سعود بن عبد العزيز آل سعود

(تم التحويل من سعود من السعودية)
سعود بن عبد العزيز آل سعود
Saud.jpg
الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود
فترة الحكم 9 نوفمبر 1953 - 2 نوفمبر 1964
وُلد 6 شوال 1319هـ / 15 يناير 1876
وُلد في الكويت
تُوفي 6 ذو الحجة 1388هـ / 23 فبراير 1969 العمر (69 سنة)
تُوفي في اليونان
قُبر في مقبرة العود، الرياض
العائلة الملكية آل سعود
الأب عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود
الأم وضحى بنت محمد بن برغش آل عريعر

سعود بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود (15 يناير 1902 - 23 فبراير 1969)، ملك المملكة العربية السعودية من 9 نوفمبر 1953 إلى عام 1964. هو الابن الثاني من أبناء الملك عبد العزيز الذكور. ولد في الكويت في 6 شوال 1319هـ / 15 يناير 1902 وهو ذات العام الذي تمكن فيه أبوه عبد العزيز آل سعود من السيطرة على مدينة الرياض وتخليصها من آل رشيد مُتعاوناً مع أعذاء آخرين من آل سعود وبعضاً من رجال القبائل أمتداً من الكويت إلى الرياض، لاحقاً شغل دوراً في السياسة والحرب، كما كان أول من انشئ مجلس للوزراء في السعودية.

وقاد سعود الحملة الأولى على حائل في عام 1921 كما قاد القوات السعودية أثناء حرب اليمن، وشارك في إدارة شؤون منطقة المملكة المركزية (الرياض)، وفي 11 مايو 1933 أدى اليمين كولي للعهد، وعندما توفّي والده الملك عبد العزيز في 9 نوفمبر 1953 تولى مقاليد الحكم وبويع من أعضاء الأسرة الحاكمة والعلماء والمواطنين، وعين أخوه الأمير فيصل ولياً للعهد.

سعد زغلول مع سعود بن عبد العزيز، في القاهرة، 1926.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

توليه الحكم

كان أكثر ما يخشاه الملك عبد العزيز بن سعود هو حدوث تنافس بين ولديه الأكبر سناً. فطلب منهما قبيل وفاته أن يقسما على ألا يتقاتلا. وكان يذكر ما حل بأبيه وأعمامه بعد وفاة جده فيصل ويخاف أن يؤدي الشقاق داخل العائلة إلى تقسيم مملكته.

توفي عبد العزيز في 9 نوفمبر 1953 (3 ربيع الأول 1373هـ) في الطائف. وأقسم زهاء مائة أمير اجتمعوا عند جثمانه يمين الولاء لسعود الذي بايعه ملكا ولفيصل كولي للعهد.


مبايعته بالحكم

بسم الله الرحمن الرحيم
أذاع الديوان الملكي العالي ما يلي:
على إثر وفاة حضرة صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك المملكة العربية السعودية – تغمده الله برحمته – والتفاف أفراد الأسرة المالكة الكريمة حول جثمانه ، وخرجوا من عنده وبايعوا حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد العزيز المعظم ملكاً على البلاد العربية السعودية على طاعة الله ورسوله والسمع والطاعة، فنودي بحضرة صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملكاً للمملكة العربية السعودية.
وعلى إثر ذلك أعلن حضرة صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز ولاية العهد لأخيه حضرة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبد العزيز، كما بايع سموه على إثر ذلك أفراد الأسرة المالكة.

سياسته

في 9 نوفمبر 1953 أكد العاهل الجديد سعود تعيين شقيقه فيصل نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية ، واحتفظ لنفسه برئاسة الحكومة. يقول الزركلي أن عبد العزيز حينما توفي كان عدد الأحياء من أبنائه 34 ولدا وبلغ العدد الإجمالي لأبنائه وأحفاده وحفيداته – عدا أبناء بناته – 160 ، ويزيد العدد على الثلاثمائة إذا أضفنا ذريته بناته . وكان قد عقد خلال حياته عشرات الزيجات .

كان ولي العهد سعود المولود عام 1902 الابن الثاني لعبد العزيز بعد تركي الذي توفي شابا بسبب إصابته بالإنفلونزا. وأم سعود من آل عريعر الأرستقراطيين وهم شيوخ بنو خالد، وقد توفيت عام 1969 ، أي بعد وفاة ابنها. وولد فيصل عام 1906 من الزوجة الثالثة لعبد العزيز وهي من آل الشيخ. وقد جرى بين الأخوين غير الشقيقين تنافس مستمر لم ينقطع حتى بعد وفاة والدهما بالرغم من اليمين الذي اقسماه له. كان لسعود 40 ولداً وهو عدد مقارب لعدد إخوته. أما غريمه فيصل فلم يكن له غير ثمانية أولاد بعث خمسة منهم للدراسة في المدارس والجامعات الأمريكية وواحدا إلى أكسفورد وآخر إلى كلية ساندهرست العسكرية الملكية البريطانية.

في مارس 1954 أدلى سعود في أول اجتماع لمجلس الوزراء ببيانه السياسي الأولى بصفته ملكاً. وقد أعلن عن تمسكه بأهداب الدين وعزمه على مواصلة سياسة والده وأساليب حكمه . وقال إن هدفه الأول هو تثبيت أصول الدين والشرع . وذكر أن من مهمات حكومته تعزيز الجيش ومكافحة الفقر والجوع والمرض وتحسين الخدمات الطبية وتأسيس وزارات للمعارف والزراعة والمواصلات . وتضمن خطاب العرش الذي ألقاه سعود فقرات صارت فيما بعد سمة ملازمة لكل التصريحات السياسية للحكومة السعودية : التأكيد على الالتزام بالتقاليد ومراعاتها ، وفي الوقت نفسه الإشارة إلى الرغبة في إجراء تحديث وتطوير في الجهاز الحكومي .

الملك سعود مع الرئيس الأمريكي أيزنهاور في البيت الأبيض. كتب الرئيس الأمريكي "أيزنهاور" في يومياته: "سعود" (الملك سعود) كان هنا على عشاء رسمي في البيت الأبيض- كنا بالفراك وكانوا بالعباءات . كان أولاد البترول (رؤساء مجالس إدارات شركات البترول) يجرون من حول الملك – طبعا أرباحهم هذه السنة كانت خيالية . سعود مهتم ببنادق الصيد لكنه يفضل الصيد بالصقور.إنني أختنق من روائح السعوديين والبخور لا زال يملأ البيت الأبيض. إنه شخصية من القرون الوسطى- هذا المخبول أعطى لخدم البيت الأبيض بقشيشا ما بين خمسين إلى مائة دولار لكل واحد منهم – إعطاء البقاشيش ممنوع في البيت الأبيض ولكنني في هذه المرة حبست لساني في فمي فالمهم أن يدخل معنا سعود في مشروعاتنا – لكنه منطو على نفسه وخجول ولا أعرف بحق السماء كيف يتسنى له أن يتحدى شخصية "ناصر" الجذابة على زعامة العالم العربي .

أسست في العربية السعودية ثماني وزارات : الداخلية ، الدفاع ، والطيران ، المواصلات ، المعارف ، المالية والاقتصاد الوطني ، الصحة ، التجارة والزراعة ، الخارجية . ونجد بين الوزراء عددا من الأشخاص الذين ستظل أسماؤهم تتردد طويلا في الحياة السياسية بالبلد: فهد بن عبد العزيز (وزير المعارف) ، سلطان بن عبد العزيز (وزير المواصلات)، رشاد فرعون (وزير الصحة). غير أن الملك كان يتدخل باستمرار في أعمال أخيه ويقيد سلطته . وفي أواخر الخمسينيات بلغ الصراع الخفي بينهما حدا جعل الناس تتحدث عن ازدواجية السلطة في المملكة.

كان اهتمام الملك سعود موجها قبل كل شي في نشر التعليم في كافة مجالاته، وأسس المدارس , وافتتح أول جامعة في الجزيرة العربية وهي جامعة الملك سعود في الرياض عام 1377هـ الموافق 1957م ثم معهد الإدارة العامة للتنظيم الإداري عام 1380هـ الموافق 1960م ثم أنشئت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1381هـ، الموافق 1961م، ومعاهد المعلمين الثانوية , وسار على المنهج الإسلامي، وافتتح رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، كما سار في تنظيم نواحي الحياة للفرد السعودي ليواجه التطور السريع في المملكة .

