ملاحظات عبد الخالق ثروت العامة على المشروع البريطاني

ملاحظات عبد الخالق ثروت العامة على المشروع البريطاني، مفاوضات سنة 1927- 1928 (ثروت- تشمبرلن). منشور من "وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882- 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 251-263".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

(4) ملاحظات عامة على المشروع البريطاني

كان الغرض من تصريح 28 فبراير سنة 1922 أن يعاد إلى مصر التي أعلن استقلالها حق التصرف من غير قيد في إدارة شؤونها إلا ما يرتبط منها بالنقط المحتفظ بها ولقد كفل محضر أول مارس سنة 1921 إيضاح هذه النقط. ولكن ذلك الإيضاح فضلا عن عدم كفايته لم يكن يقيد الوزارات التي تعاقبت بعد وزارتي في سنة 1922، والظاهر من جهة أخرى أن الحكومة البريطانية تعتبر نفسها في حل منه.

وقد كان من شأن ذلك أن يقوم خلاف في الرأي في بعض المسائل التي رأت الحكومة البريطانية فيها أن من حقها أن تستشار فيها أو أن ترسم بشأنها الخطة الواجبة الاتباع. ولما كنت راغبا في وضع حد لتلك الاختلافات التي يترتب عليها تكدير العلاقات الحسنة بين البلدين. فقد فكرت في إمكان عقد محالفة. توضح وتحدد المسائل المعلقة إيضاحا وتحديدا وافيين. وتحصر ما للطرفين المتعاقدين. وما عليهما من الحقوق والواجبات فيتقى بذلك وقوع حوادث كالتي وقعت في يونيه الماضي.

على أن المشروع البريطاني. والتحديد لا يتضمن دائما الإيضاح والتحديد المطلوب. وهو يستعمل بعض الصيغ المبهمة. التي لا تلبث أن تصبح عند العمل بها مثارا لمثل ما تعرضنا له حتى الآن من الصعوبات. وحيث يتضمن ذلك المشروع إيضاحا أو تحديدا. فإنه يرمي إلى جعل تصرفات الحكومة المصرية خاضعة لمراقبة تنافي، في شؤون كثيرة، ما تمتعت به مصر من حرية في السنوات الأخيرة. فلا يسع مصر إذن أن تتعزى بأنها- إذا جاءت المحالفة ببعض القيود لسيادتها- تستفيد في مقابلة ذلك التخلص من قيود أخر، إذ أن المشروع لا يجعل حظها خيرا مما كان. لو بقيت الحالة مبهمة على ما كانت عليه مع التحفظات الأربعة، وما كان التدخل في شؤون البلاد في ظل تلك التحفظات ليزيد على ما يجوز أن يحصل في ظل المشروع.

على أن أخص ما في معاهدة التحالف أن يكون، إلى جانب ما للطرفين المتحالفين من الحقوق والواجبات المحددة، حرية واسعة النطاق يتبين من خلالها، وفي سياق استعمالها روح الصداقة بينهما ولو أن أعمالهما وتصرفاتهما في كل الأمور. قيدت بوجوب الاستشارة والاتفاق مقدما عليها. لترتب على ذلك إضعاف الصداقة لا توثيقها. والواقع أن الصداقة بين حليفتين لا تنمو ولا تترعرع إلا في ظل فهمها الصحيح لمصالحهما المتبادلة، وإلا إذا توفرت للحليفتين حرية الرأي والإرادة، ولن يتحقق معنى الصداقة الصحيحة بين اثنين إذا كان أحدهما للآخر وصيا أو رقيبا عتيدا.

لذلك يجوز القول بأن الأحكام الرئيسية للمشروع تخالف ما جاء في مقدمته التمهيدية من مقاصد؛ ولا نزاع في أن هذه الأحكام تترك في النفس أثرا واضحا بأن الحكومة البريطانية ليس لها بمصر كبير ثقة، وأنها تلمس بما تتخذه من التدابير وأساليب الحيطة والمراقبة عين الأغراض التي تتحقق عادة بين الحليفين الحريين بالثقة وبالفهم الصحيح للمصلحة. وإذا أتيح لبريطانيا العظمى بمثل هذا المشروع أن تحرز بالفعل كل ما ترمي إليه من النتائج الحسية المقصودة فإنه الثقة المتبادلة بين البلدين لن تستفيد من ذلك شيئا. أما بريطانيا العظمى. فإن شعورها بأن مصالحها لن تصان بغير الوصايا التي جاء المشروع بها. لا بد أن يقوي على توالي الأيام، وأما مصر فإن ثقل هذه الوصاية لابد مبهظها. وإن تشعر في صميم نفسها بأي فضل لها في محافظتها على المصالح البريطانية إذ كانت في أعمالها وتصرفاتها في هذا السبيل مسيرة بإرادة الدولة الوصية لا صادرة عن وحي نفسها.

وربما قيل إن المصالح البريطانية تتطلب التدبر والحذر. وتقتضي أن يبدأ بوسائل الحيطة ينزل عنها شيئا فشيئا إلى أن تنقطع تماما، تاركة مكانها ثقة بلتها إنجلترا وجربتها فحمدت آثارها، ولست أنكر هذه الحقيقة. بل لقد اتخذتها نبراسا لي في وضع المشروع الذي تشرفت بتقديمه، غير أني لا أزال أرى بكل احترام أن المشروع البريطاني قد تجاوز الغرض المقصود منه بما احتواه من نظام وصاية ضاغطة ومراقبة لا تني ولا تغفل لها عين.

