محضر الجلسة الثانية بين صاحب الدولة عدلي يكن باشا رئيس الوفد المصري وبين اللورد كيرزن وزير خارجية بريطانيا ومساعديه

محضر الجلسة الثانية بين صاحب الدولة عدلي يكن باشا رئيس الوفد المصري وبين اللورد كيرزن وزير خارجية بريطانيا ومساعديه، في 13 يوليو 1921، مفاوضات سنة 1921 - 1922 (عدلي-يكن)، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 96 - 109"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

افتتحت الجلسة الساعة الثالثة بعد الظهر بوزارة الخارجية بعد أن قدم دولة عدلى باشا أعضاء الوفد الرسمى المصرى.

اللورد كيرزن- (افتتح الجلسة بتوجيه التحية والترحيب باسم وزارته وباسم الحكومة البريطانية للوفد الرسمى مشيرا لإكباره له وإجلاله لشأنه إذ إن رأسه رئيس الوزارة وأن أعضاءه رئيس وزارة سابق ووزراء حاليون وسابقون) - لست في حاجة لأن أذكركم بحوادث السنتين الماضيتين، فقد كان ما تعرفونه من الفتن والهياج، وما ترتب عليها من إرسال لجنة لتحقيق أسباب تلك الحوادث والنصح للحكومة الإنجليزية بما ترى اتخاذه من التدابير بشأن نظام مصر المستقبل، وقد اختير لرئاسة اللجنة اللورد ملنر وهو أكثر الرجال العموميين معرفة بالمسألة المصرية، واختيار أعضاؤها من المشتغلين بالمسائل العامة.

ولم يكن عمل اللجنة هينا، فقد لقيت صعوبات كثيرة، ولكنها جمعت معلومات مفيدة، وكانت لها علاقات مهمة. وبعد عودتها إلى لوندرة جرت لها أحاديث مع زغلول باشا ومعكما (مخاطبا الرئيس ورشدى باشا) وكانت ثمرة هذه المحادثات المشروع الذى نشر في مصر ولوندرة، ثم أرسل لمصر مندوبون لاستشارة المصريين في شأن ذلك المشروع، وظهر بعد ذلك تقرير اللورد ملنر وهو موضع نظر الحكومة البريطانية. ولم نرتبط بشئ منه، وكل ما ارتبطنا به هو القرار الذى أعلن على يد المارشال أللنبى وبلغ إلى عظمة السلطان (وقرأ نص ذلك القرار)، وقد عين عظمته هذا الوفد للمفاوضة، فهذا الوفد وفد مصرى مسئول، وهو فوق ذلك يمثل الطبقات المسئولة في القطر المصرى.

فترون أنه ليس أحد من الطرفين مقيدا بشئ، وأننا أحرار في مناقشة المسائل المختلفة واحدة بعد أخرى للوصول إلى الملحوظ في القرار الذى سبقت الإشارة إليه.

وإنى هنا بصفتى نائب الحكومة الإنجليزية، مستعد أن أسمع أى شئ تريدون أن تبدوه، ثم أبين لكم بعد ذلك وجهة الحكومة الإنجليزية، وسنرى إلى أى حد يمكننا أن نصل إلى حل مرض. على أن المهمة شاقة، ويجب أن نتذرع فيها بالصبر والأناة، ولا يهولنكم أننا لا نكون متفقين على كل المسائل بادئ الرأى، ونريد أن نرى إذا كان يمكننا أن نتغلب على الصعوبات التى تعرض لنا.

وقد تناقشت مع دولة عدلي باشا في إجراءات المفاوضة، وأرى أن تتكلموا بالفرنسية لأننا نفهمها حق الفهم، ولكني أفضل أن أتكلم باللغة الإنجليزية، فإن المستحسن في مسألة دقيقة كهذه. ألا يسلم الإنسان نفسه إلا للغته بقدر الإمكان.

(ثم طلب إلى عدلي باشا أن يتكلم و يشرح ما عنده في الموضوع).

عدلي باشا- (بعد شكره على عبارات التحية والترحيب التي وجهها إلى الوفد وعلى الروح التي افتتح بها المناقشة): أما من وجهتنا فنحن راغبون حقيقة في اتفاق يضع حدا للصعوبات التي شرحتموها، ونحن نعتقد أن المناقشة التي يكون رائدها من الجانبين هذه الروح تكون مناقشة مفيدة. ولا محل لأن أشرح الآن بالتفصيل ومرة واحدة وجهات نظر الوفد. على أن هذه الوجهات في جملتها لا تخرج عن تحقيق الأماني الوطنية، وهى تتضمن الاعتراف بمصر دولة مستقلة و يترتب على ذلك تبعا إلغاء الحماية. ونحن لا ننسى أن لإنجلترا مصالح خاصة تطلب ضمانتها، كما للأجانب مصالح أيضا يطلبون ضمانتها، وقد تنوقش في هذه الضمانات في العام الماضي، وضمنت في مشروع اللورد ملنر. على أنه لما بلغ هذا المشروع إلى الأمة المصرية وضعت الأمة تحفظات لقبوله، وهذه التحفظات ترمي إلى تحديد بعض المسائل تحديدا ينفي بعنف الشبه التي أثارها المشروع. ولما عرضت هذه التحفظات على اللورد ملنر أبى المناقشة فيها، وأحالها على المفاوضات الرسمية باعتبار أن عمله لا يتجاوز رسم الحدود المهمة للاتفاق على أن لنا فوق هذه التحفظات تحفظات أخرى نذكرها عند المناقشة في كل نقطة على حدتها.

