مذكرات محمد محمود بشأن المعاهدة المصرية البريطانية

مذكرات محمد محمود بشأن المعاهدة المصرية البريطانية، 20 سبتمبر 1929، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 309 - 312".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

1 - مذكرة الجيش

اقترح تعديل (2) من الفقرة الثانية ليتبين أن إيفاد بعثة بريطانية جاء تطوعا واختيارا من الجانب المصرى. وأن الملحوظ به اعتبارات تدريب وقتية. ولذلك طلب أن تحذف عبارة "مدركة ما لتماثل التدريب وتشابه الأساليب من الأهمية العظمى في الطوارئ" إذ كان هذا التعليل يخرج البعثة من أن يكون سبب إيفادها اختياريا وقتيا. وطلب أن يبنى إيفاد البعثة على حكم المادة 8 من المشروع (ب) لينتفى كل شك في حقيقة مركزها.

كذلك اقترح تعديل النص الخاص بمنع الطيران في منطقة القناة. لأنه غير منطبق على الهيئات المصرية التى تقوم بخدمات الطيران.

2 - مذكرة المستشارين

اتفق على تعديل صيغة الجملة الأخيرة من المذكرة لكى لا يسبق إلى بال أحد أن هذين المنصبين دائمان، ولكى يتبين في جلاء أن الاختيار بيد الحكومة المصرية أصلا.

3 - مذكرة البوليس

اتفق على تعديل صيغتها حتى لا يقع في الخاطر أن مدة الخمس سنين هى مدة قيادة الضباط البريطانيين وحدها، وليتبين أنها مدة وجود العنصر الأجنبى بقيادة الضباط البريطانيين. فينتهى الاثنان بانتهائها. والواقع أن هذه الفترة كانت في نظرنا فترة انتقال لإحلال العنصر المصرى محل العنصر الأجنبى جميعه.

4 - مذكرة الامتيازات

فيما عدا بعض تعديلات تتعلق بصياغة هذه المذكرة كانت الفقرات الخاصة بمحاكمة المصريين المتهمين بارتكاب جرائم سياسية ضد الأجانب أمام المحاكم المختلطة، وبالعفو عن الأجانب، وبالتشريعات المنطبقة على هؤلاء، وباختصاصات المستشار القضائى في شئون الأجانب إطلاقا. محل مناقشة وبحث طويلين.

ولقد طلب حذف الفقرة الخاصة بمحاكمة المصريين أمام المحاكم المختلطة. ليظل الاختصاص للمحاكم الأهلية. وإن لم يمكن حذف الفقرة الخاصة بالعفو فتعديلها. ليكون حكمها متفقا مع قواعد

المسئولية الوزارية. فيصبح وزير الحقانية هو وحده الذى يعرض لجلالة الملك عن شئون العفو وتخفيف العقوبات. ويقتصر شأن المستشار القضائى على إبداء مشورته. وحيثما جاء ذكر المستشار القضائى في شأن من الشؤون. كما في هذه الفقرة وفى الفقرة الأخيرة من المذكرة. طلب أن يشار بوجه جلى إلى توقيت مهمته الفرعية. إذ كانت مهمته الأصلية، كما بينت في المذكرة الخاصة بالمستشارين، وقتية.

أما الفقرة الخاصة بالتشريع. فقد طلب تعديلها على الوجه الذى سبق شرحه في الكلام عن المادة العاشرة من المشروع.

وأخيرا طلب حذف الإشارة إلى ذلك الاختصاص العام المبهم الذى جعل للمستشار القضائى في شؤون الأجانب عموما. من كانوا من أصحاب الامتيازات ومن لم يكونوا. فتصبح مهمته محصورة في الأمور التى سبق ذكرها.

وقد جاء الجواب على هذه المذكرة محددا لما تم الاتفاق عليه في تعريف "أجنبى" للفصل بين اختصاص المحاكم الأهلية والمحاكم المختلطة في شؤون الأجانب. فلا يكون للأخيرة، خلافا لما ذهبت إليه في الحكم الخاص بالأتراك والسوريين، اختصاص بغير الأجانب الذين يتمتعون حالا بالامتيازات أو الذين كانوا يتمتعون بها قبل سنة 1914، وذلك سواء في الأقضية المدنية أو الجنائية.

5 - المذكرات الجديدة

وقد رئى أن تضاف إلى المذكرات السابقة مذكرات جديدة: في شؤون الموظفين الأجانب تأويلا لحكم المادة التاسعة من المشروع، وفى الأقليات. إعلانا بأنها تخص الحكومة المصرية وحدها وفى السودان؛ لإثبات الاتفاق الخاص بتسوية ديون مصر عليه، ولتحديد الإجراءات التى تتبع لجعل بعض المعاهدات ذات الصبغة الإنسانية العامة منطبقة على السودان.

  • * *

ليس ما تقدم إلا عرضا موجزا لما تداولته المناقشات. أريد به أن ينقل صورة وافية نوعا لدورى المحادثات:

الدور الأول الذى جرى الكلام فيه على الأسس الكلية للمعاهدة، وعلى التطبيقات المهمة لهذه الأسس.وهو الذى أثمر المشروع (أ).

والدور الثانى الذى قامت المناقشات والأبحاث فيه على المشروع (أ) فأثمر المشروع (ب).