ولا بد في إنماء الصداقة. وجعلها قوية لا تتزعزع. بما ترتكز عليه من تداخل وتشابك في المصالح ويحوطها من ثقة واحترام متبادلين؛ من الاجتزاء بالضمانات الضرورية. وإني لمدرك جد الإدراك أن الواجب في السياسة تقدير أسوأ الفروض. ولكن لا لكي تبنى عليه المعاملات اليومية وإنما لكيلا يغيب عن النظر، وإنه ليكفي بعد تقديره. أن توفر الوسائل لاتقاء تحقق ذلك الفرض السيء أو لمعالجته إذا تحقق. ومن هذه الناحية أستطيع أن أقرر أنه ليس في المشروع الذي قدمته ما يفقد بريطانيا العظمى أي مزية محسوسة يمكن أن يكفلها لها المشروع الآخر. نعم إن المشروع البريطاني يربو على المشروع الذي قدمته في الاحتياطات ولكن ليس في تلك الاحتياطات ضمانة أكبر للمصالح البريطانية، وكل ما فيها أنها تدل على عدم الثقة وعلى الرغبة في وضع مصر تحت الوصاية.

على أن ما تطمح إليه مصر، وتحرص عليه هو إقناع بريطانيا العظمى بصداقتها، وجعل الثقة تسود العلاقات بين البلدين، وهي لم يفتها في هذا السبيل أن تقترح جميع الضمانات الكفيلة باتقاء كل خطر، بل الكفيلة بمنع المشاكل البسيطة. ولكنها ترى من كرامتها ومن حقها على نفسها أن تحتفظ بحريتها كي تقيم الدليل لبريطانيا العظمى على أن هذه الحرية تتفق كل الاتفاق مع حماية المصالح البريطانية. وكيف يكون ثمة شك في ذلك. أو كيف يفترض أن مصر - بعد أن حصلت على محالفة تكفل لها مع تحقيق أمانيها المشروعة معاونة أقوى حليف في الدفاع عن أرضها- يمكن أن تسبب لبريطانيا العظمى أي قلق دون أن تعرض نفسها للتهمة بأقبح ضروب الحماقة والجنون.

وبعد هذه الملاحظات العامة أنتقل إلى البحث التفصيلي في المشروعين:

التمهيد:

الفقرة الرابعة- "ورغبة في قطع السبيل دون إمكان أي تدخل في إدارة مصر الداخلية يتعارض والنظام الدستوري الجاري العمل به".

يبدو أولا أن هذه الفقرة تجيز أو بالأحرى لا تنفي إمكان التدخل في إدارة شؤون مصر الخارجية. بما أنه بدلا من كلمة "الإدارة" مجردة. استعملت عبارة "الإدارة الداخلية" ويبدو ثانيا أن تلك الفقرة لا تنفي التدخل في الإدارة حتى الداخلية منها، إذا كان هذا التدخل لا يتعارض مع النظام الدستوري في القطر المصري.

أما عن النقطة الأولى فلا مشاحة في أن التعهدات التي تأخذها مصر على عاتقها، والتي ورد ذكرها في المادة السابعة من مشروعي (ويقابلها المادة العاشرة من المشروع البريطاني). فيها كل الكفاية لتطمئن بريطانيا العظمى بشأن خطة مصر في سياستها الخارجية. وترى مصر أن التدخل الذي تنم عنه الإشارة في هذه الفقرة يعدل الوصاية في الحقيقة، فليس علي إذن سوى أن أحيل إلى ما سبق لي ذكره في هذا الصدد.

أما عن النقطة الثانية. فيلاحظ أنه بالنظر للاتفاقات الدولية التي تقيد سيادة مصر. قد جاء في المادة 154 من الدستور المصري أن "تطبيقه لا يخل بتعهدات مصر للدول الأجنبية" فإذا فرض عقد اتفاق بين مصر وبريطانيا العظمى على قاعدة المشروع البريطاني. فإن هذا الاتفاق بطبيعة أنه اتفاق دولي سيقيد مفعول الدستور المصري. ولهذا فإن عبارة "تدخل في إدارة مصر الداخلية يتعارض والنظام الدستوري الجاري العمل به " لا تنطوي على أي تحديد للتدخل في شؤون الإدارة الداخلية إذا كان الدستور المصري لم يعين مدى لأثره وقوة نفاذه بالنسبة للدول الأجنبية. أما العبارة التي اقترحتها فترمي. على العكس من ذلك. إلى تحديد أثر المادة 154 وتستثنى بوضوح من حكم هذه المادة سلطة التدخل المبهمة العامة التي يراد من فقرة المشروع البريطاني على ما يظهر أن تظل الحكومة البريطانية متمتعة بها. وإذن فتكون العبارة التي اقترحتها بمثابة تفسير المادة 154، مدلوله، أنه في العلاقات التي بين مصر وبريطانيا العظمى. لا محل لغير الحقوق والالتزامات الصريحة.

الفقرة الخامسة- "ونظرا إلى أن خير وسيلة لبلوغ هذه الغاية هي عقد معاهدة صداقة وتحالف تسهل- في مصلحة كلا الطرفين المتعاقدين- تعاونهما الفعلي في القيام بواجبهما المشترك، واجب الدفاع عن مصر وتحقيق استقلالها".

