رد دولة ثروت باشا على رسالتي سير أوستن تشمبرلن

رد دولة ثروت باشا على رسالتي سير أوستن تشمبرلن، سُلم في 18 فبراير 1928. منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 286 - 288".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

حضرة صاحب السعادة

تفضل اللورد لويد فبعث إلى منذ زمن برسالة أولى موجهة إلى من سعادتكم وإذا كنت لم أبادر إلى الرد عليها فإنما كان ذلك لأنى رأيت في استئناف المحادثة مع فخامته في المسائل التى أثرتها. في اجتماعاتنا السابقة، والبحث عن وجوه للتوفيق بيننا نوعا من الرد، وإنى لا أًشاطركم الرأى في مدلول المادة 14 من مشروع المعاهدة. فلا أستطيع تفسيرها على الوجه الذى فسرت به في الرسالة المذكورة، وعندى أنه يفرض فيها وقوع اختلافات لم تكن متوقعة وقت وضع المعاهدة. لا اختلافات كان يراد من المعاهدة تسويتها. أو بعبارة أخرى كانت معلومة ومقدرة الوقوع قبل وضعها، ولكنى رأيت أن لا محل للاسترسال في جدل في هذا الشأن تلقاء التصريح الودى الذى ختمت به تلك الرسالة إذ تفضلتم فاعترفتم فيها صراحة بأن من الطبيعى أن أرغب في أن أكون بحيث أستطيع أن أبين لزملائى مرمى المعاهدة والاتفاقات الملحقة بها ومعناها.

ومن عهد قريب أبلغنى اللورد لويد رسالة ثانية لم يسعنى أن أتركها من غير رد، وقبل الرد عليها يجب أن أعرب لكم عن الأثر العميق الذى تركته في نفسى هاتان الرسالتان بلهجتهما الودية وبما انطوتا عليه من صادق الرغبة في التقريب بين البلدين.

على أنى أستأذنكم في أن ألاحظ بادئ بدء أن- الاستيضاحات التي وجهتها إلى اللورد لويد لم يكن الغرض منها إبداء اقتراحات جديدة أو استئناف مناقشة اعتبرها الفريقان قد انتهت، كذلك لم يكن يراد بها تحميل النص ما لا يحتمل، وإنما الواقع أن هذه الاستيضاحات ترجع إلى ظروف وضع نصوص المعاهدة مما يبرر تلك الاستيضاحات تبريرا تاما.

وإنكم لتذكرون أنه على أثر المناقشات الطويلة التى دارت مع سعادتكم ومع المستر سلبى والمستر مرى. أن بعض النصوص مما أريد به التقريب بين النزعات المتعارضة، وبخاصة النصوص التى أثارت فيما بعد الاستيضاحات السابقة الذكر، لم تكن قد وضعت في صيغتها النهائية إلا في الليلة السابقة ليوم سفرى. وكثيرا ما يتفق إذا استعملت في نص ما، ألفاظ أو عبارات مبهمة أو عامة (كما هى الحال في المسائل التى طلب عنها الإيضاح) أن يجيء النص المذكور ملتبسا مما قد يفضى إلى تأويلات مختلفة. على أن العناية باجتناب مثل هذا الالتباس أوجب ما تكون في وثيقة غرضها الأساسى منع احتمال وقوع أى اختلاف في المستقبل. وإذا روعيت الحاجة إلى تسكين الخواطر القلقة عندنا. فلن يمكن أن تكون ثمة مبالغة في أى إيضاح أو في أى دقة.

فرغبة في درء المشاكل ولاقتناعى بما لتسكين الخواطر القلقة من الأهمية في سبيل التوفيق بين البلدين. رأيت منذ عودتى وبعد أن أنعمت النظر مليا في النصوص أن أبسط للورد لويد مختلف النقط التى يحتاج فيها إلى إيضاح، وكان من بواعث ارتياحى أن أقرأ في رسالتكم الأولى إليّ- تأييدا صريحا لهذا الأسلوب.

فكان لى إذن أن أدهش لتصريح سعادتكم بأن هذه الطريقة لا يمكن أن تستمر. ولدعوتكم إياى في الآن نفسه. إلى عرض المعاهدة على زملائى قبل أن تسوى أو توضح مسائل مياه النيل والجيش والبوليس.

