذا موضوع آخر يمكن بحثه والاتفاق عليه.

السفير البريطاني - كملاحظة تمهيدية أظن أن التجربة الأخيرة قد دلت على أن دفاع مصر الجوي سيكون أمرا معقدا جدا. ولا يمكن لمصر أن تقوم بمشروع الدفاع الجوي بمفردها.


المصادر