أبو العباس الإشبيلي النباتي

أبو العباس النباتي
Al-Nabati in Al-Fargoniy-Park Fergana Uzbekistan.jpg
تمثال النباتي في منتزه الفرقانية، فرغانة، اوزبكستان
وُلِدَ1166
توفي1239
الجنسيةأندلسي
اللقبالتصنيف العلمي
السيرة العلمية
المجالاتعالم نبات، عالم، صيدلي، مشرع
أثـَّر عليهپدانيوس ديوسقوريدس، ابن حزم
أثـّر علىابن البيطار

أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج بن عبد الله بن أبي الخليل الأموي الإشبيلي الحزمي، النباتي. المعروف بابن الرومية، ويشتهر بالعشاب (محرم 561 هـ - 1 ربيع الأول 637 هـ) فقيه، وحافظ، ومحدث، وشاعر، وعارف بالعشب والنبات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

ولد أبو العباس النباتي في مدينة إشبيلية في شهر محرم سنة (561هـ)، ونشأ وتعلم في بيئة علمية متميزة، إذ تتلمذ على جده وأبيه، كما أخذ الحديث والفلسفة والطب عن الفقيه علي بن حزم القرطبي456هـ). وسمع الحديث بدمشق من ابن الحرستاني، وابن الملاعب، وابن العطار، وسمع من ابن زرقون أبي الحسين، وابن الجد، وابن عفير، وأبي ذر الحبشي، وسمع ببغداد من جماعة، وحدث بمصر الأحاديث من حفظه. كما سمع بدمشق والموصل جماعة من أصحاب الحافظ أبي القوت السجزي، وأبي الفتح ابن البطي، وأبي عبد الله الغراوي وغيرهم من الأئمة.

وبزغ فجر أبو العباس النباتي في إشبيلية أبان حكم الموحدين بالأندلس وفي ظل رعاية ممتازة من قبل أمراء هذه الفترة للعلم والآداب وعلمائها، وبعد أن تضاءلت هيبة قرطبة السياسية والثقافية. يروي المقري قصة اهتمام أبو العباس بمتابعة تقييده للعلوم فيقول:" وكان زاهداً صالحاً، وحكى بعضهم عنه ـ أبو العباس ـأنه كان جالساً في دكانه بإشبيلية يبيع الحشائش وينسخ، فاجتاز به الأمير أبو عبد الله ابن هود سلطان الأندلس، فسلم عليه، فرد عليه السلام، واشتغل بنسخه، ولم يرفع إليه رأسه، فبقي واقفاً منتظراً أن يرفع إليه رأسه، ساعة طويلة، فلما لم يحفل به ساق فرسه ومضى".

كان أبو العباس النباتي رجلاً فاضلاً ورعاً، شديد العطف على طلبة العلم يجود عليهم في المال والكتب التي يعز وجودها مستعيناً على ذلك بيساره وجدته ولـه في ذلك أخبار كثيرة، وهو شغوف بالدرس يواصل سهر الليل في تقييد بحوثه ومصنفاته، ويقضي معظم وقته في فحص المرضى وإمدادهم بالأدوية والعقاقير النباتية التي بذل جهوداً جبارة في تمييزها وتصنيفها وإعدادها لهذا العمل الإنساني والأخلاقي العالي الذي تحلى به. وتميز أبو العباس النباتي بنبوغ رصين، فاستخدم المنطق والعقل في دراسة كل ما وقع عليه نظره الثاقب. وكان بصيراً بالحديث ورجاله، كثير العناية به، وفاق أهل زمانه في معرفة النبات، وقعد في دكانه لبيعه، قال ابن الآبار عنه:" وهنالك رأيته ولقيته غير مرة، ولم آخذ عنه، ولم استجزه، وسمع منه جل أصحابنا".

إذاً اجتمع عند أبو العباس النباتي علمان انفرد بهما، قل أن اجتمعا عند غيره من قبل وهما:

  • علم الحديث: وبذلك لقب بأبي العباس الحافظ، وأبو العباس المحدث.
  • علم النبات: وبذلك لقب بأبي العباس النباتي.

