محضر الجلسة السابعة بين صاحب الدولة عدلي يكن باشا رئيس الوفد المصري وبين اللورد كيرزن وزير خارجية بريطانيا

محضر الجلسة السابعة بين صاحب الدولة عدلي يكن باشا رئيس الوفد المصري وبين اللورد كيرزن وزير خارجية بريطانيا، في 4 أغسطس 1921، مفاوضات سنة 1921 - 1922 (عدلي-كيرزن)، بين عدلي يكن باشا واللورد كيرزن، بوزارة الخارجية، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 144 - 146".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

حصلت هذه المقابلة في الساعة الرابعة مساء بناء على موعد سابق.

اللورد كيرزن - تناقشنا طويلا في الجلسات الماضية. ولكن لا أرانا قربنا كثيرا بين وجهتي نظرنا. وعندي أن الأحاديث الخاصة أدنى إلى هذه الغاية فإن طبيعة الجلسات الرسمية يغلب فيها اشتغال كل فريق بالدفاع عن موقفه ويصعب فيها البحث في صيغ التوفيق بين الآراء المختلفة.

إن مسألة القوة العسكرية هي في نظر الوزارة الإنجليزية أم المسائل. ولا يمكن تغيير نظريتها في شأنها. وهى لم تقبل النتيجة التي وصل إليها اللورد ملنر في هذا الصدد ويجب أن لا يغيب عن الفكر أن الاستقلال الذي تطلبونه لم تكسبوه. وكيف يكون - كما تريدون - نقيا غير مشوب بشيء ما دامت هناك مصالح يجب أن تراعوها.

عدلي باشا - نعم نحن لا نكسب الاستقلال بحرب. ولكنا دخلنا المفاوضات على قاعدته، وقد رضيتم بذلك حين قبلتم أن تعترفوا باستقلالنا متى ضمنت مصالحكم. وأن ما تذهبون إليه في مسألة القوة العسكرية لا يتفق مع الاستقلال. بل هو رجوع إلى ما كنا فيه، إذ متى رأى قائدكم أن تكون الجيوش موزعة هنا وهناك لغرض المحافظة على الأمن مكنه ذلك لا محالة للتعرض لشئوننا الداخلية بل ومكنه أيضا من إعلان الأحكام العرفية مثلا إذا أراد.

اللورد كيرزن - يمكنني أن أذكر لك بلادا مستقلة فيها مثل هذه القيود. فكوبا المستقلة مثلا بها جيوش للأمريكان.

عدلي باشا - لا. بل أظن أن للأمريكان حق إنزال الجيش فقط.

اللورد كيرزن - لا بل أؤكد لك ما أقول.

عدلى باشا - إن البلاد لا يمكن أن تقبل ما تعرضونه الآن. ومهما يكن من أمر دخول الطرفين في هذه المناقشة بلا قيد فإن هذا لا ينفى أنه عرض على البلاد مشروع يقتضى وجود القوّة العسكرية في نقطة معينة لغرض معين ولا يجعل لها تداخلا في أى شأن من الشئون الداخلية.

اللورد كيرزن - إن الوزارة الإنجليزية ثابتة في هذا الموضوع ولو كنت مكانكم لأقنعت بلادى بالقبول قائلا لها إن عندك غير هذا من مظاهر الاستقلال ما يكفى الآن وسوف ينظر فيما بقى فتنالين أغراضك تامة بعد حين.

عدلى باشا - إن فخامتك تقول إن لبلادنا من مظاهر الاستقلال ما يكفيها ولكنا لم نحصل إلى الآن في مناقشاتنا على شيء.

اللورد كيرزن - إن المسائل الأخرى في نظرى مما يمكن الاتفاق عليه بل مما يجب الاتفاق فيه. أما مسألة التمثيل الخارجى مثلا فقد عرفت فيها أدلتكم ويمكننى أن أدلى بها إلى الوزارة. وأما مسألتا الموظف المالى والموظف القضائى فطريق التفاهم عليهما ميسور ويمكنكم أثناء غيابى أن تتفاهموا بشأنهما مع المستر لندسى وأعوانه. ولكنى أقول لكم بكل صراحة أن مسألة الجيش لا سبيل إلى تغيير نظر الحكومة فيها.

عدلى باشا - نحن لا نجهل أنه متى كانت لكم قوة في جهة ما من القطر المصرى فإننا نكون أبدا عرضة لتداخلكم إذا وقع بالأجانب خطر شديد حتى ولو كانت هذه القوة قاصرة على حماية المواصلات. ولقد ذكرتم أنتم حالة تعرض مندوبكم للخطر وتساءلتم كيف تقف جنودكم مكتوفة الأيدى، والواقع أنه في مثل هذه الحالة لا نتصور نحن أيضا أن لا يكون لها وجه للتداخل.

اللورد كيرزن - هذه مسألة عسكرية يدركها الفنيون أكثر منى، وأنى مستعد لتقديمكم لوزير حربيتنا ولرئيس أركان الحرب تتداولون معهما إذا شئتم، وربما فهمتم منهما أن هناك من حالات الثورة ما تنقطع فيه المواصلات بحيث لا تعود القوة العسكرية صالحة لأى عمل، وقد جرى مثل ذلك في أرلندا أخيرا - كذلك لكم أن تقابلوا المستر لويد جورج فتفهموا منه مبلغ تشدد الوزارة في هذا الموضوع. وقد كنت أتكلم معه. منذ يومين في شأن المسألة المصرية فأبدى الرغبة في مقابلتكم.

عدلى باشا - نحن نسر بمقابلة جنابه، ولكن اسمح لى أن أقول إن التشدد في وضع المسألة هذا الوضع لا يقدم عملنا ولا أراكم تقدمتم خطوة لمقابلتنا، فإنى لم أسمع منكم حتى ولا الرغبة في أن تكون الاحتياطات قاصرة على مدينة الإسكندرية التى حصل فيها الشغب ولمدة معينة مثلا.

اللورد كيرزن - إن الوزارة تنظر إلى مسألة القوة العسكرية نظرة واحدة. فإذا كان هناك توقيت كان للموضوع كله، وإذا تم التفاهم على ذلك جاز أن بعد خمس سنوات مثلا يعاد النظر بين الطرفين في جزء المعاهدة المتعلق بالقوة العسكرية.

عدلي باشا - ولكن ذلك لا يغير من وجه المسألة إذا كان أمرا استمرار وجود القوة العسكرية في يدكم ويجري على حسب رأيكم.

اللورد كيرزن - ولكن المأمول أن تكون الحال في مصر إذ ذاك بحيث لا تدعو إلى إبقاء الجيش - صدقني في أني أنظر إلى المسألة المصرية بعناية خاصة، وإني أتوق إلى إرضائكم ولست أريد أن أتعرض للأشخاص، ولكني يسعني أن أقول إنه إذا كان المفاوض معكم هو المستر ونستون تشرشل مثلا لرأيتم أنه أكثر مني تشددا وخير لمصر أن لا تقع مرة أخرى فيما وقع فيه سلطان تركيا من الخطأ عند الشروع في وضع معاهدة "درند وولف" - لقد كان اللورد سالسبري ممتلئا إذ ذاك رغبة في جلاء الإنجليز عن مصر. وكنت أنا في بدء عملي سكرتيرا له وإني موقن بصدق رغبته ولكن سلطان تركيا أضاع عليكم هذه الفرصة، ومضت أربعون سنة لم يعمل فيها شيء في هذا السبيل، فهل تريدون أن تجددوا هذه التجربة.

سأسافر إلى باريس يوم، الأحد حيث أبقى عشرة أيام لحضور المجلس الأعلى للحلفاء، و يسرني قبل قيامي أن أعرف منكم ما إذا كان هناك أمل في الاتفاق على مسألة القوة العسكرية بعد أن تكونوا قد تبينتم مركزنا بالنسبة لها. وسأبعث لكم بمذكرة في هذا الموضوع. وأرجو أن تخبروني قبل سفري عما إذا كنتم تبغون الاستمرار في المفاوضة أثناء غيابي أو تفضلون بقاء المسألة حتى أعود وأعرض المسألة بحذافيرها على الوزارة. ولا أخفيكم أني أفضل أن تنتهزوا فرصة غيابي للتكلم مع المستر لندسي وأعوانه في باقي المسائل وأعدكم بأنه بعد عودتي من باريس يكون لنا اجتماعان أو ثلاثة - لأنني باق هنا إلى 2 أو 3 سبتمبر - ثم نعود في أوائل أكتوبر لإتمام مهمتنا - هل يهمكم العودة إلى مصر في ميعاد معين؟

عدلي باشا - إني لا أرغب بالطبع في البقاء بلا مبرر ولكن بما أن الأمر متعلق بأهم ما عندنا من الشؤون فالزمن الذي تستدعيه المفاوضة لا يهم.

اللورد كيرزن - إن الحالة الآن بمصر حسنة والمسألة التي نشتغل بها هامة ويحسن أن نبذل كل ما يلزم من الوقت للبحث والتدقيق فيها من جميع الوجوه.

عدلي باشا - سأنتظر مذكرتكم الجديدة عن المسألة العسكرية. وأرجو أن يكون فيها خير وأن تذلل بعض العقبات.

وانتهى الحديث حيث كانت الساعة الخامسة وعشر دقائق.

(تبودلت بين عدلي باشا واللورد كيرزن بعد هذا الحديث كتب بشأن القوة العسكرية وردت بنصيها الإنجليزي والفرنسي في مجموعة المذكرات).


المصادر