اللورد كيرزن- ذكرتم التحفظات التي قدمها زغلول باشا. وأرى أن اللورد ملنر كان على حق في تجنب المناقشة فيها لأن ذلك كان خارجا عن اختصاص اللجنة، ولكني أرى أن المناقشة تكتسب سهولة ووضوحا إذا عرفت الصيغة التي وضعت فيها هذه التحفظات، و بأي مقدار تعتبر الحكومة المصرية تحفظات زغلول تحفظات لها وتريد أن تدافع عنها.

عدلي باشا- هذه تحفظات الأمة وليست تحفظات زغلول.

رشدي باشا- هذه تحفظات أشارت بها الهيئات النيابية، وذلك سبب اهتمامنا بتحقيقها. و بما أن مشروع الاتفاق النهائي سيعرض على جمعية قومية فبقدر قربنا من الأغراض التي رسمتها الأمة يكون أملنا في قبوله. إذن فهذه التحفظات تقدّم كما هي.

اللورد كيرزن- (طلب أن تقرأ له هذه التحفظات إذ ليس لديه نسخة منها، وذكر أنه لا يرمي بقراءتها أن يتناقش فيها بترتيب وضعها، ولكن ليعرف إذا قرئ التقرير بأي قدر تكون كل نقطة أو وصية من وصاياه معدلة بهذه التحفظات).

رشدي باشا- (ذكر أن التحفظات مرتبطة باعتبار مشروع اللورد ملنر أساسا للمناقشة).

(وبعد مناقشة سريعة اشترك فيها الرئيس ورشدي باشا واللورد كيرزن تم التفاهم على أن قراءة التحفظات ليس معناها قبول ذلك المشروع أساسا وأن المناقشة حرة).

(قرئ التحفظ الأول المتعلق بإلغاء الحماية. وأشار عدلي باشا إلى أن قرار الحكومة الإنجليزية يفيد الوعد بإلغائها إذا تم وضع اتفاق مرض بين مصر وإنجلترا، ولمح إلى ما جاء في تقرير اللورد ملنر بهذا الشأن).

(قرئ التحفظ الثاني وهو يرمي إلى حذف الجملة الثانية من فقرة (أ) من المادة الثالثة. وهي تشير بصفة عامة إلى أن مصر تمنح بريطانيا العظمى الحقوق اللازمة للمحافظة على مصالحها، ولتمكينها من تقديم الضمانات الضرورية للدول للحصول على تنازلها عن امتيازاتها. والمقصود بحذف تلك الجملة ألا يقوم شك في أن مصر لا تنمح حقوقا غير التي بينت بطريق الحصر في المشروع)

رشدي باشا- هذا التحفظ نشأ عن خلط وخطأ في فهم العبارة المطلوب حذفها. فقد فهم أنه يجوز أن يترتب عليها حقوق جديدة غير ما ذكر في المشروع في حين أنها لا تزيد على أن تكون بيانا لما تضمنه المشروع من الضمانات و إشارة إليها، ولم يكن يمكن أن يكون المقصود منها ترتيب حقوق غير ما ورد ذكره في المشروع، وإلا كان تحديد الضمانات في المشروع لا فائدة منه أمام هذا النص العام.

عدلي باشا- هذا هو حقيقة ما كان يعنيه اللورد ملنر، والحقوق التي أشير إليها في هذه العبارة هي الحقوق التي فصلت في باقي أجزاء المشروع، فهذا التحفظ بين الحجة ولا يمكن أن يقوم بشأنه نزاع.

(قرئ التحفظ الثالث فقرة (أ) وهو الذي يرمي إلى عدم تعليق نفاذ المعاهدة بين مصر وإنجلترا على موافقة الدول على التنازل عن امتيازاتها لإنجلترا وعلى صدور المراسيم بترتيب المحاكم المختلطة على النظام الجديد- ولم يعلق عليه من الجانبين بشيء).

(ثم قرئ التحفظ الثالث فقرة (ب) وأراد اللورد كيرزن أن يعتبره تحفظا رابعا، وهو يرمي إلى وجوب فحص الترتيب القضائي والمصادقة عليه من هيئات مصر النيابية قبل إصدار قانون به. فسأل اللورد كيرزن عما إذا كان يراد عرض مشروع ترتيب المحاكم المختلطة على الجمعية الوطنية).

عدلي باشا- نعم لأن ذلك المشروع جزء من الاتفاق ويجب عرضه على الجمعية الوطنية بهذه المثابة (ولاحظ الرئيس أن هذا المشروع لم تحصل مفاوضة بشأنه بين مندوبي البلدين).

رشدي باشا- (حدّد الجمعية التي يعرض عليها المشروع بأنها جمعية وطنية وليست جمعية نيابية عادية).

(ثم قرئ التحفظ الرابع واعتبر تحفظا خامسا وهو يرمى إلى تدخل مصر طرفا متعاقدا في الاتفاقات المقدر حصولها مع الدول بشأن حقوق امتيازاتها).

عدلى باشا- ليس في هذا التحفظ بدعة فإن مصر كانت طرفا متعاقدا فيا يتعلق بالمحاكم المختلطة، وطبيعى أن تكون كذلك في هذا التغيير الجديد.

المستر لندسى- أتقصدون أنها كانت طرفا متعاقدا في كل المعاهدات المنشئة للامتيازات.

عدلى باشا- نقصد أنها كانت طرفا في اتفاقية المحاكم المختلطة. أما الامتيازات الأخرى فهى أيضا عقود واتفاقات بين الدولة العلية والدول الأجنبية، وقد كانت سارية على مصر بحكم تبعيتها للدولة العلية، فالتزام مصر بها التزام اتفاقى. إن لم يكن بالذات فبالواسطة، فإذا أريد تغيير قواعدها الأصلية وجب أيضا أن تكون مصر طرفا في العقد المنشئ لذلك التغيير.

