علم الوجود

(تم التحويل من الأنطولوجية)
پارمنيدس كان بين أول من اقترح تشخيص اُنطولوجي للطبيعة الأساسية للواقع.

في الفلسفة ، علم الوجود أو الأنطولوجيا Ontology ( باليونانية : بمعنى "الكينونة" و -λογία: الكتابة حول ، دراسة ل ) هي القسم الأكثر أصالة و أهمية في الميتافيزيقيا . يدرس هذا العلم الكينونة being أو الوجود existence إضافة إلى أصناف الوجود الأساسية في محاولة لتحديد و إيجاد أي كيان أو كينونة entities و أي أنماط لهذه الكينونات هي الموجودة في الحياة . لكل هذا فإن الانتولوجيا لها علاقة وثيقة بمصطلحات دراسة الواقع reality .

الأنطولوجية Ontology أو علم الوجود، أحد مباحث الفلسفة، وهو العلم الذي يدرس الوجود بذاته، الوجود بما هو موجود، مستقلاً عن أشكاله الخاصة، ويُعنى بالأمور العامة التي لا تختص بقسم من أقسام الوجود، الواجب والجوهر والعرض، بل تعمم على جميع الموجودات من حيث هي كذلك، وبهذا المعنى فإن علم الوجود معادل للميتافيزيقا أو ما بعد الطبيعة metaphysique. فهو نسق من التعريفات الكلية التأملية في نظرية الوجود عامة. وكان أرسطو في القرن الرابع ق.م، أول من أدخل مفهوماً عن مثل هذه النظرية التي عنى بها العلم حول أعم قوانين الوجود «علم الوجود بما هو موجود».

يعود مصطلح الأنطولوجية إلى أصل يوناني من onto وتعني الوجود، وlogie أي العلم. وقد ورد هذا المصطلح أول مرة سنة 1613، في القاموس الذي ألفه رودولف گوكلنيوس Rudolf Goclenius. وأول من استخدم هذا المصطلح عنواناً لكتاب هو كريستيان فون وولف (1679-1754) hristian Von Wolff، في القرن الثامن عشر. ولا تكمن صعوبة تحديد مجال الأنطولوجية في حداثة المصطلح وحدها وإنما ترجع إلى الشكوك التي ترافق كلمة الوجود منذ أن استخدمها پرمنيدس Parménide وقد حاول أفلاطون أن يبحث عن الوجود الثابت والخالد في المُثُل ideas، مضحياً بالوجود الحسي المتغير والزائل. ومع أن أرسطو لم يوافق أفلاطون على التجريد الذي تتصف به المُثُل فإنه ربط كأستاذه الوجود بالمعرفة، بل أصبح تعريف الوجود لديه مدخلاً لكل علم ممكن.

وإلى جانب الصعوبات اللغوية التي تثيرها كلمة الوجود في اللغة اليونانية وكذلك في اللغة اللاتينية واللغات الأوربية، فإن مفهوم الوجود ومعناه يثيران مع تقدم العلم إشكالات جديدة. ويذهب بول ريكور إلى عَدّ السؤال المنصبّ على الوجود سؤالاً متجدداً، ينهل من معين لا ينضب، لأن السؤال يظل أبداً أكبر من كل الإجابات.

نجت فلسفة أفلاطون من مشكلة التفريق بين الوجود والماهية essence التي ابتكرها أرسطو لاحقاً، وقد ورث الفلاسفة العرب المسلمون هذه المشكلة، مشكلة أصالة الماهية والوجود، عن الفلسفة اليونانية، وخضعت لها فيما بعد الفلسفة الوسيطة في الغرب اللاتيني. في البداية، لاحظ أرسطو أن «الوجود يقال على أنحاء متفرقة»، واضطر إلى التفريق بين الوجود والماهية للوصول إلى ما هو «جوهر» في الأشياء وما هو «عرض». كذلك فرق بين الوجود بالفعل وبين الوجود بالقوة، وتوصل إلى أن الفلسفة الأولى هي التي تتناول بالدراسة «الجواهر المفارقة للمادة»، وأعلى أنواعها الجوهر الأول، الله.

وأهم الصعوبات التي تعرضت لها الأنطولوجية في الحقبة اليونانية تعود إلى الاستخدام غير الدقيق لفعل الكون être. فمنذ أن وضع أرسطو فعل الكون في كل مكان (بدلاً من أي فعل)، اضطر المناطقة إلى التفرقة بين وظيفة فعل الكون بوصفه رابطة منطقية من جهة وبين المعاني اللغوية العادية من جهة أخرى. فقد رأى كانت في القرن الثامن عشر أن هناك نوعين من استخدام فعل الكون، فإضافة إلى استخدامه رابطة يمكن استخدامه «محمولاً» predicate كذلك فرق لالاند Lalande حديثاً بين معنى مطلق لفعل الكون وبين معنى نسبي، ولكن هذا لم يمنع الفلسفة من استخدام فعل الكون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأنطولوجية والفلسفة العربية ـ الإسلامية

إن مصطلح «الوجود» طارئ على الفكر العربي الإسلامي، ذلك أن «فعل الكون» غير موجود في اللغة العربية كما هي الحال في اللغات الهندية الأوربية. وقد شاع استخدام «الوجود» ومشتقاته في علم الكلام. لذلك ظهرت لدى الكندي محاولة لاشتقاق كلمة من أصل عربي لترجمة كلمة الوجود هي «الأيس» مقابل «الليس» وهو العدم. ومع الفارابي دخل مصطلح الوجود بقوة إلى الفلسفة العربية ـ الإسلامية، وترسخ فيما بعد مع ابن سينا، حتى شاع وانتشر وأصبح في كتب المتكلمين، من أمثال الجويني في كتابه «الإرشاد»، مرادفاً للفظ الجلالة الله.

