ثيوگنيس من مگارا

كأس من تناگرا، بوئيوتيا، القرن 5 ق.م. مشارك في حلقة دراسية يغني "O pedon kalliste"، وهو مطلع قصيدة لثيوگنيس.

ثيوگنيس من مگارا (باليونانية قديمة: Θέογνις ὁ Μεγαρεύς, Théognis o Megareus؛ إنگليزية: Theognis of Megara؛ ازدهر في القرن 6 ق.م.) كان شاعراً يونانياً قديماً. وأكثر من نصف ما وصلنا من الشعر elegiac من اليونان قبل الفترة السكندرية يوجد في ال 1,400 بيت المنسوبين إلى ثيوگنيس.[1]

لم تكن مجارا أقل حباً للذهب من كورنثة، وكانت التجارة عماد ثروة الأولى كما كانت عماد ثروة الثانية؛ لكنها تختلف عنها في أنها كان لها شاعر عظيم تحيا تلك المدينة القديمة في شعره، كأن ما قام فيها من الثورات هي بعينها الثورات التي قامت في بلادنا. وكانت المدينة تقع عند مدخل البلوبونيز نفسه، وكان لها مرفأ على كلا الخليجين، ومن أجل هذا كان موقعها يمكّنها من أن تساوم الجيوش المغيرة على تلك البلاد، وتفرض المكوس على التجارة؛ وقد أضافت إلى هذه التجارة صناعة للنسيج مزدهرة يشتغل بها رجال ونساء كانوا يسمون بلغة تلك الأيام الصادقة عبيداً. وقد بلغت المدينة أوج ازدهارها في القرنين السابع والسادس حين كانت تنازع كورنثة تجارة البرزخ؛ وهذا هو العهد الذي أنشأت فيه مستعمرات لها كانت بمثابة محطات تجارية انتشرت ما بين بيزنطة على البسفور حتى مجارا هبليا Megara Hyblaea في صقلية. وازدادت الثروة في المدينة زيادة مطردة؛ ولكنها تجمعت في أيدي طائفة قليلة برعت في جمعها، وبقيت جمهرة الشعب مكونة من أقنان معدمين بين أقلية موفورة الثراء، يستمعون إلى الدعاة الذين يمنونهم يعيش أرخى وحياة أنعم من عيشهم وحياتهم. وفي عام 630 قرر ثياجينز Theagenes أن يصبح طاغية فيها، فأخذ يتملق الفقراء ويندد بالأغنياء، ثم قاد جماهير الغوغاء الجياع إلى مراعي الأغنياء أصحاب الأنغام، وأفلح في حمل العامة على أن يؤلفوا له حرساً خاصاً، فلما تألف ضاعف عدده، واستعان به على إسقاط الحكومة القائمة(97). وحكم ثياجينز مجارا نحو ثلاثين عاماً حرر في أثنائها الأقنان، وأذل الأقوياء؛ وناصر الفنون، ولكن أغنياء المدينة أنزلوه عن العرش حوالي عام 600؛ ثم قامت ثورة ثالثة أعادت الدمقراطية الشعبية، وصادرت أملاك زعماء طبقة الأشراف، واستولت على بيوت الأغنياء، وألغت الديون، وأصدرت قراراً يحتم على أصحاب الأموال أن يردوا إلى المدينين ما استولوا عليه من فوائد عن قروضهم(98).

وكان ثيوجنيس Theognis حياً خلال هذه الثورات كلها، وقد وصفها في قصائد مليئة حقداً تصلح لأن تكون وصفاً لحرب الطبقات عندنا في هذه الأيام. ويقول عن نفسه (وهو مرجعنا الوحيد في هذا الموضوع) إنه من أبناء أسرة قديمة شريفة. وما من شك في أنه قد نشأ نشأة منعمة راضية، لأنه كان مرشداً، وفيلسوفاً، وعاشقاً لشاب يدعى سيرنس Cyrnus أصبح فيما بعد زعيم حزب الأشراف؛ وهو يسدي سيرنس هذا كثيراً من النصح، ولا يطلب إليه في نظير هذا إلا أن يحبه.وهو يشكو الصد كما يشكو سائر المحبين، وأجمل ما بقي من قصائد قصيدة ذكر فيها سيرنس بأنه لن يخلد اسمه إلا شعر ثيوجنيز.