رشدى باشا- (ذكر مشروع الاتفاق بين إيطاليا وانجلترا بشأن حلول انجلترا محلها في امتيازاتها وهو المشروع الذى بلغ للحكومة المصرية لتبدى ملاحظاتها عليه): إننا ضمنا ردنا على ذلك المشروع وجهة نظرنا في هذا الموضوع.

عدلى باشا- فضلا عن هذا، فإن مشروع اللورد ملنر نص على أن الاتفاقات التى تبرم بشأن الامتيازات يكون تنفيذها بأن يصدر بها مراسيم سلطانية، ومثل هذا لا يتصور إلا على فرض قبول مصر بها واعتبار رضاها عنها جزءا متمما للاتفاق. ثم إن تداخل مصر في هذه الاتفاقات طرفا متعاقدا واجب لكرامتها وللمحافظة على شخصيتها.

(ثم قرئ التحفظ الخامس فقرة (أ) واعتبر تحفظا سادسا. وهو يرمى إلى حذف العبارة المختصة بتعيين موظف بريطانى في وزارة الحقانية اكتفاء بنائب عمومى انجليزى لدى المحاكم المختلطة).

اللورد كيرزن- أترد حذف العبارة جميعها؟

عدلى باشا- نحن نريد الاستغناء عن الموظف القضائى بالنائب العمومى المختلط، وهذه هى الصورة التى قدم بها التحفظ من جانب زغلول باشا

اللورد كيرزن- لا نريد أن نتناقش فيما يراه زغلول و إنما فيما ترونه أنتم.

عدلى باشا- إن هذا التحفظ كغيره ليس من وضع زغلول باشا، ولكن الهيئات التى استشيرت في مشروع لجنة اللورد ملنر هى التى أرادته.

اللورد كيرزن- لا أرى مع ذلك إلا أن تنحصر المناقشة فيما يراه هذا الوفد.

عدلى باشا- أرجو إذن أن تعتبر أن هذه التحفظات تحفظات الوفد الرسمى، وهو يريد فوق ذلك أن يقدّم غيرها.

(ثم عاد الكلام إلى التحفظ المتعلق بالموظف القضائي. فتساءل اللورد كيرزن عما هي اختصاصات النائب العمومي وعما إذا كان له مثيل في التشريع الإنجليزي).

مستر لندسي- ليس له مثيل في إنجلترا. ولكن في اسكوتلندا ما يشبه ذلك النظام باسم ( Procurator general) وأقرب شيء له عندنا هو (Prosecutor general)

صدقي باشا- هو رئيس الضبطية القضائية وإليه المرجع في الدعاوى الجنائية

رشدي باشا- (شرح باختصار سلطته في الدعوى العمومية وتم الاتفاق بعد ذلك على الإفاضة في شرح سلطته عند المناقشة في هذا الموضوع بصفة خاصة).

(ثم قرئ التحفظ المتعلق بحذف عبارة جواز استشارة الموظف المالي واعتبر تحفظا سابعا).

عدلي باشا - أما حذف عبارة جواز استشارة الموظف فهو المفهوم من النص نفسه، إذ إنه بحسب النص يجوز للحكومة ألا تستشيره، كما يجوز لها أن تستشيره. وليس في النص إلزام لها بالاستشارة. فليس في التحفظ إلا أن الشيء الذي يكون مرجعه إلى الاختيار لا محل للنص عليه لأنه مفهوم بطبيعة الحال.

رشدي باشا- لطلب حذف هذه العبارة سبب نفسي خاص. وهو أن المصريين متخوفون مما يمكن أن تؤوّل إليه هذه. الاستشارة الجوازية، لأن ذكرى المستشار المالي حاضرة في أذهانهم. وهم يرون أنه اكتسب سلطته الواسعة التي يتغلب بها على الوزير المصري من حق الاستشارة وحده. فهم يخشون أن يعيد التاريخ نفسه.

صدقي باشا- الواقع أن النص لا معنى له ولا أهمية أمام النظام النيابي، فإن الوزير يكون مرتبطا برأي الهيئة النيابية وحدها.

(ثم قرئ التحفظ السادس واعتبر تحفظا ثامنا، وهو الذي يرمي إلى قصر القيد الوارد على حق مصر في إبرام المعاهدات السياسية البحتة. بحيث تكون مصر حرة في عقد أي اتفاق تجاري أو اقتصادي أو غير ذلك بلا قيد).

اللورد كيرزن- حتى ولو كانت المعاهدة الاقتصادية مضرة بمصالح إنجلترا؟

عدلي باشا- ليس ذلك مما يتوقع، ولا يمكن أن ترمي مصر المستقلة إلى الأضرار بالمصالح الإنجليزية حكم المحالفة التي بينهما، على أنه يجب أن يلاحظ أن حق مصر في عقد مثل هذه المعاهدات كان أمرا مسلما به في الماضي، ولم يكن يقيدها شيء وقد كان المفهوم في المناقشات التي جرت مع اللورد ملنر في العام الماضي والتي اشتركت فيها أن القيد لا يرد إلا على المعاهدات السياسية، وظاهر من تقرير اللورد ملنر نفسه أنه لا يعترض على إطلاق الحرية لمصر في المعاهدات الاقتصادية.

اللورد كيرزن- كيف كان الحال قبل سنة 1914؟ وكيف كانت المعاهدات التجارية تعقد؟

صدقى باشا- نظريا كانت مصر تملك الحرية التامة في عقدها، ولكن عمليا كانت السلطة الانجليزية تتداخل بسبب الاحتلال.

اللورد كيرزن- إذن مراد كم هو اتخاذ عبارة لا تخل بحق مصر كما كان قائما؟

(ثم جاء دور التحفظ المختص بالسودان).

