العلاقات الإسرائيلية السنغالية


تحرص إسرائيل علي تعظيم تواجُدها في القارّة الإفريقيّة التي باتت تُمثِّل عمقا استراتيجيّا، وقوّة استهلاكيّة ضخمة لا يُستهان بها، فضلا عن حرصها علي تحسين الصورة الإسرائيليّة السيّئة، وجرائمها ضدّ الشعب الفلسطيني أمام الرأي العامّ الإفريقى، مُعتمدةً في ذلك علي سياسة الدبلوماسيّة الفاعلة والحضور السياسي والاقتصادي المؤثِّر.

يُمكن حصْر محدّدات السياسة الخارجيّة الإسرائيليّة تجاه القارّة السمراء بصفة عامّة، والسنغال بصفة خاصّة، في ما يلي:[1]

  • القوّة التصويتيّة للدول الإفريقيّة في المَحافِل الدوليّة.
  • الأهميّة الجيوسياسيّة والأمنيّة للقارّة السمراء بالنسبة إلي إسرائيل، كونها تطلّ علي البحر الأحمر، ولها علاقات مُتشابِكة مع الدول العربيّة، تستطيع من خلالها التأثير علي المَوقف العربي.
  • المصالح الاقتصاديّة، حيث تُعتبر القارّة السمراء غنيّة بالمَوارِد، وتُشكِّل سوقا للبضائع الإسرائيليّة، فضلا عن توظيف إسرائيل ليهود إفريقيا، ومن ثمَّ زيادة معدّلات الهجرة إليها.

تحرص إسرائيل علي توطيد علاقتها بالسنغال، ولاسيّما أنّ السنغال لها تاريخ طويل مُناهِض للاحتلال الإسرائيلى، ومُناصِر لحقوق الشعب الفلسطينى؛ وبالتالى، فإنّ توطيد العلاقات الإسرائيليّة السنغاليّة ــ من وجهة النظر الإسرائيليّة ــ يُمثّل انتصارا إسرائيليّا كبيرا داخل القارّة الإفريقيّة بصفة خاصّة، والمجتمع الدولي بصفة عامّة، ولاسيّما إذا نجحت إسرائيل في حمْل السنغال علي التراجُع عن مَواقفها المُسانِدة للقضيّة الفلسطينيّة.

إنّ مَوقف السنغال من القضيّة الفلسطينيّة نابِعٌ من العناصر الأساسيّة الثابتة في الدبلوماسيّة السنغاليّة، وهي:

  • السنغال دولة قياديّة في القارّة الإفريقيّة.
  • السنغال دولة محوريّة في منظّمة التعاون الإسلامى، وترأس لجنة من ستّ لجان أساسيّة للمنظّمة تُعني بشئون الإعلام والثقافة، وتنوب أيضا عن رئاسة لجنة القدس.
  • مَواقِف السنغال ثابتة بشأن دعم الحقوق الفلسطينيّة، وهي ترأس بشكلٍ متجدّد منذ العام 1975 أكبر اللّجان الأُمميّة حول مُمارَسة الشعب الفلسطيني لحقوقه.
  • السنغال لها دبلوماسيّة مُتوازِنة في حلّ النزاعات علي أساس دعم الحوار وتعزيز السلام، وهي تملك سابع قوّة في العالَم لحفظ السلم والأمن الدوليَّين.
  • السنغال ذات الأغلبيّة المُسلمة الساحقة تُشكِّل نموذجا للإسلام الصوفي المُعتدل، والذي كان سببا رئيسا للسلم المُجتمعي فيها منذ الاستقلال في العام 1960 عن الاحتلال الفرنسي وحتّي الآن، وذلك بفضل قوّة انتشار الطُّرق الصوفيّة فيها.
  • تربط السنغال علاقاتٌ مصلحيّة كبيرة بدول العالَم العربى، وصناديق الاستثمار العربى، وتُسهِم بشكلٍ كبير في عمليّة التنمية، وهنا تجدر الإشارة إلي أنّه في العام 1967 قطعت السنغال علاقاتها الدبلوماسيّة بإسرائيل تضامُنا مع العرب بعد النكسة، وأعادتها بالعام 1995 بعد التوقيع علي اتّفاق أوسلو.

