محضر محادثة بين وزير الخارجية المصرية والسفير البريطاني

محضر محادثة بين وزير الخارجية المصرية والسفير البريطاني، في 8 يوليو 1950، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 606 -611".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

إن كل بلد في حاجة إلى حلفاء. فلقد دعونا أمريكا إلى مساعدتنا. وتستطيعون أنتم أن تدعوننا إلى مساعدتكم فابحثوا الاحتمالات التى أوضحها لكم الفيلد مارشال سليم. ففى حالة قيام الحرب سيكون الشرق الأوسط إحدى النقط الأساسية التى يشن عليها الهجوم. وسيكون الهجوم الأول من الجو. ويقترن هذا الهجوم بهجوم للغواصات على المواصلات البحرية ثم يتلو ذلك الهجوم البرى. فإذا كنتم تزمعون صد الهجوم الجوى فينبغى أن يكون في مصر دفاع جوى كامل أعد من قبل ويشمل الرادار. ونظام للمواصلات ونقط للمراقبة ومدفعية مضادة للطائرات ومشروع كامل للدفاع. ومصر في الوقت الحاضر لا تستطيع أن تقدم ذلك. ونقترح أن يكون لنا نحن ومصر نظام للدفاع خاص بمصر. ليس بالضرورة دفاعا بريطانيا مصريا بل دفاع مصرى يقوم على توحيد قوات البلدين الجوية وتعاونهما. ولن تكون ثمة صعوبة في تدبير الدفاع البحرى. إذ أن البحرية البريطانية لا تحتاج إلى قواعد في الموانى المصرية إلا وقت الحرب. أما عن القوات البرية فإنى أوافق تماما على أن مركز هذه القوات في مصر مختلف. فلنبحث إذن هذه المسألة. إذا كان من المرغوب فيه أن لا تصل الجيوش الغازية إلى مصر فإن سلطاتنا العسكرية تقول إن ذلك لا يمكن إلا إذا كانت في مصر قوات برية محاربة معدة في مراكزها عند قيام الحرب ومن الواضح أن هذا هو أمثل الطرق. ولكن قد يكون من الممكن أن ترابط القوات البرية على مسافة قريبة تستطيع منها القدوم إلى مصر على وجه السرعة عند قيام الحرب.

وسواء أكان الأمر كذلك أو لم يكن. فمن الضرورى على أية حال أن تكون هناك قاعدة عسكرية يجب - لتكون في حالة تسمح باستخدامها في وقت قصير - أن يكون بها فنيون وموظفون وإداريون في جميع الأنواع. وأغلب القوات البريطانية في منطقة القنال الآن من الفنيين.

والفكرة التى أود أن ألقى بها في روعكم وهى إمكان التمييز بين الموظفين الفنيين والجند المحاربين أريدكم أن تبحثوا عما إذا كان جلاء القوات البرية المحاربة عن مصر يقدم دليلا كافيا لدى الشعب المصرى على أن ما تسمونه (احتلالا) قد مضى وانتهى. وإن قطع الصلة بالماضى قطعا تاما وإلغاء معاهدة 1936 وجلاء جميع القوات البرية المحاربة عن مصر تكون ولا شك بادرة بادية من ناحيتنا. وإنى الآن ألخص الأسئلة التى أود أن تجيبوا عنها وهي:

(أ)

هل مصر عازمة على الدفاع عن أراضيها بالقوة إذا لزم الأمر؟

(ب)

هل توافق الحكومة المصرية على أن مصر لا تستطيع ذلك بمواردها الخاصة وبغير مساعدة؟

(ج)

وإذا كان الأمر كذلك فهل مصر على استعداد لعقد محالفة حرة ودية مع بريطانيا العظمى حتى يتحقق غرضهما المشترك لضمان سلامة مصر وجميع مناطق الشرق الأوسط؟

(د)

وإذا كان الأمر كذلك فهل يوافق المصريون على أن ينظم الدفاع الجوي عن مصر بمساعدة البريطانيين حتى يمكن لمصر الاضطلاع بهذه المسؤولية وحدها؟

(هـ)

هل تدرك الحكومة المصرية أن الدفاع البري عن مصر مستحيل إلا إذا كانت هناك قاعدة عسكرية معدة للعمل في الأراضي المصرية وقابلة للاتساع عند الحاجة، وأن قيام مثل هذه القاعدة يقتضي عددا وفيرا من الموظفين الفنيين والإداريين لا يمكن أن تقدمهم مصر؟

(و)

وإذا كان الأمر كذلك فهل يعتبر جلاء القوات البرية المحاربة كنهاية "للاحتلال" إذ إنه من الواضح أن الموظفين الفنيين والإداريين لا يستطيعون احتلال بلد من البلاد؟

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - أشعر وأرجو أن يشاركني السير رالف هذا الشعور بأن الموقف الدولي يستدعي من الطرفين المبادرة إلى العمل على تصفية المسائل القائمة بين مصر وبريطانيا. وقد لا تكون لهذه المحادثات التي تجرى الآن أكثر من صفة تبادل الرأي ومع ذلك فأنا أعلق عليها أهمية كبيرة. وأرجو أن تساعد على ما نرمي إليه من تصفية جو العلاقات المصرية البريطانية. ومن المهم للوصول إلى هذه الغاية أن نتحدث بكل صراحة كما أنه لابد من الرجوع إلى الماضي لأننا في ضوئه نستطيع أن نفهم الموقف على حقيقته.

إن الرأي العام المصري مجمع إجماعا لا يشذ عنه أحد. على أمرين:

(1) جلاء القوات البريطانية عن مصر و السودان جلاء ناجزا.

(2) وحدة مصر والسودان تحت التاج المصري.

وقد اعتبرت مصر دائما أن الاحتلال البريطاني ماس بسيادتها ومهدر لشخصيتها لأنه كان كذلك في تاريخه الطويل مدى 67 عاما. وقد تغيرت الحجج التي كانت تستند إليها بريطانيا في احتلال مصر وتعددت الوعود بالجلاء عنها ولكن الوعود الكثيرة لم تتحقق حتى اليوم وكانت بريطانيا تجد دائما حجة لبقاء الاحتلال.

والحجة التي انتهت إليها بريطانيا في السنوات الأخيرة هي عجز مصر عن أن تدافع عن نفسها بمفردها. أبديت هذه الحجة في المفاوضات التي دارت بين الطرفين منذ سنة 1919 إلى أن انتهت هذه المفاوضات بعقد معاهدة 1936 وفى هذه المعاهدة مادة تقول بصريح العبارة "إن وجود قوات بريطانية في مصر ليس له صفة الاحتلال بأي حال من الأحوال".


ويشعر الرأى العام المصرى. ولست أعنى رجل الشارع وحده. بل أعنى أيضا العقلاء والمفكرين والقادة. الجميع يشعرون بأن مصر إذا لم تكن اليوم مستطيعة أن تدافع عن نفسها بمفردها فإن الجانب الأكبر من المسئولية عن ذلك إن لم تكن المسئولية كلها تقع على عاتق بريطانيا. ولقد كان إشراف بريطانيا على الأمور مدى خمسين عاما كافيا لإعداد مصر للدفاع عن نفسها ولكنها لم تفعل.

وكان من الممكن، على الأقل، لو أدركت بريطانيا العظمى المصلحة المشتركة علي حقيقتها، أن تتدارك مع هذا الفراغ في الفترة الواقعة بين سنة 1919 وبين سنة 1939 أى بين نهاية الحرب العالمية الأولى وقيام الحرب العالمية الثانية. ولكنها بدلا من هذا حرصت على بقاء احتلالها في مصر وعلى بقاء مصر ضعيفة لا تستطيع الدفاع عن نفسها ليكون هذا الضعف حجتها في استمرار الاحتلال.

