العلاقات الإسرائيلية الغينية

بلال المصري.jpg بلال المصري
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال

العلاقات الإسرائيلية الغينية تشير إلى العلاقات الحالية والتاريخية بين غينيا وإسرائيل. العلاقات الدبلوماسية بين غينيا وإسرائيل استؤنفت في يوليو 2016.[1]

دورى گولد سفير إسرائيل بالأمم المتحدة، يصافح إبراهيم خليل كابا، مدير وزارة الخارجية الغينية بعد توقيعهما وثيقة إعادة العلاقات الدبلوماسية، في 20 يوليو 2016، بعد انقطاع استمر 49 عاماً، إذ كانت غينيا أول دولة أفريقية تقطع علاقاتها بإسرائيل في أعقاب حرب 1967.
رئيس غينيا البروفسور ألفا كوندي يصافح دورى گولد، مدير وزارة الخارجية الإسرائيلية، في كوناكري، غينيا، في 24 أغسطس 2016.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نموذج غينيا والإصرار الإسرائيلي علي النفاذ لأفريقيا

تعتبر غينيا حالة إستثنائية فيما يتعلق بالسياسة الفرنسية في غربي أفريقيا أو ما عُرف تاريخياً بالسودان الفرنسي , إذ بعد أن حصلت غينيا علي إستقلالها عن فرنسا في 2 أكتوبر 1958 عرضت عليها فرنسا الإنضمام إلي الإتحاد الفرنسي (الجماعة الفرنسية) إبان عهد الجنرال Charles de Gaulle وهو نظام يشمل الجمهورية الفرنسية وأقاليم ما وراء البحار من جانب ومن الجانب الآخر الدول الأعضاء فيه وهي في معظمها المستعمرات الفرنسية السابقة في وسط وغربي أفريقيا ووفقاً لهذا النظام فإن الجمهورية الفرنسية ليست علي قدم المساواة المُطلقة مع باقي الدول الأعضاء في الإتحاد فللجمهورية الفرنسية كفالة التمثيل الخارجي الدولي للجماعة الفرنسية كلها كذلك تحظي الجمهورية الفرنسية بالكفة الراجحة فيما يتعلق بإدارة الشئون المُشتركة وللدول الأعضاء في حدود هذين التحفظين التمتع بالسيادة الداخلية. ووضعت فرنسا دستوراً عام 1958 فصل نظام الإتحاد الفرنسي تفصيلاً , ففي الباب الثالث عشر منه والمُتعلق بالدول المُشتركة في الجماعة الفرنسية وتحت عنوان ” إتفاقات الإشتراك ” Des Accords D,Association تضمن مادة وحيدة هي المادة 88 نصت علي أنه يجوز للجمهورية الفرنسية أو للجماعة أن تعقد إتفاقات مع الدول التي ترغب في المشاركة معها لتنمية حضارتها , وأن أحكام هذا الإشتراك متروكة بطبيعة الحال لعقد المُشاركة , وكان الباب الثالث عشر عبارة عن عرض دستوري إستهدفت فرنسا من وراءه إجتذاب المحميات والدول والأقاليم المُشتركة السابقة (مستعمراتها) كي تدور في فلكها لكي تحتفظ للجماعة الفرنسية الجديدة آنئذ بدرجة ما من المرونة تكفل لها البقاء مع تيار القومية الصاعد في الدول الأفريقية الأعضاء , بحيث إذا أرادت إحداها المزيد من الإستقلال ففي وسعها بدلاً من الإنفصال نهائياً عن فرنسا أن تبقي معها في إرتباط علي نحو آخر يحقق لها الإستقلال المُرتجي مع بقاءها في فلك فرنسا، وما كان لغينيا وزعيمها أحمد سيكوتوري رئيس الدولة ورئيس الحزب الديموقراطي الغيني الحاكم PDG ( وهو من قبيلة المالينكا المعروف عن أفرادا باليسر المالي والإشتغال بالتجارة والدأب في العمل علي خلاف قبيلة السوسو التي ينتمي إليها الرئيس الغيني