آسية بنت مزاحم

شيق يتناول شخصية المرأة المثالية آسية بنت مزاحم زوجة فرعون، والمقال لسماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي. 


بسم الله الرحمن الرحيم


و الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد رسول الله وآله الطيبين الطاهرين. وبعد..

فإن هناك من يظن أن على المرأة أن تعيش حالة التبعية للرجل، وتكون بمثابة الصدى، أو الظل له، تتلقى أوامره، وتخضع لإرادته. زاعماً أنها لا تقوى على الاستقلال عنه، ولا تستطيع أن يكون لها رأي، أو فكر، أو اعتقاد، سوى رأيه واعتقاده وفكره. وربما يحاول بعضهم أن يتخذ مما ورد من أن المرأة على دين زوجها، ذريعة بتأكيد هذا القول..

و لكن من الواضح: أن المرأة وإن كانت شديدة التأثر بزوجها، لكن الأمر لا يصل إلى حد فقدانها إرادتها بصورة تامة. والقول المأثور إنما سياقه سياق المبالغة ليفيد أن الغالب في النساء هو ذلك..

و الأحداث والوقائع تشهد بما نقول، كما أن تعاليم الإسلام وما ورد في كتاب الله وصرح به الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) يؤكد هذه الحقيقة.

فإن المرأة في الإسلام إنسان كامل، أهَّلَها الله لأن تكون موضع كرامة الله، وتتلقى الخطاب الإلهي، والتكليف الرباني.. وتتوجه إليها الأوامر والزواجر التي تناسب واقعها الذي تفرضه طبيعة خلقها، ويفرضه الكمال المنشود في تكوينها، وفي الصنع الإلهي للبشرية في سياق هدايتها نحو الكمال، وسوقها نحو الغايات الكبرى التي أراد الله لها أن تسعى إليها، وتحصل عليها.

فكانت المرأة هي ذلك المخلوق، الذي لا مجال لأن يُفرض عليه الرأي والاعتقاد، ما دامت تملك العقل والتمييز، والإرادة والاختيار، وينسحب ذلك على مختلف الشؤون والحالات، خصوصاً فيما يرتبط بالناحية الإعتقادية والإيمانية.

فها هو أعظم المستكبرين، وأشدهم علواً وعتواً، والذي بلغ في استكباره حداً ادعى فيه الربوبية ـ ها هو ـ قد عجز عن فرض إرادته على المرأة، رغم أنها كانت محاصرة بكل القوى ومحاطة بظروف شديدة القسوة، من شأنها أن تُسقط إرادتها، ولكنها كانت أقوى من ذلك كله، ففرضت إيمانها وإرادتها، وهزمت كل تلك القوى العاتية، وباء ذلك المستكبر المدعي للربوبية بالفشل الذريع، والخيبة القاتلة.. وأقصد بها: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون بالذات.

نعم.. وهذه هي المرأة التي أراد الإسلام لها ـ كما أراد لمريم بنت عمران، وخديجة، والزهراء عليهن السلام ـ أن تكون النموذج الرائد، والمثل والأسوة للنساء في هذه الحياة، وأن تكون مظهراً لإرادة الله تعالى على هذه الأرض، وتجسيداً لحكمته، وإظهاراً لبديع صنعه..

فماذا عن هذه المرأة النموذج الفذ، والمتفرد، التي فاقت نساء عصرها، ونالت الأوسمة الكبرى، ولكن لا من الناس العاجزين والقاصرين، وإنما من مصدر الكمال والقدرة، والعزة والكبرياء، حيث قدمها الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) لتكون نموذجاً، وقدوة، وأسوة، ومثالاً يُحتذى، وقمة للكمال الإنساني، فاقت نساء عصرها كلهن صلوات الله وسلامه عليها، فكانت بحق سيدة نساء عالمها كله.

آسية بنت مزاحم المرأة الشهيدة:

لقد كانت آسية بنت مزاحم، زوجة فرعون ـ كما يقول المجلسي ـ " امرأة من بني إسرائيل، وكانت مؤمنة ومخلصة، وكانت تعبد الله سراً.

و كانت على ذلك إلى أن قتل فرعون امرأة حزبيل، فعاينت حينئذٍ الملائكة يعرجون بروحها، لما أراد الله بها من الخير، فزادت يقيناً، وإخلاصاً، وتصديقاً. فبينما هي كذلك إذ دخل عليها فرعون، يخبرها بما صنع بها. فقالت: الويل لك يا فرعون، ما أجرأك على الله جل وعلا. فقال لها: لعلك قد اعتراك الجنون الذي اعترى صاحبتك ؟. فقالت: ما اعتراني جنون، لكن آمنت بالله، ربي، وربك، ورب العالمين. فدعا فرعون أمها، فقال لها: إن ابنتك أخذها الجنون، فأقسم لتذوقن الموت، أو لتكفرن بإله موسى. فخلت بها أمها، فسألتها موافقة [ فرعون ] فيما أراد، فأبت، وقالت: أما أن أكفر بالله، فلا والله لا أفعل ذلك أبداً. فأمر بها فرعون حتى مدّت بين أربعة أوتاد، ثم لا زالت تعذب حتى ماتت، كما قال الله سبحانه: { وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ } [1]، [2].