هذه العبارة تسوي بين مصر وبريطانيا العظمى تسوية تامة مطلقة فيما يتعلق بالدفاع عن مصر وتحقيق استقلالها، ويفهم منها لزاما. أن ذلك الواجب مفروض من الأصل على بريطانيا العظمى، على أن ذلك لن يكون إلا مع الحماية، فإن مثل هذا التعبير لا يجوز بين بلدين يتساويان في الحرية، إذ أنه إذا كان ضمان الاستقلال والدفاع عن الذات. من الواجبات الجوهرية الطبيعية بالنسبة لمصر، فلا يكون بالنسبة لبريطانيا العظمى كذلك. إلا من طريق العرض، وبوصف أنها حليفة. ولذلك لا يكون ضمان استقلال مصر والدفاع عنها واجبا مشتركا بين البلدين إلا نتيجة للمحالفة وبناء عليها، وليس كذلك أصلا وبالذات، ويجب إذن ملاحظة الفرق بين مركز مصر وإنجلترا في هذا الصدد عند تحرير نص هذه الفقرة إذا رغب في استبقائها.

"والمحافظة على علاقات الصداقة بينهما وبين الدول الأجنبية الأخرى".

لا يتبين جليا على أي جملة تعطف هذه العبارة. فإذا كان المقصود أن خير الوسائل للحصول على تلك النتائج هو عقد المحالفة ... ... ... والمحافظة على علاقات الصداقة إلخ ... ... ... فلا يكون هذا إلا من باب تحصيل الحاصل. ولا يصلح سببا من الأسباب التي تبنى عليها المعاهدة. إذ لا

يخرج الأمر فيه عن أنه إرشاد أو نصيحة. لا سبب يسوغ أو يفسر أحكام المعاهدة. أما إذا كان المقصود- خلافا لما ذكر- هو أن المحالفة تسهل التعاون الفعلي... ... ... والمحافظة على علاقات الصداقة ... ... ... ، جاز التساؤل عما يمكن أن يكون ثمة من الصلة أو الارتباط بين عقد المحالفة والمحافظة على علاقات الصداقة إلخ ... ... ، وفي الحق أنه لا شك في أن هذه المحالفة. سيكون من آثارها أن حالة مصر من الناحية الدولية تعتبر قد استقرت على قواعد وأسس أشد متانة وقوة، وأنها تصبح لذلك أحق وأجدر بتقدير الدول الأجنبية واحترامها وصداقتها. ومن جهة أخرى فإنه، وقد كفلت نصوص المعاهدة صيانة مصالح بريطانيا العظمى. تصبح هذه الدول أقل استعداء على تلك المصالح، وأكثر استعدادا للنظر إليها بعين الاحترام والعطف. ولكن هذا وذاك نتيجتان مختلفتان ترجع إحداهما إلى أحد طرفي العقد والأخرى إلى الطرف الآخر. وفيما عدا ذلك. لا أرى وجها لأن يكون عقد المحالفة عاملا لتوثيق علاقات الصداقة بين مصر وبريطانيا العظمى بوصف كونهما طرفا واحدا. وبين الدول الأجنبية طرفا آخر، بل إنه ليخشى أن تؤول تلك العبارة على غير وجهها. فقد يرى فيها معنى وأثر معاني الحماية وآثارها، والحماية كما هو معروف تقتضي فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية اندماج الدول المحمية. أو فناءها في الدول الحامية. وعلى أي حال فإن فكرة المحافظة على علاقات الصداقة لا ترتبط مطلقا بنصوص المعاهدة ويمكن دون الإخلال بأي شيء فيها. أن تحذف هذه الإشارة.

المادة الثانية- الواقع أن هذه المادة تكرير للمعنى المقصود بالمادة العاشرة. التي تقابل المادة السابعة من مشروعي فإن جوهر الغرض الذي ترمي إليه هذه المادة الثانية. هو الاستيثاق من أن مصر في سياسة شؤونها الخارجية لا تلحق ضررا بالمصالح البريطانية. وهذا هو عين المراد أيضا من المادة العاشرة.

على أن هذين النصين يتنافيان ولا يجوز الجمع بينهما، فإن التعهد المنصوص عليه في المادة العاشرة. يقتضي بالضرورة أن تكون الدولة الحليفة حرة في تصرفها بمعنى أنها ليست ملزمة قبل شروعها في عمل معين بالاستشارة فيه. أو بالاتفاق مقدما عليه. إذ القيد الوحيد لحريتها يتعلق بالمقصد لا بالوسيلة، ثم إن الجزاء على مخالفة التعهد ينحصر في فسخ المحالفة. أما المادة الثانية فإنها على عكس ذلك تنفي بذاتها الحرية. وتثبت في الحقيقة صورة من صور الوصاية، وحكم مصر معها شبيه بحكم القاصر. يتحتم عليه إذا أراد أن يباشر عقدا صحيحا من عقود التصرف. أن يحصل من وصيه على الترخيص له بذلك؛ وإنما يحدد المقصد لمن يتولى وحده شؤون نفسه. أما من يؤخذ بيده في طريقه فهو في غنى عن ذلك.

ولقد أفضت في مسألة الوصاية التي هي طابع المشروع البريطاني في ملاحظاتي العامة بما فيه الكفاية. فلست بحاجة إذن إلى إعادة ذكر الأسباب التي ترتاح مصر من أجلها إلى قبول قاعدة تسير عليها كالقاعدة التي أتت بها المادة العاشرة، إذ كانت تلك القاعدة تجمع إلى أنها تضمن


المصالح البريطانية ضمانا وافيا، أنها تتفق مع رغبات مصر الحقيقية، وهي بعينها الأسباب التي لا ترضى مصر من أجلها أن تجيز نظاما يقرر الوصاية عليها.

وقد يرد على الملاحظة السابقة بالاعتراض بأن المادة الثانية لا تنطبق إلا على الشؤون الخارجية التي ترتبط بها مصلحة مشتركة بين بلدين، وبأن مدى انطباقها لذلك ضيق محدود، وبأن ما رسمته من التكاليف يقتضيه الاشتراك في المصلحة.

غير أنه يجوز التساؤل عما هي تلك الشؤون على وجه التدقيق، وما هو ضابط المصالح المشتركة، ومن هو الذي يقضي بوجودها، وعند أي حد يقف مداها، وهل تلك الشؤون تقتصر على مسألة الدفاع عن القطر. أم تتناول المسائل الاقتصادية والقضائية وغيرها؟

إذن لا مناص من التسليم بأن هذه العبارات قد بلغت من الإبهام واللبس. وأن ما انطوت عليه من التعميم يجعلها تغمر جميع مناحي السياسة الخارجية، وينجم عن ذلك أن حركة الحكومة في هذا الميدان تصبح مشلولة، بل لتصبح معطلة أعمال السياسة الداخلية نفسها. بقدر ما تكون متصلة بالسياسة الخارجية. والحق أن هذه الأعمال بضروبها المختلفة. تصاب بالشلل والعطل بالنسبة لمصر المستقلة. إذا كانت تجعل تابعة لبريطانيا العظمى، وخاضعة لوصايتها.

وإنه لمن المفهوم في حالة توتر العلاقات بين مصر ودولة أجنبية، أي في الحالة التي يجوز أن يقال فيها إن ثمة خطر الحرب، أن الحليفين يتبادلان المشورة. أو على الأصح أن تستشير مصر بريطانيا العظمى، لأن مثل هذه الاستشارة من صميم معنى المحالفة ولبها، ولكن هذه المسألة حالة بعينها، لا مثل يجوز القياس عليه، كما هي مصورة في هذه المادة. وبناء عليه. فلكي يتوافر معنى التحالف وينتفي معنى الحماية أو الوصاية ينبغي استهلال المادة الثانية بعبارة "إذا طرأ"

وهل ثم حاجة إلى أن نزيد على ما تقدم أن من الجائز أن يكون لحليفتين في بعض المسائل المفردة أو العارضة مصالح مختلفة أو متعارضة، وأن تعمل كل منهما مستقلة عن الأخرى على تحقيق مصلحتها الخاصة دون أن يكون في ذلك إخلال بروح التحالف، ولم يكن معنى التحالف ليقتضي توافق المصالح في جميع الشؤون، والمهم في هذا الصدد أن يمسك كل من الحليفين عن أي عمل أو تصرف ينافي الغاية المقصودة من المحالفة أو يعطلها.

المادة الرابعة- هذه المادة تختلف عن الما

استعداد مصر وصدق نياتها. على أنه بالنظر لما لبريطانيا من المركز الخاص في العالم، ولكثرة وخطورة مشاغلها السياسية، ولما يفضي إليه، بالنسبة لمصر في هذه الحالة، التبادل المجرد من كل قيد، رئى وجوب تحديد المعاونة بأن تكون في داخل الأراضي. نعم لم تحدد التسهيلات والمساعدات واقتصر على إيراد بعض الأمثلة عليها، غير أن هذه الأمثلة هي في الحقيقة كل ما يتصور في هذا الصدد. أما الصيغة المقترحة في المادة الرابعة من المشروع البريطاني فقد يظهر أنه أريد بها تحديد معنى المساعدة. ولكن هذا التحديد لا يخلو من توسع في ذلك المعنى. ولهذا فيحسن قبل المناقشة في هذا الموضوع تفسير مراد الحكومة البريطانية من عبارة: "تقتضيهما حالة حليفتين مشتبكتين معا في حرب".

المادة الخامسة- تجعل هذه المادة لوجود الجيوش البريطانية في القطر المصري غرضا جديدا هو التعاون بين الجيوش البريطانية والمصرية. وقد كان يظن بحق أن ذلك الغرض يتحقق تماما بتعهدات مصر المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة الثانية. لأن التعاون بين جيشين يتطلب تقريبا بين الأساليب. وفي بعض الأحيان مشاكلة بينها. مما يتطلب وجود الجيشين باستمرار إلى جانب أحدهما الآخر، وعلى كل حال إذا وجب الاحتفاظ بهذا الغرض فيجب أن تشترك الحكومتان في تحديد العدد اللازم من الجنود البريطانيين وفي تعيين المكان الذي تعسكر فيه.

ثم ماذا يراد بالتسهيلات التي يقتضيها بقاء القوات البريطانية وتدريبها؟ ولقد يظهر أن الفقرة الرابعة من الملحق تتضمن بيان هذه التسهيلات، على أنه يجب أن يتبين ما إذا كان يجوز أن هذه التسهيلات تتسع لشيء آخر غير ما ذكر في الملحق.

