اللجنة الخاصة من الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين

في 23 سبتمبر 1947 شكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة مؤقتة عرفت باسم لجنة خاصة (Ad hoc) لدراسة مشروع لجنة (الانسكوب) وقضية إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان استقلالها، وقامت هذه اللجنة بتشكيل لجنتين فرعيتين لإعداد مشروعات مفصلة حول مشروع التقسيم وقد تشكلت اللجنة الفرعية الأولى من مندوبي كندا وتشيكوسلوفاكيا وگواتيمالا وبولندا وفنزويلا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي واوروگواي، وقدمت مشروعاً يتضمن إنهاء الانتداب البريطاني في وقت لا يتجاوز الأول من آب 1948 مع الجلاء الكامل للقوات البريطانية خلال هذه ابلمدة، وتضمن المشروع إنشاء دولتين بعد الجلاء بشهرين بإشراف لجنة انتقال دولية تعين من قبل هيئة الأمم المتحدة يعهد إليها بتنفيذ التقسيم وإدارة فلسطين، وقد قامت هذه اللجنة بإدخال بعض التعديلات على مشروع لجنة (الانسكوب) لصالح الدولة العربية، حيث أدخلت مدينة يافا وقضاء بئر السبع ضمن حدود الدولة العربية1. أما اللجنة الفرعية الثانية فتشكلت من مندوبي أفغانستان وكولومبيا ومصر والعراق والباكستان وسوريا ولبنان، وقدمت توصياتها على شكل مشاريع قرارات تكونت من ثلاثة مشاريع، حيث نص مشروع القرار الأول على الطلب من محكمة العدل العليا تقديم رأي استشاري فيما يتعلق ببعض المسائل القانونية المتعلقة بصلاحية الأمم المتحدة في التوصية بحل القضية الفلسطينية. أما مشروع القرار الثاني فقد نص على معالجة مسألة اللاجئين اليهود على مستوى دولي، بينما نص مشروع القرار الثالث على تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة فلسطين على أن تبدأ الدولة المنتدبة بالجلاء عن فلسطين فور قيام تلك الحكومة 2.[1]


وفي 24 تشرين الثاني 1947 جرى التصويت من قبل اللجنة الخاصة على قرار اللجنتين الفرعيتين، فسقط قرار اللجنة الثانية بينما أقرت توصيات اللجنة الأولى بأغلبية 25 صوتاً وامتناع 17 عضواً عن التصويت. بعد ذلك أحيلت المسألة للجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت على تقرير ادهوك حيث عقدت اجتماعاً في 29 تشرين الثاني 1947 فنال مشروع التقسيم صوتاً ضد 13 صوتاً وامتناع عشرة أعضاء عن التصويت 3.

وهكذا تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين ويحمل رقم 181، وبموجبه تم تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة عربية ودولة يهودية مع اتحاد اقتصادي يربط بين هاتين الدولتين، وتضمن القرار إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين على أن لا يتأخر عن الأول من آب 1948 وسحب القوات العسكرية البريطانية من فلسطين بشكل تدريجي وفي أقرب وقت ممكن .

أما فيما يتعلق بمدينة القدس فقد نص الجزء الثالث من القرار على أن يجعل مدينة القدس كيان منفصل (CROUPS SEPARATUM) خاضع لنظام دولي خاص تديره الأمم المتحدة من خلال مجلس وصاية يقوم بأعمال السلطة الإدارية، وتشتمل حدود المدينة على بلدية القدس الحالية مضافاً إليها القرى والبلدان المجاورة وأبعدها شرقاً أبو ديس، وأبعدها جنوباً بيت لحم وأبعدها غرباً عين كارم وأبعدها شمالاً شعفاط، وأوصى القرار بأن يتضمن النظام الأساسي للمدينة الذي سيضعه مجلس الوصاية عدة شروط، منها أن تقوم السلطة الإدارية بحماية المصالح الروحية والدينية للأديان الثلاثة الوقعة ضمن مدينة القدس، ودعم روح التعاون بين سكان المدينة سواء في سبيل مصلحتهم الخاصة أو في سبيل تشجيع التطور السلمي للعلاقات المشتركة بين شعبي فلسطين في البلاد المقدسة بأسرها، والحفاظ على الأمن وتأمين الرفاهية واحترام العادات والتقاليد لجميع الفئات السكانية ويقوم مجلس الوصاية بتعيين حاكم عام للقدس يكون مسؤولاً أمامه على أن لا يكون مواطناً لأي من الدولتين في فلسطين ويمثل الحاكم الأمم المتحدة في مدينة القدس ويمارس عنها جميع السلطات الإدارية بما في ذلك إدارة الشؤون الخارجية ويساعده مجموعة من الموظفين والإداريين يتم اختيارهم من بين سكان المدينة وسائر فلسطين دون تمييز عنصري، كما تتمتع مدينة القدس ووحداتها "القرى والمراكز والبلديات" بسلطات حكومية وإدارية واسعة من الحكم المحلي، وتجرد من السلاح ويعلن حيادها، وتقام فيها سلطة شرطة خاصة من خارج فلسطين، وينتخب السكان مجلساً تشريعياً تكون بيده السلطة التشريعية والضرائبية، وينشأ نظام قضائي مستقل يشتمل على محكمة استئناف يخضع لسلطتها سكان المدينة وتدخل المدينة ضمن الاتحاد الاقتصادي الفلسطيني، وتضمن حرية الوصول والإقامة في المدينة لسكان الدولتين، وتكون اللغتان العربية والعبرية لغتين رسميتين في المدينة، كما يصبح جميع سكان القدس مواطنين في المدينة بحكم الأمر الواقع ما لم يختاروا جنسية دولة عربية، ويضمن لسكان المدينة حقوق الإنسان والحريات الأساسية دون تمييز بسبب الأصل أو الدين أو اللغة أو الجنس شريطة عدم الإخلال بمقتضيات النظام العام والآداب العامة وتضمن القرار حرية الوصول إلا الأماكن المقدسة وصيانتها وحرية العبادة فيها، وتكون حمايتها موضع اهتمام الحاكم بصورة خاصة. وحدد القرار المدة الزمنية لنظام الحكم الخاص بعشر سنوات يعين مجلس الوصاية النظر فيه في ضوء التجارب المكتسبة خلال هذه الفترة من العمل به، وعندئذ يكون للمقيمين في المدينة الحرية في الإعلان عن طريق الاستفتاء عن رغباتهم في التعديلات الممكن اتخاذها على نظام المدينة4.

وهكذا تم تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أجزاء وحصل اليهود على اعتراف دولي بدولتهم التي أقيمت حسب القرار على 56% من مجموع المساحة الكلية لفلسطين، ونفيت عروبة وإسلامية مدينة القدس ولذلك كان من الطبيعي أن يرفض عرب فلسطين هذا القرار رفضاً قاطعاً، واعتبر اليوم التاسع والعشرين من تشرين الثاني أسوأ يوم في تاريخ فلسطين منذ الاحتلال العسكري البريطاني لفلسطين عام 1917، وقد أصدرت الهيئة العربية بياناً بينت فيه رفض مشروع التقسيم والأسباب التي دعتها لذلك، حيث أشارت إلى أن قرار التقسيم أعطى اليهود الأجانب جزءاً ثميناً من فلسطين، وأجلى عدداً كبيراً من العرب عن موطنهم، ووضع بدلاً منهم أمة غريبة تهدد الأمن في الشرق باعتدائها على البلاد العربية، كما أن هذا القرار ميز بين عرب فلسطين والبلدان العربية المجاورة، بالإضافة إلى أنه وضع عرب فلسطين من الناحية الاقتصادية تحت رحمة اليهود خاصة بعد استيلائهم على موانئ فلسطين ونفط العراق في حيفا واستيلائهم على أخصب وأجود الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى أن هذا القرار جعل مدينة القدس تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة وأخرجها من يد العرب 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش

(1) - فلاح، فلسطين والانتداب البريطاني، ص 258، العبوشي، فلسطين قبل الضياع، ص 371.
(2) - فلاح، المرجع السابق، ص 259.
(3) - كانت الدول التي وافقت على القرار هي أستراليا وبلجيكا وبوليفيا والبرازيل وبيلوروسيا وكندا وكوستاريكا وتشيكوسلوفاكيا والدانمارك والدومينيكان والإكوادور وفرنسا وگواتيمالا وهيتي وأيرلندا وليبريا ولوكسمبورگ وبولندا وهولندا ونيوزيلندا ونيكاراگوا والنرويج وبنما وپاراگوي وبيرو والفلبين والسويد وأوكرانيا وجنوب أفريقيا والاتحاد السوڤيتي والولايات المتحدة الأمريكية والاوروگواي وفنزويلا، أما الدول التي عارضت القرار هي أفغانستان والباكستان وكوبا ومصر واليونان والهند وإيران والعراق ولبنان والسعودية وسوريا وتركيا واليمن. أما الدول التي امتنعت عن التصويت فهي الأرجنتين وتشيلي والصين وكولومبيا والسفلادور والحبشة وهندوراس والمكسيك وبريطانيا ويوغوسلافيا .
(4) - لمزيد من التفاصيل حول سياسة الإدارة العسكرية في فلسطين انظر: بهجت صبري، فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى وما بعدها 1914-1920 (القدس: جمعية الدراسات العربية، 1982) ص150-245.
(5) - حول النص الكامل لقرار التقسيم انظر: قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي 1947-1974، مراجعة وتحقيق جورج طعمة (بيروت/ مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1975 ص 4 – 16 .


المصادر

  1. ^ "القدس في ضوء قرارات اللجان البريطانية والدولية 1917 – 1947". المركز الفلسطيني للاعلام. 2010-12-03. Retrieved 2010-12-03. {{cite web}}: line feed character in |title= at position 47 (help)