في ضوء ذلك، يُمكن القول إنّ هناك تعارُضا قويّا في المَصالِح بين إسرائيل والسنغال؛ إلّا أنّ الواقع عكس ذلك. فقد أعلنت السنغال التطبيع مع إسرائيل، ويبقي السؤال هنا: كيف لدولة مُناصِرة لحقوق الشعب الفلسطيني أن تتمتّع بعلاقاتٍ قويّة بدولة تَنتهِك حقوق هذا الشعب؟

وفي محاولةٍ للإجابة عن هذا التساؤل، نستعرض أبرز الأحداث التي طرأت علي العلاقات بين البلدَين خلال السنوات الأخيرة، والتي تعكس التحوّل التدريجي الذي طرأ علي علاقة السنغال بإسرائيل، وتتمثّل في ما يلى:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

القضيّة الفلسطينيّة وسحب السفير الإسرائيلي

اندلعت أزمة سياسيّة بين السنغال وإسرائيل، بعدما تقدَّمت كلٌّ من السنغال، وفنزويلا، وماليزيا، ونيوزيلندا، بمشروع قرار إلي مجلس الأمن الدولي لإدانة البناء الإسرائيلي في المستوطنات الإسرائيليّة داخل الأراضي الفلسطينيّة، وهو القرار رقم 2334، الذي صدر عقب تصويتٍ في مجلس الأمن الدولى، حصل علي تأييد 14 دولة، بعد امتناع الولايات المتّحدة عن التصويت. اعتُبِر هذا القرار قرارا تاريخيّا، نظرا لأنّ معظم مشاريع القرارات ضدّ إسرائيل تُرفَض باستخدام حقّ الفيتو، حيث قامت الولايات المتّحدة باستخدام الفيتو 42 مرّة من أجل حماية إسرائيل، وتُعَدّ هذه هي المرّة الأولي التي لا تلجأ فيها الولايات المتّحدة إلي هذا الحقّ، ما جعله قرارا ساريا؛ وبناءً عليه تمّ تبنّي القرار بعد إقراره من غالبيّة الأعضاء.

نتج عن ذلك سحْب السفيرَين الإسرائيليَّين من كلٍّ من السنغال ونيوزيلندا. وردّا علي سحْب إسرائيل سفيرها من السنغال، قال المتحدّث باسم الحكومة عبر التلفزيون العامّ «يجب الإشادة بمَوقف السنغال، المجتمع الدولي يُرحّب بمَوقف السنغال، وخصوصا الدول المُسلِمة». وأضاف: «حرصت السنغال علي أن تكون مُنسجِمة مع رؤيتها الدبلوماسيّة التي تبنّتها منذ العام 1975، والتي ترأَّست بموجبها لجنة مُمارَسة الحقوق الرّاسخة للشعب الفلسطينى، كما أنّ الدعم السنغالي للشعب الفلسطيني لا يعني أنّ السنغال ضدّ إسرائيل». لم تستغرق تلك الأزمة سوي أشهر معدودة، إذ سرعان ما تمّ حلّها، حين أعلنت إسرائيل والسنغال عن إعادة تطبيع العلاقات بينهما بشكلٍ كامل بعدما التقي رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو» بالرئيس السنغالي «ماكي سال»، علي هامش قمّة دُول غرب إفريقيا ECOWAS المُنعقدة في ليبيريا، واتّفقا علي إعادة السفير الإسرائيلي إلي السنغال، مقابل التزام السنغال بعدم العمل ضدّ مَصالِح إسرائيل في المَحافِل الدوليّة.

وفي الوقت نفسه تمّ الاتّفاق علي تجديد المشاريع المُشترَكة التي تمّ تعليقها في أعقاب الأزمة، والتعاون الأمني والزراعي بين البلدَين. ودعا نتنياهو وزير الخارجيّة السنغالي لزيارة إسرائيل.


زيارة وزير الخارجيّة السنغالي لإسرائيل

تُشير معظم التقارير إلي أنّ التحرّكات الإسرائيليّة في دوائر النفوذ في السنغال باتت في تزايُد خلال السنوات الأخيرة، مدلِّلة علي ذلك بالزيارة التي قامَ بها وزير الخارجيّة السنغالي السابق «سيديكي كابا» للمسجد الأقصي وسط حراسة الاحتلال الإسرائيلى، وبرفقة مُستوطنين إسرائيليّين، وقوبلت تلك الزيارة بالرفض من قبل السلطة الفلسطينيّة حيث أعلنت وزارة الإعلام الفلسطينيّة وقتها أنّ الطريقة التي زار بها «كابا» المسجد الأقصي «مرفوضة»، وعبَّرت في بيان نشرته عن أسفها لزيارة «كابا» للمسجد الأقصي بحماية قوّات الاحتلال، الذين وضعوا عَلَمَ إسرائيل والسنغال علي ملابسهم. وطالَبت الحكومة الفلسطينيّة وقتها نظيرتها السنغاليّة بتقديم اعتذار عمّا حصل، مُعتبرةً أنّ الزيارة تشكِّل خرقا لإجماع منظّمة التعاون الإسلامى، وسابقة خطيرة في تاريخ العلاقات الفلسطينيّة السنغاليّة، كما انتقدت دائرة الأوقاف المُشرِفة علي المسجد زيارة الوزير السنغالى، كونها تمَّت من دون تنسيق معها، وتحت حراسة الشرطة. ونشرَ المتحدِّث باسم الخارجيّة الإسرائيليّة «پول هرشون»، علي حسابه الرسمي علي «تويتر»، صُورا للوزير السنغالي في المسجد الأقصى، مُشيرا إلي أنّ «كابا» هو أوّل وزير خارجيّة سنغالي يزور إسرائيل.

