كتاب السفير البريطاني إلى رئيس مجلس الوزراء ومعه مستخرج من خطاب مستر موريسون في مجلس العموم في 30/ 07/ 1951

كتاب السفير البريطاني إلى رئيس مجلس الوزراء ومعه مستخرج من خطاب مستر موريسون في مجلس العموم، 30 يوليو 1951، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 673 - 676".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

عزيزي (حضرة صاحب المقام الرفيع) رئيس مجلس الوزراء

أبعث إلى رفعتكم مع هذا بمستخرج من الخطاب الذي ألقاه مستر موريسون في مجلس العموم يوم 30 يوليو بشأن العلاقات الإنجليزية المصرية وكذلك بترجمة عربية له كما وعدتكم في حديثنا أمس.

وسترون أن ما قاله مستر موريسون لا يعني مطلقا إغلاق باب المحادثات الجارية. وإني على يقين من أن الحكومة المصرية ستفهم تماما بعد دارسة نص الخطاب الروح التي يدعو بها مستر موريسون مصر إلى التعاون كشريك على قدم المساواة وعلى أساس جديد في مجهودنا المشترك لتأمين سلم العالم.

وتفضلوا (رفعتكم) بقبول فائق الاحترام.

إمضاء (رالف اسكراين ستيفنسون)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 673 - 676"

نبذة من الخطاب الذي ألقاه مستر موريسون في مجلس العموم

(يوم 30 يوليو من عام 1951)

"وأنتقل الآن إلى المسألة المصرية، وأود أن أثني على العمل الذي قام به سلفي الذي كد في غير تراخ لإقامة العلاقات البريطانية المصرية على أساس من شأنه أن يبقى على أحسن العناصر في العلاقات الوثيقة التي ربطت طويلا بين بلدينا. ويحسب فيه - في الوقت نفسه - حساب الحقائق المتعلقة بالموقف الخطر الذي يجد العالم المتمدن نفسه فيه الآن.

وهذا الهدف هو ما أصبو إلى مواصلة بلوغه. فقد كان يعتقد - كما أعتقد - أن الصداقة والتعاون بيننا وبين مصر في المناحي التي تتقابل فيها مصالحنا هما من الأسس التي يقوم عليها استقرار الشرق الأوسط وسلامته. ونحن نقدر المصاعب التي تواجه الحكومة المصرية، وقد حاولنا أن نعالج مشاكلنا المشتركة بصبر وإدراك. كما نعلم أيضا أن الموقف الذي تقفه مصر تعود دوافعه إلى الماضي، فحاولنا أن نحسب لهذه الحقيقة حسابها. ولسوء الحظ أن هذا الصبر وذاك الإدراك لم يلقيا التجاوب من الجانب الآخر في جميع الأحوال. ولا نزال نواجه تصميما لا يلين على مطالب. يُغمض فيها الطرف عن حقائق اليوم.

فلم يعد وجود القوات البريطانية في مصر اليوم مسألة لا تعني غير بريطانيا ومصر وحدهما فنحن دولة تحمل بالنيابة عن بقية دول الكومنولث وحلفاء الغرب مسئوليات كبيرة في الشرق الأوسط. ومصر هي مفتاح الشرق الأوسط من بعض الوجوه. والادعاء باستطاعة مصر الوقوف موقف الحياد في أي صراع دولي ما هو إلا سراب خداع كما يؤيد التاريخ ذلك فمصر تحتل جسرا بين قارتين، وتسيطر على نقطة اتصال حيوية في المسالك البحرية بين نصفي الكرة الأرضية الشرقي والغربي. فهي بهذا الوضع هدف ذو أهمية قصوى لأية دولة معتدية في الحوض الشرقي من البحر الأبيض المتوسط.

إن مصير، بلدينا وحضارتيهما مرتبط كلاهما بالآخر وليس من الواقعية في شيء أن تزعم مصر أن في استطاعتها تفادي الخطر برفض السماح لنا بالمشاركة في تنظيم الدفاع عن هذه المنطقة. وفوق ذلك فليس في استطاعة مصر أن تقف وحدها للدفاع عن أراضيها كما لا نستطيع نحن كذلك الدفاع عن أراضينا نفسها.

وإني لواثق من أن الشعب المصري سيشترك معنا في مقاومة العدوان إذا ما اضطر العالم الحر إلى خوض غمار الحرب. والخلاف القائم بيننا وبين الحكومة المصرية هو عدم الاتفاق على التدابير اللازمة للاستعداد لمواجهة مثل هذا الطارئ. ونحن ندرك أننا سنخسر قضيتنا قبل

أن تبدأ المعركة إذا لم نهيئ - في زمن السلم - وسائل الاستعداد على نطاق واسع. وواجبنا هو أن نقنع الحكومة المصرية لمواجهة هذه الحقيقة التي لا مفر منها بالأخطار التي ستصيبهم وتصيبنا إذا ما أهملنا هذا الاستعداد.