"

هاأنذا قد جعلت لك جناحين تطير بهما

فوق البحر والأرض اللذين لا آخر لهما؛

وسيتردد اسمك على ألسنة الكثيرين،

وستكون رفيقاً لهم في مآدبهم وفي مرحهم.

وسيأمرك الشبان الذين يحبونك أن

تطربهم بالناي الفضي ذي الصوت الشجي؛

وإذا ما ذهبت إلى أطباق الثرى المظلمة،

إلى مستقر الموتى الذي يبعث الأسى في القلوب،

فلن ينقطع اتصالك بالمجد والشرف

بل سوف تجول في الآفاق اسماً مخلداً.

سيرنس، يتردد في بحار بلاد اليونان وسواحلها،

يعبر البحر المجدب من جزيرة إلى جزيرة

ولن تكون في حاجة إلى الخيل، بل سوف تنطلق بخفة

تحملك ربات الشعر ذوات التاج البنفسجي

وسيولع بذكرك كل من يولع بالغناء،

أجل، لقد جعلت لك جناحين، ولم أنل منك

في نظير هذا إلا السخرية التي تتلظى كالنار بين أضلعي.

وهو ينذر سيرنس بأن مظالم الأشراف قد توقد نيران الثورة فيقول:

إن الليالي حبالى، وستلد عما قريب

من ينتقمون لهذا الفساد الطويل الأمد.

إن العامة ليظهرون حتى الآن بمظهر الاعتدال،

ولكن سادتهم فاسدون عمى العيون.

وحكم النفوس النبيلة، الباسلة العالية،

لم تعرض السلام والانسجام للخطر في يوم من الأيام.

أما التشامخ والغطرسة والادعاء الكاذب

واغتصاب العدالة والحق والقانون،

والعبث بها بالحيلة والطمع والكبرياء،

أما هذا كله فهو الطريق الذي سيؤدي بنا إلى الخراب.

وحذار أن تحلم ياسيرنس

(وإن بدت لك الدولة هادئة غير مضطربة)

أن ستكون الدولة في مستقبلها متمتعة بالسلام والأمن؛

بل سيعقب هذا الهدوء الظاهر،

عاجلاً كان ذاك أو آجلاً، الدم المراق والنزاع . "

وشبت نار الثورة فعلاً؛ وكان ثيوجنيز من بين من نفتهم الدمقراطية المنتصرة من البلاد، وصودرت أملاكه. فترك زوجته وأطفاله في رعاية بعض أصدقائه، وأخذ ينتقل من دولة إلى دولة - من عوبية، إلى طيبة، إلى إسبارطة، إلى صقلية؛ وكان يجد فيها بادئ الأمر الطعام والحفاوة جزاء له على شعره، ثم حل به بعدئذ ما لم يتعوده من ضنك شديد. وأنطقه غيظه بتلك الأسئلة يوجهها إلى زيوس، وما أشبهها بالأسئلة التي يوجهها أيوب إلى يهوه: طوبى لك يا جوف يا ذا الحول والطول! إني أنظر إلى العالم وأنا مندهش غاية الدهشة، متحير من أساليبك فيه.. يا عجباً كيف ينطبق فعلك فيه على إدراكك للحق والباطل إذا كنت توزع نعمك على الصالح والطالح على حدٍ سواء؟ وإذن فكيف يعرف الناس كنه شرائعك أو يدركون معناها؟(101).