تأزم الوضع الداخلي

لم يكن سعود يتمتع بالهيبة وقوة الشخصية اللتين كانتا سمة عبد العزيز ، ولكنه كان يحاكي والده في نواقصه إلى حد كبير بحيث بدأ نسخة كاريكاتورية عنه . فقد واصل العيش في عالم يمت إلى ماضي الجزيرة وله حريم كثير العدد وبلاط قوامه خمسة آلاف شخص ، وكان يبذر المال معتبرا عوائد البلد ملكه الخاص ولا يقر بوجود فرق بين كثرة المال ولا محدوديته .

وكان طرد فيلبي من القرائن التي توضح الجو السائد في البلاد عقب وفاة عبد العزيز . فبعد وفاة ابن سعود أخذ فيلبي ، الذي كان يعتبره بطلا ، يتحدث جهارا عن الفساد المستشري في البلاط والمملكة مما أثار نقمة سعود . ولكن ما أن غادر فيلبي البلد حتى وجد جمهورا كبيرا ومنبرا لانتقاد النظام. فاختار الملك أهون الشرين وسمح له بالعودة لكي يقضي آخر سنوات حياته في وطنه الثاني .

أخذت الرشوة تنخر في جهاز الدولة من أعلاه إلى أدناه. وجاء في كتاب (جحيم الحكم السعودي) الصادر عن ممثلي المعارضة الديمقراطية الثورية، أن حاكم المنطقة الشرقية حصل على ثلاثين ألف ريال مقابل إطلاق سراح مقاولين كبار حكم عليهم بالسجن سنة واحدة والضرب لتعاطيهم الخمر. وزاول الكثير من أفراد العائلة المالكة وأمراء المحافظات عمليات نقدية غير مشروعة . فقد استغل حاكم المنطقة الشرقية سلطته وأرغم البنوك على بيعه النقد الأجنبي وفق السعر الرسمي (الدولار الواحد = 3.75 ريال) ومن ثم قام ببيع الدولار الواحد في السوق السوداء مقابل ستة ريالات أو أكثر . خلال فترة 15-20 سنة الأولى من عصر النفط أدت الزيادة الكبيرة في عائدات النخبة الحاكمة إلى زيادة الطلب على العمال العبيد . ورغم أن الرق كان إلى حد ما ذا طابع أبوي، فإن العبيد غالبا ما كانوا يتعرضون لاستغلال بشع ومعاملة قاسية في أحوال كثيرة . ولكن ظلت قائمة عادة عتق العبيد حينما يكون السيد في النزع الأخير لأن الإسلام يعتبر ذلك مغفرة للذنوب.

وفي الخمسينيات استمرت في السعودية تجارة العبيد وأسواق الرقيق، وكان غالبية العبيد من الصومال وإثيوبيا والسودان والمستعمرات الفرنسية في غرب أفريقيا، علاوة على بلوچستان. لم تتأثر تجارة الرقيق في السعودية كثيرا بالكفاح الدولي ضد هذه الآفة. وكانت الحكومة السعودية قد أعلنت عام 1936 أن استيراد العبيد أو استعباد الحر أمر غير مشروع ويعاقب المخالف بالحبس لمدة لا تتجاوز السنة . ولكن تجارة الرقيق استمرت عمليا وكان العبيد ينقلون إلى السعودية في الغالب أثناء موسم الحج كحجاج. أدى انتشار الفساد بين الفئة الحاكمة وعدم التمسك بالزهد ولو شكليا ، والترف في الملبس وأبهة القصور والسيارات ، إلى إثارة النقمة ليس في أوساط الجماهير فحسب بل ولدى بعض العلماء من الحريصين على التقاليد الوهابية ، وخاصة الذين لم يرتقوا إلى قمة السلم الديني . واعتبر هؤلاء أن اعتماد عناصر التحديث وإن كانت سطحية ، وأنماط الحياة الجديدة (بدعة) مرفوضة . وتعارضت أفكارهم مع آراء مجموعة العلماء المقربة من البلاط .

في معرض الحديث عن علماء الدين الرسميين يقول فيلبي : (يبدو أن العلماء المسئولين عن الأخلاق والسلوك في البلد قد تخلوا عن رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معتبرينها مهمة عقيمة . ألم تكم أفواههم بالذهب ؟ ... يحصل العلماء على مبالغ طائلة مخصصة للإنفاق على الفقراء والمحتاجين وما إلى ذلك من أعمال الخير) . ولم يقدم أي كشف بالحساب من قبل هؤلاء الأطهار المنزهين ... (ولا توجد أية وصولات ممن يتلقون العون ... وهناك فرص سانحة لنهب أموال الدولة . فحتى علماء الدين الوهابيون بشر قبل كل شيء) .

في مطلع الخمسينيات ، وخاصة بعد الثورة المصرية عام 1952 وتحت تأثيرها ، ظهرت براعم تنظيم ديمقراطي ثوري سري معارض للنظام . وكانت أول مجموعة شكلت بفعل الإضراب العمالي عام 1953 هي جبهة الإصلاح الوطني التي أسسها شباب سعوديون من منتسبي القوات المسلحة والموظفين والمستخدمين في أرامكو والذين حصلوا على مناصب من التعليم . وأعلنت الجبهة أن أهدافها هي : - تحرير البلاد الناجز من الهيمنة الإمبريالية ومن التسلط الاقتصادي لأرامكو وشركات النفط الأخرى .

- اعتماد دستور يكفل الانتخاب البرلماني وضمن حرية النشر والتجمع وإجازة الأحزاب والنقابات وحرية التظاهر والإضراب .

- تطوير الصناعة الوطنية وتوفير البذور والأسمدة والآلات الزراعية للفلاحين بأسعار منخفضة .

- إلغاء الرق .

- إعادة النظر في الاتفاقيات المعقودة مع شركات النفط وتعديلها بشكل يضمن حق استثمار ثروات البلد بشكل يكفل تقدمه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي .

- مكافحة الأمية وتأسيس مدارس البنات وتوسيع التعليم العالي والمهني .

واعتبرت جبهة الإصلاح الوطني نشاطها جزءا من الكفاح التحرري الذي تخوضه الشعوب العربية ضد الإمبريالية وفي سبيل التعاون والوحدة على أساس حر ديمقراطي . وعلى صعيد السياسة الخارجية دعت الجبهة إلى تعزيز العرلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية مع البلدان العربية وإقامة علاقات اقتصادية مع الدول الاشتراكية ، واتباع سياسة الحياد الإيجابي والتعايش السلمي ومناهضة المذاهب والأحلاف الإمبريالية . أعلنت الحكومة السعودية عام 1956 عن تصفية جبهة الإصلاح الوطني ، واعتقل عدد من أعضائها ، علاوة على 56 شابا عرفوا بأفكارهم الديمقراطية . وصار عمل الجبهة في الداخل صعبا للغاية ، ولكن أعضاءها واصلوا التبشير بآرائهم في مصر وسورية ولبنان وفي المحافل الدولية .

كان من أنشط العاملين على تنظيم جبهة الإصلاح الوطني الملازم عبد الرحمن الشمراني الذي عمل بين مجموعة من الضباط الشباب في الجيش النظام وسجن الشمراني مع أربعة ضباط آخرين بتهمة التآمر ضد النظام القائم ، ثم أعدم . وأهدى كتاب (جحيم الحكم السعودي) لذكراه . وتحت تأثير إذاعة القاهرة وجدت الميول المناوئة للحكومة تربة خصبة بين جزء من الضباط وفئة المنفقين الناشئة والطلاب وتلاميذ المدارس .

كانت صحيفتا (الفجر الجديد) و (أخبار الظهران) تنشران مقالات تنتقد الحكومة علنا أو بشكل غير مباشر . وقد اعتقل صاحب امتياز (الفجر الجديد) ورئيس تحريرها يوسف الشيخ يعقوب والصحفي أحمد الشيخ يعقوب ، وأغلقت الصحيفة . كما اعتقل رئيس تحرير (أخبار الظهران) عبد الكريم جهيمان وجلد قبل إيداعه السجن . عام 1956 أسست لأول مرة في تاريخ نجد منظمة تلاميذ المدارس في مدن عنيزة وبريدة وشقراء والرس . وكان من مطالبها الأساسية حل جماعة الأمر بالمعروف التي شكلت في العشرينيات وصارت بؤرة عفن تشكل خطرا على الأطفال الطامحين إلى العلم . وطالب التلاميذ بتوحيد أساليب وبرامج التدريس وجعلها على غرار النظام المتبع في مصر وسورية ، وتأسيس معاهد عليا في البلد . وجرت في بريدة اشتباكات بين التلاميذ والمتعصبين من جماعة الأمر بالمعروف والشرطة ، واعتقل أثرها عشرات الأشخاص وجلدوا .

