ثورة مصدق

ثورة مصدق
الموقع
{{{place}}}

وقع الانقلاب على حكومة الزعيم الإيراني محمد مصدق يوم التاسع عشر من أغسطس عام 1953، بعد أن احتدم الصراع بين الشاه ومصدق في بداية شهر أغسطس من عام 1953، فهرب الشاه إلى إيطاليا عبر العراق وقبل أن يغادر وقع قرارين: الأول يعزل مصدق والثاني يعين الجنرال فضل الله زاهدي محله. قام زاهدي في التاسع عشر من أغسطس 1953 بقصف منزل مصدق وسط مدينة طهران؛ في حين قام كرميت روزفلت ضابط الاستخبارات الأميركي والقائد الفعلي للانقلاب الذي أطلقت المخابرات المركزية الأميركية عليه اسماً سرياً هو العملية أجاكس، بإخراج "تظاهرات معادية" لمصدق في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية. كما أوعز روزفلت إلى كبير زعران طهران وقتذاك شعبان جعفري بالسيطرة على الشارع، وإطلاق الهتافات الرخيصة التي تحط من هيبة الدكتور مصدق؛ بالتوازي مع اغتيال القيادات التاريخية للجبهة الوطنية التي شكلها مثل الدكتور حسين فاطمي الذي اغتيل بالشارع في رائعة النهار. حوكم مصدق أمام محكمة صورية استفاض بعدها محاميه جليل بزرگمهر في كشف أنها لم تكن تتمتع بالحد الأدنى من شروط الحيادية. حَكَمَ نظام الشاه على الدكتور مصدق بالإعدام، ثم خفف الحكم لاحقاً إلى سجن انفرادي لثلاث سنوات؛ ومن ثم إقامة جبرية لمدى الحياة في قرية أحمد آباد، الواقعة في شمالي إيران ليترك الدكتور مصدق نهبا لذكرياته.

الدكتور محمد مصدق ليس مجرد شخصية سياسية تولت منصب رئيس الوزراء في إيران، بل هو زعيم سياسي من طراز رفيع، قاد أول ثورة مدنية في تاريخ الشرق الأوسط ضد أعتى الإمبراطوريات الشرقية آنذاك. والزعيم الشعبي المتحدر من عائلة عريقة تمتد بالنسب إلى سلالة القاجاريين التي حكمت إيران طيلة قرون، تحدى سلطة الشاه محمد رضا بهلوي والمصالح الكونية التي وقفت خلفه بإعلانه تأميم شركة النفط الإنكليزية الإيرانية عام 1951. وهكذا أدخل الزعيم الإيراني الكبير مصطلح التأميم لأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط، واليوم لا توجد دولة واحدة في المنطقة لم تربح من الآثار التي خلفتها ثورة مصدق سواء من حيث شيوع التأميم في المنطقة، أو لناحية تعديل التوازن بين الدول الوطنية والشركات الكبرى لصالح الأولى.

جاء مصدق إلى الحكومة الإيرانية قائداً لثورة مدنية حقيقية، ولم يكن مدبراً لانقلاب يضع النياشين والرتب والأوسمة على بزته العسكرية، كما جرى ويجري في الكثير من دول المنطقة. قطع مصدق طريقاً طويلاً قبل أن يصل إلى مركز صنع القرار، حيث بدأ الطريق في عمر الرابعة والعشرين إبان انتخابه نائباً عن أصفهان في البرلمان الإيراني عام 1906. بعدها سافر مصدق إلى فرنسا للدراسة ومن ثم إلى سويسرا لتقديم أطروحة الدكتوراه في القانون الدولي؛ وشغل بعد ذلك منصب وزير المالية في حكومة أحمد قوام السلطنة 1921 ولاحقا وزيرا للخارجية في حكومة مشير الدولة 1923. بعدها أعيد انتخاب مصدق نائباً في البرلمان، فكان أن ظهرت ميوله المعادية للعسكر والعسكرة بأن صوت ضد انتخاب رضا خان شاها على إيران عام 1925. وتوج مصدق نضوجه السياسي بقيادة الجبهة الوطنية أو جبهه ملي التي أسسها سوياً مع الدكتور حسين فاطمي، وأحمد زراكزاده، و على شاكان، و كريم سنجابي وكان من أهدافها تأميم النفط الإيراني.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ع1950

رئيس الوزراء محمد مصدق يصافح الشاه محمد رضا پهلوي

انتخب البرلمان الإيراني في 28 أبريل 1951 محمد مصدق رئيساً للوزراء بأغلبية 79 صوتا مقابل 12 فقط، وبعد يومين فقط من استلامه السلطة قام مصدق بتأميم النفط الإيراني. تحالف رئيس الوزراء الليبرالي والتحديثي مصدق مع كتل اليسار السياسي مثل حزب توده الشيوعي، ليوازن ضغوطات الشاه من الداخل وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية من الخارج. كانت إصلاحات مصدق الديمقراطية تضرب في الأساس الشمولي لحكم الشاه، كما أن تأميمه للنفط الإيراني مثل ضربة كبيرة لمصالح إنجلترا وواشنطن. وبالرغم من الشعبية الطاغية التي كانت لمصدق بين الإيرانيين من الطبقات والشرائح الدنيا والمتوسطة تحديدًا، فقد ناصبته طبقة الملاك المتحالفة مع المؤسسة الدينية، العداء بسبب إعلانه عن وضع خطة للإصلاح الزراعي وتحديد الملكية الزراعية. ادعت بريطانيا على مصدق أمام محكمة العدل الدولية بزعم انتهاك حقوقها النفطية، فسافر مصدق إلى مقر المحكمة في لاهاي مترافعاً عن حقوق بلاده النفطية ووصف بريطانيا بأنها "دولة امبريالية تسرق أقوات الإيرانيين المحتاجين".

عاد مصدق إلى بلاده ماراً في طريق عودته بالقاهرة؛ فاستقبله مصطفى النحاس رئيس الوزراء المصري آنذاك بالزينات وأقواس النصر، ورحبت به الجماهير المصرية ترحيباً حاراً على طول الطريق الممتد من المطار إلى فندق شبرد في وسط العاصمة حيث أقام. كانت الفكرة الرئيسية لبرنامج مصدق السياسي هي أن يستفيد الإيرانيون من عوائد نفطهم ولذلك قام بتأميم شركة النفط الأنكلو إيرانية شركة بريتيش بتروليوم الشهيرة حالياً، فقامت إنكلترا بقيادة حصار دولي على النفط الإيراني بدعوى أن إيران انتهكت الحقوق القانونية للشركة التي تملك لندن الشطر الأعظم من أسهمها. وساهم هذا الحصار في تردي مستويات المعيشة للإيرانيين، وشكل المدخل الذي عاد منه الشاه بعد الانقلاب على مصدق ليتربع على عرش الطاووس مجدداً بالدعم الأميركي والإنكليزي. انضم واحد من أبرز رموز المؤسسة الدينية الإيرانية هو آية الله كاشاني إلى حركة مصدق الوطنية، فأفتى بأن "كل من يعارض تأميم النفط الإيراني هو عدو للإسلام".

تمثل الهم الأساسي لمصدق تحديث إيران وبناء اقتصادها وتحريرها من هيمنة الشركات النفطية الكبرى، وبالتوازي مع إصلاح زراعي لإعادة تشكيل الخارطة الاجتماعية في إيران، والأخير بالتحديد ساهم في معاداة الإقطاعيين له. أما أفكار الحياد عن الأحلاف الشرقية والغربية، بالترافق مع تأميم الثروة الوطنية الأساسية النفط فقد حشدت عداء إنكليزياً وأميركياً غير مسبوق للزعيم الإيراني وحكومته الوطنية. وأفتت مجموعة من رجال الدين الإيرانيين قبيل الانقلاب بأن "مصدق معاد للإسلام والشريعة"، بسبب سياسات الإصلاح الزراعي التي طبقها ولتحالفه مع كتل اليسار والليبراليين، وهكذا انسحب آية الله كاشاني من التحالف مع مصدق فاتحاً الطريق أمام خصوم الزعيم في الداخل والخارج للنيل منه. وكان كاشاني قد رشح نفسه رئيسًا للمجلس النيابي، واتهم كتلة مصدق بأنها تقف ضد توليه المنصب، في حين اتهمه أنصار مصدق بتهمة "بيع القضية الوطنية" لمصلحة الشاه. وبعد نجاح الانقلاب كان محمود ابن آية الله أبي القاسم كاشاني، ثاني الخطباء في الراديو الإيراني لتأييد ومباركة الانقلاب على مصدق.

البلطجية المأجورين من وكالة المخابرات المركزية ليثيروا الشغب في طهران ليجعلوها تبدو كما لو لو أن هناك تأييد شعبي لانقلاب السي آي أيه، حسب رواية السي آي أيه لتفاصيل الانقلاب. 19 أغسطس 1953

ساهم القمع المتواصل لرموز وأنصار الجبهة الوطنية الليبرالية جبهة ملى، منذ الانقلاب على مصدق وحتى قيام الثورة الإيرانية، في جعلها غير قادرة على خلق تيار سياسي يستقطب على نطاق واسع المعارضة الجماهيرية للشاه وسياساته، برغم الكفاءات المتميزة لأنصار الجبهة الوطنية ونضالهم الدستوري العتيد. فإلى هذه الحملة الإعلامية وتلك الملاحقة الأمنية، يعزى بعض من فشل الجبهة الوطنية في إرساء مشروع المعارضة الجماهيرية المتنامية على مرجعيتها، أي سيادة الشعب والأمة، ومرجعية القانون والدستور. وكانت تلك الحقيقة معطوفة على تهميش دور البرلمان والدستور، هي أبرز دوافع الأجيال الجديدة للالتجاء إلى العمل السري الراديكالي. فحل الشباب الذي لا يملك ميولاً دينية على التيارات الماركسية؛ البانية مراميها على أساس دكتاتورية البروليتاريا، مثل حزب توده الشيوعي ومنظمة فدائيان خلق أو فدائيو الشعب. وبالمقابل اتجه ذوو الميول الدينية إلى التيارات الأصولية، تلك التي انضوت بحلول عام 1977 بكاملها تحت عباءة السيد الخميني، الذي بعث مصطلح ولاية الفقيه إلى الحياة السياسية في إيران.


انظر أيضاً

الهامش

المصادر

  • أجزاء من مقال للدكتور مصطفى اللباد بعنوان "زيارة جديدة إلى الزعيم محمد مصدق"

نشر في جريدة النهار اللبنانية بتاريخ 29 أغسطس 2008