محضر محادثة بين مصطفى النحاس رئيس مجلس الوزراء والفيلد مارشال سير وليم سليم، 6 يونيو

محضر محادثة بين مصطفى النحاس رئيس مجلس الوزراء والفيلد مارشال سير وليم سليم، 6 يوليو 1950، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 600 - 606".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

الحاضرون

مصطفى النحاس (باشا)

فيلد مارشال سير وليم سليم

محمد صلاح الدين (بك)

مستر تشابمان أندروز

مصطفى نصرت (بك)

ابراهيم فرج (بك)


أدلى النحاس (باشا)، بالبيان التالى:

1 - إن المسألة لا تنحصر في إقناع الشعب بل من المتعين أن تقتنع الحكومة أولا. ومن ثم نستطيع إقناع الشعب.

2 - تعتبر الحكومة أن الجلاء التام هو الأساس لأى اتفاق بين بريطانيا ومصر وذلك للأسباب الآتية:

(أ)

حق مصر الطبيعى في أن تخلوا أراضيها من أى جندى أجنبى.

(ب)

وعود بريطانيا بالجلاء. وقد جاوزت الستين وعدا. كان آخرها ما قبلته الحكومة البريطانية في مشروع معاهدة (صدقى - بيفن) من أن تجلو جيوشها في موعد غايته سبتمبر سنة 1949. ولو أن هذا الاتفاق قد أبرم في ذلك الحين لما بقيت الآن في مصر قوات بريطانية. وإن إصرار بريطانيا على الاحتفاظ بقواتها من شأنه أن يلقى في روع الشعب المصرى أنها لم تكن جادة فيما وافقت عليه من جلاء قواتها، ويزعزع ثقة الشعب المصرى في أى اتفاق يمكن عرضه ما لم يكن أساسه الجلاء الناجز. ولا يصح الادعاء بتغير الظروف عما كانت عليه في سنة 1946 فالظروف الدولية لم تتغير منذ انتهاء الحرب فأن توقع الخطر الروسى قائم منذ ذلك الحين.

(ج)

أحكام الميثاق وقرارات الأمم المتحدة.

(د)

تقدم الفنون العسكرية والأسلحة يجعل الاحتفاظ بهذا العدد المحدود في منطقة القنال عديم الجدوى من الناحية العسكرية.

(هـ)

من الميسور أن تستبدل مصر بالعدد المحدود من القوات البريطانية في تلك المنطقة قوات مصرية أكثر عددا. ولو كانت مساعدة بريطانيا لمصر في تقوية جيشها وتسليحه جدية فإن مصر تستطيع أن تسد الفراغ بقواتها الوطنية.

(و)

لا يسع الشعب المصري بعد تلك الوعود المتكررة أن يطمئن أو يثق بما دون الجلاء التام. وهذه الثقة وذلك الاطمئنان ضروريان لكسب تأييد الشعب وإخلاصه في تنفيذ ما يرتضيه من التزام في حالة وقوع الخطر. وإن كسب تأييد الشعب المصري أكثر نفعا لبريطانيا في وقت الحرب من احتفاظها بذلك العدد المحدود من قواتها على ضفة القنال في زمن السلم.

(ز)

إن القول بأن حالة التهديد بالحرب في الوقت الحاضر تبرر الاحتفاظ بقوات بريطانية في قنال السويس معناه تأبيد الاحتلال. لأن هذا الخطر لا يرجى لا زوال في يوم من الأيام. فقد كان مصدره ألمانيا ثم بعد ذلك ألمانيا وإيطاليا واليابان في الحرب الأخيرة ثم من جهة روسيا كما يقال الآن. والواقع أنها حلقة مفرغة. وسيكون من الميسور دائما التعلل بوجود خطر الحرب من ناحية إحدى الدول الكبرى. ومن ثم لا يسع مصر أن تقبل احتلال أراضيها بناء على هذه التعلات.

(ح)

إن الدول المجاورة لروسيا نفسها. مثل تركيا وإيران والمعرضة لخطر الغزو المباشر لا توجد فيها قوات احتلال أجنبية ولن تصل قوات الغزو إلى مصر إلا بعد اجتياح تلك الدول وغيرها، مما يليها وتملك بريطانيا كثيرا من القواعد الجوية والاستراتيجية في البلاد المحيطة بمصر مثل مالطة وقبرص وبرقة والأردن التي يسهل إرسال القوات منها إلى مصر في زمن الحرب.

أما المقارنة بين مصر والمملكة المتحدة بالنسبة لوجود قوات أجنبية في بريطانيا فالجواب على ذلك يتلخص فيما يلي:

1 - لا نزاع في أن وجود تلك القوات لا ينطوي على أي مساس بالسيادة البريطانية نظرا لأن الدولتين على قدم المساواة.

2 - أن هذا الموقف طارئ ومؤقت. أما في مصر فيعتبر امتدادا لاحتلال ظل ستين عاما.

3 - لو أن إنجلترا طالبت أمريكا بإجلاء قواتها عن أراضيها لفعلت ذلك فورا وليس هذا هو الحال بالقياس إلى القوات البريطانية في مصر.

4 - تباين نظرة كلا من الشعبين المصري والبريطاني إلى وجود تلك القوات الأجنبية في أراضيه.

وبناء على ما تقدم لا تقبل مصر مرابطة قوات أجنبية في أراضيها. سواء في وقت السلم أو في حالة التهديد بحرب وشيكة. أو عند قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها.

وترى مصر أن الأمر ينبغي أن يعالج على الوجه الآتي:


(أ)

جلاء القوات البريطانية عن مصر جلاء ناجزا.

(ب)

لما كانت مصر شديدة العناية بتقوية جيشها وتزويده بأحدث الأسلحة والعتاد وبخاصة ما يتصل بالدفاع الجوي وإتمام التجهيزات المدنية والعسكرية اللازمة كإنشاء المطارات والمصانع الحربية وغيرها من وسائل المواصلات. كل ذلك يقتضي أن تبادر بريطانيا ببذل معونتها لإجابة مطالب مصر في هذا السبيل.

(ج)

عند قيام حالة تهدد الأمن في الشرق الأوسط فإن الحكومتين تتبادلان الرأي فيما يتصل بالموقف.

(د)

إذا وقع اعتداء مسلح على مصر أو إذا دخلت بريطانيا الحرب كنتيجة لوقوع اعتداء مسلح على إحدى الدول المتاخمة لمصر. فإن مصر تتعاون عسكريا في داخل حدودها وفى نطاق إمكانياتها مع بريطانيا العظمى للدفاع عن مصر. وتفصيلات هذا التعاون يجرى الاتفاق عليه فيما بعد.

وفى مثل هذه الأحوال إذا تبين أنه من الضروري استقدام قوات بريطانية إلى الأراضي المصرية فإنها سوف تلقى جميع التسهيلات اللازمة لاستقبالها والتي يمكن الاتفاق عليها مقدما.

ومن المقرر أنه بمجرد انتهاء العمليات الحربية، فإن القوات البريطانية تغادر الأراضي المصرية.

وإن الحكومة المصرية مستعدة لبحث أي مقترحات من الجانب البريطاني طالما أن أساسها الجلاء الناجز عن الأراضي المصرية.

وبعد الانتهاء من إلقاء البيان أردف رفعة النحاس باشا قائلا: صحيح أننا سنكمل هذه المحادثات مع السياسيين ولكن الأساس هو هذا. وأرجو تقدير جهودنا التي بذلناها للوصول إلى هذه النتيجة.

فيلد مارشال سليم - لقد أصغيت باهتمام عظيم إلى بيانكم كله ولكنكم ظللتم ترددون عبارة "إنهاء احتلال القوات البريطانية" مع أننا لا نتحدث عن احتلال ولكن عن التعاون: النحاس (باشا) - هذا ما تقولونه ولكن الشعب يعتبره احتلالا نظرا للظروف التي شرحتها.

فيلد مارشال سليم - لا يسعني فيما يتعلق بوجود القوات البريطانية في مصر إلا أن أقول إننا إذا عالجنا المسائل من ناحية الدفاع بدلا من ناحية الاحتلال لتغيير الموضوع.

النحاس (باشا) - أوضحت لك وسائل الدفاع عن مصر دون الحاجة إلى بقاء قوات بريطانية.

فيلد مارشال سليم - لا أظن من وجهة النظر العسكرية أنه يمكنكم تأمين الدفاع عن مصر بغير القوات البريطانية فالخطر الذي يتهدد مصر خطر مزدوج. خطر يأتي من الجو وخطر يأتي من البر، ومن الضروري لضمان الدفاع الجوى المجدي عن مصر أن تتوحد قوات البلدين الآن في وقت السلم لأنها إذا لم تكن معدة من قبل ساء الموقف.

النحاس (باشا) - إذا كانت كل الاستعدادات سنتخذها هنا مقدما فلماذا إذن تبقى القوات البريطانية؟

فيلد مارشال سليم - لا تستطيعون القيام بالاستعدادات مقدما إلا إذا عملت الأسراب الجوية المصرية والبريطانية معا. وهذه حقيقة عسكرية ويجب عليكم أن تتدربوا معنا على ذلك. ليتم التناسق. ومثل ذلك الرادار. ويجب أن يعمل فيه البريطانيون مع المصريين في نفس الوقت. ولا يكفي إرسال الخبراء.

النحاس (باشا) - يمكن أن نجد حلا لهذه المسألة. ونستطيع أن نستخدمهم كخبراء عندنا فكم عددهم مثلا؟

فيلد مارشال سليم - لا أستطيع إذا شئت الصدق أن أحدد عددهم.

النحاس (باشا) - نبحث عن حل لهذه المسألة.

فيلد مارشال سليم - ليس هناك حل. فلا بد من التوحيد قبل أن يبدأ الهجوم ويجب أن يقابل الهجوم الجوى الأول بالتعاون بيننا. ولا يمكن لمصر أن تقوم بمفردها بذلك فليس لديها الرجال أو الخبرة. والطريقة الوحيدة هى أن تكون لنا قوات موحدة لأننا إذا أتينا بالمعونة البريطانية فجأة جاء ذلك متأخرا إذ يجب أن تكون موجودة من قبل، ومعدة قبل الابتداء.

فإذا وقع الهجوم الأول أمكننا مواجهته ويجب أن تعمل القوات المضادة للطائرات بالتعاون مع المقاتلات وإلا فقد يحدث أن تطلق القوات المصرية المضادة للطائرات النار على الطائرات البريطانية.

هذه هى تجربتنا في الحرب الماضية وهذا هو الذى أفادنا - إنى أتحدث بوصفى رجلا عسكريا من أجل سلامة الشعب، وذلك فيما يتعلق بالدفاع الجوى.

وأود الآن أن أتحدث قليلا عن الناحية البرية، إن لدينا قوات برية في غرب أوروبا كلها تحت قيادة واحدة هى القيادة الفرنسية، وهناك مناورات مشتركة وقد دعوت حيدر (باشا) إلى مشاهدتها. والقيادة العليا هيئة موحدة.

ولنعد الآن إلى مصر. إن هناك سببا آخر لإصرارى على بقاء القوات البريطانية في وقت السلم هو أنه إذا هو جمت مصر نأمل أن تصلنا قوات من الدومنيون ومن دول أخرى لإمداد قواتنا. واستراليا ونيوزيلانده وجنوب أفريقيا لا تقبل إرسال قوات إلى مصر إذا لم نكن فيها.

وإنى أؤكد لكم ذلك إذ أنى أعرفهم. فإنهم لا يقبلون حتى مجرد التفكير في ذلك وقد يكونون مخطئين. ولكنكم تستطيعون بسهولة أن تسألوا وزير استراليا المفوض أو السفير الأمريكى.

النحاس (باشا) - يمكنك التأثير عليهم كما تحاول أن تؤثر علينا الآن. أما مسألة القيادة فليس لدينا مانع في وقت الحرب من أن تكون القيادة لكم أو لنا فهذا أمر غير مهم ولكننا لا نقبل بقاء القوات العسكرية في وقت السلم. يجب عليك أن تقدر الظروف كلها. وظروفنا وظروف غيرنا. وعليك أن تقنعهم بالظروف التى تحيط بنا.

