تاريخ زنجبار

(تم التحويل من تاريخ زنزبار)

سكن الإنسان جزيرة زنجبار تلك منذ 20,000 سنة، ولكن تاريخ الجزيرة الحقيقي بدأ منذ أن تحولت إلى قاعدة للرحلات التجارية ما بين بلاد العرب والهند وأفريقيا. فموقع جزيرة أنغوجا (الجزيرة الكبرى لزنجبار والصغرى اسمها بمبا) أعطى الحماية الطبيعية لمينائها، وكذلك أرخبيلها الذي له بعض الأهمية، وقد استوطن العرب بالمكان الذي يسمي حاليا مدينة زنجبار، وهو المقر التقليدي للتجارة مع مدن ساحل شرق أفريقيا. وأقاموا الحاميات حول الجزيرة وبنوا فيها أول مسجد بنصف الكرة الجنوبي.

خلال عصر الاستكشافات، كانت الإمبراطورية البرتغالية أول قوة أوربية تمكنت من السيطرة على زنجبار وبقيت تحت سيطرتها 200 عام، ثم وقعت تحت نفوذ سلطنة عمان عام 1698 والتي طورت نظام التجارة والاقتصاد والمحاصيل. وتحسين المزارع لزراعة التوابل والقرنفل والثوم، حتى أعطي لها لقب مجازي وهو جزر التوابل، لينافس جزر الملوك المستعمرة الهولندية بأندونيسيا. ولها تجارة أخرى وهي العاج والتي تؤخذ من أنياب الفيلة التي تقتل في بر أفريقيا، أما المصدر الثالث للتجارة فهو تجارة الرقيق، حيث كان الآلاف من سكان المناطق المجاورة يؤسرون ويباعون كعبيدٍ على أرض الجزيرة، كما أدى ذلك إلى استقبال زنجبار كغيرها من الموانئ الأفريقية لأعداد كبيرة من تجار العبيد القادمين من أوروبا وأمريكا تحديداً مما أعطى لزنجبار أهمية في تجارة الرقيق عند العرب، فالمحيط الهندي يضاهي شهرة في مايسمى المثلث التجاري ما بين أوروبا وأمريكا وأفريقيا لتجارة الرق. ويسيطر سلطان زنجبار على جزء كبير من الساحل الشرقي لأفريقيا والمسمى بساحل الزنج وأيضا على على الطرق الداخلية الواسعة النطاق.

بدأت الهيمنة البريطانية على الجزيرة أحيانا بشكل متدرج وأحيانا بشكل متقطع، ومنها كان تحت مسمى التحرير من العبودية. حتى أصبحت زنجبار محمية بريطانية في تاريخ 1890. فعندما مات السلطان وخلفه آخر لم تكن الحكومة البريطانية راضية عنه، فقاد ذلك إلى أقصر حرب بالتاريخ والمسماة الحرب الإنجليزية الزنجبارية والتي تعتبر أقصر حرب بالتاريخ.

حصلت تلك الجزر على استقلالها من بريطانيا عام 1963 كحكم ملكي. ولكن بعد شهر قامت ثورة زنجبار الدموية، حيث قتل الآلاف من العرب والهنود وتم طرد آلاف آخرين ومصادرة أملاكهم. وقاد ذلك إلى اعلان عن جمهورية زنجبار وبمبا. التي اتحدت بعدها بفترة قصيرة مع تنجانيقا، والتي كونت بعد ذلك مايسمى تنزانيا، وإن استمرت زنجبار كمنطقة ذات حكم ذاتي. وقد ظهرت زنجبار بالوقت الحالي في الأخبار العالمية من خلال مذابح أهاليها المسلمين عام 2001 التي اعقبت الانتخابات المتنازع عليها.

علم سلطنة زنجبار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ماقبل التاريخ

كانت زنجبار مأهولة منذ العصر الحجري. فقد وجد كهف يحتوي على آثار صغيرة لأدوات أظهرت بأن الإنسان سكن الجزيرة منذ 20,000 سنة (Sinclair et al 2006). وتلك الأدوات كانت معروفة حتى العصر الحجري المتأخر (مجتمعات الصيد). الاكتشافات الأثرية للكهف الجيري بواسطة تقنية الكربون المشع اظهرت وجود فترة استيطان حديثة، منذ حوالي 2800 قبل الميلاد وحتى عام 0 ميلادي (Chami 2006). وقد وجد من بين آثار تلك المجتمعات قلائد زجاجية آتية من جميع أرجاء المحيط الهندي. وهو اعتقاد بوجود شبكات قديمة للتجارة عبر المحيط، وعلى الرغم من أن بعض الرواة عبروا عن تشككهم لهذا الاحتمال.

لم يكتشف وجود أي قطع من الفخار كانت تستخدمها المجتمعات الزراعية القديمة أو الحديثة بأي من الجزيرتين (زنجبار ومافيا) خلال الألفية الأولى من قبل الميلاد. وظهرت دلائل على أن بداية المجتمعات الزراعية المتأخرة واستعمال الحديد بدأ منتصف الألف قبل الميلاد وتشير إلى ظهور المجتمعات الحضرية مع بداية بناء البيوت الخشبية والطينية (Juma 2004). وهذا يعتبر إلى حد ما أقدم من بعض البلدات المكتشفة بساحل شرق أفريقيا والتي بدأت منذ القرن التاسع قبل الميلاد. ويعتبر جزيرتي هاديمو وتومباتو هما أول من سكنها أسلافهم الأوائل القادمين من ساحل أفريقيا الشرقي حوالي 1000 قبل الميلاد، ومن مجموعات عرقية مختلفة وسكنوا في قرى صغيرة ويظهر أنهم فشلوا بتكوين كيان سياسي قوي، لعدم وجود تنظيم مركزي كما أنهم اظهروا الخنوع للغزاة الخارجيين.


الحكم العربي الأول

دلت الآثار الفخارية عن وجود خطوط تجارية قديمة مع زنجبار تعود إلى أيام الأشوريين. فربما يكون التجار العرب (خصوصا اليمنيين وسكان الخليج من العراق وشيراز) وأيضا من الهند قد اتوا زنجبار ابتداءا من القرن الأول ميلادي. فقد استخدموا الرياح الموسمية للإبحار خلال المحيط الهندي والوصول إلى مرفأ مايسمى اليوم بقرية زنجبار، على الرغم من شح المصادر المهمة للتجار بالجزيرة، إلا أنهم أوجدوا الموقع الجيد لعمل الإتصالات والقيام بالتبادل التجاري مع القرى الأخرى بساحل أفريقيا الشرقي. وقد وصل الإسلام إلى زنجبار عن طريق الهجرات العربية والشيرازية إلى شرق أفريقية في نهاية القرن الأول الهجري ومن أوائل الهجرات العربية : هجرة من قبيلة الأزد في سنة 95 هجرية وأكثر العرب المهاجرين إلى هذه الجزيرة هم من العمانيين في زمن سعيد بن سلطان خصوصا قبيلة الحرث.

في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان قام الحجاج بن يوسف الثقفي بمحاولة ضم عمان إلى الدولة الأموية وكان يحكمها حينذاك سليمان وسعيد أبنا عبدالجلندي وهما من أعظم سلاطين عمان، وقد امتنعا عن الحجاج، فأرسل إلى عمان جيشا كبيرا لا حول لهما به فآثرا السلامة وحملا ذراريهما وخرجا بمن تبعهما من قومهما فلحقوا جميعا بأرض الزنج في شرق أفريقيا وقد تكون تلك الأرض هي زنجبار.

وبالقرن العاشر ميلادي بدا التخطيط العمراني المصاحب بإدخال المواد الحجرية في صناعة البناء بساحل أفريقيا الشرقي. وفي أواخر القرن ال11 وأوائل القرن ال12 بدأ التجار بالاستقرار كمجموعات صغيرة في زنجبار وتزاوجوا مع سكانها الأفارقة. ثم حكموها حكما وراثيا سمى بمويني مكو أو السلطان، والتي برزت في جزيرة هاديمو، وهناك الشاه وهو أقل سلطة في تومباتو. كانت كلا من زنجبار والجزيرة الخضراء ومافيا وممباسا وكلوة وجزر القمر في العهود السابقة للاستعمار الغربي رقعة جغرافية وسياسية واحدة، فبداية الحكم الإسلامي في زنجبار خصوصا والشرق الإفريقي عموما بدأت مع بداية الهجرة الجماعية إليها، حيث اشترى السلطان حسن بن علي الشيرازي جزيرة كلوة من حاكمها الوثني وامتلكها مع أولاده، وكان أول من ملك البلاد (يقصد شرق أفريقيا) منهم السلطان علي بن الحسين بن علي، وذلك في أواسط القرن الثالث الهجري وولى ولده محمد بن علي على ممباسة، وبعد اضطراب الأمور وحدوث الفتن خرج بعض ذرية السلطان علي بن الحسين من كلوة إلى زنجبار لطلب النصرة من سلطانها كما أن صاحب السلوة ذكر أن السلطان سعيد بن سلطان، سلطان كلوة (وليس المراد هنا السلطان سعيد البوسعيدي) حين قام منازعا في الملك فلما لم يكن له طائل، ترجح له أن يخرج من البلاد مهاجرا إلى زنجبار لطلب النصرة على سلطانهم. فلما وصل زنجبار وجد السلطان فيها هو السلطان حسن بن السلطان بن بكر، فطلب منه النصرة على كلوة فوعده بذلك[1]، ويبدو أن هذه الجزر الواقعة في شرق أفريقيا كانت عبارة عن سلطنات إسلامية على رأس كل سلطنة سلطان. ولكن الحال واحدة حيث دبت الخلافات وشبت الحروب بين الاخوة وأبناء الملة الواحدة والذي يؤكد هذا الكلام أن المسعودي قال في مروجه أثناء الكلام عن هذه الجزر الواقعة في بلاد الزنج من المحيط الهندي (أن حكامها كانوا مسلمين) وذلك كان في القرن الرابع الهجري، ولكن رغم ذلك فقد شهدت هذه الدول وهذه السلطنات تطورا حضاريا في مجالات عدة على ذات النسق الذي كانت تعيشه المدن العربية ومدن الخليج العربي كما يحدثنا سبنسر ترمنجهام عن ذلك التأثر الحضاري في شرق إفريقيا عموما وزنجبار خصوصا، بالحضارة الإسلامية فيقول: (وكان الارتباط بحضارات الدول التي جاء منها المستوطنون الأوائل قويا شديدا فعمل الشعب الجديد على تقليد حياة مدن جنوب الجزيرة العربية ومدن الخليج العربي)[2].

ويقول المؤرخ الأمير شكيب أرسلان في كتابة (حاضر العالم الإسلامي) إن العرب العمانيين قد تملكوا الجزر والسواحل في شرق أفريقيا، كانت زنجبار تخضع لسلطنة عمان سواء في عهد السلاطين اليعاربة أو سلاطين ال بوسعيد. وكانت السلطة العمانية تمتد إلى مومباسا وماليندي ومقديشو وأسمرة وبعض المدن في وسط أفريقيا وقد ظلت سيطرة العمانيين على زنجبار وساحل شرق أفريقيا حوالي ألف عام ولم تنقطع السيطرة العمانبة عن تلك المناطق إلا لفترات قصيرة بسبب رحلات الاستكشاف البرتغالية التي أعقبها الاستعمار البرتغالي نفسه فانتزعوها منهم عام 1503م، وبقيت في ايديهم إلى ان طرد الامام سلطان بن سيف البرتغاليين من عمان ومن ساحل شرق أفريقيا.