الراحل لانسانا كونتي والتي معروف عن أفرادها بتواضع المستوي المعيشي ومعاقرة الخمور والبطالة والتي لم تكن تمثل غير 5% من مجمل سكان غينيا) بعد إنفصالها عن فرنسا بالإستقلال عنها أن تقبل بهذا العرض الدستوري وتدخل في إتحاد إستقلالي مع فرنسا , ولكنها أعرضت ورفضت مُفضلة عدم الإرتباط بأي رابطة مع فرنسا ( محمد محمد حسنين . الإتحاد الفرنسي ” الجماعة الفرنسية – فرنسا فيما وراء البحار ” . مطبعة العلوم القاهرة 1960 . صفحة 301)، وكان لموقف الرئيس الغيني الذي لم يتكرر من مستعمرة فرنسية سابقة أخري بأفريقيا رد فعل سلبي حانق لدي الرئيس الفرنسي Charles de Gaulle الذي طالما تغني بالحرية وحقوق الإنسان إبان قيادته لتحرير فرنسا والإطاحة بحكومة فيشي المُؤيدة من النازي في الحرب العالمية الثانية وصوره لنا الإعلام العربي وبعض النخبة علي أنه رجل الحق والحقيقة وقت أن كان يسفك دماء أخواننا في الجزائر ويحرم الأفارقة من حريتهم , ونظرة إلي الإتحاد الفرنسي الذي فرضه عليهم قبل الإستقلال تظهر ميوله الإستعمارية النقية , وإزاء موقف سيكوتوري الرافض لأي رابطة مع فرنسا كالت فرنسا / ديجول له التهديدات لرفضه أيضاً الإنضمام لكتلة الفرنك الفرنسي وأصر علي سك عملة غينية مستقلة تماماً عن كتلة الفرنك الفرنسي أسماها SYLIS وكانت العملة النقدية منها من فئة خمسة SYLIS مطبوع عليها صورة الزعيم الغاني كوامي نكروما، وأمام هذا الرفض الصارم إضطر الفرنسيين إضطراراً إلي الجلاء عن غينيا ولكن من فرط حقدهم نزعوا أعمدة التليفون ومظلات الحافلات العامة وقد رأيت ذلك بنفسي وقت أن كنت أعمل بكوناكري عام 1981 , ولذلك نجد الإعلام الفرنسي أو الذي يُظاهرة مثل مجلة Jeune Afrique تصدر عدداً خاصاً برقم 8 في يونيو 1984 بمناسبة وفاة الرئيس سيكوتوري في مستشفي بكليفلاند بالولايات المتحدة في 26 مارس 1984 حيث كان يُعالج من أزمة قلبية , شنت فيه هجوماً مريراً علي شخص الرئيس سيكوتوري لم تفعله في حالة وفاة سبنجور رئيس السنغال الأسبق أو هوفويه بوانيي رئيس ساحل العاج الأسبق، وقالت في مقدمة هذا العدد أن وفاة سيكوتوري نهاية لستة وعشرين عاماً من الطغيان القاسي في غينيا La fin de vingt – six annees de tyrannie implacable en Guinee” ” مع أن سنجور وهوافييه وغيرهما من قادة التحرير لبلادهم كانوا كذلك ولم يُكال إليهم مثل هذا الهجوم , وبسبب هذه الخلفية السيئة للعلاقات الثنائية الغينية الفرنسية لم يتوفر إلا حيز محدود جداً لنمو العلاقات الثنائية محدودة. وكان نظام الرئيس سيكوتوري قد تبني النهج الإشتراكي ولذلك تعزز وجود الإتحاد السوفيتي وبعض دول الكتلة الشرقية في غينيا , لكنه في العامين الأخيرين من حياته مال ميلاً ملحوظاً إلي الدول الإسلامية وكتب تفسيراً بسيطاً لكنه عميق لسورة الفاتحة وكتب كتاباً آخر بعنوان ” الإسلام دين الجماعة ” ودعم علاقاته بالدول العربية والإسلامية وقام بزيارة رسمية لمصر مُنح خلالها الدكتوراه الفخرية من جامعة الأزهر الشريف وازدهرت الدعوة الإسلامية في ربوع غينيا التي يدين أكثر من 95% من سكانها بالإسلام علي المذهب المالكي .