عدلى باشا- لا حاجة إلى قراءة هذا التحفظ كما هو وارد في الصورة المقدمة الآن لأن المسألة من المسائل المشكلة، ولنا فيها وجهة نظر وطلبات أبعد وأوسع مما هو وارد في هذا التحفظ. فأطلب إرجاء الكلام فيها إلى فرصة أخرى.

اللورد كيرزن- ربما كان هناك محل في هذا الدور من المناقشة أن يبدى لنا عدلى باشا ملاحظاته العامة في موضوع المفاوضات.

عدلى باشا- أفضل الآن أن تؤخذ المسائل واحدة بعد أخرى، وأن نذكر ملاحظاتنا بصدد كل مسألة عند طرحها على بساط المناقشة.

اللورد كيرزن- سأقرأ هذه التحفظات بدقة لأن بعضها جديد على في شكله، وأرى أن هناك مسألة مهمة يجب أن نتفاهم بشأنها قبل كل شيء. لأنها تؤثر في النقط الأخرى. وهذه المسألة هى مسألة توزيع القوى البريطانية في مصر. فهل يتفضل دولة الرئيس بأن يذكر لى إن كانت له آراء عامة في هذا الصدد؟

عدلى باشا- هذه مسألة حصلت فيها المناقشة مع اللورد ملنر وأثارت في مصر جدلا كبيرا.

اللورد كيرزن- أنا لا أحب أن توصف تلك القوّات بأنها حامية (Garrison)

عدلى باشا- المسألة دقيقة لأننا نريد استقلالا، والاستقلال يمسه وجود قوة أجنبية مهما كان اسمها، وسواء سميت حامية أو جيش احتلال أو سميت باسم آخر فإن وجودها ماس بالاستقلال، وقد كان اللورد ملنر في الأحاديث التى جرت معه، و في مشروعه الذى نشر. حريصا على أن يضع لها صيغة تكون بعيدة عن المساس بالاستقلال (وذكر عدلى باشا العبارة التى وردت في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من مشروع ملنر والتى بمقتضاها وصفت هذه القوّة العسكرية بأنها لا تفيد احتلالا ولا تمس سيادة مصر) ولكن اللورد ملنر ذكر بعد ذلك في تقريره أن حماية المواصلات غير قاصرة على البحر. بل تشمل الأرض والهواء، ونرى أن هذا توسع تصبح حماية المواصلات معه منافية لاستقلال مصر.

حن نريد أن نعرف ما هي المهمة التي يراد ندب القوّة البريطانية لها وما هي الحاجة التي تلتمس وجودها.

اللورد كيرزن- أنتم على حق في تعرف ذلك. لأنه يجب التفاهم أولا بشأن الغرض من وجود الجنود البريطانية، ويمكننا بعد ذلك أن ننتقل للبحث في كيفية ذلك الوجود.

وإني أرى، والوزارة الإنجليزية تشاطرني الرأي، هذه المسألة من وجهة أبعد وأوسع مما ترون. أما الأغراض التي نتحراها بوجود الجنود البريطانية فهي:

أولا- حماية المواصلات الإمبراطورية:

وليست هذه الحماية قاصرة على القناة فإن مركز مصر الجغرافي يجعلها في أعلى مكان من الأهمية، ومظهر هذه الأهمية في البر والهواء معا. تتساءلون عن المقصود بالهواء وأجيبكم أن المقصود بذلك بناء وإنشاء محطات طيران، وإذا كانت مصر نقطة متوسطة في الطريق إلى الهند وغيرها من الممتلكات البريطانية، فإن حماية المواصلات يجب أن تشمل المواصلات الهوائية. و يجب أن تكون الحماية بأوسع معانيها في القنال والهواء والبر، وبناء على ذلك يجب أن يكون للجنود البريطانية حق المرور في القطر المصري .

على أن هذا ليس هو الغرض الوحيد من وجود قوّة بريطانية فإن لها غرضا ثانيا وهو:

ثانيا- الدفاع عن حدود مصر:

لا يمكن لأحد أن يتكهن بما سيجرى في المستقبل، فقد تهاجم مصر من الغرب أو من الجنوب أو من الشرق، وقد دلت الحرب الأخيرة على احتمال الهجوم على القنال. ويصح أن تتجدّد هـذه المحاولة، ومهما تكن قوّة الجيوش المصرية فإنه يجب أن تكون قوّة الجيش البريطاني بحيث تجعل هذا الهجوم بعيد الاحتمال، ثم إن هناك غرضا ثالثا وهو:

ثالثا- حماية المصالح الأجنبية:

المفهوم والمتوقع أنه ستوضع اتفاقات تجعل ضمانة المصالح الأجنبية بيد بريطانيا العظمى. فإذا حصلت حوادث أو إضرابات وأصبحت هذه المصالح الأجنبية في خطر رجعوا إلينا ينتظرون الغوث منا. وليست حوادث الإسكندرية عنا ببعيدة. وأنتم خير من يعلم بها. وأمثال هذه الحوادث تبتدئ صغيرة وتكبر إلى أن تصبح هجوما على الأوربيين. وها قد رأيتم أن البوليس المصري والجيش المصري لم يكفيا لقمعها. و إنما قام بذلك الجيش البريطاني. وإني أسائلكم

ماذا يحدث إذا لم تتداخل الجنود البريطانية؟ الذى يحدث هو أن الدول الأجنبية تتداخل في مصر. وأعرف أن إيطاليا أرسلت سفينة حربية لترسو في الاسكندرية بمناسبة الحوادث الأخيرة، وذلك بالرغم من وجود الجنود البريطانية.