وبعد. فإن الفقرة الثانية تجعل الحكم في مسألة المكان الذي تستقر فيه الجنود البريطانية حتى بعد مضي عشر سنين من العمل بالمعاهدة مجهلا غير مضمون، فيجوز أن يكون لمصلحة مصر ويجوز ألا يكون، ولا تعدو هذه الفقرة الوعد بالنظر في المسألة، ولقد يلوح، بالرغم من أن ذلك النظر من شأن الطرفين، أن الحل يتوقف بصفة خاصة على بريطانيا العظمى لا سيما إذا صح مفهوم هذه الفقرة من أن تنفيذ نصوص المعاهدة مهمة تقوم القوات البريطانية على تحقيقها، مما يجعل لوجودها غرضا ثابتا جديدا لم يكن حتى الآن متوقعا.

فليس من شك إذن، مع تعدد الأغراض التي يقصد إليها بوجود القوات البريطانية، ومع كل ما تقدمت الإشارة إليه من الشك والتجهيل بالنسبة لمكان استقرار تلك القوات، في أن الواقع في أمر تلك القوات أنه - بالرغم من تأكيد الفقرة الأولى للعكس- احتلال بالمعنى الصحيح، وفي أنه أشد الوجوه إخلالا بسيادة البلاد.

المادة الثامنة- تتضمن هذه المادة سببين: أولهما الدفاع عن البلاد من الاعتداء، وثانيهما مسئوليات بريطانيا العظمى الخاصة حيال المصالح الأجنبية. كما تتضمن تعهدين تلتزم بهما مصر،

أولهما أن توافي مصر بريطانيا العظمى بوسائل التحقق من توفر الحماية اللازمة لأرواح الأجانب وأموالهم، والثاني أن تحتفظ في الإدارة المصرية بعنصر أجنبي يفي بضمان مثل هذه الحماية. وليؤذن لي هنا بملاحظة أن مصر لم تطالب في المفاوضات السابقة بمثل هذه التعهدات. ثم ما هي تلك الوسائل، وما هو عدد الموظفين الأجانب، وفي أي نوع من الوظائف، كل هذه تعهدات بالغة من الإبهام والإطلاق مبلغا يجعل قبولها بمثابة وضع اليد تماما على إدارة مصر الداخلية كلها.

ثم ما هو وجه الارتباط بين الدفاع عن البلاد ضد أي اعتداء يوجه إليها. وبين التعهدات المشار إليها.؟ فهل انصرف الفكر مثلا إلى حالة تدخل إحدى الدول الأجنبية عسكريا في مصر لحماية أرواح التابعين إليها وأموالهم، ولكن المعلوم هو أنه- إذا استثنى تدخل بريطانيا العظمى في سنة 1882 - لم يقع قط تدخل من هذا القبيل. وقد يقال إن وجود الجيوش البريطانية في مصر وقاها شر هذا التدخل. ولكن ماذا يكون القول في المدة السابقة على الاحتلال الإنجليزي حيث كانت أرواح الأجانب وأموالهم أكثر تعرضا للخطر منها الآن وكانت السياسة المصرية دونها الآن. سواء في حسن الإدراك أو في صحة التدبير. وأخيرا فإن الجنود البريطانية لا تتخلى عن البلاد بمقتضى عقد المحالفة.

وإذا تعرضت، بفرض المستحيل، أرواح طائفة من الأجانب وأموالها (ويعتبر خارجا عن موضوعنا حالة الاعتداء على فرد من الأجانب. إذ لم يعهد التدخل في بلد ما بسبب مثل هذه الحالة) فلا بد من أن يسبق العمل المباشر عمل ديبلوماتيكي. وهذه الحالة هي المعنية بنص كنص المادة الثانية من المشروع بحسب الصيغة التي اقترحتها، وفي مثلها تتحقق الفائدة من ذلك النص.

أما التعهد باستبقاء عنصر أجنبي في الإدارة المصرية. فقد ذهب عن البال فيما يظهر أن مصر أصبحت منذ صدر القانون رقم 28 لسنة 1923 المؤيد باتفاقية عقدت بين مصر وبريطانيا العظمى غير ملزمة بإبقاء أجنبي في وظيفته، وبالأولى غير ملزمة بتعيين أجنبي في وظيفة تخلق من أجله. ولو أن هناك ما يلزمها، بعد أن دفعت من ستة إلى سبعة ملايين من الجنيهات تعويضا للموظفين الأجانب، بأن تعود من حيث بدأت لكانت مصر كمن يدور في حلقة مفرغة غريبة الشكل ولاقتصر أمرها على تحريك القدمين دون أن تخطو أي خطوة.

على أن فساد المسألة آت من أساسها، إذ ما هي بالضبط مسئوليات بريطانيا العظمى حيال المصالح الأجنبية؟ وكيف يمكن التوفيق بين هذه المسئوليات مع ما خلعه الشروع البريطاني عليها من الشكل، وفرعه عنها من النتائج، وبين وجود ممثلين للدول الأجنبية بمصر من ناحية، أو كيف يمكن من ناحية أخرى التوفيق بينها وبين أي صورة من صور الاستقلال، ولقد أعلنت إنجلترا.

استقلال مصر. فحق لنا أن نعتقد أن ذلك الإعلان بني على الإخلاص اللائق بالسياسة البريطانية. ثم أي فائدة تجنيها مصر من تعريف المسائل المعلقة إذا كان هذا التعريف يؤدي على طول الخط إلى توسيع التدخل البريطاني في شؤون مصر وتحديده.

لكل هذا . يجوز أن نعتبر أن بريطانيا العظمى لم تقصد بهذه المادة إلى مثل ذلك المرمى البعيد الذي يصح وصفه بالهادم لكيان استقلال البلاد، وأنها لم تقصد أكثر من اشتراط بقاء بعض الأنظمة أو الهيئات الإدارية القائمة الآن؛ والتي ترى هي أنها كفيلة بالأمن والطمأنينة على أموال الأجانب وأرواحهم (الفقرة السادسة من ملحق المشروع). فإذا كان هذا هو ما ترمي إليه بريطانيا العظمى فإني أستأذن في إلفات النظر إلى أن الأنظمة الدولية التي وضعت لحماية المصالح الأجنبية وافية بهذا الغرض تماما. ولقد وفت به مؤكدا قبل الاحتلال. فلماذا إذن تعقد العلاقات الإنجليزية المصرية فوق تعقيدها بهذا العنصر الخارج عن الموضوع. وقد يكون الأولى بالنسبة لموضوع الضمانات اللازمة لمصلحة الأجانب، وفيما إذا كان ينبغي أن يحتفظ بالضمانات القائمة. أو أن يضاف إليها ضمانات جديدة أن تكون المناقشة فيه عند إعادة النظر في نظام الامتيازات الحالي.

على أنه إذا كانت بريطانيا العظمى ترى منذ الآن أن تثبت في المحالفة شيئا من قبيل الضمانات التي طلبتها في الفقرة السادسة من الملحق ففي الوسع أن يتفاوض البلدان في وضع شرط في هذا الصدد يحل محل الفقرة المتقدم ذكرها.

ومع هذا. فإني أرى التنبيه فيما يتعلق بالإدارة الأوربية إلى أن السبب في وجودها كان على وجه الخصوص تعقب مرتكبي الجرائم السياسية. أما الآن وقد اكتشف أمرهم فلم يعد مبرر لبقاء هذه الإدارة مع وجود المستشار القضائي والموظفين البريطانيين في بوليس القاهرة والإسكندرية وبور سعيد. والحق أن هذه تدابير مختلفة يكفي أيها لتأمين الأجانب (على فرض أن استقلال البلاد يلقي القلق والإزعاج في روعهم). ومن مجاوزة الحد الجمع بينها جميعا.

وفضلا عن هذا فقد أيد الاختبار عدم فائدة تلك الإدارة وأثبت أن وجودها طالما أدى إلى الاحتكاك مع هيئات البوليس في المدن الثلاث الآنفة الذكر وبخاصة في مدينة القاهرة.

المادة الحادية عشر- الغرض من هذه المادة إيجاد ضمان لتفادي أي نفوذ سياسي من جانب موظف غير بريطاني. وإني مقتنع تماما بأن هذا الغرض يجب، لمصلحة الصداقة والمحالفة بين البلدين، أن يكون نصب أعيننا؛ ولكن فيم إلزام الحكومة المصرية بالالتجاء دائما للحكومة البريطانية. ولم لا تترك لها حرية الاختيار من غير الرعايا البريطانيين. ومن الواضح أنه إذا عينت الحكومة المصرية بريطانيا في وظيفة. فإن هذا الموظف لا يشخص أي مصلحة سياسية؛ وأن تعيينه لا يجوز أن يكون ذريعة لبريطانيا العظمى للتدخل في الشؤون التي يناط بالموظف المذكور أداؤها، وليس التعيين إلا تصرفا من تصرفات الإدارة الداخلية تقوم الحكومة المصرية به قيامها بالتصرفات الداخلة في اختصاصها. نعم لجأت الحكومة المصرية في بعض الأحوال إلى وساطة الحكومة البريطانية لتسهل عليها استخدام بعض المرشحين، ولكن الشطر الأكبر من التعيينات في السنوات الأخيرة تم مباشرة على يد الحكومة المصرية ذاتها؛ فكل تقييد لحرّيتها في هذا الموضوع تقييد بلا مبرر لسلطتها المقررة من قبل. المؤيدة بالعرف المتصل، وإن أي نص خاص بهذا الشأن ولو أفرغ في مثل القالب الآتي: "تتعهد الحكومة البريطانية كلما لجأت الحكومة المصرية إلى وساطتها بأن تبذل الجهد في معاونتها" يكون تزيدا وفضولا. فضلا عن أنه يثير شكوكا لا داعي لها. إذ كانت الفكرة التي يعبر عنها طبيعية. ومن قبيل تحصيل الحاصل، ولم يكن ثمة حاجة لتقريرها بين أي بلدين.

وينبغي من جهة ثانية. ملاحظة أنه قد يفضل في بعض الوظائف. وإن كانت نادرة جدا اختيار أجنبي غير بريطاني. ففي مثل هذه الحالة يجب أن تكون الحكومة المصرية حرة في اختيار الموظف حيثما تقضي مصلحة العمل بتوجيه الاختيار. أما أن يعلق هذا التصرف على مشورة الحكومة البريطانية فتقييد وتضييق لحقوق السيادة لا يتفقان واستقلال البلاد. صحيح أن النص المقترح يتضمن شيئا من محاولة تخفيف وطأة هذا التقييد. وذلك باتخاذ حد لدرجة الوظائف التي تطلب الاستشارة من أجلها ولكن ما هي هذه الدرجة "درجة المدير فما فوق" إن هذه التعابير إن هي إلا من اصطلاحات الكادر لا أكثر. وقد لا تتفق مع حقيقة الوظيفة فإن هناك مديرين أي موظفين يتولون إدارة شؤون مصلحة من مصالح الحكومة وليسوا في الدرجة المتفق على تسميتها بدرجة المديرين أو الدرجة الأولى، كما أن هناك موظفين فنيين تجرّدت وظائفهم من سلطة الإدارة والحكم. ولكنهم يتقاضون مرتب الدرجة الأولى، وعلى فرض أن لكلمة المدير دلالة معينة فإن هذه المادة ليس فيها ما يقيد الحكومة المصرية إذا شاءت ترقية أجنبي موجود في خدمتها إلى وظيفة المدير. ففيم إذن تقييد حريتها حينما يؤتي بهذا الأجنبي من الخارج.