وقد رحل في طلبهما، فزار مصر والشام والحجاز وأقام في كل منهما زمناً، يأخذ عن شيوخهم الحديث ويبحث في منابتها عن الأعشاب، وبرع في كليهما وألف فيهما الكتب. وتتلمذ عليه كثير من طلاب العلم والشريعة والعلوم الطبيعية وخاصة علم النبات مثل العالم العربي ابن البيطار( ت 646هـ) الذي ورث عبقرية أبو العباس في طريقة البحث والصبر والمثابرة على التحصيل العلمي، وأخذ عنه الكثير.

كان أبو العباس فقيهاً ظاهري المذهب (بعد أن تفقه في المذهب المالكي على ابن زرقون المالكي الأندلسي المتوفي سنة 586 هـ) شديد التعصب لابن حزم إمام الظاهرية وعلى يده انتشرت تصانيف ابن حزم. وقد طالت صحبته لـه. قال عنه ابن العماد الحنبلي:" كان حافظاً صالحاً مصنفاً من الإثبات ظاهري المذهب مع ورع". ولاشك أن الميل الجانح لرغبة الالتزام بالمظاهر في الفقه قد أثر عليه في دراسته وبحوثه في مجال النبات مما جعله أن يختط مسلك جديد في البحث الميداني العملي بعيداً عما كان قد سار عليه من سبقه من المختصين بالنبات والذين اتكلوا على الرواية والإسناد وأقوال من سبقوهم. وحول شاعرية أبو العباس الحافظ يؤكد محمد عبد الله عنان امتلاك أبو العباس حس أدبي وشعري جيد، ويقول:" وكان ابن الرمية، إلى جانب براعته في الحديث وتفوقه في دراسة النبات أديباً وشاعراً محسنا ً".

وقد نقل إلينا ابن الخطيب من نظمه الأبيات الآتية:

   خيم بـ جلق بين الكأس والوتـر في جنة هي ملء السمع والبصـر
و متع الطرف في مرأى محسنها تروض فكرك بين الروض والزهر
وانظر إلى ذهبيات الأصيل بهـا واسمع إلى نغمات الطير في الشجر
وقل لمن لام في لذاته بشــراً دعني فإنك عندي من سوى البشــر

وكان كثيراً ما يطنب في الثناء على دمشق ويصف محاسنها، فلا انفصل عنها إلا وقد امتلأ خاطري من شكلها، فأتمنى أن أحل مواطنها، إلى أن بلغ الله الأمل والأماني قبل المنون:

و لوأني نظرتُ بألف عين لما استوفتْ محاسنَها العيون

قام أبو العباس النباتي برحلة طويلة استغرقت من عمره ثلاثون عاماً قضاها بالبحث عن النباتات في أرجاء الأندلس أولاً ـ حتى قيل أنه وصل إلى داخل فرنسا ـ ومن ثم خارج الأندلس. واجتاز البحر بعد سنة (580هـ) للقاء ابن عبيد الله بسبتة فلم يتهيأ لـه ذلك، وحج في رحلته الأولى، ولقي كثيراً، وروى عن عدد من رجال ونساء ضمنهم التذكرة لـه.

وفي سنة ( 612هـ) شد أبو العباس الرحال للقيام برحلات جديدة إلى المشرق من أجل الحج ورواية الحديث وجمع ودراسة النباتات التي لم تكن معروفة. وكان في كل بلد يبقى به مدة ليجتمع بعلمائه ويدرس نباتاته ويتصل بأهله ليعرف منهم ما يتعلق بأنواع النباتات التي تنبت في أرضهم. وقد امتدت رحلته من المغرب الأقصى والمغرب الأوسط حتى أفريقية (تونس) وطرابلس الغرب وبرقة (ليبيا).

وعندما وصل الإسكندرية سنة (613هـ) سمع به السلطان الملك العادل أبو بكر سيف الدين بن أيوب ملك مصر، وبلغه فضله وجودة معرفته بالنبات، فاستدعاه إليه في القاهرة، وتلقاه وأكرمه، ورسم بأنه يقرر لـه جامكية (مرتب موظفي الدولـة) وجراية( هي الجاري من الرواتب)، ويكون مقيماً عنده، فلم يفعل واعتذر، وأخبره بأنه إنما جاء ليحج بيت الله الحرام ويعود إلى بلده الأندلس. وبقي في ضيافة الملك العادل مدة، وجمع الترياق الكبير وركبه، ثم توجه إلى الحجاز ولما أدى مناسك الحج في مكة والمدينة سنة(613هـ) قام برحلة داخل الحجاز ليجمع معلومات نباتية. كما زار العراق وبلاد الشام وأقام بهما نحو سنتين، وعرج منها على جزيرة صقلية وقيل جنوب إيطاليا، ثم عاد إلى الأندلس وأقام بإشبيلية سنة (615هـ).

