محضر محادثة بين وزيري الخارجية البريطانية والمصرية في وزارة الخارجية البريطانية (04/12/1950)

محضر محادثة بين وزيري الخارجية البريطانية والمصرية في وزارة الخارجية البريطانية، في 4 ديسمبر 1950، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882- 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 653- 659".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

الحـاضرون:

مستر بيفن

سير رالف ستيفتسون

مستر بوكر

مستر ستوات


دكتور محمد صلاح الدين (بك)

الأستاذ عبد الفتاح عمرو (باشا)

الأستاذ على زين العابدين حسنى


مستر بيفن - قال بعد التحيات المعتادة إنه درس المعاهدة المصرية البريطانية المعقودة في سنة 1936 وفى رأيه أن المادة الثامنة الخاصة بوجود قوات بريطانية في القنال هى - كما يبدو - مصدر الصعوبة القائمة بين حكومتي جلالة الملك والحكومة المصرية ومع ذلك فإنه يسأل ما إذا كانت هناك وجوه أخرى في معاهدة سنة 1936 يريد وزير الخارجية المصرية مناقشتها.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - لا شك أن المادة الثامنة وهي المادة الخاصة بالاحتلال هى المادة التي نعترض عليها أكثر من غيرها. ولكن هناك مواد أخرى هى محل اعتراضنا وقد أثبت العمل فعلا أن بعض مواد المعاهدة لم يعد ملائما كالمادة الخاصة بأسبقية السفير البريطانى، وجرى العمل بالفعل بموافقة الحكومة البريطانية على خلاف هذه المادة. والواقع أن جميع المواد التى تتنافى مع قاعدة المساواة في السيادة أو يشتم منها شيء من الإكراه. كل هذه المواد تحتاج حتما إلى إعادة النظر. وليست أمامي المعاهدة الآن ولكنى أذكر علي سبيل التمثيل المادة الخاصة بأبدية المحالفة. وليس معنى هذا أننا نكره أن ترتبط على الدوام بعلاقات الود والصداقة مع بريطانيا ولكن تأبيد المحالفة يشعر كما أسلفت بشيء من الإكراه. ولا فائدة في الصداقة إذا لم يكن مصدرها الرضا التام في جميع الظروف والأحوال.

مستر بيفن - قال إنه كدليل على حسن نية حكومته يقرر أنها على استعداد لمناقشة أى شئ في المعاهدة ولكنه يود أن يلفت نظر وزير الخارجية المصرية إلى المادة الأولى منها وهى المادة التى تنص صراحة على انتهاء احتلال مصر وبناء عليه يكون كلام الحكومة المصرية عن احتلال مصر كلاما لا يطابق الواقع ما دامت هذه المسألة قد سويت في سنة 1936 والحقيقة أن الأمر ليس أمر احتلال بل أمر دفاع مشترك. وهو يريد أن يعرف ماذا تود الحكومة المصرية إحلاله محل المادتين الثامنة والسادسة عشرة اللتين تعارض فيهما بصفة خاصة.

دكتور صلاح الدين (بك) - الذي تطلبه مصر هو جلاء القوات البريطانية جلاء فعليا عن أرضها ولا عبرة هنا بالألفاظ، بل العبرة بالواقع وإذا كان الأمر كما تذكرون أمر دفاع مشترك فإن الدفاع المشترك لا يستلزم دائما وجود قوات أجنبية في حدود إحدى الدولتين المتعاقدتين وقد سبق أن وافقت الحكومة البريطانية فعلا في سنة 1946 على جلاء القوات البريطانية برا وبحرا وجوا في أجل أقصاه شهر سبتمبر سنة 1949 وذلك بالرغم من عبارات معاهدة سنة 1936 التي تنص على أن وجود قوات بريطانية في مصر لا يعنى احتلالها. وهذا فيما أعتقد لأنكم أدركتم أن الرأي العام المصري لا يكره من الاحتلال اسمه فحسب ولكن يكره حقيقته ويطالب بوضع حد له من الناحية الفعلية.