بعد وفاة سيكوتوري بأيام وأثتاء تولي آخر رئيس وزراء في عهده ويدعي Louis Lansana Beavogui السلطة مُؤقتاً لحين إنتخاب رئيس آخر , لكن عسكريون إنقلابيون قاموا بالإنقلاب عليه في 3 أبريل 1984 بقيادة العقيد Lansana Conte وهو شخص كنت أعرفه وإلتقيت به قبل الإنقلاب أكثر من مرة وهو محدود الثقافة تشعر أنه خامل ولا تطلعات لديه خاصة وأن الرئيس سيكوتوري جرد الجيش بسبب تآمر بعض العسكريين مع البرتغاليين من سلاحه وحجم تحركات آلياته القليلة وكان يقوم بتغييرات دورية في القيادات العسكرية في الجيش الغيني بعد محاولة البرتغال غزو غينيا من البحر عام 1970 بسبب دعم الرئيس سيكوتوري لثوار غينيا بيساو إبان إحتلال البرتغال لها , لكن بعض العسكريين بترتيب ودعم خارجي قام بالإنقلاب العسكري في 3 أبريل 1984وشكل الإنقلابيون ما أسموه المجلس الأعلي للإصلاح الوطني Conseil suprême de redressement national بقيادة Lansana Conté الذي ظل علي رأس السلطة في غينيا من عام 1984 حتي وفاته عام 2008 أي أنه ظل يحكم لأربع وعشرين عاماً , وقبل وفاته في يناير 2007 نظم معارضون لحكمه إضراباً عاما مما أضطره للإجتماع برؤساء النقابات لبحث الموقف لكنه وبدلاً من الإقتراب من مطالبهم هددهم قائلاً As many as you are, I will kill you. I am a military man. I have already killed people , وكانت العلاقات الغينية الفرنسية في عهده مُستقرة ومتطورة .

بمجرد تشكيل الإنقلابيين العسكريين بقيادة Lansana Conté المجلس الأعلي للإصلاح الوطني Conseil suprême de redressement nationalشكلوا حكومة كانت غالبيتها الساحقة من العسكريين وخاصة في الوزارات ووكلاء الوزرات المهمة وكان من بينهم رائد تولي منصب وزيرالخارجية يُدعي Facinè Touré كان قبل الإنقلاب مدرباً بمدرسة Manèyah العسكرية , وفي هذا التوقيت أي عقب تعيين Facinè Touré بدأت إسرائيل في تنشيط إتصالاتها بالإنقلابيين الغينيين خاصة وأن إسرائيل تعلم قدر غينيا من الوجهة الإقتصادية ففبها أرسابات مهمة من البوكسيت في مناجم بمنطقة Sangarédi بمحافظة Kamsar (وهي ميناء علي الأطلنطي) وثروات أخري لم يقترب منها الفرنسيون إلا بعد وفاة الرئيس سيكوتوري .

لم تكن إتصالات إسرائيل بالإنقلابيين مباشرة في هذا الوقت فكانت إسرائيل علي علم وإدراك بعلاقات غينيا التي تركها الرئيس سيكوتوري مُزدهرة وقوية مع العالم العربي وتعلم أن بكوناكري ستة سفارات لدول عربية منهم مصر التي كانت علاقاتها التاريخية بغينيا أكثرهم قوة فمصر دعمت غينيا بمجرد حصولها علي الإستقلال فأقرضتها قرضاُ بمبلغ ستة ملايين دولار عام 1960لتعميق ميناء كوناكري ولم تسترده مصر لتعثر الحكومة الغينية ( في عام 2006 أصدر الرئيس المخلوع مبارك قراراً بشطب ديون مصر قبل سنة دول أفريقية منهم الكونجو كينشاسا وغينيا دون إي إستشارة أو إبلاغ مُسبق باسفارة المصرية بهذه الدول ودون حصول مصر علي أي مقابل وكان السفير المصري بكوناكري قد نجح عام 1983بعلاقاته الطيبة مع وزير المناجم الغيني آنئذ إسماعيل توري في الحصول علي مقابل من بوكسيت غينيا مقايضة مع القرض المصري غير المسدد والذي بلغ بفوائد أكثر من 8 مليون دولار لكن مصر رفضت العرض بدعوي أن الخام الغيني منه لا يصلح لمجمع ألمنيوم نجع حمادي فيما كان يمكن إعادة تصديره إلي رومانيا ) كما أن السعودية والكويت كانتا تقدمان بالإضافة للبنك الإسلامي في جدة مساعدات مالية لغينيا دعمت كثيراً مشروعات الحكومة , كما أن العسكريين الغينيين إستجابوا للمخاوف الإسرائيلية فحافظوا قدر الإمكان علي سرية الإتصالات الإسرائيلية معهم والتي إستهدفت إستعادة العلاقات الإسرائيلية الغينية علي مستوي السفارة .

كانت غينيا إبان عهد الرئيس سيكوتوري قد قطعت علاقاتها بإسرائيل بمجرد وقوع العدوان الإسرائيلي علي الدول العربية في 5 يونيو , ففي مساء 5 يونيو 1967 أبلغت الخارجية الغينية السفير الإسرائيلي في كوناكري Shlomo Hillel (شغل لاحقاً منصب رئيس الكنيست الإسرائيلي وكان سفيراً لإسرائيل في عدد من الدول الأفريقية ) بمغادرة الأراضي الغينية في ظرف 48 ساعة ومعه أعضاء سفارته وكان من بينهم سكرتير ثان يدعي Haim Harare , وكان أن قطعت غينيا كل روابطها مع إسرائيل إلي أن رأت إسرائيل وفقاً لمتابعتها المباشرة لمجريات الأمور في كوناكري ومن خلال القناة الفرنسية أن الإنقلابيين لديهم إستعداد لإستعادة العلاقات , وبالنسبة لإسرائيل فقد قدرت أن الوقت قد حان لإستعادتها فقررت ذلك لكن وكما سبقت الإشارة من خلال سياسة الإقتراب غير المباشر مرحلياً , فأصدرت تعليماتها للقائم بالأعمال الإسرائيلي في Abiddjan عاصمة ساحل العاج بالقيام باللازم في هذا الشأن , وفي الواقع لم يتوقع أو يفكر أي من أعضاء السلك الدبلوماسي العربي في كوناكري أن تكون الحركة الإسرائيلية في هذا الإتجاه بهذه السرعة إلا أنه يبدو – لذلك – أن الإتصالات الإسرائيلية بهؤلاء العسكريين الغينيين كانت سابقة علي وفاة الرئيس سيكوتوري , لكن شاءت إرادة الله تعالي أن تتكشف هذه الإتصالات وهي مازالت بعد في مهدها فبمحض الصدفة وفي حديث مع دبلوماسي غيني يعمل بإدارة مراسم الخارجية الغينية عرفني عليه صديق من جنوب لبنان مستقر بأعماله في كوناكري , عرفت منه أن هناك ثمة إتصالات إسرائيلية تجري مع وزير الخارجية الغيني Facinè Touré فلما عبرت له عن دهشتي لمعرفتي الظروف التي تم فيها قطع العلاقات الغينية الإسرائيلية وبشكل مهين للإسرائيليين أفادني بأنه سيسلمني في الغد ما يثبت كلامه مستندياً وبالفعل في صباح اليوم التالي وكان ذلك في سبتمبر 1984 سلمني صورة من خطاب مُوقع من القائم بالمصالح الإسرائيلية في Abiddjan ويدعي Benal Avital طالباً مني أن تقوم السفارة المصرية وفي أضيق نطاق بإستخدام هذا المستند بالطريقة التي يمكن بها أن تمنع إسرائيل من إستعادة علاقاتها بغينيا التي يكفيها شراً الإنقلاب العسكري وما سيجره علي بلاده من ويلات وقال لي أن كل هؤلاء الإنقلابيين دمي في يد فرنسا وأنهم كانوا يأملون أن تعبر بلادهم إلي الديموقراطية لكن وبقفز هؤلاء العسكريون علي السلطة أصبح ذلك مُستبعداً , وعدت إلي السفارة لأقرأ الخطاب قبل إبلاغ السفير وتسليم صورته إليه والبحث عن وسيلة للتحرك في الإتجاه المُتاح لمصر خاصة بعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979 , ووجدت أن الخطاب مُؤرخ في 6 أغسطس 1984 ومكتوب بخط يد القائم بالمصالح الإسرائيلية في Abiddjan وموضح بالطباعة رقم هواتف مكتب القائم علي المصالح الإسرائيلية – آنئذ – في Abiddjan وهي 323178 و 324953 وعنوان صندوق بريده وهو B.P .1877 Abidjan 01 , ويقع الخطاب في صفحتين ومختوم في صفحة منه بالخاتم الرسمي لمكتب رعاية المصالح الإسرائيلية في Abiddjan وموجه لوزير الخارجية الغيني ويتضمن الإشارة لمحادثات هاتفية سابقة بين الوزير الغيني و Benal Avital الذي أشار إلي الوزير الغيني إلي إتفاقهما السابق علي قيام وفد رسمي غيني بزيارة لإسرائيل يلزم الحفاظ علي سريتها وأن صديقاً ” مخلصاً ” إسرائيلياً سيكون في صحبة هذا الوفد وأن تذاكر السفر للوفد سترسل للوزير قبل الجمعة 10 أغسطس 1984 ( وهو الموعد الذي أقترحه Avital لبدء تحرك الوفد من كوناكري) وأشار كذلك إلي أن تذاكر الطائرة ستكون علي خط شركة Sabena وأن مسار الرحلة إلي تل أبيب سيكون Conakry- Abidjan – Bruselles والعودة , لكن سوف تُسلم تذاكر للرحلة Tel Aviv– Bruselles والعودة للوفد عند وصوله إلي Bruselles وسيكون زملاءه في Bruselles في إستقبال الوفد الغيني , وستكون عودة الوفد إلي كوناكري في مساء 13 أغسطس و1984 , ونوه السيد Benal Avital إلي أنه سيعاود الإتصال بالوزير يوم الثلاثاء 7 أغسطس ليعرف قراره في شأن الموعد المُقترح لمغادرة الوفد وتشكيله وأسماء ورتب أعضاءه وأشار إلي أنه في حالة تعذر إجراءه للمحادثة التليفونية لسبب فني فيمكن للوزير أو السيد Naite أن يتصل به مساء 7 أغسطس علي رقم الهاتف بيته وهو 443973 لمناقشة أفضل الترتيبات لهذه الزيارة .

