عبد العزيز بن الحسن

(تم التحويل من المولى عبد العزيز)
عبد العزيز بن الحسن
Abdelaziz ben hassan.JPG
سلطان المغرب
العهد1894–1908
سبقهالحسن الأول
تبعهعبد الحفيظ
وُلِد24 فبراير 1878
فاس، المغرب
توفي10 يونيو 1943 (65 عاماً)
طنجة، المغرب
البيتالأسرة العلوية
مولاي عبد العزيز، من منشور عام 1904.


عبد العزيز بن الحسن الأول أو مولاي عبد العزيز أو مولاي عبد العزيز الرابع (و. 24 فبراير 1878 – ت. 10 يونيو 1943؛[1][2] العربية: عبد العزيز الرابع‎)، هو سلطان المغرب، تولى الخلافة بعد أبيه مولاي الحسن الأول سنة 1894 بسن يناهز 14 سنة واستمر على شاكلة أبيه طوال 6 سنوات الأولى لأن السلطة الفعلية لم تكن له، بسبب استبداد حاجب الدولة، أحمد بن موسى با حماد، بكل السلطات بدعوى كونه وصي على العرش من طرف السلطان مولاي الحسن الأول لكن بعد موته سنة 1900 تبدل الوضع كلياً.

شكلت سنة 1900 منعطفاً رئيسياً في سياسة الدولة فبعد موت با حماد لم يتمكن السلطان من حكم البلاد خاصةً وأنه لم يعتد على ذلك، وسرعان ما ثار عامة الناس في المدن والبادية. وزاد الأمر تعقيداً انغماس السلطان في حياة الترف وشراؤه لمختلف وسائل الشهوات بأثمان خيالية مما زاد حدة التوغل الاستعماري بالمغرب وأزم وضع خزينة الدولة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السنوات المبكرة

السلطان عبد العزيز الرابع.

نسبه

الأمير مولاي عبد العزيز بن الحسن الأول بن محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن محمد بن عبد الله الخطيب بن إسماعيل بن الشريف بن علي بن محمد بن علي بن يوسف بن علي بن الحسن بن محمد بن الحسن الداخل (أول من قدم المغرب من مدينة ينبع)[3] بن القاسم بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن عرفة بن الحسن بن أبي بكر بن علي بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل بن القاسم بن محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم.[4]

ولد المولى عبد العزيز سنة 1298 هـ / 1880م، من أم شركسية اسمها لالة رقية جلبها الحاج العربي بريشا التطواني أحد خاصة السلطان مولاي الحسن.[5] ويصفه الفرنسي "غابرييل فيري" في كتابه "في حميمية السلطان":[6]

«"كان مجرد مراهق كبير بدنيا طويل القامة له ملامح شخص قوي من دون أن يتوفر على العضلات الضرورية"»

ارتقاؤه العرش

قبيل وفاة السلطان الحسن الأول وعند عودته من تافيلالت إلى مراكش عزل خليفته بالمدينة، وهو ابنه مولاي محمد، ويروي لويس أرنو في كتاب "زمن المحلات السلطانية" عن سبب عزله:

«": لما ثبت لديه من أفعال صدرت منه غير مرضية وأحوال استبدادية ومخالفته لأحكام شرعية.. وكان ابنه مولاي عمر حينئذ بفاس، وبعزل مولاي محمد قدم نجله الأعز لديه المولى عبد العزيز»

.

بعد عودة السلطان الحسن الأول من مراكش، توجه لمدينة فاس، لكن وافته المنية بعد مرض ألم به في الطريق بمنطقة تادلة سنة 1894. فتكلف الحاجب السلطاني أحمد بن موسى البخاري المعروف ب «اباحماد» بزمام أمور البيعة وتنسيق حملة دعائية وسط القبائل كي تبايع الابن الأصغر المولى عبد العزيز.[7]

فكتم خبر وفاة السلطان باتفاق مع لالة رقية الشركسية، أم المولى عبد العزيز، وعندما وصلت المحال السلطانية إلى بلاد الشاوية، قرب مدينة سطات، جمع باحماد الهيأة المخزنية، المكونة من كبراء الأسرة الحاكمة والوزراء وقواد الجيش، وأخبرهم بوفاة السلطان وبترشيح السلطان المتوفى لابنه الأصغر المولى عبد العزيز. ويرجع سبب كتمان باحماد خبر الوفاة، حسب علال الخديمي في كتاب "الحركة الحفيظية"، هو تجنب تعرض محلة السلطان لأي أذى وسط قبائل تادلة.

