بيان السفارة المصرية في لندن للصحفي

بيان السفارة المصرية في لندن للصحفي، في 20 أغسطس 1951، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 685 - 687".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

عندما ألقى المستر هربرت موريسون وزير الخارجية البريطانية خطابه في مجلس العموم البريطانى يوم 30 يوليو 1951 في أثناء المناقشة في أمور الشرق الأوسط نقلت شركات الأنباء ومنها شركة رويتر أهم نصوص هذا الخطاب إلى جميع أنحاء العالم وعنيت الصحف المصرية عناية خاصة بنشرها ولا سيما ما تعلق منها بمصر نفسها.

ولما نشر الخطاب بالكامل في محاضر "هانسرد" الرسمية تبين أن جميع ما نشرته الصحف المصرية من عبارات الخطاب مطابق تمام المطابقة لهذه العبارات كما وردت في المحاضر. فإذا كانت الصحافة المصرية قد علقت على خطاب المستر موريسون كما استقته من مراسليها ومن شركات الأنباء. فإنه لا يمكن اعتبارها متعجلة أو مخطئة. لأن تعليقها قد انصب بالفعل على خطاب المستر موريسون كما ألقي في مجلس العموم. ولم تكن الصحف المصرية تستطيع بالطبع أن تؤجل تعليقها على مثل هذا الخطاب الهام حتى تصل المحاضر الرسمية.

وقد كان الأثر التلقائي للخطاب عند الصحف المصرية ولدى الرأي العام المصري سيئا للغاية. وشعر الجميع بأن هذا الخطاب قد أغلق باب المحادثات الجارية بين الحكومتين المصرية والبريطانية. ولكن يظهر أن الدوائر البريطانية لم تفهم كيف أحدث الخطاب هذا الأثر وهو خلو من عبارة صريحة تشير إلى إغلاق باب المحادثات. وفيه عبارات حسبتها هذه الدوائر مرضية للحكومة المصرية والشعب المصرى.

وبصرف النظر عن وقع هذه العبارات نفسها عند الرأى العام المصرى الذى لا يستطيع أن ينظر إليها إلا في ضوء حقوق مصر الوطنية. فالظاهر أن الدوائر المشار إليها نسيت أن الخطاب يتضمن عبارات أخرى. هى أوضح ما تكون في إنكار هذه الحقوق، وأبعد ما تكون عن أن تتقابل مع وجهة النظر المصرية. فقد جاء في خطاب مستر موريسون.

"من سوء الحظ أن صبرنا وإدراكنا لم يقابلا دائما بمثلهما وأننا لانزال نواجه تصميما لا يلين على مطالب لا تمت بصله إلى حقائق الوقت الحاضر".

وجاء فيه:

(إن وجود القوات البريطاني في مصر لم يعد اليوم مسألة مصرية بريطانية خالصة. فنحن دولة عليها مسئوليات في الشرق الأوسط بالنيابة عن باقى دول الكومنولث وحلفاء الغرب أجمعين).

ثم جاء فيه:

(نحن نريد تنظيم علاقاتنا على أساس جديد بالكلية. فإذا رفضت مصر هذه الدعوة. فلا يمكننا أن نسمح لهذا التصرف من جانبها بأن يمس قيامنا بالتزاماتنا الدولية).

وهذه العبارة الأخيرة لا تخلو من التهديد والتلويح بالالتجاء إلى القوى المادية إذا اقتضى الحال.

أما فيما يتعلق بالسودان فقد جاء في خطاب المستر موريسون:

(هنا أيضا تعترضنا آراء مبتسرة تمنع الحكومة المصرية من تناول المسألة على نحو واقعى).

وجاء فيه:

(فالشعب السودانى - على الرغم من اختلاط أجناسه وأديانه - قد تقدم تقدما سريعا في النواحى السياسية والاجتماعية والاقتصادية بحيث أصبح قومية منظمة تعتمد على نفسها).

ثم جاء فيه:

(أما التصميم -كما يفعل بعض المصريين- على أنه ليس هناك فرق بين الشعبين السودانى والمصرى فليس إلا تجاهلا للحقائق. ومثل هذه الخطة لا يمكن أن تؤدى إلا إلى زيادة الصعوبة في تحقيق التفاهم الوثيق. والاشتراك الوطيد اللذين يسرنا أن نراهما ينموان بين مصر والسودان).

على أن أسلوب خطاب مستر موريسون وطريقة صياغته ليس لهما من الأهمية ما لمعانى كلماته وأهدافها. ولا شك أن كل مصرى يقرأ هذا الخطاب كاملا لا يمكن أن يخرج من تلاوته بغير نتيجة واحدة هى إصرار الحكومة البريطانية على الأمور الآتية:

أولا - استمرار احتلال القوات البريطانية، لمصر.

ثانيا - الدفاع المشترك في وقت السلم.

ثالثا - تبرير الأمرين الأولين بادعاء بريطانى جديد. هو أن بريطانيا تحمل مسئوليات في الشرق الأوسط بالنيابة عن باقى دول الكومنولث، وعن حلفاء الغرب أجمعين.

رابعا - إنكار وحدة مصر والسودان وهى الوحدة الطبيعية التاريخية المستندة إلى أقوى الدعائم القانونية. بل إلى تصرفات سابقة من بريطانيا نفسها كما حصل في حادث فاشودا.

خامسا - التفريق بين المصريين والسودانيين بشتى الحجج والوسائل واستخدام حكومة السودان -الثنائية اسما البريطانية فعلا- في تحقيق هذا الغرض.

وما أعمق الهوة بين هذا كله وبين حقوق مصر الوطنية وهى جلاء القوات البريطانية برا وبحرا وجوا. جلاء ناجزا عن مصر والسودان ووحدتهما تحت التاج المصرى.

فإذا أضفنا إلى ما قدمناه أن خطاب المستر موريسون لم يكن الا خاتمة علنية للمباحثات الطويلة الشاقة التى ظلت جارية بين الحكومتين أكثر من خمسة عشر شهرا بذل فيها الجانب المصرى كل ما في وسعه لتوفيق بين مصالح بريطانيا وبين حقوق مصر، ولإيجاد حل عملى لكل صعوبة، تبين بجلاء سخف الزعم القائل أن خطاب المستر موريسون لم يغلق باب المحادثات ومجافاة هذا الزعم للمنطق.


المصادر