طبعا تدركون أن لمصر مصلحة كبرى في الاتفاقات المزمع إبرامها مع الدول، ولكنه يجب أن تكون الدول واثقة من اضطلاع مصر بمسئولياتها أمامها، ولو سألتم هذه الدول لذكرت جميعا حاجتها إلى الجيش البريطانى، فوجود الجيش البريطانى لحماية المصالح الأجنبية في مصلحتكم، إذ هو يعينكم على الاضطلاع بمسئوليتكم. ثم إنه لا يمكن لانجلترا أن تتحمل مسئولية القيام على المصالح الأجنبية دون أن يكون لديها الوسائل التى تمكنها من ذلك.

وهب أنه ثار في القاهرة هياج أو اعتصاب أو غير ذلك من الحوادث التى يقع فيها القتل. ألا يكون ممثلو الدول بل المندوب السامى نفسه في خطر؟ ألا تكون المصالح الأوروبية في خطر؟ ألا تجب لهم الحماية من الاعتداء؟ وهل يعقل أن يكون المندوب السامى مثلا بحيث لا يجد وسيلة لحماية نفسه؟

وعلى ذلك فقولكم إن الغرض الذى يجوز أن يوجد من أجله جيش بريطانيا إنما هو حماية المواصلات بعيد عن الحقيقة، وهذه المسألة كلية في الاتفاق. ويجب أن يلحظ في وجود الجيش هذه الأغراض الثلاثة التى ذكرتها.

فاذا اتفقنا على هذه الأغراض انتقلنا إلى البحث في محل وجوده وعدده.

رشدى باشا- وجود جيش لغرض خارجى يمكن أن يفهم، ولكن وجوده لغرض داخلى هادم للاستقلال، وفى وسعنا أن ندفع أسباب الهياج وأن نقمع حوادثه بوسائلنا الخاصة.

وقد كان السبب في حوادث سنة 1919 الخلاف القائم بين انجلترا مصر، ولكن الاتفاق - إذا وصلنا إليه - يضع حدّا لهذا الخلاف.

اللورد كيرزن - أتريدون أن نتحمل مسئولية الدفاع عن الحدود ولا يكون لنا جيش يقوم بذلك؟

عدلى باشا- لم نقل إننا نريد أن نحمل إنجلترا مسئولية الدفاع عن حدودنا، بل نحن نريد أن نتولى ذلك بأنفسنا، وإلا فلا محل للكلام في حكومة أهلية وجيش مصرى، وإذا احتجنا لقوة جديدة للدفاع عن تلك الحدود في حرب لجأنا إليكم بصفتكم حلفاءنا وطلبنا منكم العون والمدد. وهذا الذى يحصل في كل المعاهدات الحربية.

اللورد كيرزن - دلت الحوادث على أن كفاءة الجيش المصري وقدرته على احتمال صدمات الحرب لا يمكن الاعتماد عليهما في الحروب الكبيرة، فجعل الدفاع عن الحدود المصرية بيد الجيش المصرى وحده مخاطرة.

عدلي باشا- إذا كانت حرب كبيرة لجأنا إلى حليفتنا الكبرى. أما أن يكون وجود الجيش لحماية المصالح الأجنبية فهذا ما لا وجه له. لأنه ليس بين المصريين والأجانب الذين يقيمون بينهم عداوة، ولا يضمر المصريون لهم أقل جفاء وقديما عرف المصريون بحسن الضيافة، وتاريخ مصر الحديث حافل بآثار التعاون بين أهالي البلاد والنزلاء. هذا من جهة ومن جهة أخرى. فإن الأجانب الذين تحل إنجلترا محلهم ليس لهم حق وضع جيش. وكيف يمكن أن يرى المصريون فرقا بين جيش إنجليزي لحماية الأجانب وبين الاحتلال الحالي.

رشدي باشا- أسباب الهياج الذي حصل في الإسكندرية عرضية وستزول حتما. نعم إن وسائل الحماية المصرية غير كافية الآن ولكنها لن تكون كذلك دائما.

عدلي باشا- حوادث الإسكندرية ليست إلا جزءا من الثورة المشتعلة في مصر من سنتين وفرعا عنها. وهذه الثورة ثورة أهلية ولا تخلو الثورات من حوادث، فلا يمكن إذن أن يترتب على حوادث الثورة قياس.

اللورد كيرزن - إني أتكلم عن حوادث الخمس والعشرين سنة الأخيرة كلها، ولا إخال الدول تسمع لنا إذا أكدنا لها أن كل شيء سيتم بخير.

رشدي باشا- ليس للأجانب التداخل في البوليس والأمن العام. فإذا حللتم محلهم حللتم بما لهم من الحقوق.

اللورد كيرزن - لم يتداخل هؤلاء الأجانب لأن الجيش البريطاني كان موجودا.

عدلي باشا- لم يقع قبل وجودة تداخل أجنبي. وإذا كان حق إنجلترا مستمدا من تنازل الدول لها عن حقوقها فليس يجوز أن تطلب حمايتهم بجيش.

اللورد كيرزن- لو كانت الحوادث التي تقع صغيرة لهان الأمر، ولكن الحوادث تبتدئ بمشاجرات بسيطة، وتمتد فتقع على طائفة بأسرها ويصبح التداخل معها واجبا.

عدلي باشا - بمناسبة الكلام في حوادث الإسكندرية، تذكرون أن لجنة عينت لتحقيق أسبابها والمسئولية فيها، وقد تحاشت الحكومة أن تمثل فيها حتى لا ترمى اللجنة يوما ما بالتحيز لمصلحتنا. وقد عرض علينا قبل سفرنا من مصر تقرير تلك اللجنة فلم تلّم به إلا إلماما سطحيا لضيق الوقت وكثرة المشاغل ومع أني أعتقد أن اللجنة توخت عدم التحيز في تحقيق الوقائع فإن النتائج التي انتهت إليها تلك اللجنة نتائج متطرفة، وأخشى إذا نشر تقريرها أن يستعمل سلاحا ضد الوزارة للزعم بأنها قصرت في الدفاع عن المصريين، وتركتهم يتهمون باطلا وتعلن تهمتهم في أرجاء العالم، كما أخشى من جهة أخرى أن يستعمل سلاحا ضد إنجلترا، وأن يقال إنها أرادت بتشكيل هذه اللجنة الاستفادة بتقريرها في المفاوضات لتبرير تداخلها في الشؤون المصرية.

