سورة الجمعة

سورة 62
الجمعة
Al-Jumuʿah
The Congregation
التنزيلمدنية
أسماء أخرىFriday, The Day of Congregation
الجزءجزء 28
عدد السجدات2
عدد الآيات11
عدد الكلمات177
عدد الحروف772


سورة الجمعة هي سورة مدنية، من المفصل، آياتها 11، وترتيبها في المصحف 62، في الجزء الثامن والعشرين، وهي رابعة السور «المُسبِّحات» التي تبدأ بتسبيح الله، نزلت بعد سورة الصف. تناولت السورة ذم اليهود وأحكام صلاة الجمعة.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سبب التسمية

سميت بهذا الاسم لأن يوم الجمعة ذُكرَ في آيتها التاسعة،[2] واشتملت على أحكام «صلاة الجمعة» فدعت المؤمنين إلى المسارعة لأداء الصلاة، وحرمت عليهم البيع وقت الأذان، ووقت النداء لها وختمت بالتحذير من الانشغال عن الصلاة بالتجارة وغيرها.


سبب نزول السورة

عن جابر بن عبد الرحمن قال كان رسول الله يخطب يوم الجمعة إذا اقبلت عير قد قدمت فخرجوا إليها حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا فأنزل الله تبارك وتعالى ﴿وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما [الجمعة:11]. رواه البخاري عن حفص بن عمر عن خالد بن عبد الله عن حصين.

وكان النبي يقرأ في الجمعة سورة الجمعة و﴿إذا جاءك المنافقون [المنافقون:1]. (رواه الترمذي).

تفسير السورة

سورة الجمعة

Ra bracket.png بسم الله الرحمن الرحيم Aya-1.png La bracket.png Ra bracket.png يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ Aya-1.png La bracket.png.

أي: يسبح لله، وينقاد لأمره، ويتألهه، ويعبده، جميع ما في السماوات والأرض، لأنه الكامل الملك، الذي له ملك العالم العلوي والسفلي، فالجميع مماليكه، وتحت تدبيره، ﴿الْقُدُّوس [الجمعة:1] المعظم، المنزه عن كل آفة ونقص، ﴿الْعَزِيز [الجمعة:1] القاهر للأشياء كلها، ﴿الْحَكِيم [الجمعة:1] في خلقه وأمره.

فهذه الأوصاف العظيمة مما تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له.

Ra bracket.png هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ Aya-2.png وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ Aya-3.png ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ Aya-4.png La bracket.png.

المراد بالأميين: الذين لا كتاب عندهم، ولا أثر رسالة من العرب وغيرهم، ممن ليسوا من أهل الكتاب، فامتن الله تعالى عليهم، منة عظيمة، أعظم من منته على غيرهم، لأنهم عادمون للعلم والخير، وكانوا في ضلال مبين، يتعبدون للأشجار والأصنام والأحجار، ويتخلقون بأخلاق السباع الضارية، يأكل قويهم ضعيفهم، وقد كانوا في غاية الجهل بعلوم الأنبياء، فبعث الله فيهم رسولاً منهم، يعرفون نسبه، وأوصافه الجميلة وصدقه، وأنزل عليه كتابه ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ [الجمعة:2] القاطعة الموجبة للإيمان واليقين، ﴿وَيُزَكِّيهِمْ [الجمعة:2] بأن يحثهم على الأخلاق الفاضلة، ويفصلها لهم، ويزجرهم عن الأخلاق الرذيلة، ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2] أي: علم القرآن وعلم السنة، المشتمل ذلك علوم الأولين والآخرين، فكانوا بعد هذا التعليم والتزكية منه أعلم الخلق، بل كانوا أئمة أهل العلم والدين، وأكمل الخلق أخلاقًا، وأحسنهم هديًا وسمتًا، اهتدوا بأنفسهم، وهدوا غيرهم، فصاروا أئمة المهتدين، وهداة المؤمنين، فلله عليهم ببعثه هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، أكمل نعمة، وأجل منحة، وقوله ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ [الجمعة:3] أي: وامتن على آخرين من غيرهم أي: من غير الأميين، ممن يأتي بعدهم، ومن أهل الكتاب، لما يلحقوا بهم، أي: فيمن باشر دعوة الرسول، ويحتمل أنهم لما يلحقوا بهم في الفضل، ويحتمل أن يكونوا لما يلحقوا بهم في الزمان، وعلى كل، فكلا المعنيين صحيح، فإن الذين بعث الله فيهم رسوله وشاهدوه وباشروا دعوته، حصل لهم من الخصائص والفضائل ما لا يمكن أحدًا أن يلحقهم فيها، وهذا من عزته وحكمته، حيث لم يترك عباده هملاً ولا سدى، بل ابتعث فيهم الرسل، وأمرهم ونهاهم، وذلك من فضل الله العظيم، الذي يؤتيه من يشاء من عباده، وهو أفضل من نعمته عليهم بعافية البدن وسعة الرزق، وغير ذلك، من النعم الدنيوية، فلا أعظم من نعمة الدين التي هي مادة الفوز، والسعادة الأبدية.