و عن ابن عباس: قال: « أخذ فرعون امرأته آسية، حين تبين له إسلامها يعذبها لتدخل في دينه، فمر بها موسى ( عليه السلام ) وهو يعذبها، فشكت إليه بإصبعها، فدعا الله موسى أن يخفف عنها، فلم تجد للعذاب مساً، وإنها ماتت من عذاب فرعون لها. فقالت وهي في العذاب: {... رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ... } [3]

فأوحي إليها: أن ارفعي رأسك، ففعلت، فأُريت البيت في الجنة بني لها من درّ، فضحكت. فقال فرعون: انظروا إلى الجنون الذي بها، تضحك وهي في العذاب » [4].

و قيل: إنها لما عاينت المعجز من عصا موسى ( عليه السلام )، ووقوع الغلبة على السحرة، أسلمت. فلما ظهر لفرعون إيمانها نهاها، فأبت. فأوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد، وألقاها في الشمس. ثم أمر أن يُلقى عليها صخرة عظيمة، فلما قرب أجلها قالت: {... رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ... } [5]. فرفعها الله تعالى إلى الجنة، فهي فيها تأكل وتشرب، عن الحسن وابن كيسان.

و قيل: إنها كانت تعذب بالشمس، وإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة، وجعلت ترى بيتها في الجنة، عن سلمان [6].

للبيان والتوضيح:

و لتوضيح بعض ما يرتبط بهذه المرأة المجاهدة الصابرة، آسية بنت مزاحم الشهيدة، نذكر هذا المقطع من كتاب: «مأساة الزهراء » فنقول:

1 ـ إن آسية بنت مزاحم امرأة في مقابل رجل، هو فرعون بالذات.

2 ـ وفرعون هذا هو الزوج المهيمن والقوي، وهو يتعامل مع هذه المرأة الصالحة من موقع الزوجية.

3 ـ وفرعون الرجل والزوج، لا يملك شيئاً من المثل والقيم الإنسانية والرسالية، ولا يردعه رادع عن فعل أي شيء، وفي أي موقع من مواقع حياته، فهو يسترسل مع شهواته، وطموحاته، ومصالحه، بلا حدود ولا قيود، ودونما وازع أو رادع. أما آسية فعلى النقيض من ذلك، ترى نفسها محكومة لضوابط الدين والقيم والمثل، وهي تهيمن على كل وجودها فلا تستطيع أن تسترسل في حركتها، ولا يمكنها أن تتوسل بكل ما يحلو لها.

4 ـ وفرعون يمثل أقصى حالات الاستكبار في عمق وجوده، وذاته، حتى ليدعي الربوبية، ويقول للناس: {... أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [7]، فلا يرى أن أحداً قادر على أن يخضعه، أو أن يملي عليه رأيه وإرادته، بل تراه يحمل في داخله الدوافع القوية لسحق كل من يعترض سبيل أهوائه وطموحاته. فرعون هذا تتحداه امرأته !! في صميم كبريائه، وفي رمز استكباره وعلوه، وعنفوانه، وعمق طموحاته، في ادعائه الربوبية، وفي كل ما يرتكبه من موبقات، وما يمثله من انحراف.

5 ـ وفرعون ملك لديه الجاه العريض، وغرور السلطان، وعنجهيته، وجاذبيته، وعنفوانه، وزهوه. وما أحب تلك المظاهر الخادعة إلى قلب المرأة، وما أولعها بها. وإذا كانت المرأة تميل إلى الزهو، فإنها إلى زهو الملك العريض أميل، وإذا كان الجاه العريض يستثيرها، فهل ثمة جاه كجاه السلطان، فكيف وهو يدعي الربوبية لنفسه؟ !

6 ـ أما المغريات فهي بكل صنوفها، وفي أعلى درجات الإغراء فيها، متوفرة لفرعون، فلديه الدور والقصور، والبساتين، والحدائق الغناء، ولديه اللذائذ والأموال، والخدم والحشم، ولديه الزبارج والبهارج وزينة الحياة الدنيا. وهل ثمة أحب إلى قلب المرأة من القصر الشاهق، ومن الأثاث الفاخر، واللائق، ومن وصائف كالحور، وغير ذلك من بواعث البهجة والسرور ؟ !

7 ـ وعند فرعون الرجال والسلاح، وكل قوى القهر، والتسلط، والجبروت، والهيمنة، ولذلك أثره في بث الرهبة، والرعب في قلب كل من تحدثه نفسه بالتمرد، والخلاف.