طرح الفارابي المشكلات الأساسية للأنطولوجية حين عالج في كتابه «الحروف» الكيفية التي يمكن بها تجاوز الصعوبات التي نشأت في الفلسفة اليونانية حول مشكلة الوجود. وكانت «نظرية الفيض» التي اقتبس مبادئها من أفلوطين تتويجاً لهذا المشروع الأنطولوجي الذي حل به العلاقة بين الواحد والكثير: الوجود المطلق والعالم المتغير. وقامت العقول المفارقة للمادة بردم الهوة بين المطلق والنسبي.

بلغت العلوم الفلسفية والكلامية ذروتها في عصر ابن سينا الذي انطوت مؤلفاته على أعظم الإسهامات في تطوير الفكر في القرن الرابع للهجرة/العاشر للميلاد وخصص ابن سينا في كتابه «الشفاء» فصولاً كثيرة لدراسة «الإلهيات»، وهي الدراسة التي أثرت تأثيراً حاسماً في تطور مستقبل الأنطولوجية في الفكر الفلسفي والكلامي عند المسلمين وعند المسيحيين اللاتين في الغرب. ومن أشهر المشكلات التي توارثها الفلاسفة شرقاً وغرباً مشكلة العلاقة بين الوجود والماهية، فبتأثيرٍ من أرسطو جعل ابن سينا للماهية منزلة أعلى من منزلة الوجود في نظامه الفكري. ويدرك المرء وفق تصور ابن سينا، ماهية المثلث دونما حاجة إلى تحققه في الخارج. فإذا حصل أمام المرء شكل هندسي أو صورة حسية تجسده، فهذا يعني أن هذا الوجود المضاف إليه زائد على الماهية. وينفي ابن سينا على مستوى وجود الله أو «الواجب الوجود» أن تسبق الماهية الوجود، ذلك أن هذه القسمة لا تصح إلا على الموجودات المحسوسة، أما على صعيد الذات الإلهية فالوجود عين الماهية. ظل رأي ابن سينا في أفضلية الماهية على الوجود سائداً، وناقضه في ذلك الأشاعرة الذين وحدوا بين الوجود والماهية.

وقد انتقلت مشكلة الوجود من ميدان الفلسفة وعلم الكلام إلى ميدان التصوف منذ القرن الثالث للهجرة مع الحلاج والجنيد. وتعززت هذه المشكلة مع النفري من صوفية القرن الرابع للهجرة، إلا أن «الوجود» ظل في هذه المرحلة مرتبطاً بفكرة «الوجد» الصوفي. ويُلحظ عند ابن عربي، في القرن السادس ـ السابع للهجرة، ولادة أنطولوجية جديدة قائمة على الجمع بين العقل الفلسفي والذوق أو الكشف الصوفي. وفرّق صدر الدين الشيرازي في القرن الحادي عشر للهجرة بين «الحصول» العقلاني و«الحضور» الصوفي متابعاً ابن عربي. وتحت تأثير ابن عربي خطا صدر الدين الشيرازي خطوةً جريئةً على صعيد الأنطولوجية، فقال بـ «أصالة» الوجود، أي أسبقية الوجود وتعاليه على الماهية.

وتعد «وحدة الوجود» المنسوبة إلى ابن عربي التي تبناها فيما بعد تلامذته مثل صدر الدين القونوي وابن سبعين، ذروة الأنطولوجية القائمة على الكشف الصوفي. وقد فهم ابن تيمية ناقد ابن عربي هذه الوحدة على أنها وحدة مادية تُذَكِّر بالنظريات الفلسفية اليونانية. لذلك اضطر بعض الصوفية المتأخرين من أمثال أحمد السرهندي في القرن الحادي عشر الهجري إلى القول بـ «وحدة الشهود» تخوفاً من هجوم الفقهاء الذين كفّروا القائلين بوحدة الوجود، واقتراباً من التصوف المعتدل.

أما في علم الكلام فقد لجأت مباحث الوجود بعد «موت الفلسفة العربية ـ الإسلامية» بموت ابن رشد، إلى كتب المتكلمين. ولاسيما أولئك الذين أطلق عليهم ابن خلدون «علماء العجم» من أمثال عضد الدين الإيجي صاحب كتاب «المواقف»، وشارحه السيد الشريف الجرجاني وسعد الدين التفتازاني في كتابه «شرح المقاصد». وقد نجم عن تدارس هذه المؤلفات من القرن التاسع للهجرة بروز مفكرين اهتموا بمشكلة الوجود اهتماماً يتجلى في الشروح والحواشي التي علقت على مؤلفات «علماء العجم» وسادت العصرين المملوكي والعثماني.