فيلد مارشال سليم - إنه يكون أيسر على رفعتكم إقناع المصريين بوسائلكم من أن أقوم أنا بإقناع الاستراليين والنيوزيلاندين وأهالى جنوب أفريقيا... الخ.

النحاس (باشا) - إن ذلك ممكن إذا أخبرتهم أن النحاس باشا نفسه بما له من شخصية وقوة لا يستطيع إقناع الشعب ببقاء جندى أجنبي واحد في مصر.

مستر تشابمان أندروز - هل يدرك الشعب الخطر الذي يواجهه؟

الدكتور صلاح الدين (بك) - الشعب يفهم الاحتلال حقيقة واقعة، وأن الخطر الآخر هو مجرد تهديد فلا يمكن إقناع الشعب ببقاء الاحتلال لدفع ذلك الخطر.

مستر تشابمان أندروز - هل يدركون أن الاحتلال الروسي أسوأ من الاحتلال البريطاني؟

دكتور صلاح الدين (بك) - من العسير جدا إقناع الشعب بذلك.

النحاس (باشا) - أنا مستعد لبحث أي اقتراح بشرط أن يكون مبنيا على جلاء القوات البريطانية ويسعدني أن أقابلك مرة أخرى بعد دعوتك وبعد أن تحاول إقناع الآخرين.

دكتور صلاح الدين (بك) - يجب أن ننظر إلى الناحية النفسية. فقد كسب الروس كثيرا في مصر من هذه الناحية بسبب وجود جيوش بريطانية فيها.

مستر تشابمان أندروز - إن الحرب أقرب هذه المرة مما كانت عليه في سنة 1936.

دكتور صلاح الدين (بك) - إذا جلوتم كان معنى ذلك أن الخلاف بيننا قد انتهى وتكون النتيجة طيبة جدا، إذ يعطينا جلاؤكم سلاحا يعتد به. لأن إحدى الحجج التي يحتجون بها هو أننا لسنا بلدا مستقلا ما دام فيها قوات بريطانية.

       النحاس (باشا) - إن ما تقوله من أن الآخرين لن يأتوا لمساعدتنا عندما يجدون أنكم جلوتم نظري. أي أنه فكرة قد تصدق وقد لا تصدق. ولكن الحالة هنا واقعية وهى حتما تجعل من المستحيل دفع الخطر إذا وقع. فلماذا لا تحاول إقناع الآخرين ثم تعود تخبرنا بما يتم؟ ساعدني وانتهز هذه الفرصة وحاول إقناع الآخرين.

فيلد مارشال سليم - ليس الأمر نظريا إذ لا يمكنكم أن تطلبوا حضور القوات إذا لم نكن نحن في مصر.

النحاس (باشا) - قل لهم "إنكم تساعدون إنجلترا عندما تجيئون ولستم تساعدون مصر" ألا تريد أمريكا مساعدتكم؟

فيلد مارشال سليم - لا شأن لأمريكا بذلك. ولا شأن لها بالشرق الأوسط. وإني لا أستطيع أن أتكلم بالنيابة عن بلاد الدومنيون.

لقد استمعت إلى ما قلتموه وإني أقدر الأثر النفساني ولكني أرجوكم أن تتناسوا كلمة (احتلال). إن سلامة مصر وإنجلترا تتوقفان على وحدة الدفاع بينهما. وإني أوافق على أن ذلك من العسير بالنظر إلى تاريخ الاحتلال. ولكن الحكومة الحالية تستطيع أن تفهم الناس أننا لا نعني احتلالا. أرجو أن تفكروا في ذلك. كما سأفكر من جهتي أيضا.

إن خلافاتنا ليست في المبادئ ولكن في طريقة العرض وآمل أن نستطيع التقدم إلى مدى بعيد. وأن نصل إلى اتفاق.

وإنى أشكركم على إصغائكم إلى. وقد أعود إلى مصر حوالى 12 يوليو.

مستر تشابمان أندروز - أريد أن أقول كلمة وهى أن فيلد مارشال سير وليم سليم لم يعمل في مصر، ولم يكن عضوا في جيش الاحتلال. وآراؤه آراء موضوعية، وغرضه سلامة هذه البلاد. وعلينا أن نحاول عمل شئ جديد.


المصادر