8 ـ وعند فرعون أيضاً المتزلفون، والطامعون، والطامحون، الذين هم وسائله وأدواته الطيعة، التي تحقق رغباته، وتلبي طلباته، مهما كانت، وفي أي اتجاه تحركت.

9 ـ وهناك الواقع المنحرف الذي تهيمن عليه المفاهيم الجاهلية. والجهل الذريع، والافتتان الطاغي بالحياة الدنيا، هذا الواقع الذي تفوح منه الروائح الكريهة للشهوات البهيمية، وتنبعث فيه الأهواء، وتضج فيه الجرائم.

10 ـ وفي محيط فرعون، تريد امرأة فرعون أن تتخلى عن لذات محسوسة وحاضرة من أجل لذة غائبة عنها، مع أن الإنسان كثيراً ما يرتبط بما يحس ويشعر به، أكثر مما يرتبط بما يتخيله أو يسمع به، بل هو يستصعب الانتقال من لذة محسوسة إلى لذة أخرى مماثلة لها، فكيف يؤثر الانتقال إلى ما هو غائب عنه، ولا يعيشه إلا في نطاق التصور والأمل بحصوله في المستقبل، ثقة بالوعد الإلهي له. بل إنها ( عليها السلام ) تريد أن تستبدل لذة وسعادة ونعيماً حاضراً بألم وشقاء، وبلاء، بل بموت محتم لقاء لذة موعودة.

11 ـ وبعد ذلك كله، إن هذه المرأة لا تواجه رجلاً كسائر الرجال، بل تواجه رجلاً عُرف بالحنكة، والدهاء، والذكاء. فكما كان عليها أن تواجه استكباره، وسلطانه، وبغيه، وكل إرهابه، وإغرائه، فقد كان عليها أيضاً أن تواجه مكره، وأحابيله، وتزويره، وأساليبه الذكية الخداعة، وهو الذي استخف قومه فأطاعوه. وقد ظهرت بعض فصول هذا الكيد والمكر في الحوار الذي سجله الله سبحانه له مع موسى ( عليه السلام )، ومع السحرة الذين جاء بهم هو، فآمنوا بإله موسى ( عليه السلام ).

خلاصة:

كانت تلك بعض لمحات الواقع الذي واجهته امرأة فرعون، التي هي من جنس البشر، ومن لحم ودم، لها ميولها، وغرائزها، وطموحاتها، ومشاعرها، وأحاسيسها.

و قد واجهت رحمها الله كل هذا الواقع الصعب بصبر وثبات، ولم تكن تملك إلا نفسها، وقوى إرادتها، وقويم وعيها، الذي جعلها تدرك: أن ما يجري حولها هو خطأ، وجريمة، وانحراف وخزي، فرفضت ذلك كله من موقع البصيرة والإيمان، وواجهت كل وسائل الإغراء والقهر، ولم تبال بحشود فرعون، ولا بأمواله، ولا بجاهه العريض، ولا بزينته ومغرياته، ولا بمكره وحيله وحبائله..

و طلبت من الله سبحانه وتعالى أن يهيئ لها سبل النجاة من فرعونية فرعون، ومن أعمال فرعون، ومن محيط القوم الظالمين.

و لم يؤثر شيء من ذلك كله، من البيئة والمحيط وغير ذلك، في زعزعة ثقتها بدينها وربها، أو في سلب إرادتها، أو في سلامة وصحة خيارها واختيارها.

و كان دعاؤها:

{... إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [8].

فهي تعتبر الابتعاد عن فرعون، وعن ممارسات فرعون نجاة، وتعتبر الابتعاد عن دنس الانحراف والخروج من البيئة الظالمة نجاة أيضاً..

و هي لا تريد من الله قصوراً ولا زينة، ولا ذهباً ولا جاهاً، بل تريد أن تفوز بنعمة القرب منه تعالى. المعبر عنه بكلمة: { عِنْدَكَ }، وبمقام الرضا، على قاعدة: « رضا الله رضانا أهل البيت»، كما قالت زينب ( عليها السلام ).

و الحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

==============================

[1] القران الكريم : سورة الفجر ( 89 ) ، الآية : 10 ، الصفحة : 593 . [2] بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 13 / 164 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية . [3] القران الكريم : سورة التحريم ( 66 ) ، الآية : 11 ، الصفحة : 561 . [4] بحار الأنوار : 13 / 164 ، عن عرائس الثعلبي : 106 و 107 طبع مصر . [5] القران الكريم : سورة التحريم ( 66 ) ، الآية : 11 ، الصفحة : 561 . [6] بحار الأنوار : 13 / 164 و 165 ، عن مجمع البيان : 10 / 319 . [7] القران الكريم : سورة النازعات ( 79 ) ، الآية : 24 ، الصفحة : 584 . [8] القران الكريم : سورة التحريم ( 66 ) ، الآية : 11 ، الصفحة : 561 .