خشيت الحكومة أن يؤدي تطور التعليم والدراسة في الخارج إلى ظهور أفكار هدامة في البلد فقررت منع الدراسة في الخارج . وفي نيسان (إبريل) 1955 أصدر الملك مرسوما يقضي باستدعاء كل الطلبة السعوديين الدارسين في الخارج وحرمان المخالف الجنسية السعودية . واستثنى المرسوم طلبة المعاهد العليا الذين يدرسون الهندسة والحقوق والطب . وكان القرار منافيا لاحتياجات البلد إلى حد بحيث أنه أصبح باطل المفعول عمليا بعد سنوات .

في محاولة لمنع الأفكار الجديدة لجأت الحكومة وعلماء الدين إلى سلاح مجرب ، وهو التعصب الديني ، فانتعشت في البلد جماعة الأمر بالمعروف وازدادت المبالغ المخصصة لها . استخلص آل سعود من ثورة 1952 في مصر التي جرت بشكل انقلاب عسكري ، استنتاجا مفاده أن ثمة خطرا على النظام يكمن في الميول الثورية في الجيش النظامي ، وعلى وجه التحديد بين الضباط الذين يتأثرون بالأفكار المناهضة للإمبريالية والحكم المليك . وكان قد جرى بعد الحرب التركيز على بناء الجيش النظامي ، وأبقيت الكتيبة التي كانت قد أرسلت لمحاربة إسرائيل عام 1948 في مصر لإعدادها عسكريا . وتولت البعثتان الأمريكية والبريطانية ، ومن ثم البعثة المصرية ، تدريب الجيش النظامي .

وفي الخمسينيات توصل الملك وحاشيته إلى استنتاج مؤداه أن عصبية الإخوان الآخذة في الخمود لم تعد تشكل خطرا على النظام ، بل إنها موجهة ضد البدع وإغراءات الحضارة العصرية . لذا أخذت السلطات تولي اهتماما كبيرا للمجندين من البدو . أصبح البدو المجندون يسمون الحرس الوطني أو الجيش الأبيض . وجهز الحرس الوطني بالأسلحة الحديثة وصار المنتسبون إليه – المجاهدون – يتقاضون رواتب عالية . رابطت غالبية وحدات الحرس الوطني قرب المدن الكبيرة وخاصة قرب حقول النفط . وفي عام 1957 كان يوجد من الحرس الوطني 10 آلاف في الحجاز و5 آلاف في الإحساء و5 آلاف في الشمال . ويقع مقر قيادة الحرس الوطني في الرياض ، وهناك مدارس في الحجاز ونجد لإعداد الآمرين والفنيين .

يورد الباحث الفرنسي المختص بشئون الشرق الأوسط بويربى في كتابه (شبه الجزيرة العربية) مضمون الإيعاز الخاص بالصادر عام 1957 بعنوان (الإخوان ينافسون الجيش) . وجاء في الإيعاز أن الدولة السعودية سوف تواصل إيلاء الاهتمام لبناء جيش نظامي كبير ، غير إنها تفضل مع ذلك الإنفاق على وحدات أفرادها من البدو فقط . ويبقى تنظيم الإخوان القوة الأساسية للجيش بسبب طابعها الديني ووفائها للأسرة المالكة . وتكمن خاصية تنظيم الإخوان في القدرة على تعبئة جيش قوامه مائة ألف مقاتل خلال فترة قصيرة جدا . ولكن اتضح أن الإجراءات التي اقتصرت على تعزيز القوات المسلحة لم تكن من الفعالية بالقدر الكافي لتوطيد النظام . فقد كان البلد على حافة إفلاس اقتصادي . وأدى تبذير آل سعود والبلاط الملكي ونهب أموال الدولة على أوسع نطاق ، إلى أن ديون العربية السعودية للبنوك الأجنبية وحدها بلغت عام 1958 زهاء 120 مليون دولار . وبلغت ديون خزانة الدولة للبنوك المحلية والتجار ورجال الأعمال والمقاويل مئات ملايين الريالات . وطوال عدة أشهر لم يتقاض الموظفون رواتبهم فاضطروا إلى الاستلاف أو الاختلاس .

في سنتي 1956-1957 تقلصت إلى حد كبير المدفوعات عن حقوق الامتياز بسبب إغلاق الأسواق الأوروبية أمام النفط السعودي وبدء انخفاض الأسعار القياسية . وأدى تقلص استيراد السلع ، ومن ضمنها الأغذية ، إلى تزايد الأسعار داخل البلد . وقاد الغلاء وتقلص تدفق العملة من الخارج إلى التضخم والمضاربة بالنقد . وبسبب عدم توفر العملة اللازمة لشراء السلع الضرورية والمعدات فيا لخارج صار الكثير من المقاولين والتجار السعوديين على حافة الإفلاس ، وساعد ذلك على انتشار الاستياء في أوساطهم. وقد حاول بعضهم إقامة صلات مع البلدان الاشتراكية . ففي عام 1957 اشترى التاجر السعودي العباسي كمية كبيرة من الأسمنت السوفييتي . وزار بعض رجال الأعمال تشيكوسلوفاكيا حيث اتفقوا على شراء معدات مصنع للسكر وسلع صناعية ومواد غذائية . إلا أن أرامكو رفضت التعاون مع التجار ورجال الأعمال الذين يتعاملون مع الدول الاشتراكية ومنعت استخدام الأسمنت السوفييت في مشاريع البناء التي أرستها على مقاولين محليين وهددت المخالف بفسخ عقد المقاولة . وضغطت الحكومة الأمريكية على الملك فمنع التعامل التجاري مع البلدان الاشتراكية.

أحدثت السياسة الداخلية للحكومة السعودية استياء بين أوسع فئات السكان وبدأت تتكون في البلد عناصر وضع ثوري . كان كل من الطبقة الحاكمة والمعارضة يضع في حسبانه عاملا آخر بالغ الخطورة ذا أهمية بالنسبة لمصير النظام ، ونعني التأثير الثوري الذي يمارسه الوضع السياسي في الشرق الأوسط على الأوضاع في العربية السعودية .

الحركة العمالية

شهدت المملكة العربية السعودية في فترتي أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، مؤشرات إلى أن قوى اجتماعية جديدة بدأت تنمو أخذت في الساحة السياسية للبلاد، وتجلت بنزاعات اجتماعية متطورة بشكل غير مسبوق. وقد طرحت الطبقة العاملية الفتية، ولأول مرة مجموعة مطالب.

ففي عام 1945 أضرب عمال أرامكو، ولأول مرة بتاريخ البلاد، وتركز الإضراب بين صفوف العمال الأجانب أساساً. وقدمت الإدارة تنازلات مؤقته،منها ضمان أن تكون مدة العمل 8.5 ساعة يوميا وستة أيام بالاسبوع، بالإضافة لأن يُعطي العمال إجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة أسبوعين. لاحقاً تم تسريج جميع العمال الأجانب الذين أضربوا. وفي أواخر الأربعينيات شهدت حقول النفط اضطرابات عمالية مرة ثانية. وللتصدي لهذه الإضرابات أصدرت الحكومة السعودية ف أكتوبر (تشرين الأول) عام 1947 قانون للعمل استنج بالأساس للتشريعات المصرية. وحدد أسبوع العمل بستة أيام ويوم العمل بثماني ساعات في كل مؤسسة يزيد عدد العمال المأجورين فيها عن عشرة.

شكل عمال أرمكو عام 1952 لجنة بمثابة نقابة ، وفي العام التالي بدءوا كفاحهم بحزم . فقد طالبوا بضمان حق التنظيم النقابي وزيادة الأجور وقطع دابر التمييز العنصري وتوفير مساكن جديدة للعمال ودفع أجور النقل واعتماد اللغة العربية في المدارس . وامتنعت إدارة أرامكو عن تنفيذ هذه المطالب ، وأيدتها عملاي اللجنة الملكية الخاصة ، واعتقل 12 عضوا من اللجنة العمالية . وفي 17 تشرين الأول (أكتوبر) بدأ إضراب شارك فيه زهاء عشرين ألفا من العمال العرب في أرامكو ، وأعرب سكان المنطقة الشرقية عن تعاطفهم مع المضربين ، إذ أن الموقف من الأمريكان وثرائهم ونمط حياتهم كان سلبيا أو عدائيا .

أعلنت الأحكام العرفية في حقول النفط ، ونقل إلى المنطقة مع اللجنة العمالية والقبول بالكثير من مطالب المضربين : زيادة الأجور بنسبة 12-20% وتزويد العمال بملابس العمل والغذاء وتوفير وسائط النقل ومنحهم درجات تأهيلية أعلى . وأطلق سراح المعتقلين من أعضاء اللجنة وأعيدوا إلى أعمالهم ، ولكن العمال لم يحصلوا على حق التنظيم النقابي . وقد انتهى الإضراب في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) . بدأ أن الإضراب يعني بداية مرحلة جديدة نوعيا في الحركة العمالية بالعربية السعودية . وبالفعل استمرت في السنوات الثلاث التالية المفاوضات بين ممثلي العمال والشركات ، وتولت لجنة ملكية خاصة النظر في النزاع . ولكن السعي للحيلولة دون وجود حركة عمالية منظمة كان القاسم المشترك بالنسبة للسلطات السعودية والشركات .

شكلت أرامكو ما يسمى بـ(لجان الاتصال) ، وكلفت شكليا بدراسة مطالب العمال لتفادي النزاعات . أما في الواقع فإن هذه اللجان كانت تبحث عن (العناصر الحربية) وتلاحق النشطاء من العمال . عام 1956 ، حينما أدت الأحداث الثورية في مصر إلى تعاظم الحركة المناهضة للإمبريالية في سائر البلدان العربية ، أصبحت المنطقة الشرقية المركز الطبيعي للتحركات الجماهيرية . وعندما وصل الملك سعود إلى ظهران في 9 تموز (يوليو) 1956 استقبلته مظاهرة جماهيرية ترفع شعارات مناهضة للإمبريالية وطالب المتظاهرون بإجلاء القاعدة الأمريكية . وسلمت إلى الملك مطالب العمال وهي : الاعتراف رسميا باللجنة التي انتخبوها وزيادة علاوة غلاء المعيشة وزيادة الأجور وتقليص يوم العمل ووقف التسريح الكيفي ومساواة العمال المحليين والأمريكان في الحقوق وإلغاء التمييز العنصري وإصدار قانون يكفل بحقول عمال أرامكو ويحمي كرامتهم .

بعد مرور يومين ، في الحادي عشر من تموز (يوليو) ، أصدر الملك مرسوما يمنع كل الإضرابات والمظاهرات ويوقع على المخالف عقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز الثلاث سنوات . بدأت حملة اعتقال وتعذيب العمال النشطاء وفق قوائم أعدتها الأجهزة الخاصة لأرامكو . وفي 17 تموز (يوليو) أعلنت اللجنة المركزية للعمال العرب الإضراب العام , كان من بين المطالب التي طرحتها الطليعة الواعية من العمال : سن الدستور وإجازة الأحزاب السياسية والتنظيمات الوطنية وتقنين حق التنظيم النقابي وإلغاء المرسوم الملكي حول حظر الإضرابات وإيقاف تدخل أرامكو في شئون البلد الداخلية وإجلاء القاعدة الأمريكية من الظهران وإطلاق سراح المعتقلين كافة . ولكن من المستبعد أن تكون جماهير العمال في الإحساء قد بلغت آنذاك مستوى عاليا من الوعي البروليتاري والسياسي يؤهلها للدفاع عن مثل هذه المطالب لذا فإن الإضراب القصير لم يعطل عمل حقول النفط . واستخدم في عمليات قمع العمال بدو من هجر الإخوان والحرس الشخصي لأمير المنطقة الشرقية المكون من العبيد والمعتوقين . وقد اعتقل مئات الأشخاص وعذبوا وصدرت أحكام بالحبس لمدة مختلفة والطرد من البلاد .

جرى الإضراب الأول بعد مرسوم الحظر الصادر عام 1956 ، سنة 1958 حينما توقف السواقين العاملين لدى إحدى المقاولين عن العمل احتجاجا على الساعات الإضافية . ولكن من المهم الإشارة إلى أن الاضطرابات العمالية عام 1956 كانت آخر تحرك كبير تقوم به البروليتاريا السعودية من الخمسينيات إلى السبعينيات .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصراع على السلطة بين سعود وفيصل

المرحلة الأولى : فيصل يستولي على السلطة مارس 1958 – ديسمبر 1960

إثر انبثاق الجمهورية العربية المتحدة اتهم الملك سعود علنا بالتآمر لاغتيال الرئيس عبد الناصر . فقد ذكر عبد الحميد السراج المدير السابق للمباحث السورية أنه قد عرض عليه مبلغ مليوني جنيه إسترليني مقابل إرسال طائرة مقاتلة سورية لإسقاط طائرة كان على متنها عبد الناصر . ونشرت الصحف صورا لثلاثة صكوك محولة من الرياض إلى بنك في بيروت وقيمتها مليونا جنيه إسترليني تقريبا .

في معرض الحديث عن احتمال لجوء الملك إلى مثل هذه الأساليب في السياسة الخارجية ذكر باحثون أمريكان في كتابهم : (العربية السعودية : السكان والمجتمع والثقافة) إن (الاغتيال والكذب والخيانة أمور معتادة في السياسة الخارجية للعربية السعودية . فالرشوة والقتل سلاح يكاد يكون معترفا به ... تعقد معاهدة ثم يضرب بها عرض الحائط دون إلغائها شكليا . وتشجع كل الأطراف المتنازعة الانتفاضات الداخلية لدى جيرانها لتغيير سياستهم الخارجية) .

بلغت شعبية الرئيس عبد الناصر مدى كبيرا بحيث أن نبأ المؤامرة السعودية الهادفة إلى اغتياله أدى إلى تأزم الوضع داخل العربية السعودية ذاتها ، مما أثار قلقا بالغا لدى آل سعود وكبار علماء الدين . واتفق أنه في هذا الوقت بالذات كان البلد يعاني من أزمة مالية فادحة بسبب إفراط الملك وحاشيته في تبذير الأموال وانخفاض عوائد النفط . وقبل فترة قصيرة من ذلك جرت اضطرابات عمالية في المنطقة الشرقية كما بدت إمارات التذمر بين أوساط الموظفين والمثقفين وبعض الضباط .

يمكن تكوين انطباع عن ميول مطالب المستائين من خلال رسالة ناصر السعيد إلى الملك سعود التي نشرت عام 1958 . وكان كاتب الرسالة من الزعماء العماليين في المنطقة الشرقية وصار بعدئذ قائدا لاتحاد شعب الجزيرة . وفي عام1953 اعتقل مع مجموعة من الزعماء العماليين الآخرين ، وأطلق سراحه بعد الإضراب ثم نفى إلى الحائل . وعند زيارة سعود إلى جبل شمر عام 1953 طالبه السعيد علينا بسن الدستور وإجراء الانتخابات نيابية وإلغاء مجلس السرى ومنح حرية التنظيم النقابي . ورضوخا لمطالب العمال أعيد السعيد إلى عمله في أرامكو ، ولكنه اضطر إلى الهرب من السعودية عام 1956 لكيلا يتعرض للتصفية الجسدية . علاوة على المطالب المذكورة آنفا ، أورد السعيد في رسالته عددا من مطالب العمال الاقتصادية ودعا إلى منح حريات ديمقراطية واسعة ، بينها حرية التظاهر والإضراب والصحافة والمعتقد ، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء العقوبات الهمجية مثل قطع اليد ، والاعتراف بحرية الشيعة ومساواتهم مع الآخرين ، وإزالة القاعدة الأمريكية في الظهران وحظر الرق وتحديد نفوذ آل الشيخ وإلغاء جماعة الأمر بالمعروف ووقف نشاط الهيئات الخاصة الأمريكية والمراكز الدعائية لأرامكو .

دفعا لما هو أعظم أخذ جزء كبير من آل سعود وكبار العلماء يميلون إلى ضرورة إجراء انقلاب في القصر يتسلم إثره ولي العهد فيصل السلطة الفعلية .

تحصن سعود في قصر الناصرية بالرياض محاطا بالحرس الوطني والحراس الشخصيين ، وكان فيصل في البداية يتفاوض مع شيوخ البدو .

طالب فيصل بمنحه السلطة كاملة كرئيس للحكومة وبعدم تدخل الملك في شئون الحكومة . ولما لم يحصل على رد استقال .

يقول بروشين أن العائلة المالكة الكثيرة العدد كانت دائما غير متجانسة : إذ يتفاوت أفرادها تفاوتا كبيرا من حيث المركز الاجتماعي والأموال التي يحصلون عليها من خزانة الدولة . غير أن الحزازات داخل العائلة لم تتحول إلى عداء سافر إبان حياة ابن سعود . فقد كان الأمراء يخافون ابن سعود لأن بوسعه حرمانهم من المخصصات كما فعل مرارا مع المتمردين . وبعد وفاة ابن سعود انفرطت العائلة المالكة وصارت كتلا متباينة يسعى كل منها إلى نيل حصة الأسد من عوائد الامتيازات وتبوء مناصب حكومية عامة) .

جمع ولي العهد فيصل ، وهو سياسي محنك وذكي ، من حوله أنصاره المستائين من تزايد نفوذ أبناء سعود في البلاط ودأب على تكوين انطباع بأن الملك غير مؤهل لمهمته . وحاول فيصل الذي تربطه علاقات قديمة ووثيقة بالأمريكان التظاهر بأنه من أنصار الإصلاحات والتقارب مع الرئيس عبد الناصر ، وبدا بعد خفية لانقلاب في القصر .

وفي 24 آذار (مارس) 1958 قامت مجموعة من الأمراء على رأسها فهد بن عبد العزيز بتقديم إنذار إلى الملك يطالب فيه بتسليم السلطة إلى فيصل . كما طالب الأمراء بحماية بيت المال من النهب وتنحية مستشاري الملك الضالعين في محاولة اغتيال عبد الناصر ، ومنح أشقاء الملك حقوقا مماثلة لحقوق أبنائه .

حاول سعود الاستنجاد بالأمريكان ولكنه لم يلق منهم العون ، كما أنه لم يجد ركيزة في الجيش لأن غالبية آل سعود كانوا ضد الملك . فاضطر في مثل هذه الظروف إلى قبول إنذار الأمراء .

وصدر في 23 آذار (مارس) 1958 مرسوم ملكي يمنح رئيس الوراء المسئولية التامة للإشراف على تنفيذ جميع السلطات الإدارية فيما يتعلق بالشئون الداخلية والخارجية والشئون المالية . كما أصبح فيصل القائد العام للقوات المسلحة السعودية .

إن التنكر السياسي الذي قام به ولي العهد بادعائه أنه قومي ومع أنصار الإصلاحات كان متقنا إلى حد بحيث أن رد الفعل الأول لوسائل الإعلام الغربية على أحداث السعودية كان سلبيا . فقد كتبت (نيويورك هيرلد تريبون) في 25 آذار 1958 تقول (إن هذه الخطوة تمثل ضربة موجعة بمواقع الغرب في الشرق الأوسط) . ومن المحتمل بأن، هذا التقييم كان تضليلا معتمدا . فبعد بعض الوقت صرح وزير الخارجية الأمريكي دالاس بأ، تسلم حكومة فيصل مقاليد السلطة يدل على أن الأحداث تسير في مجرى طبيعي وأنه لن يحدث تغيرات في العلاقات السعودية الأمريكية .

لقد انطلت مراوغات فيصل ليس على وسائل الإعلام الغربية وحدها ، اذ أن ممثلي المعارضة الديمقراطية الثورية علقوا عليه بعض الآمال . فقد أصدرت جبهة الإصلاح الوطني في العربية السعودية نداء في دمشق وجهته إلى فيصل وضمنته مقترحات مماثلة لتلك التي وردت في رسالة ناصر السعيد إلى الملك سعود . هكذا كانت أوهام ممثلي الفئات الوسطى السعودية من المثقفين وصغار الموظفين والضباط وإيمانهم الساذج بإمكان قيام آل سعود بإصلاحات .

في نيسان (إبريل) قررت قيادة جبهة الإصلاح الوطني أن تؤسس ، اعتماد على تنظيمها ، منظمة جديدة باسم جبهة التحرير الوطني في السعودية . وسرعان ما رفضت هذه المنظمة المعارضة تأييد فيصل ونددت بأعماله .

في 18 نيسان (إبريل) ألقى فيصل خطابا من الإذاعة كرسه للسياسة الخارجية. وأعرب عن الرغبة في إقامة علاقات الصداقة مع كل دولة لا تعادي الحكومة السعودية وتؤمن بالحياد الإيجابي ولا تنتمي لأي كتلة عسكرية ويبدو أن المقصود هو حلف بغداد.

أدخل المرسوم الملكي الصادر في 11 مايو 1958 بعض التغييرات الجزئية على نظام مجلس الوزراء الصادر في عام 1954 ، وفصل بين صلاحيات المجلس وصلاحيات الملك. فقد منح رئيس مجلس الوزراء السلطة الإدارية ولكن السلطة السياسية ظلت للملك. وطرح المرسوم مهمة تنظيم المالية ومكافحة الرشوة والفساد. وحظر على أعضاء مجلس الوزراء تولي أي وظيفة جديدة داخل الحكومة أو خارجها دون استحصال موافقة رئيس الوزراء . كما حظر عليهم تملك أموال الدولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وأن يكونوا أعضاء في مجالس إدارة الشركات التجارية.

أنمت العربية السعودية إلى صندوق النقد الدولي عام 1957. وبناء على توصية خبراء الصندوق أقر فيصل في يونيو 1958 برنامجا للاستقرار المالي. ونص البرنامج على خفض نفقات الدولة إلى مستوى وارداتها وإجراء إصلاح للنظام النقدي وقصر الاستيراد على المواد الغذائية والمنسوجات والأدوية. كما تقرر وقف أعمال البناء في عدد من القصور الملكية ومنع استيراد السيارات لمدة سنة. وقلصت الحكومة إلى حد كبير الإنفاق على التنمية الاقتصادية والتعليم والصحة. وفي عام 1959 توقفت الدولة عن تخصيص أموال لتنمية الصناعة والزراعة.

خفضت قيمة الريال السعودي ، فأصبح الدولار الواحد يعادل 4.5 ريال مقابل 3.75 في الماضي. واعتمدت الحكومة النقود الورقية المغطاة بالذهب والعملة الأجنبية القابلة للتحويل ، لتعوض بها عن وصولات الحجاج والنقود الذهبية التي سحبت تدريجيا من التداول. وقسم الريال الجديد إلى عشرين فلسا عوضا عن 22 فلس.

عند حلول عام 1960 كان احتياطي الذهب والعملة الصعبة قد ازداد إلى عدة أضعاف. وبفضل تحسن ميزان المدفوعات تمكنت الحكومة أن تلغي في مطلع عام 1960 أهم التقيدات المفروضة على الاستيراد وتحويل العملة وتصدير الرسمالي إلى الخارج.غير أن سياسة التقشف ادت إلى فتور النشاط التجاري وتعطيل الأعمال العامة وازدياد حالة البطالة. وتكبدت البرجوازية الصغيرة والمتوسطة والمقاولون خسائر. ودفع السكان ثمن الإنعاش الاقتصادي.

لم يلق الملك سعود سلاحه ، بتنازله عن السلطة الفعلية لوي العهد. فقد احتفظ الملك بعلاقات طيبة مع الأرستقراطية العشائرية جزء من علماء الدين. وظل يؤكد على وفائه للتقاليد ويوزع العطايا بسخاء. وزار سعود مصر صيف عام 1959 محاولا أن يدفع عن نفسه شبهات العداء لعبد الناصر.

أمضى سعود عام 1960 بأكمله متنقلا في أرجاء البلاد ، وكان أحيانا يتغيب عن العاصمة عدة أسابيع ، ويقيم الولائم لشيوخ البدو ويجزل لهم العطاء. وطبقا لعادات الحكام الكرماء العادلين كان سعود يدفع ديون الفقراء فينقذهم من الحبس ،ويعطي المرضى مالا للتداوي ، وكان الملك يلتقي مع علماء الدين باستمرار ويشارك في غسل الكعبة عشية موسم الحج. وقام سعود ، بين حين وآخر ، بالتبرع بأموال لتعمير وبناء مساجد داخل السعودية خارجها ، ويوزع باسمه أموالا إنشاء إسالة المياه في البلدات وشق الطرق وما إلى ذلك.

وظل الملك وأبناؤه يسيطرون على مبالغ طائلة من المال . فإن ابن الملك أو أخاه ، إذا لم يكن يتبوأ منصبا رسميا ، يحصل من بيت المال على عشرة ملايين ريال سنويا إن كان متزوجا ، ومليونين إن كان أعزب. أما سائر الأمراء فقد كان مخصصاتهم تتحدد طبقا لدرجة قرابتهم من الملك.

فيصل يقصي سعود.

كان الأمر الحاسم في الصراع بين سعود وفيصل ، ظهور مجموعة من الأمراء السعوديين الشباب المثابرين المتأثرين بالأفكار الناصرية والداعين إلى الإصلاحات. وأقام سعود صلات بهم ووعد ، بصيغ حذرة ، بمؤازرتهم. وتحاشى الملك التعهد بالتزامات محددة ، لأنه لم يكن من أنصار الإصلاح ولخشيته من نفور علماء الدين. وقد ألمح الأمير نواف بن عبد العزيز في تصريح له بالقاهرة في مايو 1960 إلى وجود ميل لإقامة أول جمعية دستورية وإعداد أول دستور للدولة وتأسيس محكمة عليا ولجن عليا للتخطيط. وكان هذا تعبير عن رأي مجموعة الأمراء الشباب الذين كان أبرزهم طلال بن عبد العزيز. كان طلال واحدا من الأخوة الصغار لسعود ، وثمة درزينة كاملة من الأمراء الآخرين تبعده عن الأمل في أن يأتي دوره ليكون ملكا. لذا فقد شرع انطلاقا من طموحاته الشخصية – وهذا ما أثبتته الأحداث فيما بعد – يبشر بفكرة الحكم الدستوري أملا في الاقتراب من السلطة عن طريق الإصلاحات. وفي يونيو 1960 اقترح ظلال إقامة نظام ملكي دستوري فرفض فيصل الاقتراح وأبعد عنه طلال وجماعته.

في أغسطس ومطلع سبتمبر عرض الأمراء الشباب مشروع الدستور على الملك ، فرفضه باعتباره متطرفا ولكنه حاول الاحتفاظ بصلاته مع المجموعة.

وفي مايو 1960 اعتزم فيصل التوجه إلى أوروبا للعلاج وعين الأمير فهد بن عبد العزيز وكيلا له ، ولكن سعود رفض المصادقة على هذا التعيين. أيد عدد من الأمراء فيصل بينما وقف عدد آخر ، وبينهم طلال ونواف ، إلى جانب الملك ولم يجرؤ فيصل على مغادرة البلاد.

وفي نوفمبر من العام نفسه أخذ سعود يطالب فيصل بإحاطته علما بجلسات الحكومة ، وعدم تعيين أمراء للمناطق والمدن والبلدات وقضاة إلا بموافقته ، وبأن يمتنع معن نشر الميزانية دون مصادقته عليها ، كما طالب بزيادة نفقات البلاط وأن تدفع لأولاده الصغار مخصصاتهم كاملة.

في 18 ديسمبر قدم فيصل للملك مسودة مرسوم ملكي حول الميزانينة ، فرفض الملك توقيعه بحجة أنه لا يحتوي على تفاصيل. وفي مساء اليوم نفسه رفع فيصل رسالة احتجاج إلى الملك اعتبرها سعود طلب استقالة.

المرحلة الثانية: سعود يعود إلى السلطة 1960 – 1962

في 21 ديسمبر وافق سعود على استقالة فيصل ، وبالتالي حكومته ، وتولى مهمات رئيس الحكومة وعين وزراء جدد. وضمت الحكومة الأميرين طلال بن عبد العزيز ومحمد ابن سعود اللذين أسندت إليهما على التوالي وزارتا المالية والدفاع. وكان محمد يعتبر واحدا من أبناء سعود الذين تعقد عليهم آمال كبار ووليا محتملا للعهد. وعين أحد أنصار طلال وهو عبد المحسن وزيرا للداخلية بينما عين بدر وزيرا للمواصلات. وأسندت وزارة النفط والمعادن إلى الوجه القومي المعروف الشيخ عبد الله الطريقي. ولأول مرة في تاريخ البلد استلم أشخاص لا ينتسبون إلى العائلة المالكة غالبية الحقائب – وإن لم تكن سياسية- في الوزارة.

إن عودة الملك سعود في ديسمبر 1960 كانت تعني الانبعاث المؤقت للميول المناوئة للغرب التي كانت سائدة في فترة 1954 – 1956. وقد اقترنت شكوك سعود إزاء الأمريكان بالنزعة القومية "للأمراء الأحرار". وفي مارس 1960 أعملت السعودية الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لن تجدد اتفاقية القاعدة الجوية في الظهران التي كان سينتهي مفعولها بعد سنة. وأعلن الملك سعود أن السبب الرئيسي لذلك هو مساعدة الولايات المتحدة إسرائيل. وفي إبريل 1962 سلمت الولايات المتحدة قاعدة الظهران للحكومة السعودية. وبذا صار لدى هذه الحكومة واحد من أكبر المطارات في العالم. هذا علما بأن العسكريين الأمريكان عادوا إلى القاعدة بعد ستة أشهر تقريبا إثر أحداث اليمن.

في 25 ديسمبر 1960 أعلنت إذاعة مكة أن مجلس الوزراء وافق على تشكيل مجلس وطني منتخب جزئيا ، وقرر وضع مسودة للدستور . ولكن الإذاعة عادت بعد ثلاثة أيام لتنفي الخبر. وكان من الواضح أن الملك سعود لا يعتزم التنازل لحلفائه المؤقتين من الأمراء الشباب. ولكن تلميحات إلى الإصلاحات أخذت تظهر في الصحف السعودية.

نشرت الجريدة اللبنانية نص مسودة الدستور المؤلفة من مائتي مادة والتي وضعها حقوقيون مصريون بتكليف من طلال وزملائه من مجموعة الأمراء الشباب. ويبدو أن هذه المسودة سربت إلى الخارج عن قصد. ولكن مدير الإذاعة والصحافة السعودي نفى الخبر الزاعم بأن الملك هو الذي عرض مسودة الدستور.

تكونت داخل الأسرة السعودية الحاكمة ثلاث مراكز متصارعة على السلطة. فقد كان الملك سعود يستند إلى مجموعة من الأمراء وبعض شيوخ القبائل ، بينما يحظى فيصل بمساندة مجموعة أخرى من الأمراء والكثير من علماء الدين وتجار الحجاز المتنفذين ، أما المركز الثالث فقد تزعمه طلال المتمتع بتأييد فئة المثقفين الناشئة من خريجي الجامعات الأجنبية وعدد من الموظفين.

ظل الصراع داخل الأسرة المالكة السمة الرئيسية للحياة السياسية في البلد طيلة عام 1961. وكان الانتقال من معسكر إلى آخر أمرا طبيعيا. فإن عبد الله بن عبد الرحمن وعددا آخر من أخوان الملك وأعمامه سرعان ما انتقلوا إلى جانب فيصل. ومن مجموعة الأمراء الأحرار انضم طلال وبدر وعبد المحسن إلى مجلس الوزراء وعين فواز حاكما للرياض. واستقال نواف من منصب وزير الداخلية وظل محايدا ، وسرعان ما عين رئيسا للديوان الملكي .

أسس الملك لجنة عليا للتخطيط وأصبح طلال أول رئيس لها. وكان من الواضح أن طلال يرمي إلى تعزيز سلطته مما نفر منه أبناء سعود وأقربائه المقربين,

تزايدت البطالة في البلد عام 1961. وحاول طلال تنفيذ أشغال عامة لزيادة العمالة ، ولكن الاعتمادات لم تكن كافية ، وكانت تنهب الأموال المعتمدة.

في الثامن من يونيو أسست وزارة العمل والشئون الاجتماعية وحاولت أن تحظر العمل الإضافي وتحد من تشغيل الوافدين.

في 25 يوليو صدر مرسوم ملكي بتأسيس المجلس الأعلى للدفاع برئاسة الملك ويتألف من وزير الدفاع والطيران نائبا للرئيس ، والمفتش العام للجيش ورئيس الأركان ووزراء الداخلية ، والمالية والاقتصاد ، والمواصلات ،والخارجية. وحدد المرسوم الملكي مهمة المجلس بوضع سياسة دفاعية طويلة الأمد للجيش السعودي.

نظرا لتنامي المعارضة صدر إيعاز خاص لحماية النظام الملكي نص على أن تكون عقوبة الجرائم المرتكبة ضد الأسرة المالكة والدولة الإعدام أو السجن المؤبد. وصارت عقوبة الإعدام تهدد كل من يحاول تغيير النظام الملكي أو يتطاول على أمن الدولة أو يسعى لشق القوات المسلحة.

ركزت مجموعة فيصل هجومها على طلال متحاشية المساس بالملك. وأخذ الذين يناصرون فيصل سرا أو علانية يرجون للملك بأن التجديدات سوف تؤدي به إلى الهلاك وحذروه من الوزراء الجدد. وفي الوقت ذاته عمل أنصار فيصل على عرقلة إجراءات الأمراء الأحرار. وكان المحافظون من آل سعود وكبار الموظفين يتحالفون في نشاطاتهم مع الأوساط الدينية التي خشيت من إن تؤدي الإصلاحات إلى الانتقاص من دور علماء الدين في البلد.

