محضر محادثة بين وزير الخارجية المصرية والسفير البريطاني (17/08/1950)

محضر محادثة بين وزير الخارجية المصرية والسفير البريطاني، في 17 أغسطس 1950، منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 640 - 645".


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

الحاضرون

الدكتور محمد صلاح الدين (بك)

سير رالف ستيفنسون

الأستاذ إبراهيم فرج (بك)

الأستاذ عبد الفتاح عمرو (باشا)

الأستاذ علي زين العابدين حسني

السفير البريطاني - أود أن أبدي بعض ملاحظات تمهيدية قبل تناول كل نقطة من النقط الثلاث.

الواقع أنه شيء ذ كرته من قبل. وأود أن أؤكد أهميته وهو سوء الموقف الدولي المضطرب. كان يحدونا الأمل منذ أربع سنين في أن نجد وسيلة سلمية مع روسيا السوفيتية. ولكن رأينا الثابت الآن أن الاتحاد السوفيتي معاد لنا عداء صريحا والحوادث الأخيرة تؤيد ذلك. ونتيجة هذا كله أن السياسيين أصبحوا في مركز أضعف من ذي قبل وأصبحت للعسكريين الكلمة العليا وأرجو أن يكون ذلك مؤقتا. إن الميزانية البريطانية لأغراض الحرب التي تبلغ 780 مليون جنيه هذه السنة قد زيدت بنسبة 45 % للسنوات الثلاث القادمة. ومعنى هذا أن إعادة البناء في بلادنا ستؤجل. وأن مستوى المعيشة لا يمكن أن يرتفع. وأن مصاعب جديدة ستفرض على السكان المدنيين. ولا يمكن لأي حكومة بريطانية أن تفكر في الوقت ذاته في أي شيء يضعف من دفاعنا في أي جزء من العالم أما فيما يتعلق بمصر فإن حكومة الوفد مسئولة عن الدفاع عن مصر. وعن رفاهية أهلها وسلامتهم. والسؤال الذي يجب أن تسألوه لأنفسكم هو: هل تقدرون على الاضطلاع بهذه المسئولية وأدائها؟ إنكم تقولون إن مصر يمكنها الدفاع عن نفسها بمفردها وبجهودها الخاصة بشرط أن تعطوا المعدات اللازمة. فهل يمكن للميزانية المصرية أن تتحمل عبء سياسة دفاعية واسعة النطاق؟ إن القوات البريطانية في مصر تبلغ بين 40 و 50 ألف. وهي غير كافية حتى مع وجود الجيش المصري. ومشروع الدفاع يقول بضرورة مضاعفة الأسراب الجوية الموجودة الآن ثلاثة أضعاف وعليكم إذا أردتم أن تهيئوا القوات المصرية علي أساس دفاعي أن تصرفوا مبلغ 40 أو 50 مليون أخرى سنويا. فهل تستطيع مصر تحمل هذا العبء؟ قلتم أن يكون ذلك على أساس الإعارة والتأجير. ولكن إذا لم تكن البلد التي ستتلقى هذه المعاونة في مركز يسمح لها أن تفيد كل الفائدة من المعدات فإن البلد المعيرة تأبى أن تقدم هذه المعدات لها. أما فيما يتعلق بمدة التدريب فإن المصريين من السهل تدريبهم ولكن ذلك لا يمكن أن يتم في تسعة أشهر. فإذا بدأنا من الحالة التي عليها الجيش المصري الآن لا يمكننا أن نقوم بذلك حتى مع رجالنا في تسعة أشهر. وأود أن أقول إني أزمع بعد هذا الاجتماع أن أزور قواد الجيش يوم الأحد 21 الجاري وأسمع آراءهم في المقترحات المصرية المعارضة ثم نجتمع هنا ثانية يوم الثلاثاء وبعد ذلك سأبعث تقريراً إلى لندن.

وإني أود أن أوجه نداء إلى الحكومة أن تنبه الشعب المصري إلى أخطار الموقف الحالي وإلى ضعف الجيش المصري. كما أود أن تقنعوا الشعب المصري بذلك فإن البلاد تكاد تكون عديمة الدفاع ولا ينجيها من أخطار الموقف سوى الدفاع المشترك وأخيرا أود أن أنبهكم إلى مسئولية مصر أمام الدول العربية إذ يحب عليها أن تكون البادئة في هذا الأمر ولا تصر على محاولة الوقوف بمفردها في حين أنه من الواضح جدا أن ليس ثمة بلد مهما بلغت قوته يستطيع الدفاع عن نفسه بمفرده.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - لقد نقلتم المناقشة نقلا بارعا إلى قدرة مصر على أن تدافع عن نفسها بمفردها. وأنا أسلم لك كما سلمت فيما مضى باستحالة ذلك. بل لقد قلنا في مناسبات ماضية. وكررنا أن بريطانيا العظمى نفسها لا تستطيع بمفردها أن تدافع عن نفسها. وقال لنا الفيلد مارشال سير وليم سليم إنه لا توجد أمة تستطيع ذلك بمفردها. ولهذا فقد أبلغناكم من أول يوم أننا مستعدّون لعقد محالفة دفاعية معكم. ولكن توجد مسألة أخرى هي مسألة قواتكم الموجودة في مصر والتي لا يستطيع الشعب المصري بحق، للأسباب الكثيرة التي أوضحناها ولا حاجة إلى أن نرجع دائما إليها، أن يقبل بقاءها في أرضه على أي صورة من الصور لأنه يجد دولا كثيرة أخرى معرضة لأخطار الحرب العالمية وقد يكون بعضها أكثر تعرضا لها من مصر. وكلها كما أسلفنا لا تستطيع أن تتولى وحدها أمر الدفاع عن نفسها. ومع ذلك فأنتم لا تحتلونها ولا يحتلها غيركم من الدول الكبرى، وإذا كنتم قد ضربتم لنا مثلا بهولندا فإني أستطيع أن أضرب لكم أمثالا كثيرة تؤيد ما أقول فالهند وباكستان وإيران وتركيا وأكثر دول أوربا الغربية لا توجد فيها قوات أجنبية كما توجد قوات لكم في مصر.

أما ما تشيرون إليه في بعض الأحيان من وجود قوّات أمريكية في بريطانيا نفسها فقد سبق أن رددنا عليه بأن المقارنة لا تستقيم لوجود فوارق كثيرة فليس لأمريكا ماض في احتلال بريطانيا حتى ينظر الشعب بعين الكراهة والتوجس إلى هذا الاحتلال بل هو على العكس يرحب بهذه القوات. والدولتان في مستوى واحد من القوة والمركز الدولي بحيث لا يتصور أن إحداهما تعتدي على سيادة الأخرى. ووجود القوات الأمريكية عندكم رهين بقبولكم، فإذا أردتم في أي وقت جلاءها لبادرت إلى الجلاء، وليس الحال كذلك في مصر.

وهذه الأسباب جميعها بالإضافة إلى تكرر وعدم بالجلاء وتكرر نقض هذا الوعد قد خلقت أزمة الثقة المستحكمة التي نعانيها في الوقت الحاضر والتي لا نستطيع التغلب عليها إلا بإزالة أسبابها أي بجلاء القوات البريطانية عن مصر جلاء تاما ناجزا. وإذا كان العسكريون يتسلطون في الوقت الحاضر بالنظر إلى أخطار الحرب فمن واجب العسكريين أنفسهم ألا يغفلوا في استعدادهم العوامل النفسية في الشعوب المختلفة. تلك العوامل التي قد تكون في بعض الأحيان أبعد أثرا وأشد خطرا من العوامل العسكرية المحضة. ومن واجب العسكريين أن يفهموا أن مصر الراغبة الواثقة الصديقة وإن لم يبق فيها جندي بريطاني واحد خير لبريطانيا ولقضية السلام العالمي من مصر الكارهة الغاضبة بفعل الاحتلال البريطاني في الماضي والحاضر، فإذا لم يفهم ذلك العسكريون. فمن واجب الساسة والدبلوماسيين أن يفهموا ذلك وأن يقنعوهم به.

على أننا في هذه المحادثات الطويلة الدقيقة نقلب الأمر معكم على وجوهه العلمية من حيث الاستفادة بالقاعدة الموجودة في فايد وبمعدات الدفاع الجوي وحلول المصريين في كل ذلك محلكم وبقاء هذه الاستعدادات حية صالحة للعمل واستكمالها إذا اقتضى الحال بشرط أن يكون ذلك كله في أيدي المصريين ومع الاستعانة بالعدد القليل اللازم من الفنيين للمدة المعقولة التي لا تثير شبهات المصريين وتعيد إلى الأذهان فكرة الاحتلال. ويضاف إلى ذلك عقد المحالفة الدفاعية التي أشرنا إليها التي تبيح لكم ولحلفائكم الحضور إلى مصر بمجرد نشوب الحرب فتجدون معدات الدفاع اللازمة مستكملة فيها. وهذا هو جوهر وجهة النظر المصرية التي نعالج بها التوفيق بين جميع الاعتبارات أي أننا لا نغفل الناحية العسكرية مع العناية بالناحية السياسية التي لا يمكن لنا ولكم إغفالها.

بقيت مسألة التكاليف التي تقتضيها استعدادات الدفاع وأنا لا أزعم لكم أن الميزانية المصرية تتسع لما تتسع له ميزانية الولايات المتحدة أو ميزانيتكم في هذا الشأن ولكن المسألة نسبية ومصر على استعداد لأن تبذل ما في وسعها في حدود طاقتها المالية. ولكن التضامن العالمي يجب أن يلعب دوره هنا كما هو الشأن بالنسبة لدول الأطلنلي أو لليونان أو لتركيا أو لإيران وبنفس القواعد والأساليب.

لقد كررتم القول بأن على الوفد المصري وعلى الحكومة الحاضرة لفت أنظار الشعب إلى الخطر الشيوعي بإقناعه ببقاء قوات بريطانية للدفاع عن مصر وأود هنا أن أكون صريحا غاية الصراحة فألفت نظركم إلى أن الشعب الذي لمس في الماضي آثار الاحتلال البريطاني ولا يزال يشعر بأن هذا الاحتلال يمس سيادته واستقلاله من الصعب عليه أن يفهم في هذه الظروف ذلك الخطر المحتمل على حقيقته أي أنه يقارن بين أمرين: الاحتلال القائم فعلا وخطر محتمل يراد إقناعه به وبأن يدفع سيادته ثمنا لدرئه. وبديهي أن الوفد مهما كان تأثيره عظيما إنما يعرض نفسه لفقدان ثقة الشعب إذا حاول أمرا من هذا القبيل.

وأخيرا يجب أن لا يغيب عنا أن أكبر سلاح تستغله الدعاية الشيوعية في مصر وفي جميع البلاد التي يحتلها الأجنبي هو هذا الاحتلال نفسه. والآثار الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبت عليه. وتجد هذه الدعاية أرضا خصبة في نفوس الوطنيين الحريصين على استقلال بلادهم حتى ليخشى أن يختلط الأمر بالتدريج بين الوطنية والدعاية الشيوعية. وقد دلت التجربة في مصر على أن جميع نظرات الدعاية الشيوعية التي ضبطت تستخدم في الغالب هذا السلاح بل تكاد تستخدمه وحده دون الأسلحة النظرية المعروفة.

السفير البريطاني - هذه حجة طيبة. وأود الآن إذا وافقتم أن أتناول النقط الثلاث:

1 - القاعدة - اقترح الفيلد مارشال سليم أن تكون في مصر قاعدة لصيانة وتموين القوات المصرية والبريطانية في الشرق الأوسط. واقترح أن يكون الإشراف على هذه القاعدة للجنة مصرية بريطانية مشتركة.

2 - القيادة العامة - هذه مسألة ضيافة من جانب مصر. وقد قال إن القيادة العامة تكون مشتركة كذلك وإن قنال السويس هو أنسب مكان للقيادة.

3 - القوات المتحركة الضاربة - إن خير مكان لها هو على القنال. وعليها أن تتقدم إلى الأمام عند نشوب الحرب لتقوية مقاومة بلاد الشرق الأوسط. ولها فائدة أخرى هي أنها تزيد في سرعة تدريب المصريين.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) يؤسفني بعد هذه المحادثات الطويلة معكم أن تعودوا إلى ما قاله الفيلد مارشال سليم منذ اللحظة الأولى وقبل أن نبدأ محادثاتنا السياسية وكأننا لم نستفد منها أي شيء ولم نخط فيها أية خطوة نحو التفاهم والاتفاق. مع أنني بذلت كل جهدي للتوفيق بين جميع الاعتبارات واقترحت حلولا أعتقد أنها مرضية وتؤدي غاية العسكريين كما تؤدي غاية السياسيين.

ولقد فهمت منكم أنكم توافقون على جلاء القوات المقاتلة وهذه خطوة طيبة نرى وجوب إكمالها بالخطوات الآتية:

(1) جلاء جميع القوات الموجودة بالقاعدة لأنها كما سبق أن بينت إنما تخدم القوات المقاتلة وقوات الحرس، كما تخدم نفسها فلا حاجة إذن إلى بقائها فيما عدا مئات قليلة من الفنيين في شئون الذخيرة ومن المهندسين والصناع المهرة اللازمين للورش على أن يعمل معهم مصريون يحلون محلهم بعد استكمال تدريبهم.

(2) جلاء مركز القيادة العامة في نفس الوقت التي تجلو فيه جميع هذه القوات والفيلد مارشال سليم نفسه يقول إن الأمر هنا أمر ضيافة أي ليس أمر ضرورة حربية مؤكدة. وعلى كل حال فالمعقول أن يكون مركز القيادة إلى جانب القوات المقاتلة.

(3) جلاء جميع قوات الطيران والدفاع الجوي فيما عدا العدد الضروري من الفنيين اللازمين لصيانة المعدات التي لا يوجد مصريون يستطيعون القيام بصيانتها. ويقوم هؤلاء الفنيون كذلك بتدريب من يحل محلهم من المصريين. ويمكن الاتفاق على إجراء مناورات مشتركة بين السلاحين الجويين المصري والبريطاني.

(4) عقد محالفة دفاعية تسمح لقواتكم وقوات حلفائكم بالحضور إلى مصر في وقت الحرب للتعاون في الدفاع وقد ورد تفصيل ذلك في اجتماع رفعة النحاس باشا الأخير بالفيلد مارشال سليم.

السفير البريطاني - تعلمون أني غير مفوض بتقديم أية مقترحات أو الموافقة عليها. لقد كنا نحاول الوصول إلى أساس للاتفاق. وقد قدمتم مقترحات خاصة. وليس من الواضح لي تماما كيف تزمعون معالجة بعض النقط. القوة المتحركة الضاربة مثلا؟

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - هل لي أن أسأل فيم كنت تفكر عندما أشرت إلى إمكان جلاء هذه القوات المحاربة؟

السفير البريطاني - إن النحاس باشا قد اقترح انتقالها إلى شقة غزة في محادثة مع الفيلد مارشال سليم.

وإذا كانت الحكومة المصرية تقترح أن ترابط هذه القوات في غزة فهل تدركون الملابسات السياسية لهذا الأمر بما في ذلك عقد تصالح مع إسرائيل؟

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - نحن الآن في هدنة دائمة مع إسرائيل ولا تسمح هذه الهدنة بأن يهاجم أحد الطرفين الآخر أو يعتدي على خطوط الهدنة.

السفير البريطاني - هذا لا يكفي إلا إذا كانت هناك حالة صلح نهائي واتفاق بأن تسمح إسرائيل بمرورنا في أراضيها إذ لا يمكننا اقتحام طريقنا في إسرائيل لملاقاة جيش العدو.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) - هذا أمر يمكنكم أن تتفقوا عليه مع إسرائيل. ولا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية التي يهمها أيضا أمر الدفاع عن الشرق الأوسط تستطيع أن تساعدكم في ذلك مساعدة فعالة. وأنا ألاحظ أنكم لم تبرموا بعد صلحا مع ألمانيا أو مع اليابان فالحالة القائمة بين مصر وإسرائيل ليست بدعا في العرف الدولي وعلى كل حال فلماذا نضع العربة أما الفرس؟ إذا أردنا أن نتغلب على جميع الصعوبات القائمة أمامنا ووافقتم على الجلاء الكامل الناجز بالشكل الذي أوضحته فلن يتعذر إذ ذاك التماس المخرج من هذه الصعوبة الخاصة بإسرائيل السفير البريطاني - هناك شيء آخر غير واضح لي هو مسألة القاعدة. لقد أشرت أنها ليست مستودع سلاح وحيث أنها ستتناول في عملها الإمدادات المصرية والبريطانية فيجب أن يكون موظفوها من المصريين والبريطانيين فهل تقبل مصر فكرة إدارة القاعدة بواسطة مصريين وبريطانيين.

دكتور محمد صلاح الدين (بك) لقد سبق أن قلت وكررت أن إدارة القاعدة وقت السلم تكون في يد المصريين. أما في وقت الحرب فتكون في يد المصريين والبريطانيين.


المصادر