وقد قام شعبنا بالاشتراك مع شعوب حلف شمال الأطلنطي. وشعوب الكومنولث بتحمل أعباء ثقيلة في زمن السلم من أجل تحقيق السلامة للبلدان التي تشاركها في المدنية العامة التي ورثناها جميعا. وإني لأدعو مصر للمشاركة - مشاركة الند للند - في هذا المجهود العام الذي يبذل لضمان سلام العالم. نحن نريد أن ننظم علاقتنا على أساس جديد كل الجدة. فإذا رفضت مصر هذه الدعوة. فلن يكون بوسعنا أن نسمح للموقف الذي ينشأ عن هذا الرفض أن يعرقل جهودنا للوفاء بالتزاماتنا الدولية. بيد أننا لن نيأس من الأمل في إقناع مصر بالتعاون تلقائيا وهو تعاون سيسهل مهمتنا إلى حد كبير.

وأنتقل الآن للتحدث عن السودان الذي تدور المباحثات بيننا وبين الحكومة المصرية في شأن مستقبله. وتعاودنا هنا مرة ثانية بعض الانتقادات التي تعوق الحكومة المصرية عن معالجة المشكلة على نحو واقعي. فالشعب السوداني - بالرغم من اختلاط الأجناس والأديان فيه - قد خطا خطوات سريعة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا مما يهيئه أن يكون قومية منظمة تعتمد على نفسها. واعتماد مصر والسودان سويا على مياه النيل قد ربط مصير السودان بمصير مصر. ونحن نأمل أن نرى الشعب السوداني يختار نوع العلاقة التي تقوم بينه وبين مصر على ما يحقق حاجاته على أحسن وجه. ونحن نهدف إلى أن يصل الشعب السوداني بأسرع ما يمكن إلى درجة من التقدم يستطيع معها البت في هذا الاختيار بكامل حريته وهو مدرك لمراميه كل الإدراك.

إن بريطانيا لترجو أن تقوم مصر بدورها الكامل معنا في إرشاد السودانيين في سيرهم نحو التطور السياسي. أما التصميم - كما يفعل بعض المصريين - على أن لا فرق هناك بين الشعبين السوداني والمصري فمعناه تجاهل الحقائق مما يزيد صعوبة تحقيق التعاون والتفاهم الوثيقين بين مصر والسودان. ونحن نرحب بهذا التعاون والتفاهم الوثيقين ونود رؤية نمائهما.

أما عن قناة السويس فإن المجلس يشاركني الأسف على أن الحكومة المصرية لم تر إلى الآن تعديل موقفها بصدد القيود التي فرضتها. والتي لا تزال تنفذها متحدية الرأي العام العالمي الذي يرى حرية الملاحة في قنال السويس. وقد بذلنا بالاشتراك مع الدول البحرية الكبيرة الأخرى كل ما وسعنا من جهد بالوسائل الدبلوماسية لإقناع الحكومة المصرية بأن هذه القيود ظالمة غير معقولة وأن تعمل على وضع حد نهائي لها.

ومن المؤسف أن جهودنا لم تأت إلا بثمر ضئيل. والأمر معروض الآن أمام مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة. وقد يرى مجلس الأمن أنه ما دام نظام الهدنة الدائمة قائما بين مصر

وإسرائيل لأكثر من عامين - فليس هناك مبرر لاستمرار التمييز في الملاحة الدولية عبر القناة أو للخطر الذي يمنع زيت الخليج الفارسي من الوصول إلى حيفا.

وهذا المسلك غير المسئول من جانب الحكومة المصرية يسبب خسائر كبيرة لدول بريئة لا شأن لها في النزاع بقصد إلحاقها بالضحية.

وليس من المعقول أن ينتظر من الدول الملاحية أن تتحمل هذه الخسائر إلى أجل غير مسمى وأن تظل تحت هذا النظام الذي لا يجد مبررا عمليا أو خلقيا.

وفضلا عن هذا فمهما كان القصد من هذه القيود فإن نتائجها تؤخر احتمال الوصول إلى اتفاق سلمي بين الدول العربية وبين إسرائيل. ذلك الاتفاق الذي ارتبط به الطرفان في تصريحاتهما. فللدول الملاحية مصالح وعليها مسئوليات كما لمصر مصالح. وأرى أن من حقنا أن ننتظر من مصر بموقعها الجغرافي الفريد أن تضرب مثلا للسلوك الدولي بدلا من استغلال هذا الموقع في الإساءة إلى التقاليد البحرية والمعاهدات الدولية كما تفعل الآن في قناة السويس وفي خليج العقبة".


المصادر