مذكرة بالرد على الاقتراحات المقدمة من الوفد البريطاني في 17 سبتمبر 1946

مذكرة بالرد على الاقتراحات المقدمة من الوفد البريطاني، في 17 سبتمبر 1946، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 529 - 532".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

قام الوفد المصري بدراسة النصوص المقدمة من الوفد البريطاني والتي تشمل صيغة جديدة للمادة الثانية ومشروعين لبروتوكولين أحدهما عن الجلاء والآخر عن السودان:

وفيما يلي بيان النتائج التي وصل إليها الوفد المصري بعد دراسة تلك النصوص.

1 - المادة الثانية من مشروع المعاهدة:

إن المادة الثانية من المشروع البريطاني - التي تتناول في الفقرة الأولى منها التزامات الحليفتين في حالة الاعتداء بغير استفزاز - إذ تذكر بريطانيا العظمى صراحة، وقد قررت من جديد مبدأ المعاملة بالمثل، وهو المبدأ الذي يجب أن يكون أساسا لكل معاهدة تحالف، وأزالت الشذوذ الوارد في النص السابق. ومع ذلك فقد حذف من النص التشاور الذي يجب أن يسبق العمل المشترك وقد حرص الوفد المصري في مذكرة سابقة على أن يبين على وجه التخصيص أن هذا التشاور الطبيعي جدا بين حلفاء ليس من شأنه أن يعيق أو حتى يؤخر العمل المشترك.

وتناولت الفقرة الثانية من المادة الثانية حالة مختلفة كل الاختلاف، هي حالة تهديد سلامة الدول المجاورة لمصر.

هذا مع أن الوفد المصري، منذ بدء المفاوضات، قد أوضح أنه لا يسعه أن يقبل - كما هو الحال في معاهدة سنة 1936 - أن تهديد السلامة قد يفضي إلى المبادرة بالقيام بعمل مشترك يمكن أن يؤدي بصفة خاصة إلى عودة القوات البريطانية إلى الأراضي المصرية في وقت السلم.

ومن جهة أخرى فإن عبارة تهديد السلامة عبارة واسعة المدى تحتمل تأويلات متباينة فمنذ سنة 1933 حتى الحرب الأخيرة كان لمعظم الدول الأوروبية أن تعتبر نفسها بحق واقعة على الدوام تحت خطر هذا التهديد. بل إن جانبا من الرأي العام في دول كثيرة يؤمن حتى في الوقت الحاضر بأن سلامة بلاده مهددة.

وعلى أي حال فقد سلم الوفد البريطاني تمام التسليم بوجهة النظر هذه. ولم تتعرض النصوص المختلفة التي قدمها في نهاية الأمر وعلى الأخص الصيغ الثلاث المختلفة للمادة الثانية التي قدمها يوم 17 يوليه إلا لحالة الحرب.

فبناء على ذلك لا يسع الوفد المصري قبول النص الجديد الذي يقترحه الوفد البريطاني للفقرة الثانية من المادة الثانية.

2 - بروتوكول الجلاء:

يرى الوفد المصري أنه لا يسعه أن يقبل للجلاء أجلا متطاولا هو ثلاث سنوات. وخاصة أن سحب القوات البريطانية كان يجب أن يبدأ منذ وقف الأعمال العدائية. كما حدث في البلاد الأخرى.

ومن رأيه أيضا. أنه يجب أن يقصر البرتوكول على تعيين الخطوط الرئيسية للجلاء. أما التفصيلات فيمكن تسويتها فيما بعد.

3 - بروتوكول خاص بالسودان:

اقترح الوفد المصري بروتوكولا خاصا بالسودان نصه كالآتي:

"يتعهد الطرفان الساميان المتعاقدان بالدخول فورا في مفاوضات بقصد تحديد نظام الحكم في السودان في نطاق مصالح الأهالي السودانيين على أساس وحدة وادي النيل تحت تاج مصر.

وقد اتضح بجلاء خلال المفاوضات الحالية أن الهدف الذي يرمي إليه الوفد البريطاني هو تسوية نظام الحكم في السودان تسوية نهائية طبقا لاتفاقية سنة 1899 حسبما تطبقها الآن السلطات البريطانية في السودان. وقد أبعدت مصر بطريقة منظمة عن حكم السودان، وكان ما طالبت به الحكومة البريطانية مقابل اشتراكها في حملة السودان - كما نص صراحة في اتفاقية 19 يناير سنة 1899 - هو الحق في "أن تشترك في وضع النظام الإداري والقانوني الآنف ذكره وفى إجراء تنفيذ مفعوله وتوسيع نطاقه في المستقبل" فالأمر يتعلق إذن بإدارة مشتركة إنجليزية مصرية للسودان، ولكن مركز بريطانيا العظمى الفعلي في مصر، وتجاوز الموظفين البريطانيين في السودان سلطتهم، والتدابير التي فرضتها الحكومة البريطانية بالقوة من جانب واحد في سنة 1924 قد نزلت إلى حد العدم بالنصيب الذي آل إلى مصر في إدارة أقاليمها السودانية."

وقد اشتمل مشروع المعاهدة الذى اقترحه الوفد البريطانى على مادة هى المادة (8) ليست إلا صورة أخرى للمادة (11) من معاهدة سنة 1936 مع هذا الفارق البسيط وهو أنها تنشئ لجنة مشتركة يعهد إليها بالتقدم بتوصيات فيما يختص بنظام الحكم في السودان.

وتكررت الفكرة ذاتها في مشروعى البروتوكول المقدمين إلى الوفد المصرى. بل أن المشروع الجديد الذى بحثه الوفد المصرى أخيرا يبتعد عن وجهة النظر المصرية أكثر من البروتوكول الأول إذ أن هذا النص قد خلا حتى من عقد اتفاق خاص بالسودان فيما بعد. الأمر الذى ورد في المشروع الأول.

ولهذا فإن البروتوكول المقدم من الوفد البريطانى يجعل كل مفاوضات لاحقة بشأن السودان عديمة الجدوى وغير ذات موضوع، إذ أن نظام الحكم في السودان قد سوى في البروتوكول لسنين عدة مقبلة بطريقة يرفض الوفد المصرى قبولها.

وفوق ذلك، ينص البروتوكول على أن غاية الطرفين الساميين المتعاقدين هى إعداد السودانيين إعدادا جادا لحكم أنفسهم بأنفسهم. وتلك، في الواقع هى رغبة مصر الصادقة.

بيد أن الوفد المصرى يرغب في أن لا يكون هذا التصريح مجرد تصريح من حيث المبدأ لا تشترك الحكومة المصرية في تنفيذه. بل ينبغى - على العكس من ذلك - أن تتدخل بصفة فعالة في إعدادا النظام الديموقراطى الذى يجب أن يسير نحوه السودانيون. هذا مع أن اتفاقيتى سنة 1899 والمادة 11 من معاهدة سنة 1936 كما تطبق جميعا الآن، والتى يحرص البروتوكول على توكيدها وإبقائها نافذة المفعول - لا تتيح للحكومة المصرية أية وسيلة للاشتراك في هذه المهمة. وبمقتضى النظام الذى يقترحه هذا البروتوكول سيكون حاكم السودان العام هو الذى يقوم وحده بإعداد النظام الجديد للحكم في السودان طبقا للتوجيهات التى تأتيه من لندن. وكل ما يمنحه البروتوكول للحكومة المصرية هو أن تحاط علما بين حين وآخر عن طريق تقارير من الحاكم العام بتقدم السودانيين نحو الحكم الذاتى. يضاف إلى هذا أن تقوم الحكومتان في زمن غير محدد ويبدو أنه بعيد، بتعيين لجنة مشتركة تضع تقريرا لتعرف ما إذا كان السودانيون أهلا لإدارة شئونهم بأنفسهم ولتقدم التوصيات المناسبة.

وقد طلب الوفد المصرى من جهة أخرى أن يقرر نظام السودان على أساس وحدة وادى النيل تحت تاج مصر.

وينص المشروع البريطانى على أن البروتوكول ليس فيه أى مساس بمطلب حضرة صاحب الجلالة ملك مصر أن يكون ملك السودان. على أنه لا حاجة إلى المطالبة باستعادة سيادة مصر

كما سلف بيانه في مذكرة سابقة، إذ أنها قائمة، وما كان في وسع أحد أن ينازع فيها. ومن ناحية أخرى فإن الحكومة البريطانية ترفض أن تقطع برأي في مسألة السيادة. وليس من شأن المرور في صمت عن حق مصر في السيادة أن يمكِّن زاعما من إبعاد هذا الحق أو إبطاله.

وهذا الموقف لا يمكن أن يطول كثيرا في الوقت الذي تود فيه الدولتان أن تسلكا سبلا جديدة إلى اتفاق آخر يعقد عن رضى. فإما أن تقر بريطانيا العظمى حق مصر في السيادة، وفى هذه الحالة لا يكون لديها أي اعتراض على الاعتراف به وإما أن تنازع فيه وفى هذه الحالة يجب أن تعلن ذلك حتى يعلم الشعب المصري أن بريطانيا العظمى تنكر عليه العلاقة الوحيدة التي لا تزال تربطه بالسودان. في نفس الوقت الذي يطلب منه فيه أن يصبح حليفا لها وأن يقاسمها التبعات الخطيرة التي تنجم عن المحالفة.

لهذه الاعتبارات جميعها لا يسع الوفد المصري أن يقبل مشروع البروتوكول المقدم من الوفد البريطاني.

25 / 9 / 1946


المصادر