الملكة المؤمنة 

( آسيا بنت مزاحم )


نشأتْ ملكة في القصور، واعتادتْ حياة الملوك، ورأَتْ بطش القوة، وجبروت السلطان، وطاعة الأتباع والرعية، غير أن الإيمان أضاء فؤادها، ونوَّر بصيرتها، فسئمتْ حياة الضلال، واستظلتْ بظلال الإيمان، ودعتْ ربها أن ينقذها من هذه الحياة، فاستجاب ربها دعاءها، وجعلها مثلا للذين آمنوا، فقال : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[التحريم: 11]. وقال رسول اللَّه (: "أفضل نساء أهل الجنة :خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم، وآسية" [أحمد].

إنها آسية بنت مزاحم -امرأة فرعون- التى كانت نموذجًا خلّده القرآن للمؤمنة الصادقة مع ربها، فهى عندما عرفت طريق الحق اتبعتْه دون خوف من الباطل، وظلم أهله، فلقد آمنت باللَّه إيمانًا لا يتزعزع ولايلين، ولم تفلح تهديدات فرعون ولا وعيده في ثنيها عن إيمانها، أو إبعادها عن طريق الحق والهدي. لقد تاجرتْ مع اللَّه، فربحَتْ تجارتها، باعتْ الجاه والقصور والخدم، بثمن غال، ببيتٍ في الجنة، وزواج الرسول ( في الآخرة ونعم أجر المؤمنين.

وقد جاء ذكر السيدة آسية - رضى اللَّه عنها - في قصة موسى - عليه السلام - حينما أوحى اللَّه إلى أُمِّه أن تُلْقيه في صندوق، ثم تلقى بهذا الصندوق في البحر، وفيه موسى، ويلْقِى به الموج نحو الشاطئ الذى يطلّ عليه قصر فرعون ؛ فأخذته الجواري، ودخلن به القصر، فلما رأت امرأة فرعون ذلك الطفل في الصندوق؛ ألقى الله في قلبها حبه، فأحبته حبَّا شديدًا.

وجاء فرعون ليقتله - كما كان يفعل مع سائر الأطفال الذين كانوا يولدون من بنى إسرائيل - فإذا بها تطلب منها أن يبقيه حيا؛ ليكون فيه العوض عن حرمانها من الولد. وهكذا مكن اللَّه لموسى أن يعيش في بيت فرعون، قال تعالي: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِ ولا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ. وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُون) [القصص 7-9] . وكانت السيدة آسية ذات فطرة سليمة، وعقل واعٍ، وقلب رحيم، فاستنكرت الجنون الذى يسيطر على عقل زوجها، ولم تصدق ما يدعيه من أنه إله وابن آلهة.

وحينما شَبَّ موسى وكبر، ورحل إلى "مدين"، فرارًا من بطش فرعون وجنوده ثم عاد إلى مصر مرة أخرى - بعد أن أرسله اللَّه - كانت امرأة فرعون من أول المؤمنين بدعوته . ولم يخْفَ على فرعون إيمان زوجته باللَّه، فجن جنونه، فكيف تؤمن زوجته التى تشاركه حياته، وتكفر به، فقام بتعذيبها حيث عَزَّ عليه أن تخرج زوجته على عقيدته، وتتبع عدوه، فأمر بإنزال أشد أنواع العذاب عليها؛ حتى تعود إلى ما كانت عليه، لكنها بقيت مؤمنة بالله، واستعذبت الآلام في سبيل اللَّه .

وقد أمر فرعون جنوده أن يطرحوها على الأرض، ويربطوها بين أربعة أوتاد، وأخذت السياط تنهال على جسدها، وهى صابرة محتسبة على ما تجد من أليم العذاب، ثم أمر بوضع رحًى على صدرها، وأن تُلقى عليها صخرة عظيمة، لكنها دعتْ ربها أن ينجيها من فرعون وعمله .

فاستجاب اللَّه دعاءها، وارتفعت روحها إلى بارئها، تظلِّلُها الملائكة بأجنحتها؛ لتسكن في الجنة، فقد آمنت بربها، وتحملت من أجل إيمانها كل أنواع العذاب، فاستحقت أن تكون من نساء الجنة الخالدات.