والحجة التى تستندون إليها الآن لبقاء الاحتلال في صورة ما. وهى الخوف من العدوان الروسى كانت موجودة دائما. وستظل موجودة دائما فإذا قبلتها مصر فمعنى ذلك أنها تقبل تأييد الاحتلال كانت هذه الحجة موجودة قبل الحرب العالمية الأولى في صورة الخطر الألماني، وقبل الحرب العالمية الثانية في صورة خطر محور ألمانيا إيطاليا - اليابان وبعد الحرب العالمية الثانية في صورة الخطر الروسى. ولو أننا افترضنا اليوم أن الكتلة الغربية قضت نهائيا على الخطر الروسى فلن يخلو الحال في المستقبل من خطر جديد في صورة دولة تطمع في أن تسود العالم.

السفير البريطانى - إن قوات الدفاع البريطانية في أنحاء العالم قد اتسعت الى أبعد مدى وإننا نجد من الصعب الاستمرار في تحمل العبء وحدنا. وأن هدفنا هو إن نجعل مصر من القوة بحيث تحمل عنا على الأقل جزءا من عبء المحافظة على سلامة الشرق الأوسط. إن غرضنا الآن أن نجعل من مصر دولة قوية تدافع عن نفسها. فلسنا نريد البقاء هنا لا قدر الله.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - إنى سعيد جدا لسماع هذا.

السفير البريطانى - هذه هى إحدى الأفكار التى حاول فيلد مارشال سير وليم سليم بناء على تعليمات مباشرة من الحكومة البريطانية أن يؤكدها للحكومة المصرية.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - إنى سعيد جداً لسماع هذا التعليق الذى يدل على خطة جديدة. بل أسمح لنفسى بأن اقول على عقلية جديدة وأؤكد لك أننى من جهتى أرحب كل الترحيب بأن تتولى مصر اليوم قبل الغد هذه المهمة. وقد سبق لى أن ذكرت لسعادة المستر بيفن في حديثي معه عندما مر بمصر في الشتاء الماضى إن تقوية الجيش المصرى هي مفتاح الموقف كله. وكم كنت أود أن يحدث هذا التغيير في الخطة البريطانية منذ عقدت المعاهدة في سنة 1936 وفى اعتقادى أن المدة التى مضت منذ عقدها كانت كافية وفوق الكفاية لكى تصبح مصر اليوم قادرة على أن تحمل هذا العبء. ثلاث سنوات مضت منذ عقدت المعاهدة حتى وقعت الحرب كان يمكن في أثنائها عمل الكثير لتقوية الجيش المصري وكذلك في أثناء الحرب نفسها حينما كانت الأسلحة تتدفق من أمريكا وفقا لقانون الإعارة والتأجير وتعطي لروسيا. وكذلك بعد الحرب إذ كانت هناك بقايا أسلحة كثيرة كان من الممكن أن تستفيد منها مصر ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. وأخشى أن أقول إنه لم يحصل لأن الجانب البريطاني لم يكن يرتاح في الماضي لأن يرى مصر قوية. أي إن الثقة كانت منتفية من هذه الناحية وانتفاء الثقة هذا هو الذي عقد الأمور حتى وصلت إلى المأزق الحالي.

ويخيل إلى أن عامل انتقاء الثقة أيضا، وعدم الرغبة في أن تأخذ مصر المكان الذي تستحقه كدولة لها إمكانياتها الكثيرة من النواحي المادية والمعنوية كان هو السبب أيضا في السياسة التي اتبعتها بريطانيا في السودان لأن مصر المستقلة الفتية القوية المتحدة مع السودان يمكن أن تتبوأ مكانا مرموقا في الشرق الأوسط على رأس كتلة قوية من الدول العربية وفى علاقات طيبة وطيدة مع الكثير من الدول الإسلامية والشرقية. وهذا على ما يظهر لي لم تكن ترتاح إليه السياسة البريطانية وإذا كان هذا التغيير الذي أعربتم عنه قد حدث في السياسة البريطانية بالنسبة لمسألة الدفاع التي ترتبط بها مسألة الجلاء. فأرجو أن يكون قد حدث تغيير مماثل له بالنسبة لمسألة السودان.

