محضر الجلسة الخامسة بوزارة الخارجية البريطانية بحضور الأعضاء المتفاوضين ومندوب عسكري من وزراة الحربية البريطانية

محضر الجلسة الخامسة بوزارة الخارجية البريطانية بحضور الأعضاء المتفاوضين ومندوب عسكري من وزراة الحربية البريطانية، "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 373 - 381".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

افتتحت الجلسة في الساعة العاشرة والدقيقة الثلاثين بحضور جميع الأعضاء المتفاوضين وكان مع الفريق الإنجليزي مندوب عسكري عن وزارة الحربية البريطانية. وممثلون لأستراليا ونيوزيلندا.

مستر هندرسن - تذكرون أننا في ختام الجلسة الماضية تناقشنا طويلا في المادة التاسعة وقلنا إننا سنجتهد في أن نوفق بين وجهة نظركم ووجهة نظرنا وأن ندمج الآراء المختلفة في صيغة نرسلها إليكم ولقد أرسلناها بعد ظهر أمس ونحب أن نعرف رأيكم فيها.

النحاس باشا - وصلتنا الصيغة الجديدة مساء الأمس وكان المنتظر أن تقابلوا في هذه الصيغة رغبتنا الأكيدة في الوصول عمليا إلى الاتفاق، تلك الرغبة التي ظهرت بجلاء في الصيغة التي وضعناها أولا والتي وفقت بين حقوقنا وبين المصالح البريطانية بطريقة عملية. ولكنا وجدنا مع الأسف أن الصيغة الجديدة بعيدة عن هذه الغاية. ونلاحظ عليها ما يأتي:

أولا - أنها جعلت بريطانيا مستأثرة بالدفاع عن القنال وضربت صفحا عن مصر.

ثانيا - أنها وضعت كأن مصر في حالة حرب مع أن الأصل هو حالة السلام.

ثالثا - أنها لم تراع الاحتفاظ بحقوق مصر الجوهرية في القنال.

من أجل هذا نرجو أن تقابلنا اللجنة بنفس الروح التي قدمنا بها وأعربنا عنها للوصول عمليا إلى الغاية المنشودة.ولزيادة الإيضاح أقول:

أولا - إن الصيغة الجديدة تمسكت بجملة مواقع للجنود البريطانية في منطقة القنال مع أن المساعدة البريطانية لمصر تكفي فيها كل الكفاية قوّة واحدة توضع في موقع واحد بالقرب من القنال. وهذا ما كان مطلوبا في الواقع في مفاوضات اللورد ملنر سنة 1920 وأقتبس من تقرير ملنر العبارة الآتية للدلالة على أن اللورد ملنر نفسه سلم بنقطة واحدة: "تمنح مصر بريطانيا العظمى حق إبقاء قوة عسكرية في الأرض المصرية لحماية مواصلاتها الإمبراطورية وتعين المعاهدة المكان الذي تعسكر فيه هذه القوّة ونسوي ما تستتبعه من المسائل التي تحتاج إلى التسوية. ولا يعتبر وجود هذه القوّة بأي وجه من الوجوه احتلالا عسكريا للبلاد كما أنه لا يمس حقوق حكومة مصر". ولذلك يحق أن توافقنا اللجنة على هذه المسألة.

ثانيا - إننا في اختيارنا موقع بور فؤاد لاحظنا أنه أنسب موقع للجنود البريطانية لمساعدة القوّات المصرية في الدفاع عن القنال مع مراعاة اعتبارات أخرى أهمها أن تكون القوّة البريطانية قريبة الاتصال من قواعدها البحرية الأصلية في البحر الأبيض المتوسط. فإذا كان هذا الاختيار لا يروق اللجنة فنحن رغبة منا في التسهيل والتوفيق نقترح بدلا منه نقطة القنطرة شرق القنال.

وألاحظ أن هذا الاختيار يتفق تمام الاتفاق مع الغاية التي قصدتها اللجنة البريطانية من ضرورة تسهيل اتصال الجنود بالصحراء لأجل التدريب والمناورات. وليس أوفى بالغرض المذكور من منطقة القنطرة لاتصالها بالصحراء الشرقية. وأرجو أن ترى اللجنة في اقتراحنا هذا حسن استعدادنا للتوفيق كما أرجو أن يقابل هذا الاستعداد بمثله من الجانب الإنجليزي.