الحق يقال أن مصر صديقة إنجلترا لن تبرح تولي وجهها بطيب نفس شطر صديقتها كلما أعوزتها الحاجة إلى الأجانب من أصحاب الاختصاص الفني. وتؤثر المرشحين البريطانيين منهم لتقليدهم الوظائف الفنية متى توافرت فيهم الكفايات المطلوبة. ولكن البون شاسع بين هذا وبين أن يعلق عمل الحكومة المصرية على موافقة الحكومة البريطانية كلما تراءى لها أن هناك فائدة لصالح العمل من وراء استخدام مرشح غير بريطاني.

وإذا كان من الواجب أن يشار في معاهدة التحالف إلى شيء في هذا الموضوع فلا يجوز أن يخرج عما سبق تقريره.

المادة الثانية عشرة- عنى مشروع لجنة ملنر ومشروع اللورد كرزون بتحديد اختصاصات كل من المستشار القضائي والمستشار المالي. وقد كان مثل هذا التحديد أجدر بالمشروع الحاضر لا سيما أن الغاية المقصودة منه هي تحديد النقط المحتفظ بها والتي أدى إبهامها ولبسها إلى صعوبات جمة.

ولقد أصبح مركز هذين المستشارين ووظيفتهما غير معينين الآن، وظاهر أن ما كان لذينك المستشارين من المركز والوظيفة في عهد الاحتلال أو الحماية لم يكن ليبقى كما هو بعد أن أعلن استقلال مصر، فيجب إذن أن نتبين ما إذا كان هناك منذ هذا الإعلان وثيقة ما تقيد الحكومة المصرية في هذا الصدد. ولست أعلم أن شيئا من ذلك يوجد اللهم إلا النص الوارد في إنذار نوفمبر سنة 1924 خاصا بهما، ولقد أظن أن الحكومة البريطانية لا تستحب أن تستبقى عبارات وصيغا صدرت بتأثير مثل الحالة النفسية التي كانت سائدة في وقت تحرير تلك الوثيقة لذا أرى أن الصيغة التي اقترحتها في المادتين الثامنة والتاسعة من مشروعي تتفق تماما مع ما يجوز لبريطانيا العظمى أن ترغب فيه للاستيثاق من أن النظام فيما يتعلق بالقضاء والمالية سيظل سائدا في القطر المصري.

المادة الثالثة عشرة- لقد حرصت في الموضوع الذي قدمته على تجنب القطع برأي في مسألة السودان العامة التي تختلف فيها الحكومات وذلك اختصارا للمناقشات بقدر الإمكان. وقد اجتزأت من تلك المسألة بالإشارة إلى بعض شئون معينه تتطلب حلا عاجلا، غير أن المشروع البريطاني، على العكس من ذلك، أراد أن يعالج كل المسألة وأن يلقاها وجها لوجه ليحلها على النحو الذي ترسمة خطة السياسة الإنجليزية في هذا الموضوع. ومن ثم كان يتعذر على مسايرته في هذا الطريق. ولهذا أوثر إرجاء المسألة إلى مفاوضات لاحقة.

الملحق

عولجت العلاقات العسكرية بين البلدين في خمس من ست فقرات يتضمنها الملحق. وهي تتناول تحديد قوات الجيش المصري، وبيان بعض الالتزامات التي تقع على مصر من جراء وجود القوات البريطانية فيها واتصالها بالجيش المصري، وتدريب هذا الجيش وتعليمه وتزويده بالمؤن والذخائر. كما تتناول أيضا منع الطيران فوق منطقة معينة.

الفقرة الأولى- يجب قبل كل شيء الإشارة إلى أن تحديد قوات جيش أحد الطرفين المتعاقدين في معاهدة دفاعية هجومية أمر ليس له نظير ولا مبرر له أبدا. وليس من شك في أن مصر أبعد ما تكون عن الرغبة في الحرب، وليس لها بالحرب مع ذلك من حاجة. فجارها إلى الشرق هو بريطانيا العظمى حليفتها. وإلى الغرب دولة إيطاليا التي ما برحت علاقتها الودية بها على خير ما يراد.

أما السودان فقد ساد السكون فيه وخيمت عليه الطمأنينة. فلا خوف من نزوع أهله إلى الثورة، ولا من اعتداء جدي تقوم به البلاد المتاخمة له لذلك كله تكون القوات الحالية للجيش في الواقع كافية نسبيا. ولكن الذي لا يتفق مطلقا لا مع استقلال البلاد ولا مع معاهدة التحالف هو فكرة التحديد في ذاتها. ولم تذعن مصر لتحديد قواتها إلا في عهد سياسة الدولة العثمانية. وكانت قوات الجيش المصري مع ذلك محددة بثمانية عشر ألف جندي. أفيجوز إذا. أن يفسر التحديد المقترح بأن بريطانيا العظمى تخشى إذا أصبح الجيش المصري كبيرا أنه يعرض للخطر سلامة المواصلات. أو يجوز أيضا أن يفهم أنه إذا كان المشروع البريطاني قد أفرغ في قالب لا يترك لمصر مجالا للحرية تستطيع التحرك فيه، فما ذلك إلا الخوف يداخل بريطانيا من تصرفات الحكومة المصرية، إذا كان الأمر كذلك فخير ألا يجرى حديث في محالفة فما كانت بلفظها ولا بمعناها لتلتئم أو للتتفق مع تسوية يفسدها ذلك الخوف والتدابير التي تهيأ لاتقاء أسبابه.