أبلغني الدبلوماسي الغيني أنه بالرجوع لملف إسرائيل بمراسم الخارجية الغينية وجد أن السفارة الإسرائيلية بكوناكري قبل قطع العلاقات كانت مكونة من السفير Shlomo Hillel ( وسكرتير ثان يدعي Haim Harare وقال لي أنه يعرفه , وبعد يومين فوجئت به يبلغني أن Haim Harare هذا هو بنفسه القائم بأعمال السفارة السويسرية في كوناكري وأنه رآه أكثر من مرة قبل الإنقلاب علي حكومة Lansana Beavogui ويعرفه حق المعرفة لكنه الآن جاوز الخمسين من عمره , وبالتالي كان من المنطقي أن تكون العلاقات الإسرائيلية الغينية مُستمرة حتي قبل وفاة الرئيس سيكوتوري بمدة من خلال موقع Haim Harare بالسفارة السويسرية بكوناكري , ومن المُؤكد أن إسرائيل إختارته لهذه المهمة الدقيقة والمحفوفة ببعض الخطر لمعرفته المُسبقة بغينيا والشخصيات الغينية المفتاحية لإسرائيل في غينيا وقد يكون قد شارك مع Benal Avital في الإتصالات التي جرت مع وزير الخارجية بحكومة الإنقلاب .

أبلغت السفير بكل ذلك وسلمته صورة هذا الخطاب وتملكه فزع من سرعة التحرك الإسرائيلي وكلفني بمزيد من المتابعة وبالفعل رجعت لملف إسرائيل بالسفارة والذي كان آخر تقرير به عن مغادرة السفير الإسرائيلي بأوامر من الخارجية الغينية في مدي 48 ساعة , لكني وجدت تفاصيل إعتبرتها هامة لأني تحققت من المعلومات القليلة التي سرها إلي الدبلوماسي الغيني فوجدت تقريراً وضعه مستشار بالسفارة المصرية سابق لقطع العلاقات الغينية الإسرائيلية أشار إلي أن السكرتير الثاني بالسفارة الإسرائيلية قبل قطع العلاقات كان أسمه Haim Harare وأنه شوهد في بنك غينيا وهو يرسل حوالة مالية إلي سيدة يهودية بالقاهرة إي أنه يهودي مصري , وعندما أكدت ذلك لزميلي الغيني قال لي بالفعل هذا صحيح كما سبق وأشرت وأوضح أنه بحكم عمله بقاعة كبار الزوار فقد كان يلتقي بالسيد Harare كثيراً عندما كان يعمل بالسفارة الإسرائيلية في كوناكري قبل قطع العلاقات الغينية الإسرائيلية في 5 يونيو 1967, وقال أن الإسرائليين كانوا نشطين في علاقاتهم بغينيا فلم تقتصر العلاقة علي الجانب السياسي فقط بل تعدتها للجانب الإقتصادي فكان الإسرائيليين يديرون مزرعة تقع خارج العاصمة الغينية منحها الرئيس أحمد سيكوتوري مع مبني السفارة الإسرائيلية إلي الفلسطينيين الذين غيروا أسمها ليكون ” مزرعة صامد ” لكنها كما قال تمر بظروف إدارية ومالية حرجة ( قال لي القائم بالأعمال الفلسطيني وقتئذ أن السبب هو عدم وضوح السلطة في المشروع وعدم التنسيق بين مكتب منظمة التحرير بكوناكري والقائمين علي العمل بالمزرعة ووصل التنازع بينهما لعلم السيد ياسر عرفات الذي أمر بنقل مدير المزرعة لكن تقديري وقتذاك أن المزرعة كانت تدار بمعيار سياسي وليس إقتصادي ) .

إجتمع السفير المصري بالسفراء العرب بكوناكري وتباحث معهم في الأمر بعد إبلاغهم لوزارات الخارجية بدولهم , وأستقر الراي وفقاً لذلك علي تكليف السفير السعودي بمقابلة وزير الخارجية الغيني لمفاتحته في أمر تلقي معلومات عن محاولات إسرائيلية لإستعادة العلاقات مع غينيا وأنهم واثقون من أن الحكومة الغينية تثمن علاقاتها العربية وترغب في تطويرها خاصة وأن التسوية السياسية الشاملة للصراع العربي الإسرائيلي مازالت بعد غير مُحققة , وكان أن توقفت إتصالات إسرائيل بغينيا في هذا الشأن لفترة طويلة نسبياً.

كان لهذا التحرك العربي المُشترك أثره في عرقلة إستعادة إسرائيل لعلاقاتها بغينيا منذ أن تم الكشف عن هذه المحاولة السرية * ( لا تذكر أية مصادر إسرائيلية شيئاً عن هذه المحاولة بل تتكلم كثيراً عن أن إسرائيل لم تتوقف عن مواصلة علاقاتها بشكل غير رسمي مع هذه الدول ومنها غينيا وهذا جزئياً صحيح لكنها ليست الحقيقة الكاملة) وحتي الإعلان في 20 يوليو 2016 عن توقيع Dore Gold سكرتير عام الخارجية الإسرائيلية و Ibrahim Khalil Kaba مسئول مكتب الرئيس الغيني Alpha Condé علي إتفاق مُشترك في باريس بإستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين , ومن المهم الإشارة إلي ما أوردته وكالات الأنباء نقلاً عن Dore Gold في هذه المناسبة فقد قال إن عدد البلاد الأفريقية التي مازالت لم تعيد تأسيس علاقاتها مع إسرائيل في تناقص مُنتظم وأننا نأمل في ألا يكون هناك بلد مازال في قطيعة مع إسرائيل , وأن إسرائيل تدعو البلاد التي لم تجدد ” إستخدم كلمة Renewed وليس “Restoreبعد علاقاتها الدبلوماسية بأن تحذو حذو غينيا حتي يمكننا العمل معاً لمصلحة شعوب المنطقة ” , وقال Dore Gold مُبرراً تلك المدة الطويلة التي ظلت علاقات بلاده بغينيا مقطوعة منذ الإنقلاب العسكري بغينيا في 3 أبريل 1983 وإختفاء الرئيس سيكوتوري بالوفاة وهو الذي كان لا يمكن في عهده إستعادة هذه العلاقات بقوله أن ” روابط بلاده بغينيا كانت مُستمرة حتي عندما لم تكن هناك ثمة علاقات رسمية ” وهو ما قد يؤكد حالة عمل Haim Harare تحت غطاء السفارة السويسرية في كوناكري , مؤكداً أن إسرائيل ساهمت في مكافحة فيروس Ebola وردد الحكمة التي تقول أن الصديق الحق هو الصديق في وقت الشدة , وعقب الإتفاق أعلنت الخارجية الإسرائيلية في يوليو 2016عن أن السفير Paul Hirschson سفير إسرائيل لدي السنغال سيغطي عدة دول أفريقية منها غينيا كما عينت كل من Eliahu Ben-Tura سفيراً لها في ساحل العاج و Oren Rozenblat سفيراً لها في أنجولا و Gadi Harpaz سفيراً لها في إرتريا.

لئلا نغفل عن المعني الحقيقي لحالة العمل الإسرائيلي المُثابر لإستعادة العلاقات مع غينيا وغيرها من الدول الأفريقية فلابد من إستنباط حقائق مهمة توضح إلي أي مدي واسع ومتدرج وبأي كيفية مبتكرة ومخططة جيداً تعمل الدبلوماسية الإسرائيلية وهذه الحقائق هي ما يلي :

  • أن الطريقة التي إتبعتها إسرائيل في محاولة إستعادة روابطها الدبلوماسية مع غينيا تعكس مدي الإصرار والمثابرة وأن عملية إستعادة العلاقات مع غينيا وغيرها ليست ضربة لازب أو خبط عشواء , فوراءها تخطيط مُسبق وأدوار تُؤدي , وهناك طرق أخري مختلفة قليلاً لمتابعة العلاقات مع الدول الافريقية التي تري إسرائيل أن هناك صعوبات جمة في إستعادة العلاقات معها مثل النيجر التي فُرضت عليها العلاقات مع إسرائيل زمن الرئيس المُغتال ميانسارا في ثمانينات القرن الماضي وقُطعت العلاقات الدبلوماسية معها، إلا أن إسرائيل لم يخالجها اليأس فأرسلت خبيراً زراعياً إسرائيلياً يُدعي Dov Pasternak للعمل في منظمة زراعية هندية لها أفرع في دول أفريقية منها النيجر تدعي ICRESAT ودخل النيجر بجواز سفر برازيلي وكان قد سبق له العمل في مصر التي شهدت العلاقات الزراعية مع إسرائيل دفعة غير مفهومة إبان تولي د . يوسف والي لسنين عدداً وزارة الزراعة المصرية وقد نظم Dov Pasternak خلال تواجده بالنيجر عامي 2011 و2012 دورات زراعية لمتدربين من النيجر في إسرائيل وتعامل مع هيئتين حكوميتين في النيجر في هذا الشأن تدعيان AGRAYMET و IRAN في الوقت الذي كان هناك يهود يعملون بالنيجر من خلال وكالة التنمية الدولية للولايات المتحدة USAID ومجموعةAREVA المملوك معظمها للدولة الفرنسية والقائمة علي إستخراج اليورانيوم بالنيجر بمنطقة ( النيجر ثالث أكبر مُنتج لليورانيوم علي مستوي العالم ) .
  • أن سرعة التحرك الإسرائيلي مع الثلة العسكرية الغينية أو Junta لإستعادة العلاقات تُؤشر إلي أن هناك إحتمال بأن مُرجح بأن إرتباطات سابقة توثقت مع بعضهم إما مباشرة أو عن طريق المخابرات الفرنسية (تبادل المعلومات والعمليات) لكن المؤكد وفقاً لخطاب القائم علي المصالح الإسرائيلية في Abiddjan أن الإتصالات الإسرائيلية الغينية بدأت في شهر يوليو 1984 أو قبل ذلك بقليل أي بعد الإنقلاب العسكري بأربع أو ثلاث أشهر , وفي الحالتين يتأكد أن هناك إصرار ومتابعة إسرائيلية .
  • أن محطة Abiddjan لا تقل أهمية للمخابرات والدبلوماسية الإسرائيلية عن محطة أديس أبابابا في إدارة العمليات المخابراتية ومازالت كذلك , والذي قد كان يخفف إلي حد ما من وطأة العلاقات الإسرائيلية علي العلاقات العربية مع دولة ساحل العاج هو التأثير الإقتصادي للجالية اللبنانية الضخمة والمٌنتشرة هناك وبدرجة أقل في دول أخري بغرب أفريقيا منها سيراليون , ويجدر بالذكر أنه لم يكن في أي مرحلة ثمة وعي عربي مُترجم في تعليمات رسمية بكيفية التعامل المفيد والمتبادل مع الجاليات اللبنانية في أفريقيا وخاصة في غربي القارة , بل في أحوال كثيرة كان الكثير منهم لا يستطيعون بسهولة الحصول علي تأشيرة دخول مصر وأعتقد أن ذلك ينسحب علي أي دولة عربية أخري , وهو وضع مختلف بالتأكيد عن علاقة يهود الشتات مع السفارات الإسرائيلية أو الدولة العبرية , فهنا إهمال وتجاهل بل وإبتعاد وهناك إحتضان وعناية وإقتراب منتج .