تمت طقوس البيعة بالرباط حوالي سنة 1311 هـ وعمر مولاي عبد العزيز أربعة عشرة سنة. كانت أسرة آل الجامعي التي ينتمي إليها الصدر الأعظم المعطي الجامعي ووزير الحرب محمد الصغير الجامعي، تطمح إلى انتقال السلطان إلى مدينة فاس حيث معقل آل الجامعي. لكن الحاجب باحماد، حال دون ذلك وأقنع السلطان بالتوجه إلى مكناس، حيث توجد قوة تقليدية من جيش البخاري، التي ينتمي إليها باحماد. فالتحق الصدر الأعظم المعطي الجامعي وأخوه وزير الحربية بمكناس، ليعتقلهما الحاجب باحماد هناك ويصادر أموالهما، بتهمة التآمر ضد السلطان لصالح أخيه المولى محمد. وباعتقال آل الجامعي، سيخلو الجو للحاجب باحماد ليتمكن من احتلال منصب الصدارة العظمى، ويتصدر واجهة الدولة باسم السلطان لمدة ست سنوات.

أكمل المولى عبد العزيز بناء وتزيين دار البطحاء سنة 1897م كإقامة صيفية معدة للاستقبالات الملكية مكملا بذلك ما بدأه والده المولى الحسن.

وطيلة وجود باحماد على رأس إدارة التشريفات الملكية، ظل المولى عبد العزيز داخل قصره، ورغم ظهوره أمام المغاربة في المناسبات الدينية والرسمية، كان باحماد هو من كان يحكم وحده البلاد فعليا. توفي باحماد عام 1900م. ويوري الإنجليزي والتر هاريس أن المشيعون لجثمانه لاحظوا دموع السلطان وهو يبكي على رحيل حاجبه. وكان السلطان يبلغ من العمر وقتها عشرين سنة.[8]

حكمه

Sultan Abdelaziz was the first Moroccan sultan to wear European clothing.

بعد وفاة باحماد بدأت الفترة المعروفة ب«المرحلة العزيزية»، فيها تتبدل صورة السلطان الصغير المحجور عليه وهي مليئة بالأحداث، حيث خلف باحماد في الصدارة العظمى ابن عمه المختار بن عبد الله، الذي سرعان ما سيتم اقالته وتعيين مكانه فضول غرنيط، بإيعاز من المهدي المنبهي، الذي استأثر بزمام الأمور بعد وفاة باحماد، وسيَّرَ شؤون البلاد تحت الخفاء، ويعتبر المنبهي أول من بدأ بتهريب الأموال إلى أوروبا، حتى حرَّضَ عليه غرنيط وأقنع المولى عبد العزيز بإقالته.

كان المغرب يعيش أزمة مالية خانقة، وسط ندرة المداخيل وانتشار الجراد والمجاعة وتزايد حجم القروض الأوروبية، اضطر المولى عبد العزيز لفرض ضريبة "الترتيب"، التي فشل المولى الحسن في تطبيقها سابقا. عارض هذه الضريبة ذوي الامتيازات من الشرفاء والمحميين والأجانب وقواد القبائل وعمالها، وتعزز رفض هؤلاء بمساندة العلماء الذين اعتبروا الضريبة غير شرعية. كانت ضريبة الترتيب تفرض كل سنة على حسب الملكيات والمواشي وعدد الأشجار، مقابل الإعفاء من الأعشار والزكاة والمكوس، وكانت تهدف إلى توحيد الضرائب. ونتج عن فشل ضريبة الترتيب حرمان خزينة الدولة من جزء كبير من مداخيلها بسبب إسقاط الضرائب القديمة والجديدة في آن واحد، مما زاد من تعميق الأزمة المالية في وقت كان فيه المخزن في أشد الحاجة إلى المال لمواجهة الأحوال الاقتصادية والسياسية المتدهورة، مما اضطرها إلى الاقتراض من الخارج وخاصة فرنسا، وقدم المخزن كضمانة تخصيص نسبة 60% من المداخيل الجمركية لتسديد هذه الديون.[9]

كان من بين مستشاريه القاضي عبد الله بن الهاشمي بن خضراء، والفقيه أبو الفيض الكتاني، الذي اتهم في البداية بالانحراف عن العقيدة ومحاولة الانقلاب على السلطة، فبرأه السلطان من تهمة الانقلاب، وتم اجراء مناظرة بين مجموعة من الفقهاء مع أبو الفيض الكتاني، انتهت بتبرئته مما نسب إليه، وأصبح بعد هذه المناظرة مستشارا للسلطان. كما كانت تربط أسرة الكلاوي علاقة قوية بين السلطان مولاي عبد العزيز، حيث شارك الأخوين المدني الكلاوي والتهامي الكلاوي في «الحركات المخزنية» لقمع القبائل المتمردة.

ورغم حصوله على ظهائر التوقير، شن الفقيه عبد الحي الكتاني، من خلال كتاب المفاكهة، حملة على المولى عبد العزيز يعلن معارضته للسلطان لأنه «"استبدل مجالسة أهل العلم والاقتباس بالأرذال المتجردين عن المعارف واللطائف"»، وعارض الكتاني وزراء السلطان عبد العزيز وأدان تلاعبهم بميزانية الدولة وتفشي ظاهرة اللصوصية بالمال العام.[10]

سياسته الخارجية

اتبع مولاي عبد العزيز خطة والده في سياسته الخارجية وهي مقاومة التدخل والمحافظة على الاستقلال والتخفيف مما يضر به من الالتزامات الدولية، حيث بعث عدة سفارات للخارج، منها السفارة التي بعثها إلى إسبانيا سنة 1895م للمذاكرة حول معاهدة كانت ممضية بين الدولتين وفي نفس السنة بعث سفارة لإنجلترا لاستخلاص مرسى طرفاية.[11]

وفي وسط الظروف الحرجة التي كان يعيشها المغرب قرر مولاي عبد العزيز توجيه سفراء مندوبين لعواصم أوروبا لطلب المساعدة من فرنسا وإنجلترا وألمانيا، وذلك للقضاء على الثورات، ولهذا الغرض سافر وزير الحربية آنذاك المهدي المنبهي لإنجلترا، ومعه عبد الرحمن بركاش والزبير سكيرج وبوستة وعقد معها شروطا رسمية تحتوي على أربعة فصول، وسافر أيضا عبد الكريم بن سليمان وزير الخارجية آنذاك إلى فرنسا وروسيا وألمانيا.

أبرمت سنتي 1904-1905 اتفاقيتان بين إسبانيا وفرنسا تعاهدتا على اقتسام المغرب عند ما يتيسر احتلاله. وبعد أن خلا الجو لفرنسا بادرت إلى مولاي عبد العزيز تطلب منه عبر سفيرها سان ريني سلنديير بإدخال الإصلاحات للمغرب، وكان من أهم ما اقترحه السفير وألح في التعجيل به هو إحداث شرطة في ثغور المغرب وضواحيه.


مؤتمر الجزيرة الخضراء

حسب نصيحة ألمانيا، اقترح مولاي عبد العزيز انعقاد مؤتمر دولي في الجزيرة الخضراء في 1906 للتشاور حول طرق الاصلاح، وحول رغبة السلطان في لتأمين حالة من العلاقات لا تترك للأجانب ذريعة للتدخل للسيطرة على المغرب. وقد التزم السلطان بمقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء، ولكن حالة الفوضى التي سقط فيها المغرب في النصف الثاني من عام 1906 وفي مطلع عام 1907 أوضحت أن الحاكم الشاب يفتقد إلى العزيمة التي تفرض احترام مشيئته على رعاياه الغاضبين.