Ra bracket.png مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ Aya-5.png قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ Aya-6.png وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ Aya-7.png قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ Aya-8.png La bracket.png.

لما ذكر تعالى منته على هذه الأمة، الذين ابتعث فيهم النبي الأمي، وما خصهم الله به من المزايا والمناقب، التي لا يلحقهم فيها أحد وهم الأمة الأمية الذين فاقوا الأولين والآخرين، حتى أهل الكتاب، الذين يزعمون أنهم العلماء الربانيون والأحبار المتقدمون، ذكر أن الذين حملهم الله التوراة من اليهود وكذا النصارى، وأمرهم أن يتعلموها، ويعملوا بما فيها، وانهم لم يحملوها ولم يقوموا بما حملوا به، أنهم لا فضيلة لهم، وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا من كتب العلم، فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك؟ أم حظه منها حملها فقط؟ فهذا مثل علماء اليهود الذين لم يعملوا بما في التوراة، الذي من أجله وأعظمه الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، والبشارة به، والإيمان بما جاء به من القرآن، فهل استفاد من هذا وصفه من التوراة إلا الخيبة والخسران وإقامة الحجة عليه؟ فهذا المثل مطابق لأحوالهم.

﴿بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله [الجمعة:5] الدالة على صدق رسولنا وصدق ما جاء به. ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الجمعة:5] أي: لا يرشدهم إلى مصالحهم، ما دام الظلم لهم وصفًا، والعناد لهم نعتًا ومن ظلم اليهود وعنادهم، أنهم يعلمون أنهم على باطل، ويزعمون أنهم على حق، وأنهم أولياء الله من دون الناس.

ولهذا أمر الله رسوله، أن يقول لهم: إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم على الحق، وأولياء الله: ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ [الجمعة:6] وهذا أمر خفيف، فإنهم لو علموا أنهم على حق لما توقفوا عن هذا التحدي الذي جعله الله دليلاً على صدقهم إن تمنوه، وكذبهم إن لم يتمنوه ولما لم يقع منهم مع الإعلان لهم بذلك، علم أنهم عالمون ببطلان ما هم عليه وفساده، ولهذا قال: ﴿وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [الجمعة:7] أي من الذنوب والمعاصي، التي يستوحشون من الموت من أجلها، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [الجمعة:7] فلا يمكن أن يخفى عليه من ظلمهم شيء، هذا وإن كانوا لا يتمنون الموت بما قدمت أيديهم، ويفرون منه [غاية الفرار]، فإن ذلك لا ينجيهم، بل لا بد أن يلاقيهم الموت الذي قد حتمه الله على العباد وكتبه عليهم.

ثم بعد الموت واستكمال الآجال، يرد الخلق كلهم يوم القيامة إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئهم بما كانوا يعملون، من خير وشر، قليل وكثير.

Ra bracket.png يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ Aya-9.png فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ Aya-10.png وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ Aya-11.png La bracket.png.

يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة والمبادرة إليها، من حين ينادى لها والسعي إليها، والمراد بالسعي هنا: المبادرة إليها والاهتمام لها، وجعلها أهم الأشغال، لا العدو الذي قد نهي عنه عند المضي إلى الصلاة، وقوله: ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] أي: اتركوا البيع، إذا نودي للصلاة، وامضوا إليها.

فإن ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ [الجمعة:9] من اشتغالكم بالبيع، وتفويتكم الصلاة الفريضة، التي هي من آكد الفروض.

﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9] أن ما عند الله خير وأبقى، وأن من آثر الدنيا على الدين، فقد خسر الخسارة الحقيقية، من حيث ظن أنه يربح، وهذا الأمر بترك البيع مؤقت مدة الصلاة.

﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ [الجمعة:10] لطلب المكاسب والتجارات ولما كان الاشتغال في التجارة، مظنة الغفلة عن ذكر الله، أمر الله بالإكثار من ذكره، فقال: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الجمعة:10] أي في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم، ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10] فإن الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح.

﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا [الجمعة:11] أي: خرجوا من المسجد، حرصًا على ذلك اللهو، و[تلك] التجارة، وتركوا الخير، ﴿وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة:11] تخطب الناس، وذلك [في] يوم جمعة، بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، إذ قدم المدينة، عير تحمل تجارة، فلما سمع الناس بها، وهم في المسجد، انفضوا من المسجد، وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب استعجالًا لما لا ينبغي أن يستعجل له، وترك أدب، ﴿قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ [الجمعة:11] من الأجر والثواب، لمن لازم الخير وصبر نفسه على عبادة الله.

﴿خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ [الجمعة:11] التي، وإن حصل منها بعض المقاصد، فإن ذلك قليل منغص، مفوت لخير الآخرة، وليس الصبر على طاعة الله مفوتًا للرزق، فإن الله ﴿خير الرازقين [الجمعة:11]، فمن اتقى الله رزقه ﴿مِنْ حَيْثُ لَا ‌يَحْتَسِبُ [الطلاق:3].

وفي هذه الآيات فوائد عديدة:

منها: أن الجمعة فريضة على جميع المؤمنين، يجب عليهم السعي لها، والمبادرة والاهتمام بشأنها.

ومنها: أن الخطبتين يوم الجمعة، فريضتان يجب حضورهما، لأنه فسر الذكر هنا بالخطبتين، فأمر الله بالمضي إليه والسعي له.

ومنها: مشروعية النداء ليوم الجمعة، والأمر به.

ومنها: النهى عن البيع والشراء، بعد نداء الجمعة، وتحريم ذلك، وما ذاك إلا لأنه يفوت الواجب ويشغل عنه، فدل ذلك على أن كل أمر ولو كان مباحًا في الأصل، إذا كان ينشأ عنه تفويت واجب، فإنه لا يجوز في تلك الحال.

ومنها: الأمر بحضور الخطبتين يوم الجمعة، وذم من لم يحضرهما، ومن لازم ذلك الإنصات لهما.

ومنها: أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله، وقت دواعي النفس لحضور اللهو [والتجارات] والشهوات، أن يذكرها بما عند الله من الخيرات، وما لمؤثر رضاه على هواه.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فضل يوم الجمعة

سورة الجمعة

اتفق العلماء على أن يوم الجمعة كان يسمّى في الجاهلية يوم العَروبة، ومعناه اليمين المعظّم، واختلفوا في سبب تسميته بالجمعة، والظاهر أنه سُمي ذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه.

ولهذا اليوم خصائص ومزايا وفضائل ومنها:

الخاصة الأولى : فهو سيدّ الأيام وأفضلها، وهو الشاهد المذكور في قوله تعالى: وشاهد ومشهود {البروج: 3}، وهو يوم العيد الأسبوعيّ للمسلمين، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن من أفضل أيامكم يومَ الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضةٌ عليّ". فقالوا: يا رسول الله، وكيف تُعرض صلاتُنا عليك وقد أرمت- يعني بليت- قال: "إنّ الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". وقال صلى الله عليه وسلم : "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة".

وقال صلى الله عليه وسلم : "إن يوم الجمعة سيدُ الأيام وأعظمها عند اللَّه، وهو أعظمُ عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خَلَق اللَّهُ فيه آدم، وأَهْبَط اللَّهُ فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفَّى اللَّهُ آدمَ، وفيه ساعةٌ لا يسأل العبد فيها شيئًا إلا أُعطاه، ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة، ما من مَلَكٍ مقرّب، ولا سماءٍ ولا أرض، ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهو مشفقٌ من يوم الجمعة".

