ليكرجوس أسبرطة

ليكورجوس الاسبرطي

ليكورجوس (700 - 630 ق.م.) باليونانية Λυκοῦργος ، بالإنجليزية Lycurgus ، هو أحد المشرعين اليونان القدامي، وبرز إسمه كقائد لحركة إصلاح مشهورة في تاريخ اليونان ويمكننا أن نعتبره من أولى المنادين بمبدأ البناء الذاتي للدولة من خلال مواردها الداخلية.

نقش بارز للايكورگس، كواحد من 23 من عظام المشرعين، كما هم مصورون في قاعة مجلس النواب الأمريكي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هل هو حقيقي؟

يعتقد المؤرخون اليونان اعتقاداً لا يقبل الجدل أن ليقورغ هو واضع شرائع اسپرطة، كما يعتقدون أن حصار طروادة وقتل أجممنون من الحقائق التاريخية المسلم بصحتها. وكما أن العلماء المحدثين قد ظلوا مائة عام كاملة ينكرون وجود طروادة وأجممنون، فإنهم اليوم يترددون في الاعتراف بأن ليقورغ شخص واقعي كان له وجود في التاريخ. وتختلف التواريخ التي يحددها له من يؤمن بوجوده منهم ما بين 900 ، 600 ق.م؛ وكيف يستطيع رجل واحد أن يبتدع أعجب وأبغض طائفة من الشرائع في التاريخ كله، ثم لا يفرضها في سنين قليلة على شعب خاضع مغلوب فحسب، بل يفرضها كذلك على الطبقة الحاكمة ذات النزعة العسكرية صاحبة الإدارة القوية؟(33) ولكننا رغم هذا إذا رفضنا رواية يأخذ بها جميع المؤرخين اليونان اعتماداً منا على هذه الأسباب، نكون متجنين على الحقيقة والتاريخ. لقد كان القرن السابع قبل الميلاد عصر المؤرخين الأفراد- زلوكس Zaleucus في لكريس الإيطالية (حوالي 660)، ودراكون Draco في أثينة (620)، وخرونداس Charondas في كتابنا بصقلية (حوالي 610)- دع عنك كشف يوشع لشرائع موسى في هيكل أورشليم (حوالي 621). ولعل الحق في الحالات السالفة الذكر أن هذه الشرائع لم تكن من وضع رجل بعينه بل كانت طائفة من العادات ليقورغ نسقت وصيغت- حتى صارت قوانين معينة محددة، سميت من قبيل التيسير باسم الرجل الذي جمعها وقننها وأبرزها في معظم الأحيان في صورة شرائع مكتوبة . وسوف نسجل في هذا الكتاب الرواية المتواترة كما وصلت إلينا على أن نذكر مع ذلك أنها في أغلب الظن تجسيد وتصوير لعملية طويلة تطورت فيها العادات حتى صارت قوانين على يد عدد كبير من المؤلفين دأبوا على العمل كثيراً من السنين.

ويقول هرودوت إن ليقورغ، عم الملك خاريلاوس Charilaus ملك اسبرطة ووليه، تلقى من الوحي في دلفي بعض مراسيم، يصفها البعض بأنها قوانين ليقورغ نفسها، ويصفها البعض الآخر بأنها تصديق رباني على القوانين التي اقترحها هو. ويبدو أن المشترعين قد أحسوا أن آمن طريقة لتغيير بعض العادات القائمة أو إدخال عادات جديدة هي أن يعرضوا ما يريدونه في كلتا الحالتين على أنه أوامر من عند الله؛ ولم تكن هذه أول مرة أقامت الدولة قواعدها في السماء. وتضيف الرواية إلى هذا أن ليقورغ سافر إلى كريت، وأعجب بنظمها، واعتزم أن يُدْخِل بعضها في لكونيا. وقبل الملوك ومعظم النبلاء إصلاحاته على مضض، لأنهم رأوا أن لا بد لهم منها إذا أرادوا أن يضمنوا لأنفسهم السلامة والطمأنينة؛ ولكن أحد الشبان الأشراف، واسمه الكمندر، قاوم هذا الإصلاح مقاومة شديدة عنيفة وفقأ إحدى عيني المشترع نفسه. ويقص بلوتارخ هذه القصة بأسلوبه السلس الساحر.