ويصب جام غضبه على زعماء الدمقراطية، ويرجو زيوس الإله الذي تخفى على الناس طرائقه أن ينعم عليه بشرب دمائهم(102). وهو يشبه مجارا بسفينة استبدل بقائدها ملاحون عاجزون لا يعرفون قيمة النظام في العمل(103). وتلك على ما نعلم هي أول مرة يستخدم فيها هذا التشبيه. ويقول إن بعض الناس أقدر من غيرهم بفطرتهم، وإن الأرستقراطية في صورة نظام لا بد منه؛ وهكذا نرى أن الناس في ذلك العهد القديم قد تبينوا أن الأغلبية لا تحكم قط. وهو يستخدم لفظ الأخيار hoi agathoi بمعنى الأشراف، ولفظ الأشرار أو الأراذل أو المنحطين hoi kokoi بمعنى السوقة. ويقول إن هذه الفروق المتأصلة لا يمكن استئصالها؛ "وإن الرجل الشرير لا يمكن أن يصبح صالحاً مهما علّمته"(105) - وقد يكون كل الذي يعنيه بقوله هذا أنه ما من تعليم يستطيع أن يجعل السوقي أرستقراطياً؛ وهو ككل المحافظين الخلَّص يحرص أشد الحرص على نقاء النسل، ويقول "إن ما في العالم من شرور ليس ناشئاً من شره الأخيار بل من سوء اختيارهم لأزواجهم ومن ضعف خصبهم"(106).

وهو يدبر مع سيرنس ثورة جديدة مقاومة للثورة السابقة؛ ومن رأيه أن الإنسان، وإن أقسم يمين الولاء للحكومة الجديدة، يجوز له أن يغتال الحاكم المستبد الظالم؛ ويتعهد بأن يعمل مع رفاقه حتى ينتقموا لأنفسهم من أعدائهم أشد انتقام. لكنه بعد أن قضى في النفي والعزلة كثيراً من السنين يرشو موظفاً من الموظفين ليمكنه من العودة إلى مجارا(107). ثم يشمئز نفسه من نفاقه هذا وينشد أبياتاً من الشعر يعبر فيها عن يأسه، وهي أبيات يكررها مئات من اليونان.

«

ليس في العالم نعمة

أحسن من ألا يولد الإنسان أو لا يرى الشمس!

ويليها أن يدركه الموت عاجلاً

ويدفن تحت أطباق الثرى. »

وتراه في آخر حياته في مجارا رجلاً طاعناً في السن مهشماً، وقد أخذ على نفسه ألا يكتب شيئاً في السياسة ليضمن بذلك سلامته. ويجد سلواه في الخمر وفي زوجة صالحة(109)، ويحاول جهده أن يتعلم أخيراً أن كل شيء طبيعي يمكن أن يغتفر.

«

تعلم، يا سيرنس، تعلم أن تكون هادئ العقل؛

ووفق بين مزاجك وبين الجنس البشري والطبيعة البشرية،

وخذ تلك الطبيعة كما تجدها،

فهي مزيج من العناصر فيه الطيب وفيه الخبيث -

هكذا خلقنا كلنا، وليس في الإمكان أبدع مما كان.

فخير الناس لا يخلون من النقص، ومن بقي منهم

حين يراد الانتفاع بهم لا يقلون عن خيارهم.

ولو أن الأمر كان على عكس هذا

لما أمكن أن تسير شئون العالم!. »

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نيتشه وثيوگنيس

ثيوگنيس مذكور في كتاب نيتشه نسب الأخلاق، الذي وصف فيه احتقار ثيوگنيس ل"رجل الشارع المخادع" وانحدار النبالة في أيامه. وقد تأثر نيتشه بذلك.


الهامش

  1. ^ cf. Highbarger, p.170

المصادر

ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.


وصلات خارجية

Wikiquote-logo.svg اقرأ اقتباسات ذات علاقة بثيوگنيس من مگارا، في معرفة الاقتباس.
اقرأ نصاً ذا علاقة في

ثيوگنيس من مگارا