وقال صلى الله عليه وسلم : "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة". وقال صلى الله عليه وسلم : "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه اللَّه فتنة القبر".

وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه كان عنده يهوديّ، فقرأ ابنُ عباس قول الله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا {المائدة: 3}. فقال اليهوديّ: لو علينا معشر يهود أُنزلت لاتخذنا يومها عيدًا. فقال ابنُ عباس: لقد نزلت في يومي عيد: نزلت بعرفاتٍ يوم الجمعة.

ولقد أمر اللَّه مَن قبلنا بهذا اليوم فضلّوا عنه، أَمر به اليهودَ فضلّوا عنه، واختاروا السبت الذي لم يَخلق اللَّهُ فيه شيئًا، وأَمَر به النصارى فضلّوا عنه، واختاروا الأحد الذي ابتدا اللَّهُ فيه الخَلْقَ، وجاء اللَّه بنا فهدانا لهذا اليوم، يوم الجمعة، فهم لنا تبع. قال النبي صلى الله عليه وسلم : "نحن الآخرون السابقون يومَ القيامة بَيْدَ أنهم أوتوا الكتاب مِنْ قبلنا، وأوتيناه مِن بعدهم، ثم هذا يومهم الذي فُرض عليهم- يعني الجمعة، فاختلفوا فيه، فهدانا اللَّه له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غدًا، والنصارى بعد غد". وقال صلى الله عليه وسلم : "أضلّ اللَّهُ عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يومُ السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء اللَّه بنا فهدانا اللَّه ليوم الجمعة، فجعل الجمعةَ والسبتَ والأحدَ، وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأوّلون يوم القيامة، المقضى لهم قبل الخلائق".

وصلاةُ الجمعة فريضة معلومةٌ من الدين بالضرورة، وفرضيتُها ثابتةٌ بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال اللَّه تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "رواح الجمعة واجبٌ على كل محتلم".

وأجمعت الأمة على أن صلاة الجمعة فرضُ عَيْنٍ على من توفّرت فيه شروط الوجوب، وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والذكورة، والحرية، والصحة، فلا تجب على من فقد واحدًا من هذه الشروط، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الجمعة واجبةٌ على كل مسلمٍ في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو صبيّ، أو امرأة، أو مريض".

وقال صلى الله عليه وسلم : "ليس على مسافر جمعة". وكان صلى الله عليه وسلم يسافر، ولم ينقل عنه أنه صلّى الجمعة في سفرة من أسفاره، ولكن من شهد الجمعة ممن لا تجب عليه أجزأته، ولا يعيد الظهر.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحثّ على شهود الجمعة ويرّغب فيه، فيقول: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفّرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". وكان يقول: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة وزيادةُ ثلاثة أيام، ومن مسّ الحصى فقد لغا". كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذّر من التخلف عن الجمعة فيقول: "لينتهينّ أقوام عن وَدْعِهمُ الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم، ثم ليكوننّ من الغافلين".

ويقول صلى الله عليه وسلم : "من ترك ثلاث جمعٍ تهاونًا بها طبع اللَّه على قلبه". ويقول صلى الله عليه وسلم : "لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمرَ رجلاً فيؤمّ الناس، ثم أنطلق إلى أقوامٍ لا يشهدون الجمعة فأحرّق عليهم بيوتهم".

"فعلى كل مسلم أن يحرص أشدّ الحرص على الحضور لصلاة الجمعة، ولا يعتذر بالأعذار الواهية، فإنها لا تنجيه عند من لا تخفى عليه خافية، وقد حدث في هذا الأوان أنّ كثيرًا ممن ينتسبون إلى الإسلام يتعمدون الخروج في يوم الجمعة إلى النزهة برًا أو بحرًا، وبدلاً من أن يتعبّدوا الله بما ورد عنه وعن رسوله في هذا اليوم، ويحيونه بالصلاة والصدقة والذكر ونحو ذلك، يرتكبون المنكرات في هذا اليوم الشريف، مِنْ أغانٍ وطربٍ وخمرٍ، وما إلى ذلك من الموبقات التي يخجل الإنسان من ذكرها، فضلاً عن ارتكابها، فإلى أولئك المتهاونين، وإلى أولئك الذين فتنتهم الدنيا بزينتها ورَوْنقها، ورُزِقُوا حظًا من المال أو الجاه، نهدي هذه النصيحة الثمينة، ونذكرهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من ترك ثلاث جمع طَبع الله على قلبه".