أدى تواجد العرب والمسلمين من عمان وبلاد فارس إلى ازدهار الجزيرة وجعلها ميناءا للتجارة بأنواع مختلفة من البضائع. كما تمتعت بعلاقات وثيقة مع الصين والهند وأوروبا. يعتمدون في حياتهم على ما يصطادون من البحر. وعلى ما يبيعونه في الأسواق المجاورة. جذبت روائع زنجبار العديد من الرحالة المعروفين، والذين كان من بينهم الرحالة المغربي ابن بطوطة. وقد تحدثوا جميعا عن ميناء زنجبار المزدحم. يقال أن المسلمين الفارسيين قد جاءوا إلى هناك منذ القرن العاشر الميلادي. حتى أن بعضهم قد استقر هناك وتزوج من السكان المحليين. ما زال أحفادهم يقيمون هناك وهم يعرفون بالشيرازيين.

مسجد كيزمكازي

يعرف الجامع محليا أيضا باسم مسجد شيرازي ديمباني وهو يقع بالقرب من قرية كيزمكازي جنوب الجزيرة وذلك حوالي 500 هجري / 1107 ميلادي وهو أقدم مسجد بنصف الكرة الجنوبي وقد بناه اليمنيون. ومع هذا ما زالت بنيته صلبة قوية. تزين جدران المسجد الأمامية وحرابه عبارات من القرآن الكريم نحتت بالأحرف الكوفية.

حكم البرتغاليون

كان قدوم المستكشف البرتغالي فاسكو دا جاما إلى المنطقة عام 1497م بداية النفوذ الأوروبي على المنطقة، فقد قدم إلى المنطقة بعد محاولات داياز وداكوفيلهان المشجعة، فعبر رأس الرجاء الصالح مبحرا إلى الهند ومبقيا سفنه قريبة من ساحل شرق أفريقيا. وقد مر على زنجبار وتوقف في مومباسا حيث استقبل استقبالا عدائيا من السلطان، ولكنه استقبل بحفاوة في مالندي، الأعداء التقليديين لمومباسا، مما مكنه من تكوين صداقة قوية على طول ساحل مالندي وبنى نصب تذكاري بها، وتعاقد مع الدليل العربي أحمد بن ماجد والذي استطاع بخبرته في الرياح الموسمية بعبور المحيط الهندي وأن يصل بالحملة إلى كاليكوت (ما يعرف اليوم بكوزيكود) في جنوب غرب الهند. وقد رسي ليوم واحد في أنغوجا عند عوته من الهند قافلا إلى البرتغال عام 1499م[3].

وقد توالى قدوم المستكشفين إلى المنطقة مع بداية القرن السادس عشر وسجلوا عن المظاهر الحضارية التي تتميز بها زنجبار خصوصا وشرق أفريقيا عموما. فقد قال الرحالة البرتغالي دوراراث ‏باربوسا واصفا المنطقة قبل مجيء الاستعمار:

ما إن وصلت سفن فاسكودي جاما إلى سفالة حتى فوجئت بما لم أكن ‏أتوقعه فقد وجدنا موانئ تطن كخلايا النحل ومدناً ساحلية عامرة بالناس وعالما تجارياً ‏أوسع من عالمنا كما وجدنا من البحارة العرب رجالاً عبروا المحيط الهندي ويعرفون ‏دقائق مرافئه وسجلوا هذه الدقائق في خرائط متقنه لا تقل فائدة عما كانت تعلمه أوروبا[4].

وقد قرر البرتغاليون احتلالها بعدها بأربعة أعوام، فنسوا جميع الصداقات التي بنوها هنا بمجرد وصولهم أنغوجا عام 1503م. فما أن حطت سفنهم جنوب الجزيرة حتى أسروا 20 سفينة شراعية سواحيلية وقتلوا 35 من بحارة تلك السفن، ثم أجبروا معيني مكو وهو سلطان الجزيرة على الخضوع لحكم البرتغاليين، والسماح لسفنهم في العبور خلال الجزيرة وطلبوا منه أن يدفع للتاج البرتغالي ضريبة سنوية. فأضحت جزء من الإمبراطورية البرتغالية في اغسطس 1505 عندما هاجم الأسطول البرتغالي بقيادة فرانسيسكو دا ألميدا مومباسا، ثم بمبا 1506.

وفي عام 1510 تم اسقاط ضريبة انغوجا وثار أهالي بمبا على البرتغاليين. فبدأ بنهب وحرق القرى في أنغوجا وبمبا. ثم استعاد البرتغاليون سيطرتهم على تلك الجزيرتين، وما أن مر عام 1525 حتى تم السيطرة على معظم ساحل أفريقيا الشرقي ابتداءا من جزيرة لامو بكينيا حتى سفالة. فسيطر البرتغاليون على تجارة الذهب والعاج والأبنوس والعبيد فصارت تنقل من داخل أفريقيا إلى مستعمراتهم في الهند أو تنقل إلى البرتغال[3].

عودة العمانيون إليها

اليعاربة

أرسل الإمام سلطان بن سيف الأول السفن العمانية أمام سواحل أفريقيا الشرقية أعوام 1650, 1652, 1655م وذلك لمهاجمة الحاميات البرتغالية في زنجبار وبمبا فدمرتها وقتلت عددا من البرتغاليين واستولى المهاجمون على زنجبار وبمبا 1652م، كما حاصر ممباسا مدة خمس سنوات وقضى على البرتغاليين فيها. كما نجحت دولة اليعاربة في عهد الإمام سيف بن سلطان الأول في وضع حد للنفوذ البرتغالي في شرق أفريقيا حين نجح الأسطول العماني عام 1696م في تدمير الحاميات البرتغالية الموجودة في بمبا. وتمكن بعد حصار ممباسا الذي استمر 33 شهرا من عام 1696 إلى عام 1698م من هزيمة البرتغاليين وطردهم من المدن والجزر على الساحل الشرقي لإفريقيا وتعيين ناصر بن عبد الله حاكما على ممباسا. وهكذا امتدت السيادة العمانية في شرق أفريقيا من رأس دلجاو جنوبا حتى مقديشو شمالا[5]. وأسسوا الحاميات في زنجبار وبمبا وكلوة. وبالرغم من الانتصارات التي حققها الإمام سلطان بن سيف في زنجبار، الا أن الجلاء البرتغالي لم يتم إلا في عهد الإمام سيف بن سلطان الذي وضع حجر الأساس لبحرية عُمان الشهيرة التي سيطرت على جميع الساحل الإفريقي الشرقي من (ممباسة) إلى (كلوه) إذ سيطر العُمانيون على ممباسة (1110هـ/1698م) وسيطروا على بمبا وزنجبار وبته وكلوة، وكانت موزمبيق هي الوحيدة التي قاومت الأسطول العربي العُماني وبقيت بأيدي البرتغاليين إلى القرن العشرين، وقد حاول البرتغاليين استعادة مراكزهم البحرية الضائعة وقاموا بهجوم موحد على زنجبار ومسقط في آن واحد عام (1142هـ/1729م) ولكنهم أصيبوا بهزيمة منكرة، وبذلك انهارت آمال البرتغال في استعادة سيادتها على الخليج والمحيط الهندي، وامتد نفوذ عُمان من جنوب الجزيرة العربية وسواحل شرقي أفريقيا في الغرب إلى سواحل وادي السند في الشرق[6].

وكانت ممباسا مقر الولاة وكان الأئمة اليعاربة في عمان يرسلون ولاتهم إليهما وإلى غيرها من بلاد شرق أفريقية ولما ضعفت قوة اليعاربة في عمان عرض الإمام سيف بن سلطان الثاني على المزاريع ولاية ممباسة على أن يدفعوا له شيئا معلوما كل سنة وهكذا صار الشيخ المزروعي يحكم ممباسا وزنجبار وملحقاتها سنة 1163هـ. وفي أثناء ولاية الشيخ محمد بن عثمان انتقلت الإمامة من اليعاربة إلى الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي فانتهز الوالي المزروعي الفرصة وأراد أن يستقل بملك ممباسا وملحقاتها وامتنع عن دفع الضريبة المفروضة فقام أحمد بن سعيد بمهاجمة المزاريع والقضاء التام عليهم وخضعت ممباسة وملحقاتها وزنجبار وبمبا للحكم البوسعيدي في عمان.

البوسعيد

سلطنة مسقط وعمان في أوج قوتها عام 1856 قبل أنفصالها إلى سلطنة عمان وسلطنة زنجبار

تولى الحكم السيد سعيد بن سلطان الذي صمم رغم مشكلاته الداخلية والخارجية على تثبيت نفوذه واستعادة ممتلكات عمان وإعادة السيطرة العمانية على شرقي أفريقيا. كانت أول زيارة له إلى جزيرة زنجبار في عام 1243هـ / 1828م بعد جولة إلى ممباسة وقد ناوشه المزاريع ثم سلموا له القلعة، وبذلك خلصت له ممباسة وأصبح يسيطر على جميع شرقي أفريقيا. ومكث هذا السلطان ثلاثة شهور في زنجبار ثم عاد إلى عمان بعد اخماد القلاقل الموجودة هناك. ثم عاد بعدها إلى زنجبار ليتخذها عاصمة جديدة لدولته التي امتدت من أرض عمان والخليج العربي وبندر عباس من أقاليم فارس وحتى رأس دلفادو في أقصى شرق أفريقيا وداخلية البر الإفريقي مثل دودما, تانقا, وغيرها من المدن بل امتدت سلطنته لتصل إلى بعض أجزاء الهند[2]، وكان ذلك ابتداء من عام 1832م عندما انتقلت العاصمة من مسقط إلى زنجبار.

اسطول السلطان سعيد البحري

ازدهرت الحياة الاقتصادية في زنجبار في عهده ازدهارا لا مثيل له حيث عمت التجارة واتسع نطاقها، بفضل الاسطول الكبير الذي كان يمتلكه، والذي يعتبر ثاني أضخم اسطول بحري بالمحيط الهندي، إلا أنه كان يستخدم اسطوله هذا في التجارة لا في الحرب، وقد اشتهر عنه مقولته:«إنني تاجر قبل أن أكون سلطانا»، وكانت سفنه تصل في رحلاتهاإلى موانئ فرنسا وبريطانيا وغيرها للتبادل التجاري[7].

وينسب إلى السلطان سعيد فضل زراعة القرنفل التي اشتهرت بها الجزيرة في أرجاء المعمورة. وحرص السلطان سعيد عند انتقاله إلى زنجبار ان يحضر معه الكثير من عرب عمان والتجار الهنود الذين عرفوا بنشاطهم التجاري في مسقط.

وقد امتد نفوذ العرب داخل البر الأفريقي وامتد صيت زنجبار واتسع نفوذها، فبعد أن نجح السلطان سعيد عام 1837م في ضم ممبسة إلى حكمه وانهاء حكم المزاريع، وكذلك حاول الإمتداد بسيطرته إلى جزيرة مدغشقر حيث قدم مشروع للتحالف مع ملكتها وذلك بالزواج منها. كما توسع في سواحل الصومال توسعا سلميا، وكان سبيله هو إلى ذلك هو ربط موانئها بنظامه الاقتصادي الحر، حتى استطاع أن يستولي على سواحل أفريقيا الشرقية من رأس جردفون شمالا إلى خليج دلجادو جنوبا[7]. وأقام علاقات ديبلوماسية مع ملوك الدنيا ورؤساء جميع الدول دون استثناء كما بنى القصور والدور والحمامات ولا تزال هذه الآثار العظيمة شاهدة إلى يومنا هذا على ازدهار زنجبار وأشهرها القصر الذي بناه السيد سعيد على شاطئ المحيط واسماه قصر " المتوني" واسمه مأخوذ من نهر المتوني, وهو نهر صغير في زنجبار ينبع من مكان غير بعيد عن القصر ثم يجري نحوه ويخترق بساتينه ثم ما يلبث ان يتفرع داخلها إلى جداول صغيرة تنساب صافية إلى مختلف الاتجاهات, ثم تنتهي مياهه إلى المحيط, كما بنى ابنه السلطان برغش قصر العجائب[8].

بعد وفاة السلطان سعيد عام 1856م حصلت مناوشات بين أبنائه على وراثة العرش. حتى تدخل الإنجليز بتاريخ 6 ابريل 1861 فقسموا الدولة إلى سلطنتين، سلطنة عمان ومسقط ويحكمها السلطان ثويني بن سعيد وسلطنة زنجبار ويحكمها السلطان ماجد بن سعيد وأن يدفع ماجد سنويا 40,000 دولار ماريا تريزا كتعويض، ولكنه لم يدفع سوى سنة واحدة وتوقف عنها[3].


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سلطنة زنجبار

ميناء زنجبار عام 1920

بعد توزيع السلطنة العمانية ما بين الأخوين، تمكن السلطان سعيد من السيطرة على الجزء الواقع على ساحل أفريقيا الشرقي والمعروف باسم بلاد الزنج، وعلى طرقها التجارية الممتدة إلى داخل القارة الأفريقية والتي تصل حتى قرية كوندو المطلة على نهر الكونغو. ولكن وفي نوفمبر 1886 وضعت لجنة الحدود الألمانية-البريطانية ساحل الزنج بحيث أبقوا لزنجبار شريط ساحلي عرضه 10 ميل بحري (19كم) على طول الشريط الساحلي لشرق أفريقيا، والذي يمتد من رأس دلجادو (ضمن أراضي موزمبيق حاليا) إلى كيبيني بكينيا، بما فيها ممباسا ودار السلام، والجزر المحيطة بالإضافة إلى العديد من القرى الموجودة في مايسمى الآن الصومال.

وليست بريطانيا وحدها من كان لها الوجود والحضور العسكري والسياسي في زنجبار بل تكالبت كثير من الدول على هذه الجزيرة حيث كانت الولايات المتحدة سباقة إلى أرض زنجبار، وقد أبرمت السلطنة معاهدات مع أمريكا بداية حيث أن نفوذ أمريكا كان هو المتسلط في زنجبار أثناء السنين التي أعقبت وصول السيد سعيد وبقيت مدة طويلة متسلطة على جميع المصالح التجارية في أفريقيا الشرقية بل كانت عندها قاعدة عسكرية في زنجبار بمنطقة تونغو(tunguu) ضمن الاتفاقية العسكرية بين البلدين والتي عقدت أساسا من أجل مكافحة البرتغاليين في موزمبيق وأغلقت هذه الأخيرة في عهد الثورة والاتحاد مع تنجنيقا، لما قطعت العلاقات في منتصف الستينات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تكن فرنسا بمنأى عن هذه المعاهدات السياسية فقد شاركت فيها سيما ولأنها تملك مستعمرتين واقعتين بالقرب من هذه الجزيرة وهما (مدغشقر وجزر القمر) حيث كانتا تحت السيطرة الفرنسية، وتلتها إيطاليا 1877، ثم ألمانيا 1885، ثم روسيا 1896م وفحوى هذه المعاهدات أن تضمن هذه السلطنة لرعايا هذه الدول الحقوق التجارية والسكنى في زنجبار بلا مانع ولا رادع وتشمل إعفاء الأوروبيين من تسليم الرسوم والمعشرات للحكومة[2].

However, from 1887 to 1892, all of these mainland possessions were lost to the colonial powers of the United Kingdom, ألمانيا, and إيطاليا, although some were not formally sold or ceded until the 20th century (Mogadishu to Italy in 1905 and Mombasa to Britain in 1963).

التنافس الفرنسي البريطني في زنجبار

تعرض ساحل زنجبار لمنافسة بريطانية فرنسية، وكانت هذه المنافسة جزءا من المنافسة التي دارت بين الدولتين في سواحل المحيط الهندي والخليج العربي، والبحر الأحمرن انتهت هذه المنافسة بتدعيم نفوذ بريطانيا عل المنطقة واستبعاد النفوذ الفرنسي منها (1).

اشتدت المنافسة الفرنسية البريطانية على أملاك سلطان زنجبار السيد سعيد بن سلطان (1806-1856) وأولاده من بعده والواقع أن مسقط شهدت جانبا من هذا التنافس قبل نقل السيد سعيد لعاصمة بلاده منها الى زنجبار وقد حرص طوال فترة حكمه على الابقاء على العلاقات الطيبة مع الدول الاوروبية لأنه أيقن أن بلاده ستكون فريسة لهم، وكان السيد سعيد في بداية حكمه في مسقط يميل ويفضل تنمية العلاقات التجارية بين نقط روبورت لويس في جزيرة اي دي فرانس وفي عام 1807 أرسل أحد وجهاء عمان ماجد بن خلفان للتفاوض مع ديكان حاكم اي دي فرانس على عقد معاهدة تجارية بين الطرفين (2).

ولكن بعد استيلاء بريطانيا على ايل دي فرانس لم يصبح هناك مجال للتردد بين الدولتين الاوروبيتين فقوى السيد سعيد علاقة مسقط مع بريطانيا (3).

وقد اهتم سعيد بالسيطرة على ساحل أفريقيا الشرقي المطل على المحيط الهندي بما فيه جزر زنجبار ومافيا وبمبا، وأعلن أن أجداده خلصوا هذه المناطق من البرتغاليين فمن حقه دعم سيطرته على ممبسة فاصطدم بالمزروعي الذين كانوا في ذلك الوقت يحكمم عبد الله المزروعي الذي وجه خطابا اليه يكيل فيه السباب كذلك رافق مع الخطاب بعض البارود تعبيرا عن عدائه له (4).

وقد سافر عبد الله المزروعي الى بومباي بنفسه لطلب النجدة من البريطانيين ولكن المسئولين لم يستمعوا له ، فحتى ذلك الوقت لم تقدر بريطانيا الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، ثم خلف سالم أباه وخلال فترة حكمه الأولى 1820-1822 طلب الحماية البريطانية وكتب في 1823 الى البريطانيين يقول: "بأن الامام يحاول الاستيلاء على بلادي ولن أعطيها له"، وقد انتهز سالم وصول سفينة بريطانية بقيادة الكابتن أوين فطلب منه اعلان الحماية البريطانية على ممبسة، وكتب اوين الى حكومة الهند أننا لو تجاهلنا المزروعين فانهم سوف يدعون الفرنسيين لحمايتهم ووجود فرنسا في ممبسة سيكون شوكة خطيرة تقض مضاجع الامبراطورية، وقبل أن يتلقى اوين الرد أعلن الحماية البريطانية على ممبسة، تلك الحماية التي استمرت من 1823-1826.

ولكن بريطانيا سحبت هذه الحماية بعد اعتراض السيد سعيد عليها (1)، ثم تطور الموقف في ممبسة نفسها، وطلب الأهالي الوحدة من السيد سعيد بسبب انتشار الفوضى فيها فضمها الى أملاكه في شرق افريقيا(2).

ولم يكتف السيد سعيد بدعم سيطرته على زنجبار والجزر التابعة لها، وانما عمل على مد نفوذه نحو الجنوب، وحاول ربط زنجبار بمدغشقر فعرض على ملكتها في عام 1832 الزواج كما سبق أن ذكرنا ولكنها رفضت، فعمل على دعم سيطرته على جزيرة نوسي بي التي تقع على بعد مائة ميل شمالي مدغشقر عن طريق عقد معاهدة تجارية معها، وافقت بمقتضاها على دفع عوائد قيمتها 5% على الصادرات التي تعد اليها وذلك في نظير الحصول على حماية السيد سعيد لها، ولكن السيد سعيد أخفق في جهوده نظرا لتزايد النشاط الفرنسي في مدغشقر (3).

كذلك حاول السيد سعيد الارتباط بجزر القمر وخاصة جزيرة موهيلي، وانتهز فرصة وفاة السلطان عبد الرحمن وتولية ابنته الحكم على الجزيرة فطلب منها مصاهرته، وتزوجت الملكة بالفعل من ابن عم السلطان ولكن أثرت الانضواء نحو النفوذ الفرنسي (1).

وفي الواقع يمكن تقسيم فترة حكم السيد سعيد الى فترتين رئيسيتين الأولى تمتد من عام 1806 وهو تاريخ فاصل الى الحكم في عمان حتى 1840 وهو تاريخ اقامته في زنجبار، وتتميز هذه الفترة وخاصة حتى عام 1832 ، وهو تاريخ نقله عاصمة بلاده من مسقط الى زنجبار بأنه كان يهتم هذه الفترة بتوطيد حكمه في عمان وتركيز سياسته صوب الخليج العربي.

أما الفترة من عام 1832-1840 فقد اتسمت بعدم استقراره في عمان أو في افريقيا فكان يوزع جهوده بينهما حتى انتقل نهائيا الى زنجبار عام 1840.

الفترة الثانية وتمتد من عام 1840 وهو تاريخ اقامته الدائمة في زنجبار حتى وفاته 1856، ويتسم هذا القسم بأن مكانا سلطانا على زنجبار أكثر منه سلطانا على عمان (2).

نقل السيد سعيد عاصمة بلاده الى زنجبار عام 1840 والتي امتازت بخصوبة أراضيها، وعمق مياهها ومركزها المتوسط، فوجد أنه من الممكن تنمية وانعاش المنطقة من الناحية الاقتصادية ، وزراعة المطاط فيها، وجذب الدول الاوروبية اليها وأن يجعل من زنجبار مستودعا لجميع المواد الخام التي ينقلها ويستخرجها العرب من أفريقيا، وفرض الرسوم الجمركية على موانيها ، وقد أصبحت هذه الرسوم من أهم موارد دولته (3).

لقد اهتم السيد سعيد بتاسيس امبراطورية عربية في شرق افريقيا ونجح بالفعل في السيطرة على الأراضي الساحلية من رأس فون شمالا حتى رأس دلجادو جنوبا، وقد أفادته هذه السيطرة الساحلية في السيطرة على التجارة الداخلية فتوغلت داخل أفريقيا بواسطة ثلاث طرق الأول من بجامايو الى تايورة ثم بحيرة تنجانيقا وفيكتوريا والثاني من كلوة الى بحيرة نياسا وكاتنجا والطريق الثالث من تنجانيقا الى فكيتوريا وقد تزياد طلب الاوروبيين على المنتجات الأفريقية وخاصة الصمغ والعاج والزيوت (1).ط

والذي يهمنا هو أن السيد سعيد اقام علاقات طيبة مع حكام بوريون في بداية حكمه ولكن سرعان ما توترت العلاقة بين الطرفين فقد صحب انتقاله الى زنجبار شروع سرطات بوريون في اتباع سياسة نشطة في القسم الغربي من المحيط الهندي أو بمعنى آخر على الخط الممتد من مسقط الى تاماتاف بجزيرة مدغشقر وكان محرك هذه السياسة هو القبطان جيان الذي كان يدعو لاستيلاء فرنسا على أحدى جزر القمر لاتخاذها مستودعا لأفريقيا الشرقية (2).

وقد حدث في عام 1840 أن قامت سفينة حربية فرنسية بزيارة زنجبار وطلبت من ممثلي السلطان التصريح لهم بناء بعض الحصون في مقديشو وبراوة لخدمة أعراضهم التجارية فرفضوا لغياب السلطان في مسقط (3).

وقد تمكنت فرنسا بعد ذلك من الاستيلاء على جزيرة نوسي بي الواقعة شمال غرب مدغشقر، كما احتلت أحد جزر الكومور في الفترة ما بين 1840-1843 ، ولكن رغم قلق السيد سعيد من تصاعد النفوذ الفرنسي في المنطقة الا أنه عمل على ارضاءها وعقد معاهدة تجارية معها وذلك في 17 نوفمبر 1884 (4) وقد منحت هذه المعاهدة فرنسا نفس الامتيازات التجارية والقضائية التي نصت عليها المعاهدة المعقودة بين السيد سعيد وبريطانيا من قبل في عام 1839، وكان غرض فرنسا الأساسي هو الاستفادة من التجارة مع القسم الأفريقي من السلطنة (5) وقد أقرت المعاهدة السماح للفرنسيين بحرية الدخول في ممتلكات السلطان دون أية عقبات، كما نصت على معاملة رعايا الدولتين بشروط الدولة الأكثر رعاية، وأعطت للفرنسيين بعض الامتيازات القضائية كما سمحت لهم بتأسيس المراكز التجارية في عمان وتوابعها واتخذت المعاهدة تعديلها الأخير في عام 1846، وتأسست قنصلية فرنسية في زنجبار في عام 1847 (1).

رغم توقيع معاهدة 1844 بين الطرفين، الا أن الأطماع الفرنسية تزايدت في الساحل الشرقي من أفريقيا، وخاصة بعد تدعيم السيطرة الفرنسية على مايوت ونوسي بي، وقد بدأت بريطانيا في مراقبة نشاط فرنسا في المنطقة فأرسلت تجارها وعملائها الى الساحل، كما زارت السفن الحربية البريطانية في زنجبار وارسل القواد العسكريين البريطانيين تقاريرهم العسكرية عن امكانية الافادة من زنجبار لخدمة مصالح بريطانيا في الهند كذلك نبهوا الحكومة البريطانية الى نوايا فرنسا التوسعية في المنطقة (2).

وقد اتبعت فرنسا بالفعل سياسة نشطة في ساحل زنجبار فحاولت خلال هذه الفترة شراء كلوة وغيهرا من موانئ الساحل الأفريقي الشرقي ولكن السيد سعيد رفض واستنج بالبريطانيين طالبا مساعدتهم وهددهم بالدخول في مفاضوات مع الفرنسيين (3).

وضغط السيد سعيد على بريطانيا واعتمد على صداقته معها فارسل الى بلمرستون كتابا يذكره فيه بالصداقة بين البلدين، وينبهه الى أن الفرنسيين يضعون أعينهم على بلاده وأن لابد من وضع حد لأطماع الفرنسيين في شرق افريقيا (4).

بعد وفاة السيد سعيد 1856 حدثت الأزمة الشهيرة بين أبنائه فتدخلت فرنسا، ووصلت بعض القطع البحرية الفرنسية أمام مياه أفريقيا الشرقية بقيادة فلريودي لانجل الذي وصل الى زنجبار وطلب مقابلة ماجد ابن السيد سعيد وأخبره بأن بريطانيا لا يحق لها التدخل في النزاع القائم بينه وبين أخيه برغش وان الحكومة الفرنسية حريصة على ألا يرفع علم أجنبي على زنجبار، وحاول دول لانجل تصفية الخلاف بين ماجد وبرغش مما أدى الى استياء القنصل البريطاني رجبي الذي صرح لحكومته ان الفرنسيين يتطلعون لخلع ماجد وتعيين برغش للحصول على موطن قدم في ساحل أفريقيا الشرقي (1).

وقد حاول ثويني مساعدة أخيه برغرش واقتلاع ماجد من زنجبار، فأرسل الى نابليون الثالث رسالة يخبره فيها بأنه يتطلع لرؤية السفن الحربية الفرنسية في موانئ بلاده، وانه يريد توطيد العلاقة مع الفرنسيين، كذلك كان لبرغش صلات مع المسئولين في غرفة التجارة الفرنسية في مارسيليا فأعرب لهم عن رغبته في مساعدة فرنسا في الوصول الى الحكم في زنجبار نظير أن يمنحهم امتيازات في بلاده أكثر مما قررته لهم معاهدة 1884 (2).

وفي عام 1861 أصدر نائب الملك في الهند تحكيمه المشهور وحكم ماجد زنجبار بينما حكم ثويني في مسقط وتزايد اهتمام بريطانيا بزنجبار فكتب القنصل رجبي أن بريطانيا يهمها المحافظة على المنطقة الممتدة من ناتال الى رأس جردوفوي، كما أنها تهتم بزنجبار لان سكانها يعملون بنشاط مع الهند ومع العرب ومع اقاليم افريقيا الداخية (3) ، كذلك تزايد النشاط الفرنسي في زنجبار خلال هذه الفترة ففي 4 سبتمبر 1860 بعث هنري كيبل قائد محطة الرأس بتقرير الى وزايرة البحرية البريطانية ذكر فيه أن الفرنسيين يعملون على دعم سيطرتهم في قلب زنجبار وانهم أقاموا ثكنة رحيبة في البلاد بحجة استخدامها كمستشفى ونقلت وزارة البحرية البريطانية على الفور تلك الأنباء الى وزارة الخارجية التي طلبت من السفير البريطاني في باريس الاستفسار عن هذا الموضوع وقد رد توفنل وزير الخارجية الفرنسي بأن هاذ المبنى خصص لأغراض دينية بناء على أوامر من أسقف ريونيو وانه تم وضعها تحت تصرف وزارة البحرية الفرنسية لانشاء مخزنا فيه (4)، وهكذا نلمس أن المنافسة اشتدت بين الدولتين خلال الستينات من القرن التاسع عشر فبمجرد انشاء مبنى فرنسي اثار قلق ومخاوف الحكومة البريطانية ولذلك كان لابد من حدوث اتفاق بين الدولتين فتم اصدار التصريح الثنائي الشهير عام 1862 أعلنت الدولتان استقلال مسقط وزنجبار.

والواقع أن فرنسا رغم اهتمامها بساحل زنجبار الا أنها ركزت جهودها خلال هذه الفترة على مدغشقر وجزر القمر (1).

ورغم اصدار تصريح 1862 الذي كان يحول دون انفراد احدى الدولتين بالنفوذ في سلطنة زنجبار، الا أن القنصل البريطاني رجبي عمل على مراقبة النشاط الفرنسي وذكر لحكومته انه لا يتخذ طابعا سلميا وان السفن الحربية الفرنسية تزور المنطقة باستمرار وقد مارس الفرنسيون تجارة الرقيق في ساحل زنجبار وعينوا مندوبين لهم على طول الساحل وكان الفرنسيون لا يدفعون أية ضرائب على الأرقاء الذين يصدرونهم سرا من الموانئ والجزر التابعة لسلطنة زنجبار الى جزيرة ريونيو ومايوت وقد حاول ماجد وقف هذه العملية واحتج لدى قنصل فرنسا في زنجبار ولكن الأخير رفض الاحتجاج فتدخل القنصل البريطاني لمؤازرة ماجد (2).

توفى ماجد ليخلفه برغش في الفترة من 1870-1888 وقد شهدت فترة حكمه تدعيم السيطرة الاوروبية على بلاده، وخاصة السيطرة البريطانية، ففي عام 1872 أسس وليم ماكيدون شركة الملاحة الأنجلوهندية هدفها العمل بين كل من زنجبار والهند واوروبا، ووضع ماكيدون عدة مشاريع لاستغلال المنطقة ساعده على ذلك تعيين جون كيرك عام 1873 قنصلا عاما على زنجبار، وقد أصبح لكيرك نفوذ هائل في المنطقة، فقام بخدمة مصالح بلاده, عقد المعاهدات مع الزعماء المحليين وكان له هدف واحد، وهو أن يخلص هذه المنطقة من ساحل شرقي أفريقيا لبريطانيا، وان يعمل على ابعاد النفوذ الاوروبي منها، ولذلك تظاهر بحماية مصالح السلطان برغش (3).

ولكن فرنسا هي الأخرى عملت على تدعيم نفوذها في المنطقة خلال فترة حكم برغش، ولعب المبشرون الفرنسيون دورا كبيرا في المنطقة وخاصة الاسقف لافيجيري 1825-1892 الذي وضع نظام الآباء البيض، وكان من رأيه تقسيم أفريقيا الاستوائية بين البعثات التنصيرية، وبعد أن أسس جماعة الآباء البيض في شرق أفريقيا عام 1878 بدأت أفواج النزول الى المنطقة (1)، وقد أرسلت فرنسا في عام 1878 حنملة من أكبر الحملات التنصيرية الى أراضي برغش بقيادة ميشيل ديبار وهو من رجال الدين الفرنسيين كان يعتقد أن الله وحكومته تنادية للعمل في افريقيا، لنشر المسيحية وقد فوضته الحكومة الفرنسية بدعم سيطرتها في المنطقة التي يصل اليها، ورصد له البرلمان الفرنسي مبلغ مائة ألف فرنك لتجهيز الحملة وقد وصل ديباز الى زنجبار ومنها اتجه الى تابورة عام 1879 ثم اوجيجي وكتب الى حكومته بأنه يعمل في سبيل مجد الله ومجد فرنسا، وقد خطط للوصول الى الكونغو ولكنه توفي 1879 (2).

وفي عام 1879 طلبت شركة الهند الشرقية الفرنيسة من برغش مد خط حديدي من بجامايو حتى اوجيجي ولكنه رفض بناء على نصائح كيرك، ورغم ذلك تأسست شركة فرنسية في عام 1880 في تابورة، كذلك عملت شركة أخرى في لامو (3).

وطوال السبعينات والثمانينات من القرن التاسع عشر وفرنسا تتابع جهودها في ساحل زنجبار من بعثات تنصيرية وشركات تجارية وتجارة مع السواحل، كذلك زار المنطقة الرحالة الفرنسيون فوصل جورج رفوال عام 1879 الى زنجبار ثم توغل في داخل البلاد عام 1883 – كذلك قدم الى الساحل فيكتور جيرو وحاول قطع القارة عرضيا للوصول الى ساحل المحيط الأطلنطي فحققت رحلته نجاحا كبيرا (4).

واذا كانت المنطقة قد شهدت تنافسا بين فرنسا وبريطانيا فان التجار الألمان والشركات التجارية الألمانية عملت بنشاط في المنطقة ووقع كارل بيترز المعاهدات مع شيوخ ورؤساء القبائل، وقد توصلت بريطانيا الى عقد اتفاق مع ألمانيا لتحديد مناطق نفوذ كل منهما في أملاك سلطان زنجبار فوقع اتفاق 1886 بين الدولتين حصلت بريطانيا بمقتضى الاتفاق على الجزء الشمالي من أملاك سلطان زنجبار فتحكمت في مساحة كبيرة امتدت من ساحل ممبسة حتى بحيرة فيكتوريا، وعرفت مناطق نفوذها باسم أفريقيا الشرقية البريطانية، والتي عرفت فيما بعد باسم كينيا، أما ألمانيا فقد حصلت على ما عرف باسم أفريقيا الشرقية الألمانية تنجانيقا ثم جنوبا حتى نهر روفوما (1).

قضى الاتفاق الألماني البريطاني على أمال برغش ولم يعد له سوى جزيرة صغيرة وعشرة أميال تمتد من روفوما على طول الساحل الشرقي وأجبر برغش على قبول السيطرة البريطانية في المناطق الساحلية ثم توفي في العام التالي (2).

أما فرنسا فقد جاء توقيع اتفاق عام 1890 حلال للمشكلة بينها وبين بريطانيا فقد اعترفت فرنسا بنفوذ بريطاينا في زنجبار وتعهدت بريطانيا بحماية رعايا فرنسا وبعثاتها التنصيرية وبنفوذ فرنسا في جزيرة مدغشقر وتعهدت بحماية رعايا بريطانيا وبعثاتها التنصيرية في الجزيرة (3).

وبتوقيع اتفاق 1890 تم استبعاد النفوذ الرنسي من زنجبار نهائية.


انظر أيضا

المصادر

  1. ^ السلوة في أخبار كلوة، الشيح محي الدين القحطاني، ص 29، تحقيق محمد علي الصليبي، وزارة التراث القومي، سلطنة عمان. طبعة الأولى عام 1988
  2. ^ أ ب ت صراع الحضارات على جزيرة زنجبار وأثره على الدعوة الإسلامية إعداد الأستاذ: عبد الحق ميحي تهامي
  3. ^ أ ب ت المرشد السياحي لزنجبار حكم البرتغاليين
  4. ^ مركز الأبحاث
  5. ^ اليعاربة في شرق أفريقيا
  6. ^ وزارة الخارجية العمانية- عمان في التاريخ، دولة اليعاربة
  7. ^ أ ب الدكتور جمال زكريا قاسم: سعيد بن سلطان، مؤسس امبراطورية عربية أطاح بها الاستعمار. مجلة العربي، عدد161 ابريل 1972
  8. ^ تاريخ ألبوسعيد خلال الفترة: 1743 – 1804م

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصلات خارجية