ثالثا - إن ما ورد في الصيغة الجديدة "من أن هذه القوّة البريطانية تظل موجودة حتى يتم الاتفاق بين الفريقين على أن الجيش المصري قد أصبح قادراً بنفسه على دفع الاعتداء عن القنال إلى أن يصل المدد من جانب الحليف" هذا النص لا يمكننا قبوله لأن الحد الفاصل هو مقدرة الجيش المصري على دفع التعدي إلى حين وصول المدد. وهذه حالة فعلية يجب أن تكون وحدها الحكم في هذا الأمر، لا أن يظل معلقا على اتفاق الطرفين. وما دمنا معا مشبعين بحسن النية والإخلاص الكامل للمحالفة ولتنفيذها فلا أظن مطلقا أن شيئا من الخلاف سيقع بيننا على ذلك. وإذا فرضنا ووقع على غير انتظار هذا الخلاف فمرجع الأمر إلى القاعدة العامة التي نصت المعاهدة على اتباعها عند كل خلاف وهي الرجوع إلى عصبة الأمم.

رابعا - لا محل كذلك للنص الوارد في الصيغة عن إقرار مصر بأن قناة السويس هي الطريق الأساسي لمواصلات الإمبراطورية البريطانية ولا نرى قبول ذلك اكتفاء بالغاية المقصودة منه وهي ضمان الدفاع عن القنال. وهذه الغاية مذكورة بوضوح في صيغتنا. وأما هذا الإقرار المطلوب منا فإنه لا يتفق مع حق السيادة التي لمصر على القنال. ولا نستطيع أن نعطى إقرارا بحق ارتفاق على القنال يمس حقوقنا في الملكية والسيادة. وذلك فضلا عما ذكرناه أمس من أن هذا الطريق طريق مواصلات عالمية. ومصر وبريطانيا وسائر الدول الموقعة على اتفاقية القسطنطينية سنة 1888 قد سلمت بحيدة القنال في زمن الحرب والسلم وبألا يكون لأية دولة من الدول أي امتياز عليه ولا أن تستفيد أية دولة من اتفاق تعقده مع دولة أخرى فائدة خاصة. وهذا واضح من نص المادة 12 من الاتفاق المذكور.

من أجل ذلك نرى أن الصيغة التي وضعناها أوفى بكل هذه الأغراض من الصيغة الجديدة مع ترك الخيار للجنة في قبول موقع القوة البريطانية في بور فؤاد أو في القنطرة. وأملي أن اللجنة بعد إمعان النظر في ذلك توافقنا على كل هذه الملاحظات والاعتبارات لأني ما أبديتها إلا للرغبة الحقيقية في الوصول إلى اتفاق عملي يمكننا أنا وزملائي أن ندافع عنه بإخلاص لدى أمتنا وأن نطبقه وننفذه بإخلاص أيضا ويكون ذلك في مصلحة البلدين معا.

مستر هندرسن - لا أريد أن أناقش كل النقط التي وردت في هذا البيان إذ بعضها من اختصاص وزير الحربية، ولكن هناك نقطتين أو ثلاثا أحب أن أشير إليها وأن أتناولها بملاحظاتي.

لقد صرفنا وقتا طويلا أمس في بحث هذه المادة واليوم نكاد نكرر ما جرى في الجلسة الماضية إنني ألاحظ أن شيئا من عدم المنطق قد وقع فيما ذكرتموه إذ ما الحكمة في أن تقولوا لنا إن القنال عالمي مع علمكم بأن لنا فيه مصلحة ذات أهمية حيوية كبرى. إننا لسنا الآن بصدد مسألة خاصة بالعالم ولكننا بصدد المسائل الحيوية التي تتوقف سلامتنا فيها على سلامة القنال. يجب علينا أن ننظر إلى الموضوع من هذه الناحية وحدها، ولقد أظهرنا استعدادنا في صيغتنا لأن نوافق على الشطر الأول من صيغتكم والجمع بينه وبين فكرتنا وأدمجنا ذلك في عبارة واحدة. وما دامت لنا مصالح خاصة فمن حقنا أن نشير في المعاهدة إليها وذلك إلى أن يحين الوقت الذي يعتمد فيه كل منا على حليفه أكثر. كما أنه يجب بصفتنا حليفين أن نبت وحدنا في مسألة القدرة على الدفاع عن القنال.

إنني دهشت من ذكركم مفاوضات ملنر وما اقتبستموه من تقريره لأن حوادث عدّة قد وقعت منذ ذلك الحين ولا أدرى لماذا اقتصرتم على اقتباس أقواله ولم تقتبسوا شيئا من مقترحاتنا. وفي الحق لا أدرى لماذا وضع ملنر في تقريره تلك الجملة في صيغة المفرد عند إشارته إلى الأماكن التي يجب أن تعسكر فيها الجنود البريطانية، ولكني على كل حال قد أظهرت في الصيف الماضي عند وضع مقترحاتي كما صرحت مرارا أمام مجلس العموم بأن هؤلاء الجنود سيكونون في مواقع تراعى فيها كل وسائل الراحة والصحة مع القدرة على التدريب والمناورات ولا أذكر أن هناك وثيقة واحدة من مفاوضات ثروت باشا أو ما قبلها تنص على أن مواقع جنودنا ليست موضع عنايتنا التامة.

أما فيما يختص بتقدير مقدرة الجيش المصري على الدفاع عن القنال فقد قلتم إننا نذهب إلى عصبة الأمم عند حصول خلاف بيننا في هذه المسألة، ولا أظن أن في هذه القاعة رجلا أكثر مني احتراما وتأييدا لعصبة الأمم. ولكنني لا يمكنني عند البت في مسألة شريان الإمبراطورية أن أوافق على الذهاب إلى العصبة، بل هذه مسألة يجب أن نبت فيها معا بصفتنا حليفين لا أن نجري إلى العصبة عند كل خلاف، ومن رأيي ألا يلجأ إلى العصبة في مسائل كهذه ذات خطر خاص، حقيقة إن العصبة هي الحكم ولكن ينبغي لنا ألا نلجأ إليها في مثل هذه المسائل الحيوية، والآن أترك الكلام في الناحية الحربية لوزير الحربية.

مستر توم شو - لقد دهشت من مناقشة اليوم. وإني مع وزير الخارجية مستر هندرسون فيما قاله من أن حوادث جمة قد وقعت منذ مفاوضات ملنر ولا أدرى هل تصور لورد ملنر حقا أو دار بخلده أننا يمكننا أن ننقل جنودنا إلى بور فؤاد أو القنطرة، إنني أحب أن نناقش المسألة كأصدقاء وكحلفاء يهم كل منهما مصلحة الآخر لا كطرفين يريد كل منهما أن يأخذ من الآخر أكثر ما يمكن أخذه، فهل هناك أي خطأ أو ضرر إذا طلبنا وضع الجيوش في منطقة ذات أهمية خاصة وهل هناك أي خطأ أو ضرر من الاعتراف بأن القنال طريق ضروري للمواصلات الإمبراطورية؟ إني ألاحظ أن شيئا من التناقض قد وقع في بيانكم فبينما تذكرون أن مسألة القنال دولية تقولون إن القنال مصري، ولست أعرف ما الأهمية في أن القنال دولي أو مصري، إن الحقيقة هي أن القنال حيوي إلى الدرجة القصوى للإمبراطورية البريطانية، وأن أي ضرر يحدث له يصيب الإمبراطورية بأفدح الأضرار، إن كل ما يهمنا الآن هو معرفة أحسن الطرق للدفاع عن القنال. وأحب أن تذكروا أن جيوشنا في تلك المنطقة لن تكون جيوش احتلال وإنما تكون جيوش حلفاء، فما هو الضرر الذي يصيب السيادة المصرية إذا كانت لنا قوات بصفتنا حلفاء في الإسماعيلية والقنطرة أو هنا أو هناك بقصد الدفاع عن القنال؟ نحن نعترف بسيادتكم على كل تلك الأراضي وننكر كل صفة للاحتلال فلا أدرى والحالة هذه السر في معارضتكم في إيجاد الجنود في أكثر من بقعة واحدة، تقولون إنكم لا تستطيعون أن تذهبوا إلى مصر بشيء مما نقترحه في هذه المسألة، ونحن من جانبنا نصرح لكم بأننا لا يمكننا أن نواجه البرلمان بما تطلبون.