  • أن سويسرا ليست كما تحاول أن تدعي بأنها دولة محايدة فحالة غينيا حالة صارخة للإنحياز الذي يرقي إلي نوع من التحالف السويسري من اجل تحقيق المصالح الإسرائيلية لدرجة منح Haim Harare جواز سفر ديبلوماسي سويسري وتمثيل سويسرا في غينيا وهو في الحقيقة يمثل إسرائيل في كوناكري بالتوازي مع الإتصالات التي جرت بين القائم بالأعمال الإسرائيلي ووزير خارجية الإنقلاب في غينيا , وفي الحقيقة وبالتأكيد إلي حد كبير كانت هناك حالات (عمليات) أخري منها مثلاً ما أشار إليه دبلوماسي إسرائيلي لي في حديث معه في كينشاسا في يوليو 1988 تناول من بين أمور أخري العلاقات الإسرائيلية السوفيتية فقد أوضح أن هناك تقارب ملحوظ بين إسرائيل والإتحاد السوفيتي وأن هذا التقارب يأخذ صوراً أخري من بينها تواجد بعثة قنصلية إسرائيلية مُقيمة في موسكو , وموافقة موسكو علي إرسال بولندا لبعثة تجارية بولندية إلي إسرائيل وموافقة الإدارة السوفيتية علي السماح بمهاجرين يهود سوفييت لإسرائيل , وأن كل ذلك يتم في إطار حوار جاد مع موسكو لتبادل العلاقات الدبلوماسية ووصف جورباتشوف بأنه ليس كسابقيه لأنه يتناول سياسات سوفيتية عتيقة بطريقة ثورية , ومازالت سويسرا للآن تلعب أدواراً لا علاقة لها بمفهوم الحياد فقد لعبت دور المُيسر Facilitateur مع الوسيط البوركينابي (بوركينافاسو) في الإجتماعات التي عُقدت في واجادوجو في 23 و 24 يوليو 2012 والتي ضمت قادة عسكريين وسياسيين ينتمون للحركة الوطنية لتحرير أزواد MNLA (في شمال مالي)وتناول هذا الإجتماع تقييم الموقف بمنطقة AZWAD بشمال مالي والتي كانت هذه الحركة قد أعلنت في 4 أبريل 2012 إنفصالها عن مالي وإعلان إستقلال جمهورية AZWAD ولكن عناصر جماعة أنصار الدين الإسلامية حطموا هذا الحلم وطردوا عناصر حركة MNLA من شمال مالي محافظين علي تكامل وسيادة مالي وهؤلاء هم من جردت لهم فرنسا عملية Serval العسكرية في شمال مالي لمواجهتهم بإعتبارهم تهديداً لمالي ولأنهم ” إرهابيين” مع أنهم هم من حافظوا علي تكامل دولة مالي وليس الجيش الجيش المالي الذي إنقلب بقيادة ضابط صغير يدعي Amadou Sanogo تلقي تدريبات عسكرية بالولايات المتحدة علي الرئيس Amadou Tomani Toure قبل إنقضاء مدة رئاسته الثانية والأخيرة بشهر واحد في 21 مارس 2012 , ولهذا تعاملت سويسرا مع هؤلاء الإنفصاليون تقوية لساعدهم ولميولهم الإنفصالية فلا تفسير آخر مُتاح لدي , ومبلغ أسفي أن معظم القادة العرب يتبنون بعض وجهات نظر المؤسسات الغربية فيما يجري بأفريقيا دون إدراك لتباين مصالحنا مع مصالحهم ودون إستدعاء لماضيهم الإستعماري في القارة الأفريقية التي عانينا نحن أيضاً مع الأفارقة منه .



فضيحة الرشاوي

بني شتاينمتس وزوجته في 2010.

في 19 ديسمبر 2016، ألقت الشرطة الإسرائيلية القبض على البليونير الإسرائيلي بني شتاينمتس بتهمة رشوة مامادي توري، زوجة رئيس غينيا السابق للحصول على امتياز تعدين في سيماندو Simandou أحد أكبر مناجم خام الحديد في العالم.[2]

الهامش

  1. ^ Zeff, Michael (July 20, 2016). "Israel and Guinea announce diplomatic relations". Ynetnews. Retrieved July 21, 2016.
  2. ^ DANIEL ESTRIN (2016-12-19). "Israeli police arrest tycoon suspected of bribery in Guinea". أسوشيتد پرس.

خطأ استشهاد: الوسم <ref> ذو الاسم "oec1" المُعرّف في <references> غير مستخدم في النص السابق.
خطأ استشهاد: الوسم <ref> ذو الاسم "oec2" المُعرّف في <references> غير مستخدم في النص السابق.

خطأ استشهاد: الوسم <ref> ذو الاسم "toi1" المُعرّف في <references> غير مستخدم في النص السابق.