بيان السفير البريطاني للصحف

بيان السفير البريطاني للصحف، في 17 أغسطس 1951، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 683 - 685".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

ألقى المستر هربرت موريسون وزير الخارجية خطابا في مجلس العموم في أثناء مناقشة عن الشرق الأوسط في 30 يوليو الماضى وأثار خطابه كثيرا من التعليقات في الصحف المصرية الصادرة في بداية الشهر الحالى وذكرت هذه الصحف أن (معالى) الدكتور محمد صلاح الدين (باشا) وزير الخارجية المصرية أشار إلى خطاب المستر موريسون في البيان الذى ألقاه معاليه عن العلاقات المصرية الإنجليزبة في مجلسى الشيوخ والنواب في 6 أغسطس الحالى.

وحيث أنى أعتقد أن غالبية الشعب المصرى تود بإخلاص - يشاركها في ذلك الشعب البريطانى - أن تتمكن الحكومتان المصرية والبريطانية من الوصول إلى تسوية عادلة وودية لجميع المسائل التى تتباحث فيها الحكومتان فقد ساءنى أن أرى كثيرا من الصحف المصرية قد بنت آراء خاطئة تماما على خطاب وزير الخارجية البريطانية. وذهبت بعضها إلى حد القول بأن بيان المستر موريسون قد ترتب عليه "قفل باب المحادثات" بين حكومتينا. وأعتقد أن من الأهمية القصوى - في حالة تكوين الآراء أو رسم السياسات على أساس تفسير الكلمات الصادرة عن وزير سياسى - أن تنشر على الشعب الكلمات التى استخدمها هذا السياسى بالضبط حتى يستطيع الحكم بصحة أو بطلان التفسيرات التى بنيت على هذه الكلمات.

فماذا قال المستر موريسون بالضبط عن العلاقات المصرية - الإنجليزية في 30 يوليو؟

إن النص الكامل لخطابه. وكذلك المضبطة الرسمية لتعليقات جميع أعضاء مجلس العموم الذين اشتركوا في المناقشة أصبحا في متناول الجميع ويمكن الاطلاع عليها في نشرة (هانسارد) الرسمية.

وقد كان المستر موريسون أبعد ما يكون عن إعلان (قفل باب المفاوضات) أو حتى مجرد التلميح بذلك عندما قال:

(وإنى أعتقد أن الصداقة والتعاون بيننا وبين مصر في النواحى المختلفة التى تتقابل فيها مصالحنا هما من أهم الدعائم التى يجب أن يقوم عليها استقرار الشرق الأوسط وسلامته. ونحن نقدر تماما الصعاب التى تواجهها الحكومة المصرية. وحاولنا أن نعالج مشاكلنا بصبر وإدراك تام لهذه المشاكل. كما أننا نعلم أن الموقف الذى تقفه مصر تعود دوافعه إلى الماضى السحيق. فحاولنا أن نحسب لهذه الحقيقة حسابها).

وقد ادعى البعض أن الحكومة البريطانية هى التى تريد أن تقطع المفاوضات التى تهدف إلى عقد اتفاق عادل مع مصر. ولكن سخف هذا الادعاء ومجانبته للمنطق يتضحان لكل من قرأ خطاب المستر موريسون. فقد أكد وزير الخارجية البريطانية بوضوح تام أن سياسة حكومة جلالة الملك هى عكس ذلك تماما، وقال إن سياسة حكومته هى:

(إقامة العلاقات البريطانية المصرية على أساس من شأنه أن يبقى على أحسن العناصر في العلاقات الوثيقة التى ربطت طويلا بين بلدينا ويحسب فيه - في الوقت نفسه - حساب الحقائق المتعلقة بالموقف الخطر الذى يجد العالم المتمدين نفسه فيه الآن).

فلماذا ترغب الحكومة البريطانية رغبة صادقة في أن تقيم علاقاتها مع مصر على مثل هذا الأساس؟ والجواب على ذلك هو أن الشعب البريطانى يدرك إدراكا راسخا أن هناك مصالح مشتركة تربط بينه وبين الشعب المصرى لحماية السلم والقيم التى تقوم عليها الحضارة في العالم.

والشعب البريطاني يدرك مقدار الخطر الذى يتهدد العالم الحر اليوم. ولا يستطيع أن يعتقد أن الشعب المصرى أقل منه إدراكا لهذا الخطر. طالما أن مصر كما جاء في بيان المستر موريسون:

(تحتل جسرا بين قارتين. وتسيطر علي نقطة اتصال حيوية في المسالك البحرية بين نصفى الكرة الأرضية الشرقى والغربى. فهى بهذا الوضع هدف ذو أهمية قصوى لأية دولة معتدية في الحوض الشرقى من البحر الأبيض المتوسط. وعلى الدول الواقعة عليه)

ولم ترفض الحكومة البريطانية في يوم من الأيام أن تدخل في اعتبارها الشعور الوطنى في مصر ولكنها تحث مصر على أن تدرك، كما قال المستر موريسون:

(أنه ليس من الواقعية في شىء أن تزعم أن في اسطاعتها تفادى الخطر برفض السماح لنا بالمشاركة في تنظيم الدفاع عن هذه المنطقة فليس في استطاعتها أن تقف وحدها للدفاع عن أراضيها كما لا نستطيع نحن بمفردنا الدفاع عن أراضينا نفسها).

وإذن فليس هناك من ينكر، أو يحاول الاعتداء على حقوق مصر باعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة وقد أوضح مستر موريسون ذلك في خطابه إذ قال:

(وقد قام شعبنا بالاشتراك مع شعوب شمال الأطلنطى وشعوب الكومنولث بتحميل أعباء ثقيلة في زمن السلم من أجل تحقيق السلامة للبلدان التى تشاركها في المدنية العامة التي ورثناها جميعا. وأنى لأدعو مصر للمشاركة - مشاركة الند للند - في هذا المجهود العام الذى يبذل لضمان سلامة العالم. فنحن نريد أن ننظم علاقتنا على أساس جديد كل الجدة).

ومن العسير أن نرى كيف تستطيع الحكومة البريطانية أن تبسط وجهة نظرها عن العلاقات التى ترغب في إقامتها مع مصر بطريقة أو أسلوب أوضح من ذلك. وإنى شخصيا أجد أنه من العسير. على أن أعتقد أن الشعب المصرى كان سيظن - إذا ما كانت كلمات المستر موريسون قد نقلت بأمانة في مصر - أن الحكومة البريطانية تسعى إلى قطع المفاوضات أو أنها في محادثتنا قد نشدت سوى أحسن الوسائل لخدمة مصالحنا المشتركة مع احترام حقوق مصر كعضو حر يقف معنا على قدم المساواة مع بقية أعضاء مجتمع الدول الحرة الذى ننتمى إليه.


المصادر