إني أناشد الوفد أن يصل إلى اتفاق عملي معنا في هذه المسألة الخطيرة وأن يعتقد أن بور فؤاد ليست مكانا ملائما لحركات الجنود ولا لحالتهم الصحية. أناشد الوفد أن يذكر أننا حلفاء وأن جنودنا جنود حلفاء ونحن إذا ذهبنا إلى البرلمان من غير أن نحصل على اعتراف بأن قنال السويس شريان للإمبراطورية فلن يطول بقاؤنا كثيرا.

لورد طومسون - ليس الدفاع عن القنال مسألة قانونية أو دولية بل هو مسألة عملية بحتة ويجب أن يترك هذا الأمر للخبراء ذوي العلم والخبرة، إن الصيغة الجديدة متفقة مع صيغتكم في الاعتراف بأن مصر ليست قادرة في الوقت الحاضر على الدفاع عن القنال، لذلك يجب والحالة

هذه أن تظل مسئولية الدفاع عن القنال واقعة علينا وحدنا، إن لدينا رجالا دافعوا عن هذه المنطقة في الماضي وعرفوا طرائق الدفاع والهجوم عليها وليس عندكم من له أية خبرة في ذلك. فإذا كانت المسئولية واقعة علينا فلماذا لا نترك لنا كيفية تأدية هذا الواجب، إن فكرة حصر الجيوش في بقعة واحدة لا يمكن بحال من الأحوال أن تفي بالمرام لأنه لا يمكن مثلا وضع طيارات بحرية في القنطرة وإنما مكان تلك الطيارات في طرفي قنال السويس كما أنه لا يمكن إيجاد طيارات برية في بور فؤاد إلا بعد التجفيف ومع ذلك فإنها لا تفي بالغرض لأن الأرض هناك رملية وناعمة لا تصلح لذلك، يجب أن تذكروا أن مسألة راحة الجنود في المكانة الأولى من الأهمية، ولقد قضيت ستة أسابيع في القنطرة في أثناء الحرب وأتحدّى أي إنسان أن يعيش هناك أكثر من ذلك هذا إذا استطاع الخلاص من تلك المنطقة، كما أعتقد أنه لا يمكن مطلقا إدخال وسائل الراحة الكافية إلى القنطرة، وأرجو أن تذكروا كذلك الأموال الباهظة التي صرفت إلى الآن في الإسماعيلية وجوار السويس لأغراضنا الدفاعية. إني ألفت نظر الوفد إلى أن بريطانيا مسئولة عن سلامة قنال السويس لحيويته للإمبراطورية كما أن عليها الدفاع عن مصر إذا وقع اعتداء عليها، وأنتم تسلمون معنا بأن جنودكم لا تستطيع للقيام بذلك في الوقت الحاضر، ومصر والقنال معرضان للهجوم بريا وبحريا وجويا فليس من المعقول والحالة هذه أن تقيدونا بما تذكرون أنه مسألة قانونية أو دولية أو بما قاله، اللورد ملنر سنة 1920، إني أعترف بأن اللورد ملنر رجل عظيم ولكن لم يقل أحد إنه رجل حربي، لكل هذه الاعتبارات لا أرى سببا عمليا يمنع من قبول ما قدمناه لكم في المادة التاسعة.

النحاس باشا - أستخلص من هذه المناقشات مقربا بعضها إلى بعض أن الغاية الأصلية هي ضمان الدفاع عن قناة السويس وهو ما نوافق عليه. وفي سبيل هذه الغاية اجتهدنا ونجتهد في أن نحقق هذا الغرض بطريقة عملية من غير أن نمس مسائل نظرية. فما هي غايتكم؟ أليست ضمان الدفاع عن قناة السويس. وإذا تم لكم ذلك فإنه يجبُّ كل شيء آخر. والتشدد فيما عداه لا يمكن تبريره بحال. هذا فضلا عن أن الغاية التي تنشدونها تتوافر بقيام مصر بالدفاع عن القنال وبقيام بريطانيا بمساعدتها في ذلك. ونحن لم نقل في صيغتنا شيئا مما عزاه إلينا لورد طومسون عن عجز الجيش المصري عن الدفاع عن القنال. بل قلنا إنه قد لا يقدر الآن على أن يصد بمفرده غارة أجنبية عن القنال. ولذلك يكون في حاجة إلى مساعدة الحليف. وقلنا إنه إلى أن يصبح قادرا بمفرده على الدفاع عن القنال حتى تأتي هذه المساعدة ترخص بوضع نقطة عسكرية على القنال. فيؤخذ من هذا أن بريطانيا ليست هي المسئولة وحدها عن الدفاع عن القنال بل هذه المسئولية واقعة علينا أولا، وعليها ثانيا بصفتها حليفة مساعدة لنا. لذلك تكون المنطقة العسكرية التي نعطيها لبريطانيا كافية لهذا الغرض كل الكفاية. ويجب أن تذكروا من ناحيتكم أن جيشنا لن يكون بمعزل عن القنال بل سيكون موجودا عليه فيتعاون الجيشان على حراسة القنال والدفاع عنه. وعندما نقول إن النقطة العسكرية الإنجليزية تكون في مكان كذا فالمفهوم أن الجيوش المصرية ستكون أيضا في الأماكن التي تحتاج إلى الدفاع. وأكرر ما لاحظته في مبدأ كلامي من أن الصيغة التي وصلتنا أمس تخالف كل ذلك وتفرض أن انجلترا وحدها هي التي تتولى الدفاع عن القنال. وأن مصر لن يقع عليها أي عبء في ذلك وهو ما لا نسلم به.