ولقد أخرج هذان المشروعان في وقت قصير إذا قورن إلى الوقت الذى قطعه إخراج المشروعات السابقة. ولا شك في أن جعل مشروع سنة 1927 أساسا للأحاديث. والرغبة الصادقة من الجانبين في التفاهم وتقريب مسافات الخلف، واعتبارات سياسية مختلفة، كانت تحفزنا جميعا إلى إلغاء فترات الراحة وتحميل الوقت أقصى ما يحتمل من العمل، لا شك في أن كل أولئك كان له أكبر الفضل في الوصول إلى نتيجة مرضية في ذلك الوقت القصير. وقد لا يعنينى أن أنوه بما اقتضته تلك النتيجة من الجهد والجلد وطول الأناة ولطف المعالجة وطويل المناقشات وشاقها من الجانبين ولكن يخطئ كل الخطأ من يحكم على قيمة العمل الذى تم بالزمن الذى استغرقه.

كان مشروع (ب) إذن خلاصة تلك الأحاديث. ومالى أن أخدع نفسى أو أخدع أحدا فأقول إنه غاية ما يتمنى المصرى لبلده. فإنه لعزيز على أن أقف بأمانى بلادى عند هذا الحد مهما بعد. ولكنى أخذت نفسى بأن أذهب في كل مسألة إلى أقصى ما أستطيع الوصول إليه، آخذها تارة منفردة وطورا مجتمعة متفاعلة بغيرها. ولقد اطمأنت نفسى لقبول المشروع الأخير إذ وازنت بين ما نرجوه أو نتوقعه من المستقبل في حالى قبول المشروع أو التردد فيه. فرجح جانب القبول على جانب التردد رجحانا مبينا. إذ كان القبول فوق ما ينيلنا إياه من غايات طال انتظارنا لها وساء حالنا بامتناعها علينا. سيفتح لنا آفاقا جديدة في العمل يصبح معها كل أمل مشروعا وكل نتيجة متصورة ميسورة.

لم أتردد إذن في قبولى في 14 يوليه سنة 1929، ودللت عليه بالتوقيع بالحروف الأولى من اسمى على نسخة من المشروع (ب) أودعت وزارة الخارجية البريطانية.

اشتغل بعد ذلك مجلس الوزراء البريطانى بالنظر في ثمرة المحادثات التى قامت بينى وبين وزارة الخارجية. والتى فصلت أمرها فيما تقدم، وبعد بحث طويل أقرها مبدئيا. وعهد إلى لجنة مؤلفة من ثلاثة وزراء بأن يتصلوا بالخبراء، عسكريين وغير عسكريين، ليستطلعوا رأيهم في المشروع وقد كان هذا الدور دقيقا إذ كان المفهوم والمعروف أن لهؤلاء الخبراء تشددا وصلابة في آراء معينة ليست مما ينشرح لها صدر مصر. على أن المشروع كان قد تم نضجه وصدقت رغبة الجانب البريطانى في نجاحه فاجتاز هذا الدور يصحبه التوفيق. وقد عرضت في هذا الدور بعض المخاوف مما سوف يلقاه الجندى البريطانى من العنت والشدة في القفار النائية عن أسباب العمران والحضارة التى سترابط فيها القوات البريطانية. أو مما سوف يخشى من امتناع ماء الشرب أو فساده، فتقدمت بالتأكيد بأننا سنعمل جهدنا على تلطيف ذلك العنت ونحتاط لضمان توفر ماء الشرب وسلامته وأننا نرى في ذلك واجبا لا تتردد في القيام به ثم إن ما سنصنعه في هذا السبيل سيعود أثره أيضا على ما قد يمكن أن يكون مرابطا من القوات المصرية في تلك النواحى.

انتقل المشروع بعد الموافقة على إضافة حكم بالمعنى المتقدم. وعل تعديلات طفيفة أخرى إلى مجلس الوزراء ليعيد النظر فيه بعد الاطلاع على تقرير اللجنة الوزارية. وثم ثارت مناقشة بشأن

عودة الجيش المصرى إلى السودان وانتهى رأى الوزارة في موقف لم يخل من الدقة إلى ما كتب لى به بعد ذلك وزير الخارجية البريطانية من أن عودة الجيش ستكون محل نظر وتفاهم عند سحب القوات البريطانية من القاهرة، وبشرط أن يكون تنفيذ المعاهدة حاصلا بالروح التى باشرنا بها المفاوضة.

تلا هذه الإجراءات نشر مشروع المعاهدة وقد كان من مقتضيات النشر عدم إيراد الديباجة بما يتصل بها من الصيغ التى تستعمل في تحرير المعاهدات. ولذلك أطلق على المشروع اسم مقترحات وهى ملحقة بهذا البيان باسم مشروع (ج). وبمناسبة النشر وجهت إلى الأمة المصرية نداء أدعوها فيه إلى طرح المنازعات الحزبية وفحص المشروع على هدى الوطنية المستنيرة. كما أنى بمناسبة عودتى من الخارج ألقيت خطابا أفصل فيه ما في المشروع من مزايا تحسن لكل مصرى قبوله والاغتباط به خطوة موفقة في سير مصر إلى الأمام.

تحريرا في 20 سبتمبر سنة 1929

محمد محمود


المصادر