ولقد يتبادر إلى الذهن أن عدم تحديد قوات الجيش المصري هو بالأكثر لمصلحة بريطانيا العظمى إذ كلما زيد عدد تلك القوات خف عن عاتقها أثر ما تعهدت به كحليفة من المعاونة عن الدفاع عن مصر. ولكن هذا وجه يفرض فيه توافر الثقة من الجانبين.

وعلى كل حال فإنه يجب التنبيه إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تعرض فيها مسألة تحديد قوات الجيش المصري فإن المفاوضات السابقة لا تتضمن أي أثر في هذا الصدد. فهل جدّ من الأحداث يا ترى ما يبرر هذا؟ التحديد أم ينبغي أن يوّل ذلك بأن الثقة آخذة في النقص شيئا فشيئا وهل ضعف الثقة هذا هو الذي يفسر أيضا أن التسوية الوقتية، التي وضعت منذ ثلاث سنوات عقب الحادث الأخير بمقتضى تبادل المذكرات الذي تشير إليه هذه الفقرة، يقرها هذا المشروع ويجعلها نافذة مدى عشر سنوات على الأقل مع أنه كان يلوح، أن الأمثل في هذا الشأن إعادة النظر في التسوية المذكورة بمناسبة عقد المحالفة، وذلك للتوفيق بينها وبين الحالة التي تنشأ عن المحالفة.

الفقرة الثانية - يجوز التساؤل عما إذا كانت هذه الفقرة ليست تكرارا لشطر الفقرة السابقة الخاص بالاتصال بين قوات الجيش البريطانية والمصرية وتنسيق طرائق تدريبهما. ولقد يظهر أن التعهد بوضع معلمين وفنيين تحت تصرف الحكومة المصرية يؤدي نفس الغرض من التسوية التي وضعت بالمذكرات المتبادلة في شهر يونية الماضي. والأقرب للفهم أن تعرض هاتان الفقرتان على سبيل الخيرة. لا أن يجمع بينهما.

ولست أدري إذا كان منع تدريب رجال الجيش المصري في بلد أجنبي غير بريطانيا العظمى. مرجعه استحالة تعيين ضباط في الجيش البريطاني ممن تلقوا علومهم العسكرية أو أتموها بالخارج، فإن لم تكن ثمة استحالة من هذا الطراز فلا يفهم لماذا يكون الشيء الجائز في الجيش البريطاني ممتنعا في الجيش المصري. وعلى أي حال فالموضوع فني وإنما أبديت هذه الملاحظة كأثر لما يحدثه هذا الشرط في نفس من كان غريبا عن ذلك الفن.

الفقرة الثالثة- لمسألة التسليح والذخائر ارتباط وثيق بنظام التعليم والتدريب في الجيش وأساليبهما. وإذ كان المطلوب، نظرا للتعاون بين الجيشين، أن يكون تعليم الجيش المصري وتدريبه على نمط الأساليب المتبعة في الجيش البريطاني فقد تفهم ضرورة توحيد الأسلحة والذخائر في الجيشين، ولكن هذه الضرورة شيء، والالتزام بوجوب الرجوع إلى الحكومة البريطانية في توريد هذه الأسلحة والذخائر شيء آخر، ولا يستلزم أحدهما الآخر. حقا إن وساطة الحكومة البريطانية لا تكلف حكومة مصر ثمنا كبيرا ( يؤكد المشروع للحكومة المصرية أنها تحصل على تلك الأسلحة والذخائر بقيمة تكاليفها كما لو كان ثمة مجال للشك في ذلك) ولكن هذا أيضا تقييد جديد لا وجه له. وبعد: فلم لا تخاطب الحكومة المصرية مباشرة دور الصناعات القائمة بصنع الأسلحة والذخائر المطلوبة؟ وهل المقصود هنا أيضا بسط رقابة، وما هي المخاوف التي يراد اتقاؤها بذلك؟

وإذا صح نظري وجب أن يكون الأمر في التعيينات أن الحكومة المصرية تستوردها من حيث تريد.

الفقرة الخامسة- لا أدري إذا كان مثل هذا المنع تقضي به الضرورة أم تسوغه المصلحة، وقد يكون من الممكن اعتبار شريط من الأرض على جانبي قناة السويس في بعض جهاتها منطقة عسكرية لا يجوز التحليق فوقه بالطيارات ولكنه لا يمكن تطبيق هذا المنع على عموم منطقة القنال دون الإضرار بحرية المواصلات بين القطر المصري وآسيا، وهل قدر أن هذا المنع يتناول الطيارات التابعة لشركة (أمبريال إيرويز) كما يتناول كل طيارة مصرية؟ وما هي هذه الاتفاقات

القائمة التي تشير إليها هذه الفقرة؟

الفقرة السادسة- راجع الملاحظة على المادة الثامنة،

أغسطس سنة 1927

الإمضاء: عبد الخالق ثروت


المصادر