إن اللورد المحترم طومسون يلاحظ أن نقطة القنطرة غير صحية وأن الإنسان لا يمكنه أن يعيش فيها أكثر من ستة أسابيع بناء على تجربة خاصة أتيحت له أثناء الحرب. وفاته أن دواعي الراحة في ذلك الوقت لم تكن استكملت ما وصلت إليه الآن أو ما ستصل إليه إذا ما وقع الاختيار على هذه النقطة. ولا أرى ما يمنع مطلقا من توفير جميع دواعي الراحة فيها إذا أريد ذلك خصوصا وأنها في منطقة أعلى من منطقة بورفؤاد التي يقول جنابه إن أرضها رملية ناعمة ومغمورة في بعض الأنحاء بالمياه. على أنه يمكن عمل الترتيبات اللازمة في أي المكانين لضمان صحة الجنود وراحتهم.

إن الفكرة الأصلية العملية في الموضوع الذي نحن بصدده هي كما قال وزير الحربية معرفة أحسن الوسائل للدفاع عن القنال فإذا قصرنا البحث على ذلك كنا على اتفاق تام وأصبحت مسافة الخلف بين الفريقين قريبة المدى وأصبح الاتفاق مبنيا على أساس عملي صالح. ولا شك في أن أحسن وسيلة للدفاع عن القنال هي أن يقوم الجيش المصري بما يستطيع القيام به وأن يقوم الجيش الإنجليزي بما لا يستطيعه الجيش المصري. هذا فيما يتعلق باختيار النقطة العسكرية.

يقول وزير الطيران إن اللورد ملنر لم يكن حربيا عندما اقترح وجود قوة بريطانية في محل واحد والرد على ذلك بسيط وهو أن ملنر لم يضع تقريره وحده بل كان على رأس لجنة تضم العنصر الحربي وكان غرض اللجنة - ومنها الجنرال مكسويل - أن توضع قوة بريطانية في مكان بمنطقة القنال وهذا ما شرحه في مصر إذ ذاك المندوبون الذين حضروا المفاوضات بلندن مع ملنر فقد بينوا أن هذه النقطة تكون على مقربة من القنال لا في مدينة ولا بالقرب من مدينة وأن القوة ستكون محدودة العدد.

أما ما جاء في صيغتكم عن وجوب الاتفاق بين الحليفين على أن الجيش المصري قد أصبح قادرا على الدفاع وحده عن القنال فقد سبق أن بينت أنه يجب ترك الحكم في ذلك للحالة الفعلية التي يكون عليها الجيش المصري بعد تمام تدريبه وتعليمه. ومن الواضح أننا لا نرجع إلى عصبة الأمم إلا في حالة الخلاف بيننا وبينكم على هذه الحالة الفعلية. وبعبارة أخرى تفصل عصبة الأمم في هذا الخلاف ككل خلاف آخر في تطبيق المعاهدة.

