محضر محادثة بين الدكتور محمد صلاح الدين وزير الخارجية والفيلد مارشال سير وليم سليم

محضر محادثة بين الدكتور محمد صلاح الدين وزير الخارجية والفيلد مارشال سير وليم سليم، في 5 يونيو 1950، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954 المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 590 - 593".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

الحاضرون

الدكتور محمد صلاح الدين (بك)

فيلد مارشال سير وليام سليم

الأستاذ عبد الرحمن حقي (بك)

مستر تشابمان أندروز

الدكتور محمد صلاح الدين (بك) - إنني أرحب بسعادة الفيلد مارشال سليم، ويسرني أن أستمع إلى كل ما يود أن يفضي به إلى. وأفترض أنه اطلع على الرسائل المتبادلة بين الحكومتين التي انتهت بالاتفاق على هذه الزيارة. وهي رسائل ثلاث: رسالة مني إلى سعادة مستر ييفن؛ ورد سعادة مستر بيڤن عليها، ورسالة ثالثة بعثت بها أخيرا إلى سعادته قبل حضوركم بأيام قلائل. وعلى كل حال. وسواء كان سعادة الفيلد مارشال قد اطلع على هذه الرسائل أو لم يطلع عليها. فيسرني أن أستمع إلى ما يقول. وفى رأيي أنه لا يمكن الفصل بين الناحيتين السياسية والعسكرية.

فيلد مارشال سليم - إني سعيد بأن تتاح لي فرصة مقابلة معاليكم. وقد اطلعت على الرسائل وأود أن أدلي بآرائي كرجل عسكري. ففيما يتعلق بالناحية السياسية للمسألة، من المستحيل، كما ذكرتم معاليكم، فصل الناحيتين السياسية والعسكرية. ولكن من الضروري أولا أن نتفهم الناحية العسكرية في وضوح.

تعلمون معاليكم أن جميع الاتصالات التي قامت بها الدول الغربية لم تصب نجاحا. إذ إن أمل السوفييت هو السيطرة التامة على العالم. وهذا مقرر في تعاليمهم. وقام عليه الدليل في كل عمل من أعمالهم.

إن الروس يعتنقون مبدأ و يتشبثون به كما كان يفعل هتلر. إنهم ينتظرون ويتطلعون إلى حرب بينهم وبين الدول الرأسمالية. ولمواجهة ذلك يتعين على هذه الدول أن تتخذ الأهبة اللازمة.

ومن الحقائق الأساسية أنه لا توجد أمة تستطيع بمفردها أن تهزم روسيا في الحرب. فإذا دخلت الولايات المتحدة في حرب مع روسيا كانت النتيجة تعادل الطرفيين والاستعداد لحرب أخرى أما إذا دخلت الولايات المتحدة وبريطانيا الحرب معا فإنهما تنتصران. فإن حدثت فرقة بين هاتين الدولتين أقدمت روسيا. أما إذا أظهرتا الاتحاد فإنها تتردد.

لقد سعت روسيا في برلين إلى طرد الولايات المتحدة وبريطانيا منها. غير أننا أظهرنا لهم أننا متحدين. ولكن حيث لا يكون اتحاد يكتسح الروس ما أمامهم. والأمل الوحيد في صد روسيا أو وقفها هو أن نتحد، وقد فعلنا ذلك في الغرب. ولست أقول إن روسيا قوية الآن من الوجهة العسكرية ولكنها تزداد قوة كل يوم. والوسيلة الوحيدة لتكتل الأمم من الوجهتين العسكرية والصناعية هى أن تتنازل عن بعض سيادتها وتقاليدها الماضية. وقد تنازلنا نحن عن ذلك وقبلنا قوات أجنبية في بلادنا. وفكرة المشاركة هذه هى الجوهرية.

ثم إن الولايات المتحدة قد تقدمت تقدما كبيرا في هذا السبيل فتركت عزلتها، وخطت إلى الأمام في نواح كثيرة.

ولا تستطيع أمة بمفردها أن تدافع عن نفسها. لا مصر ولا بريطانيا. وخطر الحرب قد يتحقق من سبيلين: ففى أوروبا تقف القوات الشرقية والغربية وجها لوجه، وقد يحدث بينهما في أى وقت تصادم يفضى إلى الحرب. ومن الناحية الأخرى رسم الروس خطة تؤدى إلى الحرب بينهم وبين الدول الرأسمالية وهى أن يستمروا في نشر مبادئهم ثم يتحينون فرصة يبدو فيها ضعف الدول الغربية وعندئذ يجرونها إلى الحرب.