والواقع أن ما وعدتم ببيانه من الأثر الذى أحدثته ملاحظاتى كان موضوع أحاديث عدة بينى وبين اللورد لويد منذ تسلمت رسالتكم الأولى. بل كان رد سعادتكم في وقت ما موضوع تلخيص كتابى منه. لم أجده مرضيا في بعض المسائل وقد أبلغته ملاحظاتى بشأنها كتابة. وعند ذلك رأيت أن الأوفق لمصلحة الطرفين، تسهيلا وتحديدا للمناقشة، أن أجعلها كتابية وهذا هو ما حدا بي إلى أن أرسل إلى اللورد لويد صورة من طلبات الإيضاح كنت أتخذها في المناقشات الشفوية بمثابة مفكرة لى، فليس هناك إذن غير نفس الاستيضاحات التى تقبلتموها سعادتكم قبولا حسنا في رسالتكم الأولى.

ولشد ما أسفت لأن تكون هذه المحادثات بما تقتضيه من اتصال المراسلات بين لندن والقاهرة سببا لتأخيرى عن استشارة زملائى وزعماء الأحزاب المختلفة. وأظننى شعرت بما شعرتم به بل بأكثر، من ذلك القلق العميق الذى يحدثه طول السكوت في النفوس، وإن لم يكن ثمة مندوحة عن هذا السكوت بسبب الظروف التى جرت فيها هذه المحادثات بين لندن والقاهرة بالرغم من أن ذلك القلق كان من شأنه أن يزيد في صعوبة مهمتى، فقد أخذت على نفسى دون حرج أو غضاضة مسئولية هذا التأخير، معتبرا أنه إذا أمكن الحصول على الإيضاحات المطلوبة لم يكن وقتى قد ضاع سدى. والواقع أن هذه الإيضاحات هى في نظرى حجج لمصلحة المشروع. وكنت أرى أن تلك الإيضاحات مع ما تضمنه المشروع من مزايا وفوائد تسمح لزملائى عند عرض المشروع عليهم بموازنة ما يبدو لهم فيه غير محبب، فلم يكن لى إذن إلا غرض واحد. وهو أن مجهود التقريب بين البلدين، بقدر ما يترجم له ويعبر عنه مشروع المعاهدة، يقدم على خير وجه يكفل له النجاح.

ولقد كان بوسعى وأنا أطرح المشروع على زملائى أن أصحبه بما أراه من الإيضاحات المستفادة من المحادثات التى قمت بها، إلا أنه لعلمى أن التفسير الصادر من طرف واحد ليس ملزما للطرف الآخر، كما لاحظتم سعادتكم ذلك بحق في رسالتكم الأولى، فقد حاولت بتلك الاستيضاحات، لا استئناف البحث في مختلف المسائل للوصول فيها إلى أكثر مما وصلت إليه محادثاتنا، وإنما الحصول على تأييد من جانبكم يبرر البيانات والإيضاحات، التى يسوغ لى بحق أن أعتبرها منطوية في اتفاقنا، مترجمة عن حقيقة فِكْرِ كل من اشتركوا في محادثات-لندرة.

مراحل المفاوضات في شأن الجلاء عن مصر 5- مفاوضات سنة 1927- 1928 (ثروت- تشمبرلن)- تابع (17) رد ثروت باشا على رسالتى تشمبرلن "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 286 - 288"

ومن الملاحظات السالفة تتبينون سعادتكم أننى إذا كنت لم أبلغ المشروع حتى الآن إلى زملائى فإنما ذلك لأنى رأيت من المتعذر تأييد المشروع أمامهم بغير تلك الإيضاحات التى كان يلوح لى تردد اللورد في الموافقة عليها. ومع ذلك فقد اضطررت على أسف منى عقب وصول رسالتكم الثانية أن أبلغ المشروع إلى مصطفى النحاس باشا وأقول "على أسف منى" لأنى لا أخفيكم أنه مع ترددكم في الموافقة على الإيضاحات المطلوبة يكون المشروع بحالة لا تستدعى الرضا به.

والواقع أن المسائل الباقية بلا حل هى على وجه الخصوص مسألتا الجيش والبوليس، ولما كانت الملاحظات التى أبلغتها إلى اللورد لويد بشأنهما هى نفس ما ذكرته في الملاحظات العامة على المشروع البريطانى الأول وفى مناقشاتي بلندن، وكانت النصوص قد وضعت بقصد إرضائى في هذه النقط. فيحق لى أن أفهم أن تلك الملاحظات تضيء وتحدّد مدلول النصوص الخاصة بهاتين المسألتين.

والآن وقد استؤنفت المحادثات فسأوافي سعادتكم عن طريق اللورد لويد بمذكرتين تكميليتين في هاتين المسألتين وكذلك سأشترك مع اللورد لويد في بحث مسألة المياه التى اتفقنا علي وجوب تسويتها مع المعاهدة في وقت واحد.

ورجائى أن تفضى محادثاتنا في أقرب وقت إلى الاتفاق النهائى على المسائل التى تحت النظر.

وتفضلوا سعادتكم بقبول إلخ...

18 فبراير سنة 1928


المصادر


الكلمات الدالة: