الدستور المدني لرجال الدين

لوحة تذكارية من عام 1790 تصور رجل دين يؤدي اليمين على الدستور.

الدستور المدني لرجال الدين (فرنسية: "Constitution civile du clergé")، كان قانون مُرر في 12 يوليو 1790 أثناء الثورة الفرنسية، يُخضع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في فرنسا للحكومة الفرنسية.

كثيراً ما يقال أن هذا القانون صادر الأراضي الفرنسية المملوكة للكنيسة ومنع النذور الرهبانية: إلا أن كلاهما قد أُنجز في بتشريعات سابقة. إلا أن هذا القانون قد أتم تدمير التنظيمات الرهبانية، مستبعداً من الوجود بشكل قانوني "كل الفروع العادية والعلمانية لأي من الجنسين لكافة أنواع الأديرة in commendam. كما عمل على انهاء الفوضى الناتجة عن المصادرات السابقة لأراضي الكنيسة وحظر زكاة العشور.[1]

ببعض التأييد لهذا القانون كان من شخصيات من داخل الكنيسة، مثل القس والبرلماني پيير كلود فرانسوا دونو، وعلى رأسهم القس الثوري هنري گريگوار. قوبل هذا القانون بالمعارضة، لكن تم الموافقة عليه في النهاية، بعد أن أقره الملك لويس السادس عشر.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وضع الكنيسة في فرنسا قبل الدستور المدني

في هذا الكاريكاتير، بعد مرسوم 16 فبراير 1790، يستمتع الرهبان والراهبات بحريتهم الجديدة.

بقيت مسألتان مهمتان مرتبطتان معا هما: كيف يتم تجنب إفلاس المملكة؟ وكيف يتم تنظيم العلاقة بين الكنيسة والدولة؟ لقد فشلت الضرائب في تمويل الحكومة بينما الكنيسة تقبض بيديها على ثروة تحسد عليها ولا تدفع عنها ضرائب.

وقد أخذت الجمعية برأي شارل موريس دى تاليران پريگور Charles Maurice de Talleyrand Perigord أسقف أوتون Autun الذي اقترح في 11 أكتوبر سنة 1789 الاستفادة من ممتلكات الكنيسة لدفع الدين الوطني. وتاليران Talleyrand هذا واحد من الشخصيات التي ثارت حولها الشكوك في التاريخ إذ يرجع أصله إلى أسرة عريقة معروفة بخدماتها العسكرية وربما كان من الممكن أن ينهج نهج أسرته لو لم تنخلع قدمه إثر سقطة وهو في الرابعة من عمره وكان عليه أن يشق حياته بقدم عرجاء لكنه كان مصمما على اجتياز كل عقبة تواجهه، وقد عهد به والده إلى الكنيسة، وقد قرأ في مرحلة الدراسة ڤولتير ومونتسكيو وكان يحتفظ دائما بخليلة، ومن الواضح أنه طرد من المدرسة اللاهوتية التي كان بها في سنة 1775 لكن في تلك السنة وكان في الواحدة والعشرين من عمره عينه لويس السادس عشر مسئولا عن دير القديس (سان) دينيس St- Denis في رانس Reims وقد جرى ترسيمه قسيسا في سنة 1779 وفي اليوم التالي أصبح هو النائب الأسقفي العام لعمة رئيس أساقفة رايم Reims ، وظل مع هذا ينعم بصحبة السيدات ذوات الأصول الراقية وأنجب من إحداهن غلاما أصبح ضابطا تحت قيادة نابليون. وفي سنة 1788 تم تعيينه أسقفا لأوتو Autun رغم معارضة أمه التقية التي كانت تعلم أنه رجل قليل الإيمان (رقيق العقيدة). ومع هذا فقد رتب أمر تقديم برنامج إصلاحي لمجلس طبقات الأمة مما دفع رجال الدين (الإكليروس) التابعين له لجعله مندوبا عنهم.[2]

وقد وافقت الجمعية الوطنية في 2 نوفمبر سنة 1789 بأغلبية 508 ضد 346 على تأميم الممتلكات الكنسية التي كانت تصل قيمتها وقتئذ إلى ثلاثة بلايين فرنك) رغم المعارضة اليائسة لممثلي الإكليروس بها. وقد عهدت الجمعية للحكومة "بتقديم مصاريف إقامة العبادات العامة وتقديم الإعانات لرجال الدين وما يفرج عن الفقراء، وذلك بالطريقة المناسبة" وفي 19 ديسمبر خولت صندوق الأمور غير العادية ببيع 400 مليون فرنك مقابل أسينات assignats وهي أوراق نقدية تعطى لحائزها الحق في مبلغ مقرر (معلوم) من الممتلكات الكنسية بفائدة قدرها 5% عند إتمام البيع ودفعت الحكومة من هذه الأسينات assignates الديون العاجلة وبذا ضمنت دعم الجماعات المالية لنظام الحكم الجديد.