اللورد كيرزن - (قرأ تلغرافا ضمن خلاصة تقرير اللجنة عن نتيجة التحقيقات رميت الحكومة فيها بالضعف أما هجمات خصومها السياسيين، ونسبت الحوادث إلى التعصب وكراهة الأجانب، واستشهد على ذلك بحوادث سنة 1882 وحوادث دنشواي وسنة 1919، وقيل فيها إن الغوغاء اعتقدت أن الأمر لها، والحكم في قبضتها لأن الحكومة تراخت في استعمال سلطتها، وأن بعض رجال البوليس والجيش كانوا في صف المعتدين، وأن الحوادث ترجع أيضا إلى أسباب سياسية ، وهي حركة المعارضين للحكومة المنتصرين لزغلول الذين أرادوا بمظاهراتهم إلجاء الحكومة إلى استعمال وسائل الشدة للتذرع بما يقع من الحوادث لاتهامها بالقسوة وتنفير الناس من حولها).

رشدي باشا- إن الوقائع الثابتة في التحقيق لا تنتج ما تذهب إليه اللجنة من تعصب المصريين وكراهتهم للأجانب، والمسألة كما يتضح من الوقائع مسألة سياسية.

اللورد كيرزن - لا يعنيني ذلك، وإنما الذي يعنيني هو أن الحوادث حصلت. وأن اعتداء جسيما أصاب الأوربيين وأوجب تداخل الجيش. وقد ذكر رئيس الوزراء فوق ذلك أن اللجنة باشرت عملها بلا تحيز.

عدلي باشا- ليس معنى القول بأن التحقيق جرى بغير تحيز أننا نرضى بالآراء التي تقول بها اللجنة. والواقع أننا نختلف معها كل الاختلاف، وليست هذه الآراء مستمدة من الوقائع وإنما هي من عند اللجنة.

أما تداخل الجيش البريطاني ، فإنه حصل لأن ذلك الجيش كان موجودا هناك، ولو لم يدع للتداخل لما سمع لتداخله ذكر. ولو كان غير موجود لكان الجيش المصري قادرا وحده على قمع الفتنة. هذا فضلا عن أن وجود الجيش البريطاني في القطر جعله يعتمد عليه في مثل هذه الحوادث، وحال دون تنظيم الجيش المصري وتوزيعه بصورة كافية مناسبة في الجهات المختلفة.

اللورد كيرزن- لا أقول إن الجيش المصري عاجز أبدا، ولكني أبحث في الحالة الراهنة لا في المستقبل البعيد.

      عدلي باشا- لا أخفي أن حوادث الإسكندرية أزعجت الأوربيين وأحدثت أثرا سيئا، ولكن لا يصح أن تعتبر هذه الحوادث العرضية أساس في المناقشة أو سببا لتغيير كل الأسس التي يمكن أن يقام عليها اتفاق.

اللورد كيرزن- إني أرى أن اللورد ملنر ذكر في الفقرة الثانية من المادة الثالثة من مشروعه أن إنجلترا تتعهد بالدفاع عن سلامة أراضى مصر. وهذا عين ما أعنى بكلامي في الدفاع عن الحدود المصرية ووجوب وجود جيش من أجل ذلك.

رشدي باشا- ما ذكر اللورد ملنر مفروض فيه قيام حالة الحرب.

اللورد كيرزن- أمعنى هذا أنه يجب أن ننتظر مكتوفى الأيدى حتى تنتهى الحرب بفشل الجيش المصرى قبل أن نتداخل؟

عدلى باشا- هذا شأن كل المعاهدات الحربية، فإن تحالف بلدين تحالفا دفاعيا لا يستدعى أن ترابط جنود إحدى الدولتين في بلد الأخرى. كما أنه لا يستلزم أن ينتظر الحليف حتى تنتهى الحرب بفشل حليفه قبل أن يبذل المساعدة التى توجبها عليه المحالفة، والعرف في أمثال هذه المحالفات أن الوقت الذى يجب أن تبتدئ فيه أعمال المساعدة يحدد باتفاقات حربية سابقة.

اللورد كيرزن- أتريدون مثلا أن محطات طائراتنا لا تعمل شيئا حتى تعلن الحرب؟

عدلى باشا- نحن لا نسلم بأن تكون لكم في داخلية البلاد محطات للطيران تحميها حاميات.

رشدى باشا- يجوز أن يجرى البحث في اختيار محل لمحطة الطيران، ولكن القول بأن لانجلترا في مصر محطات طيران في داخل القطر، وأن هذه المحطات تقتضى وجود جيش لحمايتها مخالف لكل معنى أو صورة للاستقلال.

اللورد كيرزن- لا تخدعكم الكلمات أو النظريات. إذ المسألة عملية، والذى نحاوله الآن هو أن نضع معاهدة نحتاط فيها للواقع، فإذا حصلت حوادث فهل تفيدنا النظريات في دفعها، نحن نريد أن ننتهى إلى حل ودى يكون له. نتيجة عملية، وإنى مستعد لأن أصغى لكل ما تريدون أن تبدوه في هذا الصدد.

       عدلى باشا- ( ذكر رأى اللورد ملنر في النقطة العسكرية وعدم تعرضها للشئون الداخلية المصرية ) : إننا نريد أن نوفق بين المصالح المختلفة، ولكنا لا يمكننا أن نقبل أمرا ينكره الشعور العام في مصر، أو أن ندافع عن حل مقضى عليه بالفشل.

اللورد كيرزن- وأنا أيضا يجب علىّ أن أدافع أمام الوزارة وأمام البرلمان عما يتم عليه الأتفاق. ويجب ألا يغيب عنكم أن المسألة لا تهم انجلترا وحدها ولكنها تهم الامبراطورية بأسرها، وهذا مؤتمر رؤساء الوزارات يشدد في هذه النقطة. إننا سرنا بعض الخطى لتحسين الحالة، ولكننا لا نفكر في التخلى عن مسئولياتنا. إن وجود الجيش البريطانى واجب، وأن تدرج استقلال مصر يجب أن يقع بمعاونة ذلك الجيش، وكل ما عدا ذلك لا طائل تحته، وليست المسألة مسألة عواطف وإنما مسأله وقائع. ويجب أن ينحصر الكلام في محل مرابطة الجنود وقد فهمت أن اللورد ملنر تكلم في ذلك مع زغلول باشا ومعكم (مخاطبا الرئيس).

عدلى باشا- نعم جرى في ذلك كلام، ولكن كان المفهوم دائما أن محل وجود الجيش في منطقة القنال، وقد تجنب مشروع اللورد ملنر ذكر المحل تاركا ذلك لتفصيلات المعاهدة.

(أوقفت الجلسة نحو ربع ساعة ثم أعيدت)

اللورد كيرزن - حاولت أن أبين الأغراض التي من أجلها يراد وضع جيش، ولم يفتني الاعتبار بالإحساس المصري العام، ولكن علينا واجبات لا يسعنا إلا أن نجعل لها التقدم والأفضلية.

ويصعب أن نتناقش اليوم في شيء من التفاصيل عن محل الجيش أو عدده، وأرى أن الأفضل أن توضع في المعاهدة عبارة عامة عن القوة العسكرية، فلا تذكر الأغراض مفصلة. و يترك تحديد المحل وغير ذلك من الشؤون لمداولات ومشاورات ودية بين الحكومتين. ويجوز أن يقال مثلا: "تخول الجنود حرية المرور في مصر بسبب المواصلات وتبقى جنود بريطانية في الأوقات والمحلات التي تعين في مناسباتها"- ووجه ذلك أنه لا يمكن أمام اختلاف الحوادث والظروف أن يقدر مقدما ما يجب لكل حالة.

أما ما يتعلق، بما ذكره اللورد ملنر في الفقرة الثانية من المادة الثالثة من استعمال الموانئ ومحطات الطيران ووسائل النقل فيبقى طبعا، ونحن إذا اتفقنا على المبادئ أمكننا التفاهم على التفاصيل بكل سهولة.

والنتيجة أنه يجب أن تكون لدينا الوسائل لتحقيق الغايات التي نتوخاها، وللاضطلاع بالمسئوليات التي نأخذها على عاتقنا. ونحن مستعدون لأن نحل الإحساس المصري محله من الاعتبار.

وقد تحتاجون للمناقشة فيما بينكم في هذا الموضوع لأنكم لم تكونوا مستعدين لما ذكرته لكم اليوم (و بناء على طلب عدلي باشا وعد بمذكرة مكتوبة تدوّن فيها بإجمال الأغراض التي شرحها).

يهمنا أن نراعي الشعور المصري في هذه المسألة. ولكن وزارة الحربية لا تقبل على أي حال وضع الجيوش على القنال وفى الشاطئ الآسيوي، وكأني بهم مصابين بالجرب يبعدون إلى أقصى مكان ممكن.

وقد فهمت أن هناك محطة طيران حوالي الإسكندرية في أبي قير، وأخرى في مصر في هليوبوليس فيجب الانتفاع بهما.

عدلي باشا- نعم هناك محطتان في مصر والإسكندرية تحميهما حاميتان، وهذا مالا يمكن قبوله وقد كان المفهوم دائما أنه لا تكون جيوش في هذين البلدين.

رشدي باشا- إذا بقيت هاتان المحطتان لمنفعة الجيش الإنجليزي اعتقدت الأمة أننا رجعنا إلى الوراء في الاتفاق الذي نعالجه بالنسبة لمشروع ملنر، وعندنا أن الجيش المصري هو الأولى بالانتفاع بهما، و يكون علينا أن ننشئ لكم بدلا منهما في المكان الذي يتفق على تحديده.

اللورد كيرزن- نحن غير مقيدين برأي سابق، ويجب أن يستعان في هذا الأمر برأي الخبراء، وعندكم في العباسية والإسكندرية ثكنات صالحة، وحيث تكون ثكنات يجب أن يكون الجيش.

عدلى باشا- لا يجوز أن نكون أرقاء للمحلات الموجودة قديما. سواء فيما يتعلق بالثكنات أو محطات الطيران، ومسألة المحل مسألة تبعية لا أصلية- قلتم إن وجود الجنود في المحلات التى تخصص لها يكون لوقت معين بحسب المناسبات. ألستم تقدرون أن ينص في المشروع على جعل وجود القوة العسكرية مؤقتا؟

اللورد كيرزن- لا. وإنما قصدت أن يكون اختيار المحل هو المؤقت أما وجود الجيش نفسه فهذا أمر لا توقيت فيه. وهل أهمية مصر للمواصلات تزول؟ فكيف يمكن إذن أن يكون ما وضع لحمايتها مؤقتا؟

عدلى باشا- يجب أن تولونا بعض الثقة، وأن تفسحوا المجال للاكتفاء بالقوة المصرية إذا استطعنا أن نجعلها كافية لتأمين مصالحكم.

