العملية حيسول

نصب تذكاري للعملية حيسول في كريات گات.

عملية حيسول (بالعبرية: מבצע_חיסול‎)، هي عملية عسكرية إسرائيلية أثناء حصار الفالوجة، حرب 1948.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أحداث العملية

تم اختيار اسم حيسول، أي تصفية بالعربية، ومعناه "تصفية جيب الفالوجة". كانت خطة هذه العملية معدة منذ نوفمبر 1948، إلا أنّ تنفيذها تقرر أن يكون خلال حملة كبيرة شاملة ضد الجيش المصري في فلسطين، وهي حملة حوريڤ، والتي بدأت في ليلة 22-23 ديسمبر 1948، بحيث تبقى قوات إسكندروني في مواقعها، وتستمر في تشديد الحصار على الفالوجة ومنع أي محاولة لنجدة لواء الفالوجة، سيقوم بتنفيذها أي من الجيوش العربية، خلال انشغال وحدات الجيش الصهيوني بحملة حوريڤ. ولما لم يتم تقديم أية مساعدة للجيش المصري خلال الحملة، ولأنّ هذه الحملة تقدمت حسب الخطة الموضوعة لها، صدرت الأوامر بضرورة تنفيذ عملية حيسول، من أجل القضاء على وحدات الجيش المصري المحاصرة، وتصفية ما يسمى بجيب الفالوجة إلى الأبد، على أن ينفذ الهجوم في ليلة 27-28 ديسمبر 1948.[1]

من أجل وضع الخطة النهائية لعملية حيسول، قامت وحدات من إسكندروني بتنفيذ جولات استطلاعية حول قرية عراق المنشية بهدف الوصول إلى نقطة الضعف التي يمكن من خلالها اختراق خطوط الدفاع المصرية القوية. وقد نفّذت هذه الجولات في الليلتين اللتين سبقتا ساعة الصفر، أي ليلة 25-26 وليلة 26-27 ديسمبر، وخلال هذه الجولات قامت إحدى الوحدات بإطلاق قذيفة فيات على القوة المصرية المتواجدة عند الجدار الشرقي، ولكن هذه ردت بإطلاق رصاصتين فقط. وحدة صهيونية أخرى أطلقت قذيفة فيات على قوة مصرية أخرى، والتي لم تردّ بالمرة على النيران الصهيونية، ما صعّب على "إسكندروني" معرفة المنطقة المحصنة جيدًا. في الليلة الثانية، تم تنفيذ رصد دقيق لتحركات الجيش المصري من كافة جهات عراق المنشية، إلا أنّ الوحدات التي نفذت هذه الطلعات لم تشعر بأي حركة تشير إلى ما يوجد داخل الأسلاك الشائكة. ولذلك، تم تنفيذ جولات استطلاعية خلال نهار 27 ديسمبر، وبعد هذه الجولات اعتقد قائد لواء إسكندروني بأنهم توصّلوا إلى الحل الأمثل لاحتلال القرية العربية.

خلال هذه الجولات الاستطلاعية، كانت عراق المنشية تتعرض لهجمات من الطائرات والمدفعية الصهيونية، ففي 25 ديسمبر، "حلّقت طائرة معادية، وضربت الفالوجة بحوالي 65 قنبلة، وضرب العدو عراق المنشية بمدافع الهاون والأسلحة الخفيفة، ضرباً شديداً لمدة ساعة"، كما وصف ذلك جمال عبد الناصر في يومياته. واستمر في الوصف "في يوم الأحد 26 ديسمبر، حلّقت طائرة في المساء وضربت عراق المنشية، وحلقت طائرات وضربت الفالوجة، النشاط مزداد جدا بالنسبة للعدو، الطائرات تحلّق كل الليل وتضرب القنابل. سقطت قنبلتا هاون على مجموعة من الأهالي فجرح 12 ومات 3. في يوم الإثنين 27 ديسمبر، كان هذا اليوم عصيبا جدا، وبدأت شدته في الساعة 08:30، عندما حلقت فوقنا خمس طائرات معادية، وضربت البلدة بالقنابل الثقيلة جدًا. في الساعة 09:00، بدأ العدو بضرب عراق المنشية بالمدفعية الثقيلة، وكان الضرب شنيعًا حتى أنّنا فضّلنا عليه ضرب الطائرات، واستمر هذا الضرب حتى الساعة 22:00، وكان المعدل طلقة كل دقيقة. في الساعة 16:00 حلقت ست طائرات معادية وضربت البلدة بقنابلها الثقيلة".