(وضرب الله مثلا للذين امنو امراة فرعون اذ قلت رب ابن لى عندك بيتا في الجنة ونجنى من فرعون

وعملة ونجنى من القوم الظالمين)

ضرب الله مثلا للمؤمنين في سورة التحريم امراة قلما توجد مثلها في ايامنا هذة وهى اسيا

زوجة فرعون الذى كان اعتى اهل الارض واكفرهم وهى كانت ملكة على عرشها بين خدم

يخدمون واهل يكرمون ولكنها كانت مؤمنة وكانت تكتم ايمانها

وعندم عرف فرعون بئيمانها غضب وتوعدها بالعذاب الشديد ان لم تكفر بالله

ولكنها ابت الا طاعة الله فعذابها عذاب شديدا حت سالت الدماء من جسدها فلما

اشتد عليها العذاب ورات الموت قالت رب ابنى لى عندك بيت في الجنة ونجنى من فرعون وعملة

قال ابن كثير / فكشف الله لها عن بيتها في الجنة فتبسمت ثم ماتت

هذا هو نموذج للمراة المضحية في سبيل الله تركت الدنيا بعدم كانت ملكة وكل هذا لله تعالى

نموذج للمراة الصابرة وتحملت العذاب في سبيل الله

المراة الصادقة التى صدقت اللة فصدقها دعت ربها ليبدلها نعيم الجنة بعذاب الدنيا

اذا اين النساء في هذا الزمن من هذة المراة

ان لله وان الية راجعون

قصة آســـــــــــيا بنت مزاحم زوجة فرعون

آسيا سيده من سيدات نساء العالم

القرآن الكريم فيشير إليها في مواضيع شتى متفرقة رابطا قصتها بقصة سيدنا موسى عليه السلام. (((وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا آو نتخذه ولدا))). وقد ذكرت بعض المصادر نسبها: هي آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف عليه السلام.

وذهب آخرون أنها من بني إسرائيل من سبط موسى وحكي السهيلي في الروض الأنف أنها عمته اى موسى . ولم يشر إليها ابن الأثير في كتابة الكامل إلا أنها آسية بنت مزاحم وهي امرأة فرعون.

وفي قصص الأنبياء للثعلبي: روى قصة مقتلها ولم يتتبع إلى نسبها إلا أنها آسية بنت مزاحم قال: إن آسية بنت مزاحم امرأة فرعون كانت من بني إسرائيل. وكانت مؤمنة مخلصة تعبد الله سرا ولكن كيف آلت هذه الفتاة المسلمة المؤمنة إلى كنف هذا الجبار الطاغية الكافر ؟

وكيف صارت زوجا له مع فارق الدين ؟؟!! إن في بعض الكتب والروايات تقول وهي لا تسلم من تناقضات. إن فرعون خطب آسية إلى أبيها وكانت ذات جمال رائع وقد وصفت له فشق ذلك على أبيها وضاق ذرعا بهذا الطلب ولكنه لم يستطع أن يرفض طلب هذا الطاغية

وقيل أيضا أن أبا آسية رفض بادئ الأمر ولكن فرعون إصر وساق له مهر ابنته وتزوجها.

وفي رواية للسدي: إن أبا آسية رأى في منامه قبل أن تولد آسية كان جوهرة في حجره فأتى غراب فانقض عليها ولما ذهب إلى المفسرين قالوا له: تولد لك جارية وتكون تحت رجل كافر. وكان إن تزوجها فرعون.

وعندما أراد فرعون أن يقتل موسى وهو طفل رضيع قد وضعته أمه في التابوت وقذفت به في نهر النيل فأخذه الموج إلى قصر فرعون فرأينه جواري فرعون وأخذنه إلى سيدتهن وفي حسابهن أن به مال من الذهب والجواهر.

وفتحت آسية التابوت فوجدت به الفلاح ينظر إليها بابتسامة والقي الله محبته في قلبها. وهم فرعون بقتله فقالت آسية قرة عين لي ولك لا تقتلوه قال فرعون: قرة عين لك أنت أما أنا فلا حاجة لي به.

وهنا ما يعنينا في هذا المجال هو قصة حياتها في بيت فرعون ثم مقتلها ـ رضي الله عنها ـ . تشير الروايات المتناثرة في كتب التاريخ القديمة على أن آسية عاشت في قصر فرعون عيشة الترف والنعيم ولكن هذه العيشة لم تبعدها عن الله عز وجل فقد كانت مؤمنة تكتم إيمانها خوفا من فرعون.

وتزعم المصادر إن فرعون لم يستطع الاقتراب منها لقضاء حاجته الزوجية فقد عصمها الله منه فكيف وهى المسلمة المؤمنة وهو الطاغية الكافر فرضي بالنظر إليها.

وقد عاشت في قصر فرعون تعبد الله سرا وكانت على هذه الحال إلى أن قتل فرعون امرأة حزقيل الماشطة وكانت الأخرى مؤمنة تكتم إيمانها فقد روي بينما كانت الماشطة تمشط ابنة فرعون آذ سقط المشط من يدها فقالت بسم الله. فقالت ابنة فرعون ابي فقالت الماشطة بل ربي ورب أبيك ورب العالمين.

فغضبت ابنة فرعون واخبرن فرعون أباها بذلك واحضر الماشطة فسألها؟

وقالت : نعم اننى مؤمنة باله موسى. فأمر بها فرعون فمدت على أربعة أوتاد وما زالت تعذب حتى ماتت.