ولم يثبط هذا العمل عزيمة ليقورگ أو يضعف همته، بل سكت وكشف لمواطنيه عن وجهه المشوه وعينه المفقوءة. واستولى عليهم الخجل والهلع من هذا المنظر فجاءوه بألكمندر ليعاقبه على فعلته.. فشكر لهم ليقورغ ما فعلوا، وصرفهم عن آخرهم، ولم يستبق منهم إلا الكمندر، ثم أخذه معه ليقورغ إلى منزله، ولم يقل له كلمة نابية أو يوقع عليه أي عقاب، بل... أمره أن يقف في خدمته وقت الطعام. وكان الشاب ذا خلق كريم فقام بكل ما كان يؤمر أن يقوم به دون أن يتذمر أو يتململ؛ وبذلك أتيحت له الفرصة لأن يعيش مع ليقورغ فيلاحظ فيه فضلاً عن رقته وهدوء طبعه استقامة لا عهد له بها، وجداً وصبراً على العمل، وأصبح الشاب من أشد الناس إعجاباً به وقد كان من قبل من ألد أعدائه، وقال لأصدقائه وأقاربه إن ليقورغ لم يكن ذلك الرجل النكد السيئ الطباع كما كانوا يظنون، بل إنه دون غيره الرجل الظريف الرقيق الحاشية في العالم كله.

ولما أتم ليقورغ قوانينه، أخذ على الأهلين عهداً (ولعل هذه زيادة خرافية زيدت على قصته) ألا يبدلوا في القانون شيئاً قبل أن يعود إليهم. ثم سافر إلى دلفي، واعتزل العالم، وحرم على نفسه الطعام حتى مات "ظناً منه أن الواجب يقضي على السياسي أن يجعل موته إذا استطاع عملاً يخدم به الدولة"(37).


البداية

كانت بداية ليكورجوس في أسبرطة في جنوب اليونان ، منذ ما يقرب من حوالي ثلاث ألاف سنة تقريبا ؛ حيث وضعه المؤرخون في حوالي القرن السابع قبل الميلاد على وجه التقريب ، ورث ليكورجوس عرش اسبرطة ، وغادرها طالبا الخبرة والعلم ، وقام بزيارة آسيا الصغرى و مصر و كريت ثم عاد إلى وطنه الأم اسبرطة.

دستور ليكورجوس

ملخص

بعد جمع الكثير من ثمار الحضارات المجاورة التي زارها ليكورجوس ، وشغفه الشديد ببلاده ومحاولة الإصلاح فيها ، قام ليكورجوس بوضع دستور جديد للبلاد ، ولا شك أنه كان من أشهر القوانين التي سجلها التاريخ والتي كان من شأنها أن تحكم بلاد طالما بهرتنا حضارتها. ومن بنود هذا الدستور مايلي:

  • انتقال السلطة بالوراثة وأن يحكم الدوله قيصران وليس واحد يساعدهما مجلس الشيوخ
  • التصويت حق لكل مواطن وصل عمره ثلاثون عاما.
  • اتباع رعاية صحية معتدله للشعب.
  • يجب أن يبقى الاسبرطيون مدى الحياة تحت الطلب للخدمة العسكريه.
  • تربية الأطفال حتى سن السابعة في المدارس الحكومية تحت رعاية مربين محنكين.

ولنا أن نلحظ أن ليكورجوس قد تحدث فيما سبق من بنود عن معاني موجودة في عصرنا الحالي تحت مسميات مختلفة فها هو ينادي بحق التأمين الصحي والحق الإنتخابي والتعليم الإلزامي والخدمة العسكرية الإحتياطية. وكلها جاءت بعده بقرون عدة.

دستور لسديمونيا Lacedaemonia

وإذا أردنا أن نحدد بالضبط إصلاحات ليكرجوس؟، وجدنا الروايات التاريخية مضطربة متناقضة، حتى ليصعب علينا أن نقول أي عناصر القوانين الإسبارطية سبقت ليكرجوس، وأيها من وضعه هو أو من وضع الجيل الذي كان يعيش فيه، وأيها أضيفت إليها بعد أيامه. فأما بلوتارخ ويليبيوس فيؤكدان لنا أن ليكرجوس أعاد تقسيم أراضي لكونيا ثلاثين ألف قسم متساوية، ووزعها على المواطنين؛ وأما ثوكيديدس فَيُفْهَم من أقواله أن تقسيماً من هذا النوع لم يحدث قط، ولعل الذي حدث فعلاً أن الأملاك القديمة لم تُمَسّ وإنما وزعت الأراضي التي استولوا عليها حديثاً توزيعاً متساوياً. وألغي ليكرجوس (أو واضعوا الدستور المنسوب إليه)، كما فعل كليسثنيز السكيوني وكليسثنيز الأثيني، نظام المجتمع اللكوني القائم على صلة القرابة، واستبدل به أقساماً جغرافية، وبهذا تحطم سلطان الأسر القديمة، وأنشئ نظام أرستقراطي واسع النطاق. وأراد ليكرجوس أن يمنع هذه الألجركية مالكة الأرض من أن تقضي عليها طبقات التجار ونحوها، التي كانت تسير سيراً حثيثاً نحو مركز الزعامة في أرجوس، وسكيون، وكورنثة، ومجارا، وأثينة، فحرّم على المواطنين أن يشتغلوا بالصناعة، أو التجارة، ومنع استيراد الذهب والفضة، وأمر ألا يستخدم في سك العملة غير الذهب وحده. ذلك بأنه قد وطد العزم على أن يتفرغ الإسبارطيون (المواطنون ملاك الأرض) إلى شؤون الحكم والحرب.

وكان مما يفخر به المحافظون الأقدمون(40) أن دستور ليكرجوس قد دام طويلاً لأن أنظمة الحكم الثلاثة: الملكية، والأرستقراطية، والدمقراطية قد اجتمعت كلها فيه، واجتمعت بنسب تمنع طغيان أي عنصر منها على العنصرين الباقيين. من ذلك أن الملكية الإسبارطية كانت في الواقع ملكية ثنائية، فقد كان فيها ملكان يحكمان معاً وينحدران من الهرقليين الغزاة. ولعل هذا النظام الغريب كان تراضياً بين أسرتين متنافستين لأنهما تنتميان إلى أصل واحد، أو لعله كان وسيلة للاستفادة مما للملكية من مزايا نفسانية في المحافظة على النظام الاجتماعي والعزة القومية مع تجنب استبدادها وطغيانها. وكانت سلطة الملكين سلطة محددة غير مطلقة: فكانا يقومان بتقريب القرابين التي يتطلبها دين الدولة، ويرأسان الهيئة القضائية، ويقودان الجيش في الحرب. وكانا في جميع أعمالهما خاضعين لمجلس الشيوخ، وأخذا بعد معركة بلاتية يفقدان سلطانهما شيئاً فشيئاً ويتولاها الإفورون.

أما العناصر الأرستقراطية ذات السلطان الأكبر في الدولة فكان مقرها في مجلس الشيوخ أو الجروسيا. وكانت الجروسيا بمعناها الحرفي وحقيقة أمرها جماعة من الرجال كبار السن؛ وكان الذين تقل أعمارهم عن ستين عاماً يعدون في العادة غير ناضجين لمناقشة شؤون الدولة في هذا المجلس. ويحدد بلوتارخ عدد أعضاء المجلس بثمانية وعشرين عضواً ويروي عن طريقة انتخابهم رواية لا يصدقها العقل، فيقول إنه إذا خلا مكان في المجلس كان يطلب إلى من يتقدمون لملئه أن يمروا صامتين واحداً بعد واحد أمام الجمعية، فمن حيته منهم بأعلى الأصوات وأطولها أعلن انتخابه(41). وربما كانت هذه الطريقة في رأيهم طريقة واقعية مختصرة للإجراءات الدمقراطية الطويلة الكاملة، ولسنا نعرف أي المواطنين كانوا هم الصالحين لهذا الانتخاب، وأكبر الظن أن الذين يصلحون كانوا هم "الهمويْوي" أي الأنداد، الذين يمتلكون أرض لكونيا وخدموا في الجيش وجاءوا بنصيبهم من الطعام إلى المائدة العامة(42). وكان مجلس الشيوخ هو الذي يقترح القوانين، وكان هو المحكمة العليا التي تفصل في الجرائم الكبرى، وهو الذي يضع أسس السياسة العامة للدولة.

وكانت الجمعية الأبلا Apella هي العنصر الدمقراطي الذي ارتضته إسبارطة في حكومتها. ويلوح أن جميع المواطنين الذكور كانوا يقبلون فيها متى بلغوا سن الثلاثين، وكان عدد من يمكن اختيارهم أعضاء فيها 8000 من بين سكان إسبارطة البالغ عددهم 000ر376. وكانت تجتمع في كل يوم من الأيام التي يكون فيها القمر بدراً، وتعرض عليها جميع المسائل العامة ذات الأهمية الكبرى، ولا يسن قانون إلا إذا وافقت عليه. على أن الذي حدث بالفعل أن القوانين التي أضيفت إلى دستور ليكرجوس كانت قلة لا تستحق الذكر، وهكذا لم يكن للجمعية إلا أن تقبلها أو ترفضها دون أن يكون لها حق تعديلها. فهي في جوهرها الاجتماع الهومري العام القديم تستمع في رهبة إلى آراء الزعماء والكبار أو إلى الملكين قائدي الجيش. وكانت الأبلا من الوجهة النظرية مصدر السلطات وصاحبة السيادة، ولكن تعديلا أدخل على الدستور بعد ليكرجوس جعل لمجلس الشيوخ حق تغيير قرار الجمعية إذا رأى أنها اتخذت قراراً "معوجاً"(43). ولما أن طلب مفكر سباق لعصره إلى ليكرجوس أن ينشئ دولة دمقراطية أجابه المشترع بقوله: "ابدأ أيها الصديق بإنشائها في أسرتك"(44).