اللورد كيرزن- إذا تحقق هذا الغرض فلن أبخل بثقتى.

رشدى باشا- ليس من الصعب إيجاد صيغة مقبولة، وليس ما يمنع من أن يذكر في المعاهدة مثلا أنه بعد زمن معين يجوز إعادة النظر في الشروط العسكرية. وليس في هذا ما يربطكم.

صدقى باشا- ثم إن التوقيت يدفع المصريين للقيام على حسن- تطبيق المعاهدة.

اللورد كيرزن- (منتقلا إلى موضوع الموظفين البريطانيين) سيكون للاتفاق طبعا تأثير على عدد الموظفين البريطانيين، وقد فهمت أن لديكم عددا كبيرا منهم يبلغ ألفا وستمائة، وسيختزل هذا العدد ولكن من هم الذين يحلون محلهم؟ عندكم موظفون أجانب من غير الانجليز، فإذا كنتم في الوقت الذى تنقصون فيه من عدد الضباط والموظفين الانجليز تستزيدون من الأجانب الآخرين، كان هذا أمرا مؤلما لنا؛ ولا يسعنا أن نترك الباب مفتوحا لتصرف كهذا، ولذلك يجب أن توضع صيغة تجعل موافقة المندوب السامى شرطا في تعيين الأجانب.

عدلى باشا- كان لنا في ذلك حديث مع اللورد ملنر، وكان المسلم به أن مثل ذلك النص لا يجوز أن يذكر في المعاهدة ولن يرضى الشعور العام. ولكن المفهوم طبعا أننا نلجأ إلى أصدقائنا كلما احتجنا إلى خبراء أو فنيين. وغير محتمل أن يستبدل بالموظفين الإنجليز غيرهم من الأجانب، لأننا لسنا راغبين في ذلك ولأننا نريد أن نمهد للمصريين الطريق لأن يتولوا وظائف بلادهم. وأرى أنه يكفيكم في هذا تأكيد من الحكومة بألا تعين مكان الموظفين الانجليز أجانب من جنسيات أخرى.

اللورد كيرزن- تأكيدكم حسن، ولكنه لا يقيد الحكومات المقبلة. وقد تقوم ضرورة لتعيين أجانب في أحوال خاصة. وعلى أى حال، فإنى أرى أنه يجب وضع نص بالمعنى الذى ذكرت في المعاهدة

عدلى باشا- لا أظن ذلك متفقا مع مقتضيات المجاملة والحكمة في التعبير.

اللورد كيرزن- وهناك مسألة أخرى. وهي مسألة الأمور الخارجية والتمثيل السياسي، وأرى أنه يجب أن يكون لممثل إنجلترا وهو ( "High Commissioner " المندوب السامي ) مركز ممتاز في مكانته وسلطته وأن يحمل ذلك اللقب كما يحمله الآن.

عدلي باشا- كان لنا كلام طويل مع اللورد ملنر في هذه التسمية، وألاحظ أن هذه التسمية من ثمرات الحماية وقد اقترنت بها، ولن يعتقد المصريون أن شيئا تغير إذا بقي ذلك اللقب

اللورد كيرزن- لا أذكر أني سمعت عن كلام مع ملنر في شأن هذه التسمية، وأعتقد أنها تسمية لازمة وليس هناك ما يقوم مقامها.

مستر لندسي- هذه هي التسمية الصحيحة، ويجوز أن يحمل ممثلكم في إنجلترا اللقب عينه.

رشدي باشا- هذه التسمية لا يحتمها شيء. وليست مرتبطة بأي مبدأ من المبادئ.

عدلي باشا- المتفق عليه أن يكون له التقدم على الممثلين الآخرين.

صدقي باشا- اختصاصاته نفسها هي التي تميزه. وليس من حاجة إلى لقب خاص لتمييزه.

اللورد كيرزن- أرى أن نحصر المسائل المهمة التي نطرحها للمناقشة. وهذه المسائل أربع:

(الأولى) مسألة القوة العسكرية.

(الثانية) مركز وسلطة الموظفين البريطانيين: المالي والقضائي- وسننظر في اقتراحاتكم واقتراحات اللورد ملنر.

(الثالثة) الأمور الخارجية والتمثيل السياسي.

(الرابعة) الامتيازات وإلغاؤها.

عدلي باشا- يتبع المناقشة في المسألة الأخيرة بحث المشروع الذي وضعه سيرسسل هرست، وهو مشروع لم تجر فيه مفاوضة مع أية هيئة مصرية. وكل ما فعله سيرسسل أنه نشر مشروعه في مصر وجرت له مع بعض محامي المحاكم المختلطة وقضاتها أحاديث بشأنه. وقد رفضت وزارة نسيم باشا المناقشة فيه باعتباره جزءا من الاتفاق للعام، كما تخلى عنها زغلول باشا لأنه كان يرى أنه يتوقف على نتيجة المسألة السياسية. ولكننا نرى له أهمية كبرى ونريد أن نتفاوض فيه باعتباره جزءا من مشروع الاتفاق. على أن البحث فيه سيتعدى حتما إلى التفاصيل.

اللورد كيرزن- تقولون حقا. ولكن لا أراني أستطيع المناقشة في ذلك، وقد يتولى مستر لندسي - وله أكبر الخبرة بهذه الشؤون - المباحثة معكم في هذه المسائل التفصيلية بمساعدة خبرائنا القانونيين.

(واقترح اللورد كيرزن أن يكون الاجتماع في الغد وأن يكون الكلام في التمثيل السياسي). وختمت الجلسة حيث كانت الساعة السادسة تقريبا.

الإمضاء: عبد الحميد بدوي


المصادر