وتوفي أبو العباس في إشبيلية ليلة الاثنين في مستهل ربيع الأول سنة (637هـ)، وقد رثاه أناس من تلامذته، وألف بعضهم في التعريف به.


مؤلفاتـه

تعددت مصنفات أبو العباس النباتي، ولـه فيما ينتحله من العلمين: الحديث، والنبات تصانيف مفيدة، وتنبيهات نافعة، واستدراكات نبيلة بارعة، وهي: ـ الرحلة المشرقية أو الرحلة النباتية: ألفه بعد عودته من رحلته إلى الشرق، ودوَن فيه نتائج أبحاثه ومشاهداته، وخصوصاً بسواحل البحر الأحمر، وهذا الكتاب مفقود ولكنه نقل منه الكثير، ولاسيما تلميذه ابن البيطار في كتابه الجامع لمفردات الأدوية والأغذية.  ـ تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس.  ـ شرح حشائش ديسقوريدس وأدوية جالينوس والتنبيه على أوهام ترجمتها.  ـ رسالة في تركيب الأدوية.  ـ التنبه على أغلاط الغافقي في أدويته.  ـ كتاب المستدركة.  ـ كتاب الكليات: في الطب.  ـ شرح أرجوزة ابن سينا.  ـ مقالة في الترياق.  ـ تلخيص كتاب الحميات لجالينوس.  ـ جوامع كتب أرسطو طاليس في الطبيعيات والإلهيات.  ـ تلخيص الإلهيات لنيقلاوس.  ـ مختصر كتاب الدار قطني في غريب حديث مالك.  ـ كتاب في التفسير: في عشر مجلدات.  ـ المعلم بما زاده البخاري على مسلم.  ـ نظم الدراري فيما تفرد به مسلم عن البخاري.  ـ الحافل في تكملة الكامل: وهو سفر ضخم ذيل به كتاب الكامل لابن عدي، وهو تكملة في معرفة الضعفاء والمتروكين من الرواة الذي كان ألفه في (القرن الرابع الهجري) ابن عدي الجرجاني365هـ).  ـ توهين طرق حديث الأربعين.  ـ حكم الدعاء في أدبار الصلوات.  ـ كيفية الأذان يوم الجمعة.  ـ أخبار محمد بن اسحق: وهو من أقدم مؤرخي العرب من أهل المدينة المنورة، سكن بغداد ومات فيها سنة 151هـ، من كتبه السيرة النبوية هذبها ابن هشام.  ـ مختصر كتاب الكامل لابن عدي: في مجلدين.  ـ فهرسة بمشيخته: أفرد فيها روايته بالأندلس من روايته بالمشرق. 4 ـ منهج أبو العباس النباتي في علم النبات:

يقول المقري:" كان ـ أبو العباس ـ عارفاً بالعشب والنبات، صنف كتاباً حسناً كثير الفائدة في الحشائش، ورتب فيه أسماءها على حروف المعجم، ورحل إلى البلاد، ودخل حلب، وسمع الحديث بالأندلس وغيرها. وقال البرزالي( القاسم بن بهاء الدين صاحب معجم الشيوخ وتوفي سنة 739هـ) في حقه: إنه كان يعرف الحشائش معرفة جيدة". ويشير ابن أبي أصيبعة إلى إتقان أبو العباس علم النبات بقولـه:" قد أتقن علم النبات ومعرفة أشخاص الأدوية وقواها ومنافعها، واختلاف أوصافها، وتباين مواطنها، ولـه الذكر الشائع والسمعة الحسنة، كثير الخير..".

عندما ننظر إلى مصنفات أبو العباس في علم النبات نجد إنها قليلة، مقارنة بالعلماء الذين سبقوه، ولكنه يمتاز بمنهجه الفريد وطريقته الخاصة في الكتابة، إذ كان يسهب بالشرح والأمثلة أحياناًعندما يرى أن الموضوع صعب ويحتاج للإطالة لكي يستوعب القارئ الموضوع على الوجه الأكمل والمرجو منه. ويوجز في بعض الأحيان عندما يشعر أن المسألة التي يتكلم عنها سبق وأن تطرق لها في أحد مؤلفاته، أو ورد ذكرها في مصنفات أحد العلماء الذين سبقوه، ففي هذه الحالة يذكرها لتوثيق ما يتحدث عنه فقط.