بدأ الهجوم رجال الدين وعلى رأسهم مفتي الديار السعودية محمد بن إبراهيم آل الشيخ ورئيس جماعة الأمر بالمعروف الشيخ عمر بن حسن. فقد وجه المفتي رسالة إلى الملك يذكره فيها بحقه في الاطلاع على كل القوانين الحكومية وإيعازاتها قبل تطبيقها للبت فيما إذا كانت مطابقة لأحكام الشرع. وقال المفتي إنه لا يوافق على قانون العمل لمخالفته روح الإسلام. وذكر مثلا أن العامل الذي يصاب بعاهة أثناء العمل يجب أن يحصل فقط على تعويض اليوم الذي أصيب أثناءه ،لأن الإصابة قضاء وقدر. وخلافا لرأي طلال وزير المالية وافق سعود على رأي المفتي لتهدئيه علماء الدين. وسرعان ما طالبت جماعة الأمر بالمعروف بغلق استوديوهات التصوير في الرياض ، واقترح الملك على الحكومة الخضوع لهذا المطلب.وكان تنفيذ هذا الإيعاز يعني الانهيار التام لهيبة الحكومة ، لذا أقدمت على حل وسط بأن أمرت برفع اليافطات عن الأستديوهات وإزالة وجهاتها الزجاجية.

جوبهت محاولات طلال لتنظيم المالية بمقاومة سعود ورجال حاشيته الذين لم يعودوا إلى السلطة لتقييد جشعهم. ويقول طلال في مذكراته إن الملك شارك في المضاربة بالأراضي مما أضر بمالية الدولة ،وكانت له حصة من المقاولات الحكومية ، وحصل على مبالغ طائلة بإيصالات مزيفة مستخدما موظفي وزارة المالية. ورفض سعود اقتراح طلال بتأميم شركة الكهرباء الأهلية في الرياض للحضور على واردات إضافية. واستغلت جماعة فيصل هذه المحاولة لتأليب الأوساط التجارية ضد طلال وسائر الأمراء الأحرار وبثت إشاعات تزعم أن طلال يعتزم تأميم المؤسسات الصناعية والشركات التجارية.

حاول الملك التوصل إلى حل وسط مع فيصل والتضيحة بطلال. وأصدر في 11 سبتمبر مرسوما أقال فيه طلال وبدر وعبد المحسن من الوزارة. وفي 16 من الشهر نفسه عين الأمير نواف بن عبد العزيز ، الذي كان يعتبر محايدا ، وزيرا للمالية والاقتصاد الوطني ، وأسندت المناصب الأخرى إلى أبناء سعود.

تدخل عامل آخر في الصراع بين الإخوان ،وهو صحة الملك ، فقد ساءت إلى حد بحيث نقل سعود فاقدا الوعي في 16 نوفمبر إلى المستشفى الأمريكي بقاعدة الظهران ، ثم اضطر للسفر إلى الولايات المتحدة للعلاج. وقد يكون للأمريكان ضلع في ترحيله ، لأن لهم مصلحة في إبعاد الملك الذي لا يرتضونه عن البلد. وقبيل مغادرة البلد ، ونزولا عند إلحاح كبار أفراد العائلة الملكة عين سعود للقضاء على خصومه.

في مارس 1962 اضطر الملك بسبب تدهور صحته إلى تعيين فيصل رسميا رئيسا للحكومة. وطالب فيصل بإقصاء الطريقي من مجلس الوزراء. فوافق سعود ، تهللت أرامكو لهذه الخطوة إذا أنها كانت تعتبر وزير النفط ، كما يقول طلال ، عدوها الأول. وكانت أرامكو ، في التقارير المرفوعة إلى الحكومة السعودية تندد بنشاط الطريقي وتتهمه بالشيوعية. وهكذا عاد فيصل ليستلم السلطة الفعلية بعد خمسة عشر شهرا من أبعاده عن رئاسة الحكومة. وهكذا احتدم الصراع من جديد.

أمضى سعود بقية السنة في الولايات المتحدة حيث أجريت له سلسلة من عمليات الجراحة. واصل طلال الحديث عن الإصلاحات ، فقد دعا إلى إجراء تغييرات في نطاق الشرع على أساس الاجتهاد ، الأمر الذي كان يعني عمليا إدخال أحكام قانونية جديدة على الشرع لضبط الظواهر الاجتماعية الجديدة. ولو فتح باب الاجتهاد لتمكنت فئات اجتماعية جديدة من تقديم مطالبها والاستناد إلى القيام وتفسير الشرع بما يتفق ومصالحها.

لم يجد طلال وجماعته دعما داخل البلاد فهاجروا. وفي 15 أغسطس 1962 عقد طلال مؤتمرا صحفيا ببيروت . وانتقد في تصريحاته المنشورة بصحيفة الأنوار النظام السعودي رغم أنه لم يذكر الملك بالاسم. وقال الأمير أن هدف مجموعته يتمثل في إقامة ديموقراطية دستورية في الإطار الملكي. وقد أيده أربعة أمراء هم عبد المحس بن عبد العزيز وبدر بن عبد العزيز وفواز بن عبد العزيز وسعد بن فهد.

وخشية من إثارة غضب الرياض حاولت الحكومة اللبنانية التخلص من الأمراء المتمردين فغادروا إلى القاهرة ، حيث استقبل طلال من قبل الرئيس عبد الناصر. وأدت ثورة اليمن إلى زيادة نشاط المجموعة وقتيا.

في آواخر الخمسينيات واوائل الستينيات دار الصراع على السلطة بين أفراد الأسرة الملكية فقط ، ولكنه كان عرضة لتأثير مختلف النزعات السياسية. فقد كان برنامج مجموعة طلال يجسد الأفكار الإصلاحية الليبرالية القومية ، ويبين مآله مدى ضآلة ما وجدته هذه الأفكار من تربة خصبة في المجتمع السعودي.

ورغم أن الأسرة المالكة كانت تتنازعها التناقضات ، إلا أنه لم يكن لديها خصوم أقوياء . فجيل الشبان المتعلمين المنحدرين من الفئات الوسطى ، كان يمثل مجموعة ضئيلة جدا في الإحساء وجدة ، واقتصر نشاطها ، حسب المعلومات المتوفرة ، على توزيع منشورات ونشر رسائل مفتوحة في الصحافة بالخارج.

كما كان محدودا تأثير جبهة التحرير الوطني وهي منظمة ديموقراطية ثورية معارضة. وانحصرت مطالب الجبهة في إلغاء نظام الاستباداد الملكي وإقامة نظام برلماني ، ووضع سياسة اقتصادية وطنية ، وإعادة النظر في كل الاتفاقيات النفطية ، والدعوة إلى الحياد الإيجابي، ورفض تأجير قاعدة الظهران.

أما التأثير الأكبر فقد كان للمحافظين سواء من الأمراء أو علماء الدين أو شيوخ القبائل. ولهذا السبب بالذات لم يشارك سعود شخصيا في مؤتمر بلدان عدم الانحياز في بلجراد لأن يوغسلافيا بلد شيوعي ملحد.

وفي 28 سبتمبر 1961 انفصلت سوريا عن الجبهة العربية المتحدة. واعترفت الحكومة السعودية فورا بالحكومة السورية الجديدة. وفي آواخر 1961 استعرت مجددا الحرب الأعلامية بين إذاعتي القاهرة ومكة بعد أن كانت قد خمدت. وانتقدت القاهرة استبداد النظام الإقطاعي في السعودية وتفشى الفساد فيه ، بينما اتهمت مكة الرئيس عبد الناصر بالتدخل في شئون الدول العربية الأخرى ، وزعمت أنه يخون القضية الفلسطينية ويتساهل إزاء إسرائيل. وتأزمت العلاقات إلى حد جعل الحكومة السعودية ترفض قبول كسوة الكعبة من مسلمي مصر عام 1962. وفي الوقت ذاته جرى تقابل بين النظام السعودي والأردن.

ففي 30 أغسطس 1962 اجتمع سعود وحسين في الطائف ووقعا اتفاقية حول تنسيق السياسة الخارجية وتطوير العلاقات الاقتصادية والعسكرية والثقافية ، واتفقا على رسم الحدود. وعرفت هذه الاتفاقية بميثاق الطائف ، ولم يخف على أحد أنها كانت موجهة إلى مصر.

صورة نادرة الرئيس السوري شكري القوتلي يقبل أنف جلالة الملك سعود المعظم سنة 1946 رحمهم الله واسكنهم الجنة


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العلاقات الخارجية

في يناير 1963 وافقت السعودية على إحالة قضية البريمي إلى الأمم المتحدة واستأنفت العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا. وقد أرغمت الرياض ولندن على قبول بحلول وسط بفعل ثورة اليمن عام 1962 وتنامى حركة التحرر الوطني في شبه الجزيرة العربية بأكمله.كما أخذ يتغير طابع العلاقات البريطانية الأمريكية في شبه الجزيرة العربية. وصار التعاون يحل تدريجيا محل المقاومة الأمريكية لمحاولات بريطانيا استعادة مواقعها في السعودية.