الأنطولوجية في الفلسفة الغربية

استخدم الفلاسفة الكاثوليك في أواخر العصور الوسطى الفكرة الأرسطية في الميتافيزيقا لبناء نظرية في الوجود تصلح برهاناً فلسفياً على حقائق الدين. وتطور هذا التيار في أتم صوره في مذهب توما الأكويني الفلسفي اللاهوتي، الذي اعترض على آراء ابن سينا في الوجود والماهية، ورفض أن يكون الوجود زائداً على الماهية أو أن يكون مضافاً إليها من الخارج. ومال الأكويني إلى رأي توفيقي يجعل العلاقة بين الوجود والماهية علاقة تركيبية، مع أن كل موجود يحتاج إلى علة خارجية كي يتحقق في الوجود، إلا الله، فوجوده مستغنٍ عن الموجِد. وهكذا فالوجود ليس زائداً على الماهية لديه، إنما يتأسس بحسب مبادئها.

تعرّض مفهوم الأنطولوجية لتغييرات جوهرية، بسبب فلسفة وولف الذي اعتمد في فهمه لها على المنهج الاستدلالي مطبقاً في دراسته مبدأين أساسيين هما مبدأ عدم التناقض ومبدأ السبب الكافي بغية الوصول إلى حقائق ضرورية حول ماهيات الموجودات. بهذا ارتكز علم الوجود على التحليل الاستنباطي والنحوي المجرد لمفهومات مثل الوجود، والإمكان والواقع، والكم والكيف، والجوهر والعرض، والعلة والمعلول، وغيرها. وظهر اتجاه معارض لهذا في النظريات المادية عند هوبز وسبينوزا ولوك، وعند ماديّي القرن الثامن عشر الفرنسيين، نتيجةً للمضمون الوضعي لهذه النظريات، التي كانت تقوم على أساس العلوم التجريبية، وأدى ذلك إلى تدمير موضوعي لمفهوم علم الوجود بوصفه موضوعاً فلسفياً من أسمى المراتب، أي بوصفه «فلسفة أولى». فكان نقد المثاليين الكلاسيكيين الألمان (كَنت وهيگل وغيرهما) لعلم الوجود نقداً ثنائياً: فقد عدّوا علم الوجود، من ناحية، لغواً وخالياً من أي معنى، وأتاح هذا النقد من ناحية أخرى فرصة قيام علم وجود جديد أكثر كمالاً (هو الميتافيزيقا) أو الاستعاضة عنه بالفلسفة المتعالية (كَنت)، أي بمنظومة المفهومات والمبادئ العقلية التي توجد ما قبل التجربة، أو بمذهب في المثالية المتعالية (شلنگ) أو بالمنطق الذي فهم به هيگل الأنطولوجية على أنها العلم الديالكتيكي حول الماهيات المجردة المحددة.

فمع هيگل غابت ثنائية الماهية والوجود لتحل محلها ثنائية الوجود والعدم بوصفهما أطروحة ونقيضها ينجم عنهما تركيب جديد هو الصيرورة. ومن خصوصيات الجدل الهيگلي أنه يعثر في النهاية على ما كان حاضراً في البداية. فالأول هو الآخر والآخر هو الأول. وأصر هيگل على التأكيد أن الفكرة المطلقة هي وحدها الوجود الخالد لأنها تقي نفسها وتؤسس وجودها. وانتهى إلى الربط المحكم بين الوجود والعقل: «كل موجود معقول وكل معقول موجود».

أما في الفلسفة المعاصرة فقد جرت محاولات لإقامة «علم وجود جديد» على أساس مثالي موضوعي في القرن العشرين بحيث يكون موضوع الأنطولوجية الأشياء نفسها، كرد فعل إزاء انتشار التيارات المثالية الذاتية وبالمقابلة مع الميتافيزيقا النقدية التي فحواها أن الفكر حاصل بذاته. وفي النظريات الجديدة في علم الوجود (الأنطولوجية المتعالية الظواهرية عند هوسرل والأنطولوجية النقدية عند ن. هارتمان، والأنطولوجية الأساسية عند هايدگر) يُعَدّ علم الوجود نسقاً من المفهومات الكلية في الوجود متصورة بمساعدة حدس فوق الحواس وفوق العقل. وقد تلقف فكرة «أنطولوجية جديدة» عدد من الفلاسفة الكاثوليك الذين يحاولون تركيب «علم الوجود» التقليدي النابع من فلسفة أرسطو مع الفلسفة الكَنتية المتعالية واستخراج علم وجود خاص بهم ضد فلسفة المادية الجدلية، التي قلما تستخدم مصطلح الأنطولوجية وإن استخدمته ففي ارتباط مع نظرية المعرفة.

الاُنطولوجيون البارزون

انظر أيضاً

المصادر

  • بكري علاء الدين، سوسن البيطار. "الأنطولوجية". الموسوعة العربية.

وصلات خارجية