صحيح أنّ الهجمات الإسرائيليةعلى عراق المنشية والفالوجة كانت تنفذ بشكل يومي (أو ليلي) منذ أكثر من شهرين ونصف، إلّا أن كثافة النيران في هذه الأيام كانت أقوى وأشد، وتشير إلى احتمال تنفيذ هجوم كبير على جيب الفالوجة.

القوات التي كان عليها تنفيذ الهجوم والمشاركة فيه هي: كتيبتان قوات راجلة وهما الكتيبة الثالثة والخامسة من إسكندروني، وسرية سيارات جيب، وسرية أسلحة مساعدة من الكتيبة الرابعة لنفس اللواء، وبطاريتي مدفعية 75 مم، وبطارية عيار 65 مم، وبطارية سلاح مضاد للدبابات، و6 راجمات 6 إنش، وبطارية راجمات 120 ملم.

كانت خطة عملية "حيسول" تقضي بأن ينفذ قصف مدفعي كثيف خلال اليوم الذي يسبق الهجوم، والاستعانة بسلاح الجو في تكثيف هجماته خلال نهار 27 ديسمبر. مع انتهاء القصف المدفعي يتحول قسم من الأسلحة إلى الكتيبة الخامسة، والتعاون مع الكتيبة الثالثة والتي كان عليها اقتحام خطوط الدفاع المصرية من الجهة الجنوبية الغربية للقرية. على الكتيبة الثالثة، بعد الاقتحام، أن تتمركز على التل الذي يقع في الناحية الشمالية لعراق المنشية. تقوم سرية من الكتيبة الخامسة باحتلال المخفر المصري والمسمى مخفر الطريق الذي تصل عراق المنشية بالفالوجة، وتقوم وحدة خبراء متفجرات بتفجير الجسر الواصل بين القريتين، وتلغيم أطرافه من الجهتين، وذلك لمنع وصول أي نجدة من الفالوجة لعراق المنشية.

أمّا السرية الثانية للكتيبة الخامسة/إسكندروني، فتقوم بمهاجمة القرية من الناحية الشرقية للقرية، وهي الناحية التي تم منها الهجوم الفاشل خلال حملة "يوآڤ"، وذلك بقصد التمويه عن الهجوم المركزي. كان على سرية من الكتيبة الثانية أن تتقدم باتجاه القرية من بيت جبرين، وبذلك تتحول إلى قوة احتياط وتدخل المعركة، هي وسرية سيارات الجيب عند وقوع أي طارئ.

في الساعة 20:30، خرجت السرية الأولى من الكتيبة الخامسة من مواقعها باتجاه مخفر الطريق لاحتلاله وتدمير الجسر الذي يربط قريتي جيب الفالوجة. في الساعة 20:40 انطلقت السرية الثانية من الكتيبة الخامسة إلى مهمتها في تنفيذ هجوم تمويهي على الناحية الشرقية لقرية عراق المنشية.

في الساعة 22:55 من ليلة 27-28 ديسمبر 1948، هاجمت السرية الإولى من الكتيبة الخامسة "مخفر الطريق"، ولكنها ووجهت بنيران شديدة من راجمات عيار 2 إنش، ورشاشات متوسطة وخفيفة، بصورة لم تتوقع السرية حدتها. أصيب خبير المتفجرات الذي كان عليه أن يفجر الأسلاك الشائكة حول المخفر المصري بواسطة "البونچولور" (عبوة ناسفة على شكل أنبوب)، وذلك قبل أن يضع العبوة الناسفة، وكذلك خبير المتفجرات الذي حاول أن يحل محله. تقدم فصيلان من السرية إلى الاسلاك الشائكة في محاولة لتنفيذ التفجير إلا أن النيران المصرية أصابت قائدي الفصيلين فقتلا على الفور، ما صعّب المهمة على باقي الجنود، فتقدم الفصيل الثالث لينفذ اقتحام الأسلاك الشائكة، إلا أنّ النيران المصرية كانت قوية جدًا، فأوقعت خسائر فادحة في صفوف القوة المهاجمة، إذ وصل عدد القتلى إلى 14 والجرحى 20 خلال فترة قصيرة، مما تسبب في انسحاب السرية الأولى، وفشل الخطة في قطع الطريق المؤدية إلى الفالوجة.

قرّر قائد لواء إسكندروني أن يستمر في خطته، رغم الخسارة الفادحة للقوة التي هاجمت مخفر الطريق، ولذلك طالب السرية الثانية للكتيبة الخامسة، بأن تنفّذ هجومها التمويهي من الناحية الشرقية لعراق المنشية، بحيث يعتقد المصريون أن الهجوم على مخفر الطريق هو هجوم تمويهي عن الهجوم المركزي الذي ينفذ من الناحية الشرقية للبلدة.

تقدّمت السرية الثانية باتجاه الأسلاك الشائكة من الناحية الشرقية لعراق المنشية، إلا أنّها تعرّضت لنيران مدفع رشاش من نوع فيكرز ورشاش من نوع "برن"، كانت نيران هذين المدفعين شديدة إلى درجة منعت جنود السرية من التقدم نحو الأسلاك الشائكة، ولم يكتفِ المصريون بذلك بل صاروا يقصفون القوة المهاجمة براجمات القنابل عيار 2 إنش، ما أدّى إلى تجمدها في مكانها ومن ثم تنفيذ انسحاب عند الساعة 23:40، بعد أن أطلقت نيرانًا كثيفة من كافة أسلحتها باتجاه الجنود المصريين.

أما الكتيبة الثالثة/"إسكندروني"، فقد استمرت في تنفيذ الخطة المنوطة بها، أذ أنها فتحت نيران مدفعيتها ومدافعها الرشاشة لمدة 15 دقيقة على الجنود المصريين المتواجدين في الناحية الجنوبية الغربية لقرية عراق المنشية، وفي الساعة 01:15 من ليلة 26-27 ديسمبر 1948، تقدمت السرية الأولى منها، بهدف تنفيذ الاقتحام واستطاعت احتلال كل مواقع الجيش المصري في الناحية الجنوبية الغربية بعد معركة قصيرة، حيث أن الفصيل الثاني السوداني انسحب من مواقعه، مما مكن السرية الأولى من الكتيبة الثالثة/ألكسندروني من اقتحام القرية والبدء بعملية تمشيط وإطلاق نار شديد على كل المواقع المصرية المقابلة لها.

تقدمت السرية الثانية من الكتيبة الثالثة/"إسكندروني" من الثغرة التي فتحتها السرية الأولى، بدعم من نيران الراجمات القوية، وبدأت بمهاجمة القوات المصرية المتمركزة إلى جنوب شارع عراق المنشية- الفالوجة، وهنا تعرضت لمقاومة شديدة من الجنود المصريين، عند محاولتها التقدم إلى الطرف الجنوبي الشرقي للبلدة، ورغم ذلك حققت نجاحات واحتلت بعض البيوت في البلدة، وصار يظهر أنّ إسكندروني تسيطر على الموقف، وأن الارتباك المصري بهذا الهجوم المفاجئ بدأ يتحول إلى فوضى، من شأنها أن تؤدي إلى خسارة عراق المنشية.

في هذه الأثناء، بدأ المصريون في تنظيم أنفسهم لهجوم مضاد، فتوجه فصيلان من الكتيبة السادسة المصرية لسد الثغرة التي فتحتها القوات الصهيونية، وفصيل من السرية الثانية بدأ بقذف المهاجمين بمدافع الهاون عيار 4،2 إنش. وفصيل من السرية الرابعة للكتيبة السادسة المصرية انطلق إلى موقع الحلة عن طريق المعاونة. وتم الاتصال بالفالوجة لتضرب الخط الذي احتلته "إسكندروني" بالمدفعية، وإرسال سرية مشاة وفصيل حمالات "برن" وفصيل مدفعية "هاون".

بعد الثالثة صباحاً، صارت المقاومة تؤتي ثمارها، إذ أعلنت السرية الأولى من إسكندروني عن وقوع خسائر في الأرواح، ولذلك أرسلت سيارات الجيب لأخذ الجرحى خارج القرية المهاجمة. في الساعة 03:20، دخلت السرية الثالثة للكتيبة الثالثة/إسكندروني إلى عراق المنشية من الثغرة التي حدثت في خطوط الدفاع المصرية، وبدأت في الاتجاه شمالا حسب الخطة من أجل احتلال التل الواقع شمال القرية، وبدأت بتحضير خط دفاع باتجاه بناية المدرسة الواقعة شمال الشارع الغربي للقرية، وذلك بهدف صد أي هجوم يأتي من الفالوجة. وتحضرت للهجوم على التل في ساعات الفجر الأولى بعد أن تنجح السرية الأولى في التمركز داخل القرية.

في هذه الاثناء، تمكنت السرية الأولى من احتلال كل الوادي الواقع شرقي القرية. أمّا السرية الثانية، فاستطاعت السيطرة على أغلب بيوت القرية جنوب الشارع، وخلال ذلك ووجهت بمقاومة شديدة واشتباكات وجهًا لوجه مع الجنود المصريين الذي قرروا الحرب حتى آخر جندي.

في الساعة 04:00، بدأت مدافع الفالوجة بإطلاق قذائفها باتجاه القوات المهاجمة، إلا أنّها قوبلت بنيران المدفعية الصهيونية الشديدة، ما أدّى إلى توقفها لفترة، ومن ثم تجدد القصف المصري بشدة عند ساعات الفجر الأولى.

في الساعة 04:30، بدأت السرية الثالثة من إسكندروني بهجومها على التل الذي تريد احتلاله، إلّا أنها ووجهت بنيران مصرية شديدة جدا، ما أدّى إلى تراجعها بعد وقوع إصابات بين جنودها. بعد ساعة حاول فصيل آخر من نفس السرية أن يقتحم التل، إلا أنّه ووجه أيضًا بنيران المدافع الرشاشة المصرية الكثيفة، فاضطر إلى الانسحاب إلى موقع السرية الثالثة.

في الساعة 05:30، اشتد الضغط على السرية الثانية من إسكندروني، حيث أنّ الجنود المصريين في عراق المنشية بدأوا هجوما مضادًا شديدا بعد خروجهم من خنادقهم، فكانت معركة شديدة وقاسية على الصهاينة، ما اضطرّ قائدهم إلى طلب المساعدة من السرية الأولى ولكنها لم تستطع تقديم المساعدة بسبب تعرضها أيضًا إلى هجوم شديد.

في الساعة 07:00 صباحاً، خرجت من الفالوجة 12 مدرعة مع مدفع عيار رطلين وحاملات مدافع رشاشة برن، باتجاه عراق المنشية. تقدمت المدرعات وهي تطلق قذائفها ورشاشاتها باتجاه القوات المهاجمة، ولم تستطع القوات الصهيونية من إيقاف هذه المدرعات، والتي سرعان ما وصلت إلى عراق المنشية، ودخلت إلى الشارع الرئيسي وحاصرت السرية الثانية والثالثة من "إسكندروني"، وركزت هجومها الأساسي نحو السرية الثالثة، والتي حاولت احتلال التل الشمالي للقرية.

كل المحاولات من أجل نجدة القوات الصهيونية داخل عراق المنشية فشلت، بسبب شدة النيران المصرية على وحدات الدعم قبل وصولها إلى القرية، وبذلك أصبح وضع وحدات "إسكندروني" حرجًا إلى درجة كبيرة. وبعد معركة شرسة، أعطيت الأوامر بالانسحاب إلى خارج القرية في الساعة 09:30، فانسحبت السرية الأولى والسرية الثانية، أمّا السرية الثالثة فلم تستطع الانسحاب بسبب تطويقها الكامل من قبل القوات المصرية.

استمرت المعركة حتى الساعة 10:30، وانتهت بالقضاء على كل جنود السرية الثالثة من الكتيبة الثالثة /إسكندروني، حيث قتلوا جميعًا وعددهم 89 جنديًا وتم أسر خمسة آخرين.


انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ فراس السعافين (2020-07-28). "الفالوجة: 72 عاما على النكبة: صمود رجال "الضبع الأسود" في الفالوجة (2/2)". فلسطين في الذاكرة.