مستر بيفن - قال إنه لا يظن من المفيد العودة إلى محادثات سنة 1946 وهو يفهم الآن أن الحكومة المصرية لا تعارض في وجود قوات بريطانية في مصر وقت الحرب. وأن الصعوبة هي كيف يتقرر عودة القوات البريطانية وزيادة على ذلك هناك مسألة إبقاء القاعدة المصرية في حالة تسمح لبريطانيا بأداء واجبها وقت الحرب وهو يسأل وزير الخارجية المصرية ما إذا كانت لديه أية اقتراحات في هذا الصدد.

دكتور صلاح الدين (بك) - نعم وافقنا على أن تحضر القوات البريطانية إلى مصر في وقت الحرب بمقتضى المحالفة التي أبدينا استعدادنا لعقدها والمقياس هو وقوع الحرب فعلا وقد تضمن مشروع صدقي - بيفن تفصيلا في هذا الشأن وكذلك أورد رفعة النحاس باشا تفصيلا في حديثه مع الماريشال سليم وهو وقوع عدوان على مصر أو اشتباك بريطانيا العظمى في حرب من أجل وقوع عدوان على جارات مصر. وعلى كل حال فقد دلت الحربان العالميتان الماضيتان على إمكان تحديد مثل هذا الوقت. أما فيما يتعلق بالقاعدة ففي محادثاتي مع السفير البريطاني مناقشات طويلة عنها كانت وجهة نظرنا فيها إمكان الاحتفاظ بالقاعدة صالحة للعمل بل صالحة للتوسع عند اللزوم دون أن يكون هناك احتلال بريطاني وذلك بأن يحتفظ بها الجيش المصري وتجدونها قائمة وصالحة للعمل عند وقوع الحرب.

مستر بيفن - إن الصعوبة هي أن الحرب لا تعلن الآن إعلانا رسميا فهي تشب فجأة وقد دلت التجارب على ضرورة وجود القوات في المكان المهدد وإبقاء القاعدة في حالة استعداد مستمر.

دكتور صلاح الدين (بك) - أعلم أن الحرب تقع الآن دون إعلان ولكن الحربين العالميتين الماضيتين كما سبق أن ذكرت أثبتتا أن العالم جميعه يعلم أن هناك حربا كبرى بمجرد وقوعها. فبمجرد اغتيال أرشيدوق النمسا في سنة 1914 أو بعد ذلك بساعات قلائل عرف العالم كله أنه في حالة حرب عالمية وكذلك الحال فيما يتعلق بالحرب الماضية إذ بمجرد أن اجتاحت ألمانيا أرض بولونيا عرف العالم كله أن الحرب العالمية الثانية قد ابتدأت. أما فيما يتعلق بصلاحية القاعدة للعمل فهذا ما أبدينا كل استعدادنا لأن نكفله مع العلم بأن مصر لا تقع في الخط الأول من خطوط القتال المحتمل ولا بد أن تمضي بضعة أشهر قبل أن تتعرض مصر لغزو برى.

مستر بيفن - أشار إلى أخطار الغزو الجوى وقال إنه من المستحيل صد هجوم جوى إلا إذا كان الدفاع الجوى عن البلاد المهاجمة على أحدث نظام وأعلا كفاية. والقواعد البريطانية في البلاد المتاخمة كبرقة لا تنفع حتما في الدفاع عن مصر. ومع ذلك فهو يقترح أن تسجل الحكومتان البريطانية والمصرية اتفاقهما على إمكان عودة الجنود البريطانية إلى مصر في وقت الحرب. ويسأل ما إذا كان هذا الاتفاق الخاص بالجنود البريطانية يمكن أن يعتبر شاملا لجنود الولايات المتحدة لأن من المحتمل أن تندمج القوات الجوية لبريطانيا وللولايات المتحدة الأمريكية في وقت واحد.