زيارته لأمريكا

الرئيس الأمريكي هارى ترومان يمنح وسام الاستحقاق فيلق درجة قائد للعاهل السعودي.

أثناء زيارة جلالة الملك سعود في أمريكا خرج بسيارته إلى أحد شوارع نيويورك الرئيسية , فإذا جماعة من الأمريكيين تقف من أمام سيارته وتحيي العاهل العربي بالتصفيق والهتاف , مما اضطر السائق إلى الوقوف بسيارته امتثالا لأمر الملك , وإذا بأحد من هذا الجمع يتقدم إلى الملك سعود ويقول له: أرجو أن أصافح جلالتكم , ومد الملك يده للرجل لمصافحته بحرارة ,وقال في صوت خفيض , الآن أستطيع أن أزهو على أعواني في المصنع بأنني تمكنت من مصافحة البطل العربي الذي كنا نظن إنه من نسيج الخيال , وما أن رآه الآخرون يصافح الملك ويتحدث إليه عن طريق المترجم حتى أقبلوا على جلالة الملك سعود يطلبون مصافحته هم أيضا، فابتسم العاهل العربي ومد يده للجميع وكانت مظاهرة رائعة تضمنت أبلغ رد على وقاحة عمدة نيويورك الصهيوني .

الاقتصاد في عهده

خلعه عن الحكم

في 29 مارس 1964 أصدر العلماء والأمراء قرار موحداً حول تسليم السلطة بأكملها للأمير فيصل بن عبد العزيز على أن يبقى سعود ملكاً بالاسم فقط، وإثر هذه الفتوى أصدر مجلس الوزراء سلسلة من القرارات في 28 مارس - 29 مارس - 30 مارس في نفس العام تقضي بإلغاء سيطرة الملك على الحرس الملكي وحرسه الخاص، وتسليم التشكيل الأول لوزارة الدفاع والثاني لوزارة الداخلية، كما ألغت تلك القرارات البلاط الملكي وقلصت المخصصات السنوية للملك إلى النصف، فجعلها 238 مليون ريال سعودي.

ويأتي صدور هذا القرار نظراً لمصلحة البلاد والشعب السعودي بعد ما رأوا إنهم يجب أن يتخذوا هذه المواقف وإلا لحدث ما لم يكن بالحسبان، وقد أستمر حكم الملك سعود الاسمي حتى 2 نوفمبر 1964 عندما عزل من منصبة وعين ولي العهد الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود ملكاً.

لجوئه إلى مصر

وصل إلى مصر في نوفمبر 1966، حيث استقبله في المطار سعد زايد، محافظ القاهرة. وبعد أيام قابل الرئيس جمال عبد الناصر وتصارحا بشأن أنشطة السعودية العدائية، في عهده، تجاه مصر ودور السعودية في تمويل التآمر لفض الجمهورية العربية المتحدة. وحين واجهه عبد الناصر بأن السعودية دفعت 7 مليون جنيه إسترليني لمجموعة الانقلاب، صحح الملك سعود المعلومة بأن المبلغ المدفوع كان 12 مليون. وطلب من عبد الناصر معاونته للعودة إلى العرش. وقد وافق عبد الناصر وقامت منظمة قومية بالسعودية بدأت بسلسلة من التفجيرات في السعودية.

وفاته

توفي في اليونان - أثينا بتاريخ 23 فبراير 1969، ونقل جثمانه إلى مكة المكرمة حيث صلي عليه في المسجد الحرام ودفن بعدها في مقبرة العود في الرياض. ويروي السيد مكي عشماوي بأن التلفزيون والراديو السعودي أعلن عن وفاته وقطع برامجه المعتادة وعرض آيات من الذكر الحكيم، وإن الملك فيصل حضر الصلاة عليه كما حضر مراسم الدفن.

أسرته

إخوته الأشقاء

زوجاته

ومن مستولداته (جوارية) وعددهن كثير

  • ام الأمير سلطان
  • ام الأمير فواز
  • ام بدر وسلمان
  • ام منصور ومشهور وتركي
  • ام مقرن وسيف الاسلام
  • ام شقران
  • ام طلال
  • ام خالد وعبد المجيد وعبد الملك لبنانية

أبنائه

له 111 ولد وبنت، 54 ولداً و57 بنتاً وهم:

الذكور

الإناث

  • الأميرة منورة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود (حرم الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود أخ الملك فهد من الأم).
  • الأميرة العنود بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الامير منصور بن عبد الله بن جلوي آل سعود
  • الأميرة موضي بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجه الأمير فيصل بن عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود
  • الأميرة حصة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الأمير سعود بن محمد بن عبدالعزبز بن سعود الفيصل آل سعود
  • الأميرة قماشة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة فلوة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الأمير خالد بن ثينان آل سعود
  • الأميرة جوزاء بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة عبد الله بن فهد الفرحان آل سعود
  • الأميرة جواهر بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة البندري بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة مشاعل بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة عبطاء بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة عبد الرحمن العنيم
  • الأميرة صيته بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة ساره بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الأمير تركي بن فيصل بن تركي الأول بن عبد العزيز آل سعود
  • الأميرة نوف بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الأمير فهد بن سعود الكبير آل سعود
  • الأميرة هيا بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن السديري (متوفية)
  • الأميرة لولوة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الأمير بدر بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود
  • الأميرة طرفة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الأمير فيصل بن تركي بن جلوي آل سعود
  • الأميرة جهير بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.زوجة الأمير بدر بن عبدالمحسن بن عبد العزيز آل سعود
  • الأميرة سلطانة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوحة الأمير محمد بن مشعل بن عبد العزيز آل سعود
  • الأميرة لطيفة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة فهدة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة بدرة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة مضاوي بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة عبد الله الشريف
  • الأميرة شاهة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة زهوة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة الجوهرة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة نايفة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الأمير محمد بن ناصر بن معمر
  • الأميرة وطفاء بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الامير عبد الرحمن بن ناصر بن عبد العزيز آل سعود
  • الأميرة شيخه بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة هاجر بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة منيرة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.زوجة الشيخ ثامر بن نايف الشعلان(من أمراء قبيلة ألرولة الشهيرة)أبنائه سلطان، نواف، طلال، جواهر.
  • الأميرة فايزة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الأمير عبد العزيز بن ناصر بن عبد العزيز آل سعود
  • الأميرة بزة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة هيفاء بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الأمير محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن السديري(متوفية)
  • الأميرة أميرة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة دلال بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. طليقة الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز وأم الأمير خالد والأميرة ريم
  • الأميرة مهرة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة عالية بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة دليِّل بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الأمير ابن معمر
  • الأميرة فوزية بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة الجازي بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. زوجة الأمير خالد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود
  • الأميرة نجلاء بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة دينا بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة منى بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة مها بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود. حرم معالي الشيخ حمد بن محمد آل الشيخ
  • الأميرة ريما بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة هند بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة بنيِّة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة إبتسام بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.حرم خالد بن عبدالعزيز بن معمر
  • الأميرة لمياء بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة نوال بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.والده تركي بن فيصل بن عبدالعزيز بن معمر
  • الأميرة عبير بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة إيمان بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة تركيِّة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة زين بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة بسمة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.
  • الأميرة نزهة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود.

مرئيات

زيارة شاه إيران محمد رضا پهلوي إلى إيران في الخمسينيات، استقبله الملك سعود، استقبالاً حافلاً، وفُتح له باب قبر النبي وقامة بزيارة البقيع.

وصلات خارجية

الموقع الرسمي للملك سعود بن عبد العزيز آل سعود


سعود بن عبد العزيز آل سعود
وُلِد: 1902 توفي: 1969
ألقاب ملكية
سبقه
ابن سعود
ملك السعودية
9 نوفمبر 1953 – 2 نوفمبر 1964
تبعه
فيصل
العائلة السعودية المالكة
سبقه
لا أحد
ولي عهد السعودية
11 مايو 1933 – 9 نوفمبر 1953
تبعه
فيصل
مناصب سياسية
سبقه
تأسيس المنصب
رئيس وزراء السعودية تبعه
فيصل
سبقه
فيصل
رئيس وزراء السعودية تبعه
خالد