وكانت آسية متطلعة من نافذة في قصر فرعون تنظر إلى الماشطة امرأة حزقيل كيف تعذب وتقتل وكانت آسية تعتصر ألما وحزنا على الماشطة فلما قتلت الماشطة عاينت آسية الملائكة وقد عرجت بروحها لما أراد الله تعالى من كراماتها وما أراد لها من الخير فازدادت يقينا بالله وتصديقا فبينما هي كذلك إذ دخل عليها فرعون وجعل يخبرها بخبر الماشطة امرأة حزقيل وما صنع بها. فاستشاطت آسية غضبا وقالت: الويل لك يا فرعون ما أجرأك على الله تعالى. فقال لها: لعلك قد اعتراك الجنون الذي اعترى صاحبتك ؟ فقالت: ما اعتراني جنون ولكنى آمنت بالله ربى وربك ورب العالمين. فغضب فرعون منها. وضاق ذرعا بما بدر من زوجته آسية.

وحاول أن بثنيها عن رأيها وبعث إلى أمها كي ترجعها إلى رشدها حسب زعمه. ولكنها كانت قوية الإيمان بالله ربها. ولما لم تفلح محاولاته فيها أمر بها فمدت بين أربعة أوتاد، عندما كانت تعذّب انزل الله عليها الملائكة تريها منزلتها ومكانتها في الجنة ، فكلما ازداد العذاب ازدادت ابتسامتها وفرحتها بما تراه من منظر في الجنة ، فكان الحرّاس يستغربون من الأمر فيسألونها ما بك تضحكين وتفرحين فإذا بها تقول إني أرى منزلتي ومكانتي في الجنة.

ثم ما زالت تعذب حتى لقيت وجه ربها. قال تعالى: (وفرعون ذي الأوتاد) وقد روى لنا القرآن الكريم قصتها: (((وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون اذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجنى من فرعون وعمله ونجنى من القوم الظالمين(((.

ويكفينا أن نقول: أن اسمها جاء مقرونا مع مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ـ رضي الله عنهن وأرضاهن ـ. فقد جاء في الحديث ما أخرجه الشيخان. عنه صلى الله عليه وسلم. خير نساء العالمين مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وقال صلى الله عليه وسلم: (حسبك من نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد).

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الهداة المعصومين ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال : ((إن الله اصطفى على نساء العالمين أربع : آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد )) .

ولا شك أنّ الزهراء فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله هي المرأة الأولى في تاريخ البشرية، ولذلك استحقت هذه الأوسمة :

·((فاطمة سيدة نساء العالمين)) .

·((فاطمة سيدة نساء المؤمنين)) .

·((فاطمة سيدة نساء أهل الجنة)) .

الحديث الذي بدأنا به طرح أربعة نماذج نسائية يمثلن أرقى النماذج في تاريخ المرأة، نحاول هنا أن نقف مع هذه النماذج، ونستوحي منها شيئاً من الدروس الإيمانية والروحية والجهادية .

النموذج الأول : آسية بنت مزاحم (زوجة فرعون) :

حدثنا القرآن الكريم عن هذه المرأة المؤمنة الصامدة في سورة التحريم "الآية (11)" :{ وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فِرعونَ إذ قالت ربِّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجّني من فِرعونَ وعملهِ ونجّني من القوم الظالمين }

هذا النص القرآني يقدم "آسية بنت مزاحم امرأة فرعون" مثالاً ونموذجاً في خط الإيمان، ليس للنساء فقط، بل للنساء والرجال معاً، فالمرأة في منظور القرآن تملك القدرة أن ترقى إلى مستوى أن تكون المثل والقدوة لكل المسيرة البشرية . من هنا يجب أن تسقط كل المقولات الزائفة الظالمة التي تروّج لها الثقافات المعادية للإسلام والتي تتهم الإسلام بأنه يتعامل مع المرأة بدونية وامتهان, أخبروني في أي مبدأ أو دين أو نظرية قدّمت المرأة نمودجاً أرقى للرجال والنساء, في القرآن فقط جاء هذا التأكيد, مما يعني أنّ المرأة تحظى بموقع متميز جدا في الفهم الإسلامي.

تحدثنا بعض الروايات أن أسية بنت مزاحم كانت حاضرة حينما جمع فرعون السحرة ليواجه بهم موسى عليه السلام.

جاء موسى عليه السلام بمعجزة العصا التي تحوّلت ثعباناً, واليد البيضاء ((فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين, ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين))

فعقد فرعون اجتماعا مع مستشاريه لتدارس أمر موسى (( قال للملإِ حوله إنّ هذا لساحرٌ عليم, يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون ))

فماذا أشار عليه مستشاروه ((قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين, يأتوك بكل سحّار عليم)) إن موسى ساحر, وأنت تملك من السحرة ما تسقط به سحر موسى, فاجمع السحرة في مشهد كبير يحضره الناس..