ولا تغتروا بما آتاكم الله من صحةٍ وشباب وقوةٍ ومالٍ فاعرفوا قدرَ نعم الله عليكم، واشكروه حق الشكر، وأدّوا فرائض الله ولا تتهاونوا في أداء الصلوات، وحافظوا على الجمع والجماعات، فإن الحساب عسير: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون". اه من كتاب "الجمعة ومكانتها في الدين" للشيخ أحمد آل بوطامي.

"وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعظيمُ هذا اليوم وتشريفُه، وتخصيصه بعباداتٍ يختصّ بها عن غيره، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي "الم تنزيل" و"هل آتى على الإنسان"، ويظنّ كثيرٌ ممن لا علم عنده أنّ المراد تخصيصُ هذه الصلاة بسجدةٍ زائدةٍ، ويسمونها سجدة الجمعة، وإذا لم يقرأ أحدُهم هذه السورة استحبّ قراءةً سورة أخرى فيها سجدة، ولهذا كَرِهَ مَن كَرِهَ من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة، دفعًا لتوهم الجاهلين، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة؛ لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خَلْقِ آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشرِ العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، وكأن في قراءتهما في هذا اليوم تذكيرًا للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعًا ليست مقصودة، حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت، فهذه خاصةٌ من خواصّ يوم الجمعة .


الخاصة الثانية : استحبابُ كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة".

الخاصة الثالثة: صلاة الجمعة التي هي من آكد فورض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين، وهي أعظم من كلّ مجمع يجتمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عرفة، ومَنْ تركها تهاونًا بها، طبع اللهُ على قلبه، وقُربُ أهل الجنة يوم القيامة، وسَبْقُهم إلى الزيارة يوم المزيد بحسب قُرْبهم من الإمام يوم الجمعة وتبكيرهم.

الخاصة الرابعة: الأمرُ بالاغتسال في يومها، وهو أمر مؤكدٌ جدًا.

الخاصة الخامسة: التطيبُ فيه، وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع.

الخاصة السادسة: السواك فيه، وله مزية على السواك في غيره.

الخاصة السابعة: التبكير للصلاة.

الخاصة الثامنة: أن يشتغل بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام.

الخاصة التاسعة: الإنصات للخطبة إذا سمعها وجوبًا في أصح القولين.

الخاصة العاشرة: قراءة سورة الكهف في يومها، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سَطَعَ له نورٌ من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة، وغُفِرَ له ما بين الجمعتين".

الخاصة الحادية عشرة: أنه لا يكره فعلُ الصلاة فيه وقت الزوال ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا يغتسل رجلٌ يوم الجمعة ويتطهّر ما استطاع من طهر، ويدّهن من دهنه أو يمسّ من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرّق بين اثنين، ثم يصلّي ما كُتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى". فَنَدَبَهُ .

وفيه أيضًا: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها ب "الجمعة" و"هل أتاك حديث الغاشية". ولا يستحب أن يقرأ من كل سورةٍ بعضها، أو يقرأ من كل سورة بعضها، أو يقرأ إحداهما في الركعتين، فإنه خلاف السنة.

الثانية عشرة: أنه يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثوب، ثم خرج وعليه السكينةُ حتى يأتي المسجد، ثم يركع إن بدا له، ولم يؤذِ أحدًا، ثم أنصت إذا خرج إمامُه حتى يصلّي، كانت كفارة لما بينهما".

الثالثة عشرة: أنّ للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنةٍ صيامها وقيامها. عن أوس بن أوس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "من غسّل واغتسل يوم الجمعة، وبكّر وابتكر، ودنا من الإمام فأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنةٍ وقيامُها، وذلك على الله يسير".

الرابعة عشرة: أن فيه ساعة الإجابة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "إنّ في الجمعة لساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ وهو قائمٌ يصلّي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وقال: بيده يقلبها". اه من "زاد المعاد" باختصار.