وكان شيشرون يشبه الإفورين (المشرفين) الخمسة بالتربيونين في رومة لأن الجمعية هي التي كانت تختارهم في كل عام، ولكنهم في الواقع كانوا أكثر شبهاً بالقناصل الرومان لأنهم كانت لهم سلطة إدارية لا يقف في سبيلها إلا معارضة مجلس الشيوخ. وكانت وظيفة الإيفور قائمة قبل ليكرجوس، ولكنها مع ذلك لم يرد لها ذكر فيما وصل إلينا من أنباء عن شرائعه. ولم يكد يمضي من القرن السادس إلا نصفه حتى أضحت سلطة الإفورين مساوية لسلطة الملكين؛ ثم أصبحوا في واقع الأمر أصحاب السلطة العليا بعد الحرب الفارسية. فكانوا يستقبلون السفراء، ويفصلون في المنازعات القضائية، ويقودون الجيوش، ويوجهون أعمال الملوك، ويعاقبون الملوك أنفسهم أو يبرئونهم من التهم التي توجه إليهم.

أما تنفيذ أوامر الحكومة فكان يتولاه الجيش أو الشرطة. وقد جرت عادة الإفورين بأن يسلحو ا بعض الشبان الإسبارطيين، ويتخذونهم شرطة سرية (كربتيا krypteia) ليتجسسوا على الناس، وكان لهم حق قتل الهيلوتيين بمحض إرادتهم(45). وكانت هذه الهيئة تستخدم في أوقات لم يكن ينتظر أن تستخدم فيها، بل إنها كانت تستخدم للتخلص من الهيلوتيين إذا كان سادتهم يرونهم رجالاً قادرين يُخشى بأسهم، وإن كانوا قد دافعوا عن الدولة في الحرب دفاع الأبطال. ويقول عنهم ثوسيديدس النزيه بعد ثمان سنين من حرب البلوبونيز:

صدر إعلان يدعو الهليوتيين لأن يختاروا من بينهم من يقولون إنهم قد أظهروا تفوقهم في قتال الأعداء لكي ينالوا حريتهم؛ وكان الغرض الحقيقي من هذه الدعوة هو اختبارهم، لأن أول من يتقدمون للمطالبة بحريتهم كانوا في رأي الداعين أعزهم نفساً وأكثرهم استعداداً للعصيان. واختير بهذه الطريقة ألفان منهم وضعت على رؤوسهم التيجان، وطافوا بالهياكل مغتبطين بحريتهم الجديدة ولكن الإسبارطيين ما لبثوا أن تخلصوا منهم جميعاً، ولم يعرف أحد قط كيف هلك كل فرد من أفرادهم(46).

وكان الجيش عماد السلطة في إسبارطة ومناط فخرها، لأنها وجدت في شجاعته، ونظامه، ومهارته، أمنها ومثلها الأعلى. وكان كل مواطن يدرب تدريباً حربياً، وكان عرضة لأن يُدعى إلى الخدمة العسكرية فيما بين العشرين والستين من عمره. وبفضل هذا التدريب القاسي نشأت الهبليت hoplites الإسبارطية، وهي فرق المشاة المتراصة الثقيلة قاذفات الحراب، والمكونة من المواطنين، التي كانت تقذف الرعب في قلوب الأثينيين أنفسهم، ولم يكد يقهرها عدو حتى انتصر عليها إباميننداس Epaminondas في لكترا Leuctra. وكان هذا الجيش هو المحور الذي صاغت إسبارطة حوله قانونها الأخلاقي. فالطيبة في إسبارطة هي أن تكون قوياً شجاعاً؛ والموت في ميدان القتال هو أعظم الشرف ومنتهى السعادة؛ والحياة بعد الهزيمة هي العار الذي لا يمحى والذي لا تغتفره الأم نفسها لابنها الجندي. وكانت الأم تودع ابنها الجندي الذاهب إلى حومة الوغى بقولها: "عد بدرعك أو محمولاً عليه". وكان الفرار بالدرع الثقيل أمراً مستحيلاً.

انظر أيضاً

المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  • [1]

مراجع

وصلات خارجية