وهكذا عقد الاجتماع (( فجمع السحرة لميقات يوم معلوم,وقيل للناس هل أنتم مجتمعون, لعلّنا نتّبع السحر ان كانوا هم الغالبين)), و ماذا حدث في هذا الملتقى الكبير؟

((فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئنّ لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين))

وبدأ التحدّي النبوي ..((قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون, فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون)) فماذا كان موقف السحرة وهم يشاهدون هذا التحدي الكبير؟

((فألقي السحرة ساجدين * قالوا أمنا برب العالمين * ربِّ موسى وهارون )) .

أما فرعون فأصر على الكبرياء والعناد وتهدّد السحرة بأقسى ألوان العذاب ...

(( قال ءامنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فسوف تعلمون ، لأقطعنَّ أيدِيَكم وأرجُلكم من خِلافٍ ولأُصَلِبنَّكمْ أجمعين)) .

إلا أنّهم وقد تجّلت الهداية الربانية في قلوبهم ، وأبصروا نور الإيمان ، واجهوا تهديدات فرعون بكل إصرار وعنفوان وثبات (( قالوا لا ضَيْرَ إنّا إلى ربِّنا منقلبون)) .

وكان ممن حضر هذا المشهد " آسية بنت مزاحم امرأة فرعون" فلمّا رأت المعجزة الإلهية أعلنت إيمانها ، وهنا حاول فرعون أن يجعلها أن تتراجع عن هذا الإيمان ، فنهاها وحذّرها وخوفها ، ولكنّها أبت وأصرّت على الإيمان .

فانتقل معها إلى أسلوب العنف والإرهاب أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد ، وألقاها في الشمس ، ثمَّ أمر أن يلقى عليها صخرة عظيمة، ومارس معها أقسى أنواع البطش والتعذيب، وكانت في ذروة العذاب تردد بكل هدوء وثقة واطمئنان (( ربِّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ، ونجني من فرعون وعمله ونّجني من القوم الظالمين )) .

ما هي الدروس الكبيرة التي يجب أن تتعلمها المرأة المؤمنة من قصة آسية بنت مزاحم .؟

الدرس الأول :

يجب على المرأة المؤمنة أن تعبر بكل شموخ وجرأة عن أصالتها وهويتها وانتمائها إلى خط الإيمان ، كما عبّرت آسية بنت مزاحم ، وأن ترفض كل الانتماءات الأخرى .

وإذا وجدت المرأة التي ألغت انتماءها إلى الدين ، أنَّها مأسورة لنظريات وأيديولوجيات وأفكار بعيدة عن ثقافة الدين ، وأحكام الدين وقيم الدين ، فما هو المبرر الذي يدفع بالمرأة المسلمةِ المنتميةِ إلى الدين أن تبحث عن " وجودها" و" حريتها" و" حقوقها" و" قيمتها" في غير تربتها النظيفة ، في غير أرضها الإيمانية الخصبة ، وفي غير نبعها الإيماني الصافي .

وإذا كانت المرأة المأسورة لثقافة التغريب قد عاشت الشقاء والبؤس والظمأ والحرمان في ظل سعادة موهومة زائفة ، ومن خلال اللهث وراء سراب خادع ، ولذة كاذبة ، فجدير بالمرأة المسلمة التي تملك الأصالة ، والطهر ، والنقاء والنظافة أن تعبّر عن أصالتها الإيمانية وطهرها الروحي ونقاوتها الأخلاقية، ونظافتها السلوكية من خلال الالتزام العملي بتوجيهات الدين وأحكامه وقيمه ، والرفض لكل ما يتنافى مع هذه التوجيهات والأحكام والقيم .

الدرس الثاني :

الصمود والثبات على العقيدة أمام الإغراءات والتحديات .

واجهت آسية بنت مزاحم أسلوبين خطيرين من أجل أن تتخلى عن عقيدتها :

الأسلوب الأول:

أسلوب الإغراءات...

وأيّ إغراء أكبر من " دنيا فرعون " و" قصور فرعون " ، إلاّ أنّها رفضت كل ذلك ، لأنها مشدودة إلى عطاءات الله الكبيرة التي لا تنفذ " ربِّ إبن لي عندك بيتاً في الجنّة " فما قيمة دنيا فرعون أمام جنة " عَرْضُها كعرضِ السماءِ والأرضِ أُعدَّت للذين آمنوا بالله ورُسُله ، ذلك فَضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " الحديد / الآية 21.

" وسارعوا إلى مغفِرةٍ من ربكم وجنّة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمتقين،" آل عمران / الآية 133.

فهل تتعلم النساء ، ويتعلم الرجال ، وتتعلم الشابات ، ويتعلم الشباب ، أنَّ العقيدة أثمن وأكبر من كل إغراءات الدنيا ، فكم هم أؤلئك الذين يضحون بكل الدنيا ، ولذائِذها ومتعها ، وشهواتها ، حينما يكون الخيار بينها وبين العقيدة ؟

وكم هم أؤلئك الذين باعوا دينهم ، وعقيدتهم من أجل متعة زائلة ، ولذة عابرة ، ومن أجل وظيفة ما هي إلا متاع أيام، ومن أجل حظوة لا تدوم عند حاكم أو سلطان ، أو تاجر أو وجيه ؟.