وهذا الخطر خطر حقيقى فالجيش الروسى جيش كبير جدا، بل هو أكبر الجيوش. فهو مكون من مائة فرقة يمكن زيادتها إلى مائتين وخمسين وهو عدد ضخم وهذه الفرق ليست مجهزة بالأسلحة الحديثة، ولكن عندهم قوة جوية كبيرة وغواصات استولوا عليها من ألمانيا مما يجعل لديهم قوة كافية للهجوم في أوروبا وعلى بريطانيا. وللتقدم إلى جنوب أوروبا والنزول إلى البحر الأبيض المتوسط.

وإذا نشبت الحرب فستكون مصر موضعا من مواضع اهتمام السوفييت فمثل مصر في الشرق الأوسط. مثل فرنسا وبلجيكا في أوروبا. إذا قامت حرب في أوربا اشتركت بلجيكا وفرنسا فيها وعلى أية حال فإن مصر ستكون في صميم الحرب منذ البداية.

وقد تقولون إن وجود القوات البريطانية في مصر يجتذب الروس إليها لطردهم منها. ولكن ما يبتغونه هو مصر. فأنتم بلد ذات ثروة وموارد وكل من يريد أن يمسك الشرق الأوسط يجب أن يملك مصر. إن لديكم الموانئ ولديكم كل شيء وستكونون قلب الهدف الروسي. ولا يتنسى لمصر أن تقف بمنجاة ببقائها على الحياد. إذ لا يستطيع أن يلتزم الحياد إلا أحد بلدين. إما بلد قوى كبير وليست مصر ذلك البلد. أو بلد صغير ولكنه يملك شيئا نافعا للطرفين كالسويد وسويسرا وليست مصر كذلك. فلا يمكن أن تبقوا على الحياد. وإذا أردتم الدفاع عن أنفسكم يجب أن تستعدوا لهذا الدفاع. والوسيلة الوحيدة لذلك هي أن يكون لكم حليف. ومن الواضح أن ذلك الحليف هو بريطانيا. إن الحرب تقوم فجأة ولا فائدة من التروي كما فعل الأمريكيون في الحرب الماضية. فعليكم أن تستعدوا لأن الحرب تنظيمات واستعدادات هائلة ولا بد من اتخاذ الأهبة لها. إننا نريد الوصول إلى اتفاق عسكري معكم وسيكون اتفاقا دفاعيا محضا ولكنه سوف يكفل سلامة مصر. هذا هو المركز برمته. وإني على يقين من أن روسيا تعمل للحرب وأنهم يريدون الوصول إلى أفريقيا.

وهناك شيء واحد أود أن أذكره وهو أن العلاقات من وجهة النظر العسكرية بين القوات البريطانية والقوات المصرية علاقات ودية ونحن نمدهم بالمعدات وطياروكم محل إعجاب القوات البريطانية وكل شيء على أحسن ما يرام من هذه الناحية ونحن نبتغي قيام صلات جديدة بين القوات المصرية والبريطانية كحليفين يعملان مشتركين. لا على أساس أننا نقف منكم موقف المعلم. إننا نحب أن يجري الأمر على قاعدة التبادل كما نفعل مع الأمريكيين والفرنسيين. ليس لي ماض في مصر. فلست سبنكس باشا وعقليتي حرة متفتحة.

الدكتور صلاح الدين (بك) - أود أن أعرف مزيدا من التفصيلات عن هذه الصورة الجديدة من التعاون. والفرق بينها وبين ما كان يجري عليه العمل في الماضي.

فيلد مارشال سليم - لا مناص من أن نجد طريقة جديدة.

الدكتور صلاح الدين (بك) - لما كان البيان الذي تودون الإدلاء به طويلا. ولما كنت أفترض أنكم ستقولون نفس الكلام لمعالي وزير الحربية. فإني أقترح استدعاء معاليه لحضور مباحثاتنا توفيرا للوقت.

مستر تشابمان أندروز - هذه طريقة لا بأس بها. ولكننا حينما حددنا الميعاد ظننا أنكم تفضلون مقابلة سير وليم سليم منفردين.

الدكتور صلاح الدين (بك) - لقد ظننا أن سير وليم سليم يود مقابلتنا منفردين إذ أنكم طلبتم موعدا من كل منا. ولم نر بأسا من ذلك، ولكنني أرى الآن أنه يكون عمليا أن نستدعي معالي نصرت (بك).

فيلد مارشال سليم - لم أتعرف بعد برفعة النحاس (باشا) ومعالي نصرت (بك) فأحب أن تكون مقابلتي مع كل منهما أول الأمر على انفراد لأتحدث إليهما وبعد ذلك نجتمع جميعا.

مستر تشابمان أندروز - لقد قابل الفيلد مارشال معاليكم الآن، وسيقابل بعد ذلك معالي نصرت (بك) ثم رفعة النحاس (باشا) ليدلي إليهما بما يريد ثم تجتمعون به جميعا للرد على بيانه وتوجيه ما ترون توجيهه من أسئلة إليه.

الدكتور محمد صلاح الدين بك - أوافق على هذه الفكرة.


المصادر