وقد أوضح لسان الدين ابن الخطيب في كتابه الإحاطة شمولية أبو العباس في جمعه الحديث بعلم النبات فقال: "عجيبة نوع الإنسان في عصره، وما قبله وما بعده، في معرفة علم النبات وتمييز العشب وتحليتها، وإثبات أعيانها على اختلاف أطوار منابتها، بمشرق أو بمغرب حسا، ومشاهدة وتحقيقاً لا مدافع لـه في ذلك ولامنازع، حجة لاترد ولا تدفع، قام على الصنعتين لوجود القدر المشترك بينهما وهما: الحديث والنبات، إذ مواردهما الرحلة والتقييد، وتصحيح الأصول، وتحقيق المشكلات اللفظية، وحفظ الأديان والأبدان، وغير ذلك".

يعتبر أبو العباس النباتي أول من اعتنى اعتناءً حقيقياً بالوصف الظاهري والتحلية العلمية والدقيقة للنباتات المدروسة، فهو يهتم بصورة خاصة في وصف أجزاء النبات الذي يشاهده بحيث يركز في أغلب الأحيان على خصائصه المخصوصة به، وهذا يدل على اهتمامه النباتي البحت، أي يصف الجذور والساق والعيدان والأغصان والشوك والزغب والصمغ والرأسي والورق والزهر والبزر والثمر مع التأكيد على شكل النبات وحجمه وطوله وعرضه وامتداده ولونه وطعمه وموضع إنباته وزمانه الخ.

وكان أبو العباس قليل الاهتمام بالنبات الطبي إلا في بعض الحالات الملحة مع أنه كان طبيباً جيد العلاج ومشهوراً في ذلك أيضاً وهذا راجع لكونه صب جل علمه على علم النبات العام.

ولم يثقل أبو العباس كتابه الرحلة النباتية بالنقول عن الذين سبقوه في مجال النبات بل اعتمد على المعاينة المباشرة والتحليل الدقيق للنبات المتحدث عنه، بل وأضاف معلومات جديدة لنباتات كانت معروفة ولكنها منقوصة الوصف التشخيصي والبيئي أو التوزيع لأن معظم المؤلفين السابقين قد ركزوا اهتماماتهم على أهم فوائدها الطبية واللغوية وبذلك أصبحت المعلومات الأخرى وهي الأهم في علم النبات منقوصة، وخير مثال على نزعة أبو العباس في التحقيق ورغبته في إضافة الجديد. فقد اعتمد أكثر الأطباء والصيادلة والنباتيون في معلوماتهم عن نبات الماميثا على ديسقوريدس مما جعلهم أن يقعوا في خطأ فاضح حيث خلطوا بين هذا النبات ونبات آخر هو الخشخاش الساحلي المعروف بالمقرن لوجود توافق بينهما وبذلك تاهت عليهما الصفات الحقيقية لكل منهما. وعندما لاحظ أبو العباس ذلك ناقش هذا التناقض الغير منطقي بصورة علمية سليمة.

ولولا أبو العباس وتعريفه العلمي الدقيق لنباتات الجزيرة العربية وبالذات سواحل البحر الأحمر التي ذكرها أبو حنيفة الدينوري282هـ) في كتابه النبات الذي فقد أكثره لضاعت على المتأخرين معلومات في غاية الأهمية عن نباتات هذه المنطقة والتي لم تصلنا بعضاً منها إلا عن طريق معاجم اللغة ومتونها.

وقد أضاف أبو العباس أصنافاً جديدة من النباتات إلى علم النبات العربي التي اكتشفها خلال رحلته الشهيرة وبلغ عددها عشرون نباتاً من مجموع سبعة وتسعين وردت في كتاب ابن البيطار، وهذا العدد يعتبر مهماً جداً بالقياس إلى النباتات التي بقيت من كتاب الرحلة المشرقية. 

المصادر

الدكتور محمد هشام النعسان. "أبو العباس الإشبيلي النباتي وعلم النبات". موقع أرض الحضارات. {{cite web}}: External link in |publisher= (help)