فعلى المسلم أن يأخذ نفسه بما في هذه الخواص من الآداب، كالغسل، والدهن، والطيب، والسّواك، ولُبس أحسن الثياب، ثم التبكير، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثّ على التبكير فيقول: "من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قَرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".

وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ومثلُ المهجّر كمثل الذي يُهدي بدنة، ثم كالذي يُهدي بقرة، ثم كبشًا، ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طَوَوْا صحفهم ويستمعون الذكر".

فإذا جاء المسلمُ المسجدَ قدّم رجله اليمنى وقال: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، بسم الله، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك". ثم يتقدّم إلى الصفوف فيتم ما بها من نقص، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه يومًا فرآهم حلقًا، فقال: "ما لي أراكم عزين" أي: متفرقين، ثم خرج عليهم بعد ذلك فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟" قالوا: وكيف تصفّ الملائكة عند ربها يا رسول الله؟ قال: "يتمون الصفّ الأول فالأول ويتراصون في الصف".

فإذا أخذ موضعه من الصفّ صلّى ركعتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلّي ركعتين". وهاتان الركعتان مشروعتان، ولو كان الخطيب على المنبر، عن جابر بن عبد الله قال: جاء سليكٌ الغَطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس، فقال له: "يا سُليك، قم فاركع ركعتين وتجوّز فيهما". ثم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما". ومن الخطأ ما يفعله بعض الناس من الجلوس عند الدخول والإمام يخطب، فإذا جلس الإمام بين الخطبتين قام فصلّى.

فإذا صلى تحية المسجد فهو بالخيار، إن شاء صلّى ما كُتِبَ له، وإن شاء جلس يذكر الله بقراءة أو تسبيح أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، حتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام استقبله الناسُ بوجوههم، واستمعوا له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُمهل يوم الجمعة حتى يجتمع الناس، فإذا اجتمعوا خرج إليهم وحده، فإذا دخل المسجد سلّم عليهم، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه وسلم عليهم، ثم يجلس، ويأخذ بلالٌ في الأذان، فإذا فرغ منه قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب، من غير فصلٍ بين الأذان والخطبة، لا....... خبرٍ ولا غيره، ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة، ولم يكن الأذان إلا واحدًا، وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد، لا سنة لها قبلها، وهذا أصحّ قولي العلماء، وعليه تدل السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته، فإذا رقي المنبر أخذ بلالٌ في أذان الجمعة، فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل، وهذا كان رأي عين، فمتى كانوا يصلون السنة؟

وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوتُه، واشتدّ غضبه، حتى كأنه منذ جَيْش، يقول: صبحكم ومسّاكم، ويقول: إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (((آل عمران: 102)))، ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (((النساء: 1)))، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) (((الأحزاب: 70، 71))). أما بعد: فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعةٌ، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ومن تأملّ خُطَبَ النبي صلى الله عليه وسلم وخُطَبَ أصحابه، وجدها كفيلةً ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفاتِ الربّ جلّ جلاله، وأصول الإيمان الكليّة، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحبّبه إلى خلقه وأيامه التي تخوّفهم من......، والأمر بذكرِه وشكرِه الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته واسمائه، ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره، وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبّوه وأحبّهم، ثم طال العهد، وخفى نورُ النبوة، وصارت الشرائع والأوامر رسومًا تُقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها، فأَعْطَوْها صُوَرَها، وزينوها بما زينوها به، فجعلوا الرسومَ والأوضاع سُتًا لا ينبغي الإخلال بها، وأخلّوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلالُ بها، فرصّعوا الخطب بالتسجيع والفِقر، وعلم البديع، فنقص بل عُدِمَ حظُّ القلوب منها، وفات المقصودُ بها.

وكان صلى الله عليه وسلم يقصّر الخطبة، ويطيل الصلاة، ويكثر الذكر، ويقصد الكلمات الجوامع، وكان يقول: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنّةٌ من فقهه". اه من زاد المعاد باختصار وزيادة. وكان صلى الله عليه وسلم يحث على الإنصات للخطبة، وينهى عن التشاغل عنها بأي شيء

مرئيات

سورة الجمعة بصوت حسن صالح.
فضل يوم الجمعة للشيخ محمد متولي الشعراوي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر