محضر الجلسة العشرين بين عدلي باشا وبين مستر لويد جورج في داوننگ ستريت

محضر الجلسة العشرين بين عدلي باشا وبين مستر لويد جورج في داوننگ ستريت، في 2 نوفمبر 1921، مفاوضات سنة 1921 - 1922 (عدلي-كرزون)، بين عدلي باشا ومستر لويد جورج، داوننگ ستريت. منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 183 - 187".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

كان يوم 2 نوفمبر موعد مقابلة عدلي باشا للمستر لويد جورج. وكان الاجتماع بمقر رئيس الوزارة في دوننج ستريت في منتصف الساعة الواحدة بعد الظهر، وبعد التحية:

المستر لويد جورج - إلى أين وصلتم في مفاوضاتكم؟

عدلي باشا - إن المبادئ المتفق عليها من الجانبين هي إلغاء الحماية والاعتراف باستقلال مصر وعقد محالفة بين مصر وإنجلترا لتأمين مصر من أي اعتداء خارجي وضمان مصالح إنجلترا، غير أن هذه المبادئ لم توضع بعد في صيغة ثابتة ولكن لما كان الاتفاق واقعا على اعتبارها أساسا للمعاهدة حق لي أن أعتقد أن من السهل التفاهم بشأن الضمانات التي تلزم لمصالح إنجلترا الخاصة والتي يجب أن تكون متفقة مع تلك المبادئ. وقد جرت لنا مع اللورد كيرزن أحاديث في مواضيع شتى. ومن أمهات هذه المواضيع مسألة العلاقات الخارجية لمصر وعندنا أن حرية مصر في إدارة أمورها الخارجية نتيجة لازمة للاستقلال ورمزه الخارجي. هذا من وجهة المبادئ، وهي من الوجهة العامة أمر لا غني لنا عنه فإن مصر بلد غنى بالخيرات. ومصالحها الاقتصادية تجعلها أبدا مشتبكة العلاقات بالدول الأجنبية فيجب لها أن تكون حرة في تصريف هذه العلاقات لتدبر شؤونها مع الدول وفق مصالحها وقد تبينا أن اللورد كيرزن مقتنع بوجهة نظرنا في هذه المسألة وإنما أبقى البت فيها حتى عرض الأمر على الوزارة.

المستر لويد جورج - نعم فإن هذه المسألة لاقت بعض الصعوبة في الوزارة (ولم يزد شيئا على ذلك).

وما قولكم في حماية المواصلات الإمبراطورية؟

عدلي باشا - إن وضع جنود إنجليزية في أرض مصرية حتى على القناة نفسها لا ينظر إليه المصريون بعين الرضى. إذ الواقع أنه لا ضرورة لها في وقت السلم. ومع أننا لا نجهل الأهمية التي تعلقها الحكومة الإنجليزية على أمر هذه المواصلات فإننا نرى أنه ليس من خطر يهددها وهي في أمن لا يحتاج معه إلى التأمين. أما في زمن الحرب فنقدر أن المعاهدة كفيلة بأن تزيل كل خوف لكم بشأنها. وسواء كان الاعتداء على مصر نفسها أو كانت مصر محاربة إلى جانب إنجلترا حليفتها أو كنتم وحدكم في حرب فإن المحالفة تمكنكم من اتخاذ كل ما ترونه من وسائل الدفاع ولا حاجة معها إلى وضع جنود منذ وقت السلم استعدادا لحالة الحرب.

المستر لويد جورج - ماذا تقولون في مواصلاتنا مع السودان؟

عدلي باشا - إن هذه المواصلات حاصلة بطريق بور سودان.

المستر لويد جورج - ولكنها قد لا تكفي.

عدلي باشا - لست أرى دخلا للسودان في أمر المواصلات. فإن ما يفهمه المصريون من المواصلات الإمبراطورية هي المواصلات مع المستعمرات الإنجليزية فيما وراء البحار. أما السودان فهو مسألة أخرى. وهي كبيرة الأهمية عند المصريين. ولنا بشأنه مطالب لم نبدها بعد لأننا أردنا أن نتبين أوّلا ما إذا كان الاتفاق ممكنا بشأن مصر. وكنا قد اعترفنا أنه إذا تم الاتفاق بشأنها انتقلنا إلى بحث مسألة السودان فهي مسألة لم يأت دورها بعد.

المستر لويد جورج - لمصر شأن غير شأن السودان. فإننا فيما عدا تأمين مواصلاتتا بطريقها لا نريد التدخل في شؤونها. ونريد أن تربطنا وإياها محالفة حقيقية. ولكننا لا يسعنا ترك السودان أو أن ننزل عن مركزنا فيه على الصورة التي ننزل بها عن مركزنا في مصر.

عدلي باشا - ولكن ما هي علاقة السودان بمسألة حماية المواصلات. أو مسألة القوّة العسكرية فإن في السودان جيشا مصريا. وهو الذي يتولى حفظ الأمن فيه والدفاع عنه.

المستر لويد جورج - قد تقوم فتن واضطرابات خطيرة في السودان نحتاج معها إلى إرسال جنود لقمعها ونقل هذه الجنود بطريق مصر.

عدلي باشا - إن هذه حالة نقل جنود في ظروف خاصة. ولا حاجة معها إلى قوّة عسكرية دائمة. وهي حالة لا يمكن النظر فيها على حدتها. أو بمناسبة البحث في حماية المواصلات والقوّة العسكرية. وإنما هي مرتبطة بمسألة السودان في جملتها. ويمكن عند البحث في النقطة المتفرعة عن مسألة السودان وضع اتفاق خاص يرتب فيه لهذه الحالة ما يناسبها من الأحكام. وعلى أي حال فإني لا أرى أن يكون مجرد احتمال الحاجة إلى نقل جنود بطريق مصر لقمع فتن في السودان سببا يستدعي حفظ قوّة عسكرية في مصر.

المستر لويد جورج - هذا حق. وخير أن نترك هذه المسألة الآن.

(ثم عاد الكلام أدراجه إلى مسألة المواصلات).

ألا ترى أننا إذا كنا مغلوبين في هذه الحرب لتقطعت بنا الأسباب في أمر المواصلات ولأصبحنا منها في أكبر ضائقة؟

عدلي باشا - ولكن المحالفة بيننا ستكون غايتها تمكينكم من الانتفاع بمواصلاتنا في زمن الحرب بالشروط التي تحدد فيما بيننا، ووضع قاعدة التعاون بيننا وبينكم في الدفاع عن القناة إذا كانت في خطر.

المستر لويد جورج - وماذا يكون الحال إذا انقلبت مصر خصيمة لنا وناصبتنا العداء؟

عدلي باشا - لا محل للخوف من ذلك. فإننا بحكم المحالفة سنكون في حالة حرب مع الدولة التي تحاربكم. وستقضي علينا الأحوال ببذل كل مساعدة لكم في سبيل الدفاع عن مصالحنا المشتركة.

لمستر لويد جورج - ولكنا لا يسعنا أن نترك أمر حماية القناة لغيرنا.

عدلي باشا - حقيقة إن اللورد ملنر عند مفاوضته مع الوفد السابق ألح في وجوب وجود قوة إنجليزية ترابط في منطقة معينة على القناة لحمايتها. وتنشئ فيها ما ترى إنشاءه من وسائل المواصلات الهوائية فلم ير الوفد الذي كان يحادثه مانعا من التسليم له بما أراد، وذلك إثباتا لرغبته في الاتفاق.

المستر لويد جورج - وما قولكم في تأمين مواصلاتنا التجارية؟

عدلي باشا - إذا كانت لإنجلترا فيما خرج عن هذه المنطقة مصالح تجارية ترتبط بطرق المواصلات فإن الحكم فيها في زمن السلم يكون خاضعا لأحكام القانون الدولي بالنسبة للبلاد المستقلة، وعلى أي حال يجب أن يكون للمصريين وحدهم حق السيادة والتصرف في أراضيهم ومواصلاتهم.

المستر لويد جورج - هذه مسألة لا تخلو من الصعوبة. أو لديك اعتراض خاص على أن تغادر الجنود الإنجليزية المدن المصرية وترابط في ضواحيها؟

عدلي باشا - لا يسعني أن أعرض على المصريين أي حل يكون قائما على وجود جنود إنجليزية في غير منطقة القناة لأنه محقق الفشل.

المستر لويد جورج - إني حقيقة شديد الحرص على الوصول إلى اتفاق. ولي ملء الثقة بإخلاصك ورغبتك في حسن التفاهم. وإن من دواعي الفخر أن نرتبط بصداقة مع أمتكم العريقة في المجد، ولكن من الصعب الوصول إلى حل مرض للطرفين نظرا لحالة الرأي العام هنا والحالة النفسية السائدة في الوزارة وفي مجلس العموم. فإن الهياج والشغب الذي يحدثه زغلول يزعجهم ويخيفهم وهم لا يرضون بحال أن يطأطئوا الرؤوس أمام زغلول. أو أن يسلموا مواصلات الإمبراطورية إلى بلد يقوده زعماء يصارحون إنجلترا العداء.

عدلي باشا - ولكن زغلول باشا لا يعلن عداء لإنجلترا وإنما هو يناهض الوزارة ويدعو إلى عدم الثقة بها.

المستر لويد جورج - إنه بعمله على إحباط مساعيكم يعطل الاتفاق، ثم إن سلوكه هو الذي أوجد الحالة النفسية التي أشرت إليها، وإني لأعجب كيف لم تتخذ ضده إجراءات شديدة بمناسبة الفتن التي أحدثتها زيارته للصعيد وكيف لم ينف من مصر، وعندي أنه أكبر عدوّ لاستقلال مصر وأنه لا سبيل للاتفاق مع استرساله في التهييج، وإنما يمكن الاتفاق إذا سادت بيننا الثقة المتبادلة وإني لا أشك في أن الاتفاق ميسور من جانبي وجانبكم.

عدلي باشا - ولكن اتخاذ التدابير الشديدة ضد سعد قد يحدث اضطرابا عاما في البلد ويحرج مركز الحكومة.

المستر لويد جورج - لن تكون هذه التدابير شرا من تركه يسترسل في التهييج.

عدلي باشا - وما تراني أصنع الآن في هذه المفاوضات؟

المستر لويد جورج - يعز علي أن تعود إلى مصر من غير نتيجة، ولكن من جهة أخرى لا أرى كيف يمكن الوصول إلى اتفاق مقبول عندنا وعندكم في هذا الظرف ما دام زغلول يسلك طريق التهييج فإن أعضاء الوزارة هنا قد أدركهم الخوف والقلق مما يحصل في مصر. وهم لا يريدون أن يسلموا الأمر إلى زغلول. وإني شديد الاعتقاد لأنه إذا زالت دواعي القلق أصبحنا أدنى إلى الاتفاق وسهل وجود الاستعداد من جانبنا لقبول حل مرض للمصريين، لذلك فإني أتساءل ألا يكون من المستحسن إيقاف المفاوضات الآن على أن نستأنفها حين تصبح الأحوال في مصر أكثر هدوءا ووضوحا.

عدلي باشا - لا يمكنني أن أوافق على تأجيل المفاوضات الآن، خصوصا إذا أريد بذلك التأجيل التمكن من نفي زغلول لنستأنف المفاوضات بعد نفيه. على أني أرى أن اتخاذ التدابير الشديدة ضد شخص سعد باشا لا يخلو من الخطورة لكم. ومن شأنه أن يعقد المسألة المصرية. والأحكم أن تعملوا على إرضاء الأمة المصرية بمشروع اتفاق يحقق مطالبها ولا يترك مجالا لتهييج سعد أو غيره.

المستر لويد جورج - وكم تقدر أن تبقى هنا؟

عدلي باشا - صار لي الآن أربعة أشهر وأنا بعيد عن مصر. وقد أصبحت أعصاب الرأي العام بسبب انتظاره طول هذه المدة وعدم تبينه تباشير النجاح في حالة اضطراب لا تحمد. وحتى المعتدلون من المصريين أدركهم القلق والخوف خصوصا بعد الإشاعات الكاذبة التي روجت في البلد عن نتيجة المفاوضات. وإذا طال بي المقام لأكثر من هذا خشيت أن أفقد الاتصال مع الرأي العام وأن يصبح من الصعب معرفة من يعتمد عليهم.

المستر لويد جورج - إني أقدر هذه الاعتبارات حق قدرها.

عدلي باشا - وهبني عدت الآن إلى مصر فإني في حاجة على أي حال لأن أوقف عظمة السلطان على نتيجة عملي. وقد كان اللورد كيرزن وعدني بأن يرسل لي مشروع الاتفاق بحسب ما ينتهي إليه رأي الوزارة الإنجليزية. وحتى الآن لم يرسل لي هذا المشروع فماذا ترون في ذلك؟

المستر لويد جورج - كان بالأمس موعد المناقشة في المسألة المصرية في الوزارة. ولكني فضلت إرجاءها حتى أراك وأحدثك وسأنقل إلى الوزارة حديثنا ثم أبلغك نتيجة مداولاتنا. ولا يفوتني أن أذكر لك أن مشروع اللورد ملنر قد تجاوز ما كانت الوزارة والرأي العام مستعدين لقبوله، وكان اللورد كيرزن المدافع الوحيد عن اقتراحات لجنة ملنر ولم أستطع أن أحمل الوزارة على قبولها فأخشى أن تكون اقتراحاتنا دون ذلك المشروع.

عدلي باشا - إن هذا يجعل الموقف دقيقا. فإن المصريين يعتبرون ذلك المشروع معدلا وضعوه من التحفظات الحد الأدنى لتحقيق مطالبهم.

المستر لويد جورج - (بعد أن سكت قليلا) أحب أن أراك مرة أخرى لأشرح لك وجهة نظر الحكومة الإنجليزية.

عدلي باشا - أطلب أن يكون ذلك في أقرب وقت ممكن.

(ثم ودعه وانصرف) وكانت آخر كلمة للمستر لويد جورج إنه يجب التخلص من زغلول وكان قد كرر هذه العبارة أكثر من مرة في أثناء الحديث).


المصادر