تصريحات بأحقيّة اليهود بأرض فلسطين وإثارة الرأي العامّ السنغالى في مايو 2018، تزايدت في الشارع السنغالي الأنشطة المؤيِّدة للقضيّة الفلسطينيّة والرّافِضة لجرائم الاحتلال الصهيوني ضدّ الشعب الفلسطينى. وطالَبت جمعيّاتٌ مُدافِعة عن القضيّة الفلسطينيّة حكومة البلاد بقطع علاقاتها الدبلوماسيّة مع إسرائيل. جاء هذا السخط ردّا علي التصريحات التي أدلي بها «إدريس سك، رئيس الوزراء السنغالي السابق، حول أحقيّة اليهود بأرض فلسطين، وسرده لبعض المَزاعم التاريخيّة المغلوطة عن بَيت المقدس، ومكّة المكرَّمة. وبحسب قوله «بيت المقدس أهمّ من مكّة المكرَّمة»، «مكّة ليست مكان الحجّ الصحيح»، «اليهود هُم شعب الله المُختار».

أدانت رابطة الأئمّة، والدُّعاة في السنغال تصريحات السياسي السنغالي ودعته للاعتذار، وقالت الرابطة في بيانٍ وقَّعه أمينها العامّ «أحمد دام انجاى» إنّ « تصريحات «سكّ»، شوَّهت صورة الشعب السنغالي المُسلِم أمام العالَم الإسلامى». وأضاف البيان أنّ اعتبار «سك» لما يجري في فلسطين كصراعٍ بين أشقّاء هو «جهل بالتاريخ»، مُشيرا إلي أنّ إسرائيل تأسَّست عقب إعلان وعد بلفور في العام 1917 المُتضمِّن إنشاء منطقة تكون مَلجأً لليهود في أنحاء العالَم.

أيضا استنكر البيان الطريقة المُتغطرِسة التي استخدمها «سك» في التعليق علي القضيّة الفلسطينيّة في تصريحاته، ولفت البيان إلي أنّ «تلك التصريحات صدمت ضمير كلّ مُسلِم، وشكَّلت انتهاكا لرموز العقيدة الإسلاميّة».

كذلك انتقد «بامبا انجاي»، وزير الشئون الدينيّة الأسبق تصريحات «سك»، واعتبرها «تخريفات مُطابِقة للمَزاعم الصهيونيّة»، مُشيرا إلي أنّ تلك التصريحات تأتي في ظلّ مَوجة اختراقٍ مركَّزة ترعاها إسرائيل في السنغال.

وترتَّب عن تلك التصريحات أنْ دَعت منظّمةُ «الإيسيسكو» سلطاتِ السنغال لاتّخاذ إجراءات حازِمة ضدّ هذه التصريحات التي تهدف إلي إثارة الفتنة والتضليل، وتُعَدّ تكذيبا فجّا للحقائق الثابتة التي يؤكّدها القرآن الكريم، والسنّة النبويّة.

في ضوء ما سبق، يُمكن القول إنّ إدلاء الوزير السنغالي السابق بمثل هذه التصريحات، وكذلك زيارة وزير الخارجيّة السنغالي للقدس وسط حماية إسرائيليّة هو بمثابة مؤشّر قوي نحو فعاليّة الدَّور والتأثير الذي تُمارسه إسرائيل داخل القارّة الإفريقيّة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخري يُعَدّ تراجُعا للمَوقِف السنغالي تجاه القضيّة الفلسطينيّة، واعترافا ضمنيّا بأحقيّة إسرائيل بالأرض. وأغلب الظنّ، أنّه إذا ما أعاد التاريخُ نفسَه، ودخلَت إسرائيل في حربٍ ضدّ الدول العربيّة، لن تَقطع السنغال علاقاتها الدبلوماسيّة بإسرائيل، مثلما حدث في الماضي عقب نكسة 1967. وبالتالي يتوجّب علي الدول العربيّة توحيد صفوفها للتواجُد بشكلٍ أقوي داخل القارّة الإفريقيّة، وإلّا ستنجح إسرائيل في إتمام مخطّطاتها التي تنفّذها بخطىً ثابِتة، وبطريقةٍ مُمنهَجة.

المراجع

  1. ^ ممدوح مبروك (2020-02-17). "السنغال ــ إسرائيل: بَيْنَ المُقاطَعة والتّطبيع". صحيفة الشروق المصرية.