دكتور صلاح الدين (بك) - أما عن الغزو الجوى فلذلك حديث آخر تجدونه أيضا مدونا في المحادثات التى دارت بينى وبين سعادة السفير البريطاني وكانت وجهة نظرنا فيها عدم الحاجة إلى أية قوات بريطانية جوية في وقت السلم لإمكان حضورها على الفور من المطارات القريبة إن لبريطانيا مطارات كثيرة قريبة محيطة بمصر من جميع النواحي فتستطيع الطائرات البريطانية أن تتصدى للطائرات المهاجمة في أثناء الطريق كما أن المقاتلات البريطانية تستطيع أن تحضر إلى مصر في ساعات قلائل من هذه المطارات في حين يحتاج وصول قاذفات القنابل الثقيلة من مطارات روسيا إلى نحو اثني عشر ساعة ويجب أن لا ننسى أن هناك سلاحا جويا مصريا، وأننا نستطيع متعاونين أن نقويه ونرفع مستواه إلى الحد اللازم ليحل محل العدد المحدود من رجال الطيران البريطانى المنصوص عليه في معاهدة سنة 1936.

أما فيما يتعلق بإمكان حضور حلفائكم وقت الحرب فذلك ما قد تقبله مصر من حيث المبدأ ولا يصعب اتخاذ الإجراء السياسى اللازم في هذا الشأن.

مستر بيفن - سأل وزير الخارجية المصرية ما إذا كان في أى وقت من الأوقات قد فكر في احتمال استخدام قوات موحدة تحت قيادة عليا في الدفاع عن مصر. فقد يكون وزير الخارجية المصرية قد فكر في شيء كهذا عندما أشار في مقابلتهما بنيويورك إلى إمكان إشراك مصر في حلف الأطلنطى.

دكتور صلاح الدين (بك) - إن هذه الإشارة التى وردت في حديثى معكم في نيويورك واتخذت صبغة عامة دون تفصيل أو تحديد تدل على رغبتنا الحقيقية في التغلب على جميع الصعوبات التى تعترضنا في الوصول إلى اتفاق تعتبره مصر محققا لأهدافها، وتعتبرونه من جهتكم محققا لأغراضكم الدفاعية. وأنا من جهتى أعتقد أن اتفاقا على هذا النحو يمكن أن يكون مقبولا إذا تحقق معه جلاء القوات الأجنبية عن مصر. ويكون أكثر قبولا إذا جرى في نطاق ميثاق هيئة الأمم المتحدة وقرارات جمعيتها العمومية وأظن أن القرار الذى صدر أخيرا تحت عنوان " العامل المشترك للسلام " إنما أريد به أمر كهذا. وعلى كل حال فإن الحكومة المصرية على تمام الاستعداد لأن تبحث بشكل جدى ما يمكن أن تقترحوه في هذا الصدد. ولا شك أن تجاربكم فيه أكثر من تجاربنا مما يجعلنا ننتظر أن يأتى الاقتراح من جانبكم.

مستر بيفن - قال إن الحل قد يكون بين قرار هيئة الأمم واتفاق ثنائى يعقد بين بريطانيا العظمى ومصر. وربما كان من الممكن إيجاد حل على أساس اتفاق يعقد بين عدد محدد من الدول ولو أنه لا يرمى بذلك إلى تقديم اقتراح رسمى. ومع ذلك فهو يرى من الضرورى أن يؤكد أن إحداث تغيير جوهرى في أساس نظام الدفاع عن الشرق الأوسط قد يكون شديد الخطر. وحكومة جلالة الملك لا تريد أن ترى فراغا. على أنه يود أن يسأل وزير الخارجية المصرية هل إذا تم الاتفاق على عودة الجنود البريطانية إلى مصر في وقت الحرب لا توضع قيود على الأراضى التى يمكن أن تستخدمها هذه القوات أو تتحرك فيها.

دكتور صلاح الدين (بك) - أما فيما يتعلق بالتماس حل بين قرار هيئة الأمم المتحدة وبين الاتفاق الثنائى فذلك ما ينطبق عليه استعدادنا لبحث كل حل من هذا القبيل يمكن أن تقترحوه بشرط واحد وهو أن يحقق جلاء القوات الأجنبية عن مصر، وأن يكون الحلف المعقود على أساس المساواة التامة في السيادة. وأما ما أشرتم إليه بشأن الحالة الدولية فإن الحكومة المصرية تدرك خطورة هذه الحالة. وهذه الخطورة نفسها هى التى تستدعي منا سرعة الوصول إلى اتفاق حتى لا تفاجئنا الحوادث ونحن مختلفون. والحرب قد تقع وقد لا تقع. ويجدر في الحالين أن نحل مشاكلنا ونسوى علاقاتنا. أما ما سألتم عنه بشأن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة مقتضيات الدفاع في وقت الحرب دون تقيد بمنطقة القنال فذلك ما وافقت عليه صراحة في محادثتى مع سعادة السفير البريطانى وهو ما يجرى عليه العمل بين الحلفاء في وقت الحرب.

مستر بيفن - سأل ما هي التدابير التى يمكن اتخاذها للمحافظة على الورش والمخازن والمعدات الموجودة الآن في قاعدة القنال إذا تم جلاء القوات البريطانية.

دكتور صلاح الدين (بك) - وجهة نظرنا هى إمكان المحافظة عليها بواسطة الجيش المصرى وأنه إذا كانت هناك بعض الأعمال الفنية الدقيقة التى لا يستطيع المصريون القيام بها فمن الممكن الاحتفاظ بعدد قليل من الفنيين البريطانيين لمدة محدودة يتمرن فيها المصريون على هذه الأعمال وبعد انتهاء هذه المدة تترك في أيدينا.

مستر بيفن - أخذ علما بذلك. ثم عاد إلى مسألة الدفاع عن الشرق الأوسط. وهى المسألة الأهم فقال إنه يشعر بأنها تكون مسئولية بالغة الخطر إذا تركت معاهدة سنة 1936 دون إعداد تدبير فعال ليحل محلها. وهو يسأل وزيرا الخارجية المصرية بصفة غير رسمية ما إذا كانت مصر مستعدة أن تنظر في اتفاق مصرى بريطانى يمكن أن يشمل أيضا بعض دول أخرى من دول الشرق الأوسط كإسرائيل والعراق.

دكتور صلاح الدين (بك) - أوافقكم على أن نبذل جهدنا لتصل مصر وبريطانيا إلى اتفاق يرضاه الطرفان. وأعتقد أن مثل هذا الاتفاق يسهل توسيع نطاقه في الشرق الأوسط وقد اشتركت

الدول العربية فعلا في إعداد نظام جماعي للدفاع ولكنى بينت لسعادة السفير البريطانى أنه لا توجد دولة عربية تستطيع أن تشترك مع إسرائيل في مثل هذا النظام. وليس الرأى العام في البلاد العربية مستعدا للدخول في أية علاقة مع إسرائيل. ولكنكم تستطيعون أن تتفقوا مع إسرائيل على ما ترونه دون أن يكون لنا به أية علاقة فيسد اتفاقكم معها أى نقص تجدونه فيما قد يعقد من اتفاق بيننا وبينكم.

مستر بيفن - قال إن الصعوبة هى أننا في الواقع في حالة حرب من بعض الوجوه فهل يوافق وزير الخارجية المصرية على أن الحالة الدولية تبرر وجود قوات بريطانية في منطقة القنال.

دكتور صلاح الدين (بك) - أعتقد بكل إخلاص أن هذه الأحوال الدولية الخطيرة التى تشيرون إليها توجب العمل في الحال على تقوية مصر لتأخذ نصيبها في الدفاع ما دامت حريصة على الدفاع عن نفسها، وما دامت تبدى استعدادها للتحالف معكم. ومدة سنة تعتبر في اعتقادى كافية للوصول بالجيش المصرى إلى المستوى اللازم في هذه الظروف التى يسارع فيها العالم إلى الاستعداد بأكثر ما يستطيعه من السرعة. وما عليكم إلا أن تنظروا إلى مصر كما تنظرون إلى جميع الدول المستقلة كدول الأطلنطى وتركيا وإيران واليونان التى تتلقى الأسلحة بسخاء في حين تجد الحكومة المصرية كل صعوبة في الحصول على السلاح اللازم لجيشها. فإذا غيرتم نظرتكم إلى مصر وعاملتموها مثل هذه المعاملة كانت السنة في الظروف الحالية كافية ليصبح جيش مصر مستعدا لا أقول لمحاربة روسيا ولكن بالتأكيد ليحل محل العدد المحدد من قواتكم الذى تسمح معاهدة 1936 ببقائه في مصر وقت السلم. أما في وقت الحرب فتستطيع قواتكم وقوات حلفائكم أن تحضر كما سبق البيان.

مسير بيفن - أشار إلى قول وزير الخارجية المصرية أنه يريد عقد اتفاق جديد على أساس الثقة المتبادلة. ولكن هل يكفى الحل الذى تقترحونه أساسا للاتفاق في مواجهة الظروف الدولية القائمة، وهل تستطيع حكومة جلالة الملك أن تكون على ثقة من أن الحكومة المصرية لا تنكر حقوق بريطانيا العظمى التى يتضمنها هذا الاتفاق في وقت الحرب.

دكتور صلاح الدين (بك) - إننى أنظر إلى الحل المستطاع كوحدة لا تتجزأ، ويتلخص اقتراحنا في أن مصر تقبل عقد محالفة معكم. وأن تكون هناك فترة انتقال مدتها سنة تجلو فيها الجيوش البريطانية تدريجيا، ويرفع فيها مستوى الجيش المصرى في نفس الوقت إلى الحد اللازم ليحل محل القوات البريطانية التى تسمح معاهدة 1936 ببقائها في مصر وقت السلم. وهذا الحل في جملته يصلح لمواجهة أى احتمال، فلو اتفقنا اليوم عليه وبدأت الحرب بعد شهر لا يكون قد جلا من قواتكم في هذا الشهر عدد يذكر أما إذا وقعت الحرب بعد ستة أشهر مثلا فيكون الجيش المصرى قد تقوى في أثنائها إلى حد لا بأس به وتكون لكم في نفس الوقت قوات لا تزال باقية. أما إذا

وقعت الحرب بعد سنة فيكون الجيش المصرى قادرا على أن يتلقى الصدمات الأولى حتى يأتى مددكم ومدد حلفائكم، ويجب أن نذكر دائما أن القوات التى تسمح المعاهدة ببقائها في وقت السلم محدودة العدد ومن السهل أن يحل محلها الجيش المصرى إذا كنتم حقيقة تجدون في معاونتنا على رفع مستواه. وأود أقول بكل صراحة إن أزمة الثقة القائمة بيننا وبينكم ليست بنت اليوم حتى يمكن أن نتهم بأننا ننكل عن تعهداتنا في الأوقات الخطيرة. ولكن هذه الأزمة نتيجة أجيال من الاحتلال البريطاني، ونتيجة تطور علاقاتنا بعد الحرب العالمية الأخيرة تطورا يؤسف له مما لا أود أن أدخل في تفصيلاته حرصا على وقتكم الثمين.

مستر بيفن - طلب من وزير الخارجية المصرية أن يطلعه على ما يدور بخلده.

دكتور صلاح الدين (بك) - حينما عقدنا معاهدة 1936 كنا نعتقد أن خير ما فيها هو أن نتمكن من تقوية الجيش المصرى في أسرع وقت مستطاع ليتم الجلاء في أسرع وقت مستطاع فلم نكن ننظر إلى مدة العشرين عاما إلا باعتبارها أجلا أقصى ليس هناك ما يمنع من إتمام الجلاء قبل حلوله. ولكننا لم نجد المساعدة التى كنا ننتظرها لتقوية الجيش، بل كنا ولا نزال نجد كل صعوبة تقام في سبيلنا مما أكد ما كان مستقرا في أذهاننا من قبل من أن بريطانيا لا تحب أن ترى جيش مصر قويا لتستديم حجتها في احتلال مصر. ثم إن مصر كانت تنتظر بعد خروج الحلفاء منتصرين من الحرب الأخيرة، وبعد تأليف هيئة الأمم المتحدة أن تشعر بريطانيا من تلقاء نفسها بأن الظروف قد تغيرت فتقيم علاقاتها بنا على أساس يتفق مع هذه الظروف الجديدة. وأعتقد أن خمس سنوات كانت فوق الكفاية لتقوية الجيش المصرى من جهة وتقرير هذه العلاقة الجديدة من جهة أخرى.

مستر بيفن - قال إن من المفيد تلخيص بعض نقط الاتفاق التى ظهرت في مناقشاته مع وزير الخارجية المصرية مدى الساعتين الماضيتين.

وهنا ذكر مستر بيفن ووافقه وزير الخارجة المصرية أن الحكومتين متفقتان على ضرورة محالفة جديدة وعلى ضرورة التعاون الكامل في وقت الحرب دون قيد على الأماكن. وهما أيضا متفقتان على أنه يجدر بهما مناقشة صعوباتهما بروح ودية. وقد علق مستر بيفن على هذه النقطة الأخيرة قائلا إنه يظن أن إلغاء معاهدة سنة 1936 بمعرفة الحكومة المصرية يكون له أثر سيئ جدا، وطلب إلى وزير الخارجية المصرية أن يعطيه توكيدا بأن الحكومة المصرية لا تنوى اتخاذ مثل هذا الإجراء وأضاف مستر بيفن أن نقطة الخلاف الأساسية هى كما يظهر وجود قوات بريطانية في منطقة القنال وسأل مستر بيفن وزير الخارجية المصرية ما إذا كانت لديه أية اقتراحات للتغلب على هذه الصعوبة غير اقتراح جلاء القوات البريطانية عن مصر في فترة عام. وأضاف أنه لا ينتظر تقديم هذه الاقتراحات على الفور. إذ لا شك أن وزير الخارجية المصرية يريد التفكير في الأمر.

دكتور صلاح الدين (بك) - لقد تفضلتم بإمهالى للتفكير في اقتراح حل آخر وسأنتهز فرصة هذا الإمهال للتفكير في جميع المسائل الأخرى التى أشرتم إليها الآن فأعطيكم الجواب عنها في الاجتماع المقبل ولكنى أود أن أقول قبل انتهاء هذا الاجتماع إنى لا زلت مقتنعا تمام الاقتناع للأسباب التى أوضحتها الآن والتى سبق أن أوضحتها في محادثاتى مع سعادة السفير البريطانى بأن مدة العام كافية تماما. كما أود أن ألفت نظركم إلى أن حديثنا اليوم جرى كله حول أحد شطرى القضية وهو الخاص بالجلاء وبقى الشطر الآخر الذى لا يقل أهمية وهو وحدة مصر والسودان.

مستر بيفن - قال إنه يسره مناقشة مسألة السودان في وقت آخر ولكنه لا يستطيع الآن أن يرى أى أمل في الاتفاق بين الحكومتين البريطانية والمصرية إلا على أساس أن يكون للسودانيين حق تقرير مصيرهم.

ثم اتفق على استئناف المحادثات في أواخر الأسبوع .


المصادر