الإنسان الذي استشعر لذة العقيدة ، ولذة الإيمان ، ولذة حب الله ، لا يمكن أن تبهره كل لذائذ الدنيا .. هكذا يكون الإيمان الصادق وهكذا تكون العقيدة النقية..

الأسلوب الثاني :

مارس فرعون أقسى ألوان الإرهاب والعنف مع (آسية بنت مزاحم) ،ولكنها كانت الصامدة الثابتة، تحمّلّت كل العناء، والبلاء ،والعذاب، ولم تتنازل عن عقيدتها، ومبدئها، ودينها، كانت تهزأ بكل العذاب، وكانت تهزأ بكبرياء فرعون ،وطغيان فرعون لأنها تحمل في قلبها ((حب الله))، ما قيمة فرعون وجبروت فرعون، وإرهاب فرعون، أمام ((حب الله )) و ((قدرة الله )) و ((عظمة الله )) الأيمان قوة تتحدى كل الطواغيت والجبابرة والمستكبرين ،وتتحدى كل الإرهاب والعنف والطغيان .

دخلت إمرأة على الحجاج، وكانت هذه المرأة تحمل " الولاء لأمير المؤمنين" تحدّثت مع الحجاج بلغة أغاظته ،ذكّرها الحجاج بأنها تتحدث مع الحجاج وفي مجلس الحجاج، فكيف تتحدث بهذه اللغة، ألا تخشى بطش الحجاج وسطوته ،أجابته هذه المرأة المؤمنة وبكل عنفوان وصمود " إني خفت الله خوفاً صيّرك عندي أحقر من ذبابة "

هكذا يصنع الأيمان الصادق، فهل تتعلم نساؤنا وبناتنا في هذا العصر من موقف آسية بنت مزاحم ومن مواقف المؤمنات الصادقات، مواقف الصمود والثبات، والإصرار على العقيدة والمبدأ والدين والقيم، خاصة وأن المرأة في هذا الزمان تواجه تحديات صعبة وقاسية، تحديات في داخل الأسرة، في الشارع، في المدرسة، في الجامعة، في العمل، في المؤسسات، في كل مكان ،المرأة اليوم تواجه تحديات الثقافة المنحرفة، والإعلام المنحرف، والصحافة المنحرفة، والتعليم المنحرف، والمجتمع المنحرف، والسياسة المنحرفة .. فهل تسقط أمام هذه التحديات ؟ المرأة المؤمنة الصادقة في إيمانها لا تسقط، لا تضعف ، لا تنهزم، مهما كان حجم وضراوة التحديات، لأنها واثقة بعطاء الله، واثقة بنصر الله ..

الدرس الثالث :

الإنسان المؤمن مشدود النظر دائماً إلى عطاء الله ونعيم الآخرة " ما عند الله خير وأبقى " .. كانت الدنيا بكل ترفها ولذاتها ومتعها تركع بين يدي آسية بنت مزاحم ، كان بإمكانها أن تغرق في حياة الترف واللذة والمتعة، ولكنها كانت مشدودة إلى نعيم أكبر، وحياة أبقى "ما عند الله خير أبقى"، "ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة" .

لا يعني الارتباط بهم الآخرة، التخّلي عن هموم الدنيا، إنّ همّ الآخرة هو الذي يعطي لهموم الدنيا معناها الأنقى والأطهر والأنظف، إن هم الآخرة هو الذي يصوغ تطلعات الحياة في مسارها الأصوب والأقوم والأسلم .

إنّ الذي يعيش هموم الدنيا مفصولة عن الآخرة، قد يتوفر له شيء من المتعة الحرام، واللذة الحرام، والشهوة الحرام، إلاّ أنّ عاقبة ذلك الندم والخسران، والشقاء والحرمان، حينما يصب فوق رأسه من عذاب الحميم "إن شجرة الزقوم طعام الأثيم، كالمهل يغلي في البطون، كغلي الحميم، خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم، ثمّ صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم، ذق إنكّ أنت العزيز الكريم، إنّ هذا ما كنتم به تمترون" الدخان : 43-50

وأما الذي عاش العفة في البطن والفرج ولم تأسره أهواء النفس، وشهواتها المحرمة، وتطلّع إلى الجنة ونعيمها فهو مع المتقين "في مقام أمين، في جناتٍ وعيونٍ، يلبسون من سندس وإستبرقٍ متقابلين كذلك وزوجناهم بحورٍ عينٍ، يدعون فيها بكل فاكهةٍ ءامنين، لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم، فضلاً من ربّك ذلك هو الفوز العظيم" .