لكن الذين اشتروا هذه الأسينات وجدوا صعوبة في القيام بعمليات شراء على نحو مرض، فاستخدموها أي الأسينات كعملة، ولأن الدولة كانت قد أصدرت كثيراً من هذه الأسينات فقد استمر التضخم المالي، وفقدت الأسينات قيمتها إلا في دفع الضرائب حيث كانت الخزانة مرغمة على قبولها بقيمتها المدونة عليها، وبالتالي وجدت الخزانة نفسها مرة أخرى تعاني عجزاً ماليا يتزايد عاما بعد عام.

وبعد أن اتخذت الجمعية الوطنية هذه القرارات الخطيرة التي لا رجعة فيها، في 31 فبراير سنة 1790 كانت كأنها قد اجتازت نهر الروبيكون (ü) Rubicon أوقفت الأديرة، وسمحت بصرف معاشات تقاعد للرهبان المطرودين أما الراهبات فقد تركن وشأنهن نظراً لقيامهن بخدمات قيمة في مجالي التعليم والإحسان. وفي 12 يوليو تم إعلان "الدستور المدني للإكليروس" الذي اعتبر القسس موظفين في الدولة يتقاضون منها رواتب، والذي اعتبر الكاثوليكية هي الدين الرسمي للدولة، أما بالنسبة للبروتستانت واليهود فلهم أن يتعبدوا بحرية على وفق عقائدهم في أماكن عبادتهم الخاصة لكن لا تقدم لهم الحكومة دعما. وتقوم الجمعيات المنتخبة في الدوائر (المحافظات) باختيار الأساقفة الكاثوليك، على أن يعفى من التصويت في هذه الحالة غير الكاثوليك أي البروتستانت واليهود واللاأدريين agnostic . وكان على كل القسس أن يتعهدوا بالامتثال الكامل للدستور الجديد كشرط لتسلّمهم رواتبهم.وقد رفض 130 أسقفا في فرنسا من بين 134 أن يقسموا يمين الولاء كما رفض 000.64 قس من بين 70.000 من قسس الأبرشيات أداء هذا القسم أيضا واتخذت الغالبية العظمى من السكان جانب أولئك الإكليروس الرافضين تقديم قسم الولاء للدستور الجديد وقاطعوا الطقوس الدينية التي يقوم عليها رجال الدين الذين أدوا القسم. لقد أصبح هذا الصراع المتنامي بين الكنيسة المحافظة التي يؤيدها الشعب والجمعيات اللاأدرية السائدة التي تؤيدها الشرائح العليا من الطبقة الوسطى- عاملا جوهريا في إضعاف الثورة. وبسبب عدم شعبية هذا الإجراء ظل الملك الفرنسي طويلا يرفض توقيع الدستور الجديد.

وكان لآخرين أسبابهم أيضا لرفضه، فقد قاد روبيسبير Robespierre أقلية قوية للاعتراض على قصر حق الانتخاب على الملاك باعتبار أن ذلك انتهاك لإعلان حقوق الإنسان، وباعتباره أيضا إهانة مثيرة لبرولتياريا باريس التي سبق لها أن أنقذت الجمعية الوطنية مرارا من القوات المسلحة الملكية.

واتفق الفلاحون وأهل المدن في استيائهم من التخلي عن الإجراءات والقوانين الحكومية التي كانت على نحو ما تحمي المنتجين والمستهلكين من (ضراوة) السوق الحرة التي يتلاعب فيها الموزعون.

ومع هذا فقد شعرت الجمعية وكان لها بعض الحق في هذا. أن الدستور كان وثيقة مهمة تعطي للثورة المنتصرة شكلا قانونيا محددا. واعتبر مندوبو الطبقة الوسطى الذين لهم السيادة الآن أن العوام- وكانت غالبيتهم أميين ليسوا مؤهلين للمشاركة بنسبة أعدادهم في قرارات الحكومة ومداولاتها. وبالإضافة لهذا- وقد هرب النبلاء الآن - ألم يحن الآن دور البورجوازية في توجيه الدولة معتمدة بشكل متزايد على كبار السن الحكماء المجربين، وعلى اقتصاد متقدم فعال ؟ لذا فإن الجمعية أعلنت فرنسا ملكية دستورية بلا اعتبار لتردد الملك، وفي 5 يونيه سنة 1790 دعت المحافظات(الدوائر) الثلاث والثمانين لأن ترسل كل محافظة (دائرة) حرسها الوطني الفدرالي لينضم لشعب باريس وحكومة فرنسا في ساحة دي مارس (شامب دي - مارس Champ de Mars) للاحتفال بإنجاز الثورة بمناسبة مرور عام على استيلاء الثوار على الباستيل. وفي أثناء انتشار نبأ هذه الدعوة وما صاحبها من حماس دخل ثلاثون أجنبيا على رأسهم الهولندي الثري المعروف في التاريخ بـ"أناشارزيس كلوتس Anacharsis Cloots "(ü) الجمعية في 19 يونية وطلبوا أن يحوزوا شرف المواطنة الفرنسية وطلبوا حق التقدم "لعيد" الفدرالية باعتبارهم "سفارة" تمثل الجنس البشري". وصدرت الأوامر بتنفيذ طلبهم.

لكن ساحة مارس التَّلِّية الآنف ذكرها كانت في حاجة إلى تسوية لتكون صالحة لهذه المناسبة إذ كان يجب تسوية مساحة تبلغ 3000- 1000 قدم وإعداد شرفات بها لتستوعب 300.000 رجل وامرأة وطفل، وكان لا بد من الارتفاع بالرابية الوسطى ليكون مذبحاً يعتليه الملك والأمراء والأساقفة وأعضاء الجمعية وأصحاب الحق في الوقوف هذا الموقف لأداء يمين الولاء للأمة التي تولد ميلادا شرعيا جديدا الآن. وخصص لإعداد الساحة على هذا النحو خمسة عشر يوما فقط. من الآن يستطيع أن ينافس الصفحات الأربع عشرة التي بين فيها كارليل Carlyle كيف أن أهل باريس رجالا ونساء، شيبا وشبانا قد أقبلوا جميعا حاملين معاولهم ومجارفهم ودافعين أمامهم عربات الواحدة منها ذات عجلة واحدة لنقل الركام، وراحوا يغنون"ستسير الأمور على ما يرام" وسووا الأرض الواسعة وشيدوا الشرفات ومذبح قسم الولاء للوطن Autel de la Patrie من منا اليوم يجسر اليوم أن يكتب بمثل هذه الجرأة نافخا في أبواق البلاغة معلنا هذا الانجذاب وذلك الفرح ذي الطابع التنبئي خاصة إذا علمنا أن نصف مخطوطاتنا قد أحرقتها خادمة متعجلة، وكان علينا أن نجمع ما تبعثر من جواهرنا مرة أخرى لنعيد ترتيبها وصقلها؟ أي نار كان يجب كبتها في هذا الاسكتلندي القاسي لإحياء مثل هذه المحرقة (الهولوكوست)!


المحلفون وغير المحلفين

معدل الكهنة الحالفين في 1791. تقسيم الأقاليم هو التقسيم الحالي.

وعلى هذا فإنه طوال الأسبوع السابق على هذا العيد الديني Holiday راح جنود من مختلف أنحاء فرنسا يتجهون إلى باريس وراح الحرس الوطني الباريسي في بعض الأحيان يقطع من باريس أميالاً كثيرة للقائهم ومرافقتهم. وفي 14 يوليو سنة 1790 دخلوا ساحة دي مارس الآنف ذكرها في موكب مهيب؛ خمسون ألفا من الأقوياء أعلامهم ترفرف وفرقهم الموسيقية تعزف وحناجرهم تدوي بالأغاني القوية، وثلاثمائة ألف من الباريسيين المثيرين للخيال يصاحبونهم. ورتل الأسقف تاليران بيريجور Talleyrand pe`rigord ولم يكن قد طرد من رحمة الكنيسة بعد القداس، واعتلى مئتان من الأساقفة والقسس المذبح وأقسموا اليمين، وتعهد الملك بطاعة القوانين الجديدة بكل ما وسعه من جهد وصاحت الجموع "عاش الملك" وعندما أطلق المدفع طلقات التحية رفع آلاف الباريسيين ممن لم يتمكنوا من الحضور- أيديهم في اتجاه ساحة دي مارس Champ de Mars وأقسموا يمين الولاء. وجرت في كل مدينة فرنسية تقريبا مهرجانات مشابهة وشارك الجميع في تناول النبيذ والطعام وتعانق القسس الكاثوليك والبروتستانت كما لو كانوا مسيحيين على مذهب واحد. كيف يمكن لأي فرنسي أن يتشكك في أن عصرا جديداً مجيدا قد بزغ فجره؟

الهامش

  1. ^ Text of the Legislation, from J.H. Robinson, ed., The Civil Constitution of the Clergy, 12 July 1790, Readings in European History, 2 vols., (Boston: Ginn, 1906), 2: 423–427
  2. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

وصلات خارجية