بقيت مسألة النص على المواصلات الإمبراطورية وما ذكرتموه من أن هناك تناقضا بين قولنا إننا أصحاب الملك والحق المطلق في القنال وقولنا إن القنال طريق مواصلات عالمي دولي. فأنا لا أرى في ذلك تناقضا لأننا من غير نزاع أصحاب الملك والسيادة على القنال وفي الوقت نفسه فإن القنال هو في الواقع طريق مواصلات عالمي وبعبارة أخرى نحن أنشأنا القنال في أرضنا وكان إنشاؤه بقصد أن يكون طريقا عالميا، ونص على ذلك أولا في عقد الامتياز الذي أعطى للشركة وثانيا في اتفاقية القسطنطينية سنة 1888 وبطبيعة الحال إن لبريطانيا مصلحة كبيرة في هذا الطريق العالمي. ولأجل هذا تحالفنا معها وجعلنا في المحالفة نصا خاصا بالدفاع عن قناة السويس لأن هذا يهمنا جدا كما يهم انجلترا، فلا تناقض مطلقا في هذه الحقائق، ولذلك طلبنا ألا ينص في المعاهدة على أن القنال طريق أساسي للمواصلات الإمبراطورية إذ لا مبرر للنص على ذلك بعد أن استوفينا الغرض المقصود وهو الدفاع عن قناة السويس. تقولون إنكم لا تستطيعون مواجهة البرلمان إذا لم تنص المعاهدة على ذلك ولكني لا أوافقكم فالغرض المنشود هو ضمان الدفاع عن قناة السويس لذلك أرجو أن يطمئن المستر شو تماما على مركز الحكومة أمام البرلمان.

والآن أظن أن المسألة قد وضحت تماما وأكرر القول بأن حسن نيتنا واستعدادنا لتنفيذ المعاهدة بإخلاص هما خير ضمان. ولكني أحب قبل الختام أن أشير إلى كلمة المستر هندرسن التي تنص على أننا رجعنا إلى مقترحات ملنر ولم نرجع إلى مقترحاته هو فأقول إننا رجعنا كذلك إلى مقترحاته للغاية المطلوبة في هذا الخصوص وهي الدفاع عن القنال وها نحن أولاء نرخص لكم في وجود قوّة إنجليزية في منطقة القنال وهو ما لم يكن في حسابنا ولا نحن على يقين تام من أن الأمة توافق عليه بالرغم من أنه لن تكون لهذه قوة صفة الاحتلال. أما إشارة المستر هندرسن لمشاريع الاتفاق السابقة على مقترحاته فيكفي إظهارا لقيمتها أنها جميعا أصيبت بالفشل. ونحن الآن قد حضرنا مملوئين رغبة أكيدة في الاتفاق وتساهلنا كل التساهل الممكن وأخذنا على عاتقنا أن ندافع بإخلاص وصراحة عن المعاهدة التي تطمئن نفوسنا إلى قبولها فأرجو من اللجنة أن تكون عند ما قاله وزير الحربية الإنجليزية من أن العبرة هي بمعرفة أحسن الوسائل للدفاع عن القنال لا أكثر ولا أقل.

مستر هندرسن - أشكركم على هذه الروح الطيبة التي نستشفها من عبارتكم. إن المسألة التي نحن بصددها الآن هي في الواقع تحديد الأماكن التي يكون فيها الجنود ليقوموا بالدفاع عن القنال أحسن دفاع وأذكر أنني اقترحت تأليف لجنة مشتركة للاتفاق على ذلك وظننت أننا بهذا نحصر الموضوع وقدّمنا لكم صيغتنا لتكون موضع نظر اللجنة المشتركة، والمفهوم أن منطقة القنال هي التي ستكون موضع درس اللجنة، وفي رأيي أنه عند إمضاء المعاهدة قريبا كما أرجو ستزداد روح الصداقة وحينذاك تذهب اللجنة إلى منطقة القنال لا لنأخذ منكم أكثر مما يجب وإنما للتفاهم والاتفاق كما يفعل الحليف مع حليفه، ويجدر بي هنا أن ألفت النظر إلى بعض النقط المهمة في صيغتنا فقد جاء فيها أولا:

"إن جلالة ملك مصر يرخص لصاحب الجلالة البريطانية بأن يضع في جوار بور سعيد وبور فؤاد والإسماعيلية والسويس أو غيرها من الأماكن التي يتفق عليها القوّات التي يرى صاحب الجلالة البريطانية أنها ضرورية للدفاع عن القنال" فإذا خامركم شيء من الشك في أمر سيادتكم فالفقرة الأخيرة تنفيه تماما إذ ذكرت: "إن وجود هذه القوات لا يكون له مطلقا صفة الاحتلال ولا يخل بأي وجه من الوجوه بحقوق السيادة المصرية" وقد قلنا إن ملك مصر يرخص... إلخ فليس في ذلك تحد لسيادة مصر بل هو تأكيد لها، وما نطلبه منكم مقابل ذلك ليس بالشيء الكثير إذ هو مجرد الاعتراف بأن القنال طريق حيوي للمواصلات الإمبراطورية وهذه حقيقة لا شك فيها فنحن لم نطلب منكم إلا الاعتراف بحقيقة واقعة وإنكم لتجدون مثل هذا الطلب في كل مفاوضة سابقة ويسرني أننا متفقون على أن القنال يجب أن يحمى وأنكم ترخصون لنا بالمساعدة في الدفاع عنه، فما الضرر إذا اعترفتم لنا بأن القنال شريان ضروري في المواصلات الإمبراطورية؟ إذا قبلتم ذلك ورأيتم إدخال بعض التعديلات على العبارة فلكم أن تقترحوا صيغة أخرى ويمكن للجنة التحرير أن توفق إلى صيغة ترضى الطرفين.

النحاس باشا - إن الروح الطيبة التي جئنا بها لأجل الاتفاق هي التي تدعونا في هذه النقطة الحساسة جدا بالنسبة للشعب المصري إلى العمل للوصول إلى حل نستطيع معه أن نأخذ على عاتقنا الدفاع عنه أمام مصر بصراحة ودون إبهام. من أجل هذا أردنا أن نحدد هنا وقبل أن نعود لعرض الأمر على الأمة المصرية مكان النقطة العسكرية. أما ترك الأمر إلى لجنة تحدد ذلك فيما بعد فمما يجعلنا في مركز صعب جدا - أمام الأمة المصرية. نود قبل أن نعود أن يكون في أيدينا بيان صريح عن مكان النقطة العسكرية الذي نتفق عليه لأن هذه مسألة حيوية وقد كان المصريون على الدوام شديدي الإحساس بالنسبة لبقاء الجنود الإنجليزية على أرض مصرية. لذلك أرجو أن نتمكن هنا من تحديد هذه النقطة. وأرجو منكم أن تساعدونا على ذلك خصوصا وأن إرجاء هذا التحديد إلى ما بعد التصديق على المعاهدة من الجانبين سيترتب عليه بلا شك تأخير البدء بتنفيذ المعاهدة. ويهمنا أن نعمل بقدر الاستطاعة على إنهاء كل شيء هنا لنتمكن عند عودتنا من عرض المعاهدة على الأمة والدفاع عنها والإسراع في تنفيذها. أما مسألة الصيغة الجديدة فسنجتهد من ناحيتنا أن نوفق فيها بين الأغراض المشتركة.

مستر توم شو - إننا لا نقلل من شأن مصاعبكم. فأرجو أن لا تقللوا من شأن مصاعبنا. سنسحب جنودنا من القاهرة وسينتهي الاحتلال وأنتم تعترفون معنا بضرورة الدفاع عن القنال ونحن من جهتنا نقول لكم عن علم وخبرة إن النقط التي اخترناها هي وحدها الملائمة لذلك.

المستر هندرسن - هل يمكنكم أن ترسلوا إلينا الصيغة الجديدة قريبا. ومتى يكون ذلك؟

النحاس باشا - قلت إننا سنجتهد لأن المسألة صعبة ودقيقة وسنحتاج إلى بعض الوقت وآمل أن نتمكن من إرسال الصيغة يوم الخميس وأن نجتمع يوم الجمعة.

مستر هندرسن - أرجو أن تتذكروا أن يوم الجمعة من الأسبوع المقبل يوم عطلة وسيقوم البرلمان بالإجازة يوم الخميس الذي قبله وأخشى أننا سنبقيكم هنا مدة العطلة. فهل ترون مانعا

من أن نجتمع يوم الخميس من هذا الأسبوع بدل الجمعة ولو لبحث المسائل الأخرى إذا لم تكونوا قد فرغتم من وضع الصيغة قبل يوم الخميس.

وبعد مناقشة تم الاتفاق على أن تكون الجلسة القادمة في الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الخميس القادم،

السكرتير

إمضاء: مصطفى الصادق



الرئيس

إمضاء: مصطفى النحاس


المصادر