ولكي أستكمل الصورة أود أن أشير بصراحة إلى مسألة ثالثة وهى مسألة إقامة إسرائيل في جانب مصر. يجب أن أقول لك في إخلاص وصراحة إن الشعور العام هو أن بريطانيا قد أقامت هذه الدولة على حدودنا لتكون شوكة في جانبنا وخطرا يتهددنا لكي لا تخلو مصر إلى الاهتمام بتقوية نفسها واستغلال مواردها واحتلال مركزها الدولي اللائق بها.

السفير البريطاني - من المحزن أن أرى إلى أي مدى بلغت قلة الثقة.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - أظنكم سواء استطعتم موافقتي على ذلك أو لم تستطيعوا توافقوني على كل حال أن قيام إسرائيل وهو ما انتهت إليه سياسة بريطانيا الخاصة بوعد بلفور قد أصبح من المشاكل الكبرى التي تشغل بحق بال مصر وبال الدول العربية وتهدد السلام في الشرق الأوسط وتترك آثارا دامية في صورة مشكلة اللاجئين.

هذه هي أهم الأسباب النفسية والمنطقية والسياسية التي أفضت إلى أزمة العلاقات الحالية بين مصر وبريطانيا ويمكن تلخيصها في سوء الظن وانتفاء الثقة. ولا يستطيع منصف أن يلوم مصر على هذه الحالة، فإذا كنتم حقا قد وطدتم أنفسكم على قطع الصلة بالماضي فلن يحدث ذلك الأثر المطلوب إلا إذا قطعت هذه الصلة قطعا تاما بالجلاء الكامل الناجز وبالمبادرة إلى تزويد الجيش المصري بكل ما يلزمه من سلاح وعتاد وإمداد مصر بكل ما يلزمها لاستكمال معدات الدفاع عن نفسها والتسليم بصفة عملية بوحدة مصر والسودان والكف عن كل عمل يراد به فصم هذه الوحدة فإذا تم ذلك فإني أؤكد لك أن جو العلاقات المصرية البريطانية سينقلب من النقيض إلى نقيضه فيصبح على أتم صفاء ويسود الثقة والاطمئنان والتعاون بين البلدين.

ويهمنى أيضا أن أشير إلى عامل جوهرى كبير الأهمية يقتضى من ناحيتكم نفسها المبادرة إلى الجلاء الناجز الكامل وهو أن الشعب المصرى لا يمكن أن يشعر حقا بأنه يدافع عن نفسه ضد الغزو الأجنبى ما دام الاحتلال قائما بين ظهرانيه على أية صورة من الصور بل هو في الواقع يشعر - وله الحق - بأن أى هجوم يتعرض له الوطن المصرى لا يكون مقصوداً لذاته بل يقع بسبب وجود قواتكم في مصر.

والآن أجب إجابة عامة على الأسئلة التى وجهتموها فأقول:

نعم إن مصر مصممة على أن تتولى الدفاع عن نفسها وهى توافق علي عقد محالفة دفاعية مع بريطانيا العظمى بشرط الجلاء الناجز الكامل وأن تكون هذه المعاهدة معاهدة الند للند على قدم المساواة.

وإنى أحيلكم عل التفصيلات التى أدلى بها النحاس باشا إلى الفيلد مارشال سليم في اجماعهما الأخير ففى هذه التفصيلات الرد الكافى على جميع ما تتضمنه أسئلتكم في المسائل الأخرى.

على أنى من باب الوقوف على جميع آرائكم أرجو أن أسألكم بدورى عن عدد القوات البريطانية الموجودة الآن في مصر وكم منها يعتبر من القوات المحاربة وكم عدد الطيارين وكم عدد الفنيين وكم عدد العمال وكم عدد الصناع وكم عدد الإداريين وما هى الصفات الخاصة التى تستلزمها الأعمال المنوطة بهم؟


المصادر