التمردات

Abdulaziz - Sultan of Morocco.jpg

تمرد بوحمارة والريسوني

اندلعت حركة تمرد يقودها بوحمارة، الذي ادعى أنه هو المولى محمد، الابن الأكبر للسلطان مولاي الحسن، وجاء ليخلص أخاه الأصغر من قبضة النصارى ويحرر البلاد التي استولوا عليها، فبايعته القبائل الشرقية وقبائل الريف، وأصبح على اتصال مباشر مع السلطات الإسبانية في مليلية ومع السلطات الفرنسية في الجزائر للتزود بالأسلحة والذخيرة الحربية مباشرة من أوروبا والجزائر، فبدأ يهدد فاس بعد أن ألحق هزائم متتالية بجيش المولى عبد العزيز. وتطلبت مواجهة بوحمارة أموالا ضخمة لتغطية نفقات الحرب، في حين كان المغرب مدينا بمبالغ باهظة علاوة على سوء المحاصيل الزراعية، فارتفعت الأسعار وأفلس الفلاحون وأصبح المغرب في ضائقة مالية خطيرة جرته إلى دوامة الاقتراض من الدول الأوربية والتي زادت أيضا من تقييد حرية المخزن وفي استفحال الأزمة الاقتصادية والمالية للبلاد. فأدى تضافر كل هذه الأسباب إلى خلق البلبلة ونشر الفوضى في كل أرجاء المغرب، وفي إضعاف هيبة المخزن العزيزي. وكان السلطان يفتقر إلى ما يكفي من القوات لاخماد هذا التمرد الذي هز رقعة جغرافية واسعة ممتدة من فاس حتى وجدة ثم تطوان وجبالة.

من جهة أخرى زادت الأمور تعقيدا عندما اختطف الريسوني، والذي قاد ثورة أخرى، رعايا أجانب مقيمين في طنجة ونواحيها، فأرسلت الولايات المتحدة وبريطانيا سفنها الحربية إلى السواحل المغربية، فاضطر السلطان عبد العزيز إلى تعيينه عاملا بأحواز طنجة حتى يتقي شره ويتفرغ لمواجهة ثورة بوحمارة. كل هذه الأحداث دفعت الدول الأوربية إلى عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء للنظر في المسألة المغربية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تمرد كلاوة

في مايو 1907 قام أثرياء الجنوب، بقيادة زعيم قبيلة كلاوة، سي المدني لكلاوي، بدعوة عبد الحفيظ، الأخ الأكبر لعبد العزيز، ونائب الملك في مراكش، لأن يصبح سلطان المغرب، وفي أغسطس التالي، نودي بعبد الحفيظ حاكماً بكل المراسم الاحتفالية المعتادة.

وفي نفس الوقت، أدت أعمال قتل الاوروبيين في الدار البيضاء إلى احتلال فرنسا لهذا الميناء. وفي سبتمبر، وصل عبد العزيز إلى الرباط من فاس وسعى إلى الحصول على دعم من الدول الاوروبية له ضد مطالبة أخيه بالعرش. وقد قبل من فرنسا الوشاح الأعظم لجوقة الشرف، وسمحت له فرنسا بالتفاوض للحصول على قرض. رأي كثيرون هاتين الخطوتين على أنهما موالاة للنصارى مما أثار المزيد من المعارضة لحكمه، وفي يناير 1908 أعلن علماء فاس اقالته، ومنحوا العرش لأخيه عبد الحفيظ.

نهاية حكمه

بعد أشهر من الخمول، قام عبد العزيز بمحاولة لاستعادة سلطاته، وغادر الرباط في يوليو متجها إلى مراكش. إلا أن قواته، بسبب الخيانة، هـُزِمت بالكامل في 19 أغسطس حين اقتربت من المدينة، وهرب عبد العزيز إلى سطات داخل الخطوط الفرنسية حول الدار البيضاء. وفي نوفمبر توافق مع أخيه، وبعد ذلك انتقل للسكنى في طنجة على نفقة السلطان الجديد. إلا أن تطبيق وانفاذ القانون والنظام المغربيان استمرا في التدهور في عهد عبد الحفيظ، مما أفضى إلى معاهدة فاس المهينة في 1912، التي تولت فيها الدول الاوروبية عدة مسئوليات بدلاً من السلطنة، التي جرى تقسيمها إلى ثلاث مناطق نفوذ.

المنفى والوفاة

هرب الملك عبد العزيز بن الحسن من ثورة الناس عليه في 1908، وقد تولى الحكم بعد الملك عبد الحفيظ الذي سلم البلاد لفرنسا في 1912.

في المنفى، عاش السلطان عبد العزيز حياة اجتماعية صاخبة جداً، وإن كانت شبه سياسية. وأثناء ضم اسبانيا لطنجة في 1940، أذعن للأمر مما دعا سلطات "المخزن" إلى اتهامه بأن له دور في الاحتلال الاسباني. توفي عبد العزيز في طنجة في عام 1943.

ولعه بالتكنولوجيا

السلطان عبد العزيز ودراجته، نُشرت في لا ڤي إيلستوري عام 1901.

نسجت العديد من الكتابات التاريخية الكثير من الأخبار الطريفة والغرائبية عن أحد أشهر سلاطين الدولة العلوية، وهو مولاي عبد العزيز بن الحسن. ونُسبت لهذا السلطان العلوي سلوكات غريبة تخرج عن المألوف في حياة الحكام، من قبيل تسليته بصعق عبيده بالكهرباء التي كان مهووسا بها، كما كان مفتتنا باقتناء الدراجات والألعاب والآلات الأوربية، لكن كل هذه الأخبار لا تزال في حاجة إلى إلقاء شعاع من الضوء بشأنها.

التصوير والكهرباء

هسبريس اتصلت بالأكاديمي والمؤرخ، الدكتور إبراهيم القادري بوتشيش، والذي أورد أن أبرز السلوكات الغريبة المنسوبة لهذا السلطان تتمثل في شغفه الزائد عن الحدّ بالمخترعات التكنولوجية التي أبدعها الغرب في بداية القرن العشرين، خاصة ولعه الشديد بالدراجات الهوائية والنارية، والسيارات الثلاثية العجلات، فضلا عن الكهرباء الذي وصلت أسلاكه إلى القصر السلطاني، والهاتف، وآلات التصوير..

وأفاد الأستاذ بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس أن الكتابات التاريخية التي وصلتنا حول ولع السلطان عبد العزيز بهذه المخترعات، تعبّر عن إعجابه بها واستخدامها للتسلية واللهو، واقتطاع فواتير اقتنائها من خزينة الدولة، بدل توظيفها في تحقيق المشاريع الإصلاحية بالمغرب".

وأكمل المتحدث بأن "السلطان لم يكن يستثمر الطاقة الكهربائية كتقنية جديدة تفيد في إنارة أزقة ودروب المدن المغربية، بل كان يستعملها كأداة للتسلية في صعق عبيده، ولم يكن يستثمر السكة الحديدية التي طلبها من الشركة الفرنسية لتحديث وتطوير بنية وسائل النقل والمواصلات بين الحواضر المغربية، بل للمتعة والتنزّه في حدائق أكدال.

واستطرد ذان الأكاديمي بأن هذا السلطان كُتب عنه أنه استعمل آلات التصوير لتصوير نسائه وحريمه، بدل استعمالها لتأسيس مشروع إنتاج سينمائي، بل الأدهى من ذلك أنها صوّرت ولعه بهذه المخترعات ما يظهره كسلطان متصابي، غارق في اللهو واللعب في ظرف عصيب كان ينذر بكارثة سياسية خطيرة".

الهوس باللعب

نُقل عن السلطان مولاي عبد العزيز هوسه باللعب وكل ما يساعده على التسلية، كما تشير إلى ذلك بعض المعطيات التاريخية نظرا إلى سنه الصغير حينها. ووفق هذه المرويات التاريخية، فقد كان السلطان حريصا على جلب آخر اللعب ووسائل اللهو من فرنسا إلى قصره بفاس أو مراكش، إذ كان يقضي وقتا طويلا في الاستمتاع بها، حتى كان يمر يوم يقضي فيه النهار بطوله في ذلك.

الروايات التاريخية ذاتها تشير إلى أن اهتمامات السلطان عبد العزيز آنذاك، كانت تنهك خزينة الدولة، التي كان يصرف منها على اقتناء ألعاب واختراعات حديثة. [12]

ونبه بوتشيش إلى أن المصدر الرئيسي الذي نسب إليه هذه السلوكات يتمثل في المذكرات التي كتبها گابرييل ڤيير Gabriel Veyre، وجمعها في كتاب تحت عنوان "في حميمية السلطان " Dansl´intimité du Sultan الصادر سنة 1905 والمترجم للعربية بعناية عبد الرحيم حزل، تحت عنوان "في صحبة السلطان".

وتبعاً لذلك، يؤكد "گابرييل" أن السلطان مولاي عبد العزيز كان يستعين في بعض الأحيان بوزير الحرب، المهدي المنبهي، من أجل مساعدته في استخدام المدافع والتنافس معه في ذلك.

وتساءل بوتشيش عن حدود مصداقية ما نسب إلى السلطان المذكور، وقال إن كابرييل فيير لم يكن مؤرخا بالمعنى الاحترافي، بل كان خبيرا متمرسا في التصوير والسينما التي كان يتم الترويج لها بحكم نشأتها آنذاك من قبل إحدى الشركات الباحثة لها عن أسواق، فكلّفت كابرييل بالسفر إلى عدد من البلدان ليجد فيها المبتغى.

وكانت الجالية الفرنسية بالمغرب قد بعثت إلى "فيير" تحثه على القدوم والاتصال بالسلطان مولاي عبد العزيز، وأبلغته بشغفه بالمخترعات التقنية، فحلّ ضيفا على المغرب سنة 1901، واتصل بالسلطان الذي جعله صديقا حميما ومهندسا تقنيا يسدّ حاجاته من الوسائل التقنية إلى حدود سنة 1904.

وتأسيسا على هذا المعطى، يضيف بوتشيش، يمكن القول بأن كابرييل فييرلم يكن مؤرخا محترفا، بل تقنيا بارعا، لذلك لم يخلف لنا نصّا تاريخيا بمعنى الكلمة. إلا أنه ترك مذكرات لها قيمتها المعرفية باعتبارها ذاكرة أجنبية تلقي الضوء حول زمن تاريخي معقّد، وحول مكان محاط بالأسرار والألغاز، وهو "القصر السلطاني".

وتابع الأكاديمي أن "القصر السلطاني" غالبا ما حجبته الكتابات التاريخية المغربية من التداول، وسيّجت أحداثه وكواليسه بأسوار منيعة يصعب تجاوز النظر إلى ما ورائها"، مضيفا أن مذكرات فيير تخترق الخطوط الحمراء لتصل إلى الحياة الحميمية للسلطان، وكواليس صنع القرار، وتمدنا بمادة خبرية نادرة، ولحظات تزخر بالإيحاءات والدلالات".

ولفت بوتشيش إلى أن الكتابات الأجنبية في تلك المرحلة التي كان يحضّر فيها لاستعمار المغرب تجعل الباحث يأخذ روايات فيير بنوع من الحذر والتحرّز، باعتبار أن الذات التي كانت تهيء للاحتلال كانت تسعى بكل السبل إلى استصغار الذات المحتلة بما في ذلك إهانة سلطانها الذي هو بمثابة الرأس من الجسد، وذلك تمهيدا لقبول فكرة الحماية أو الاحتلال.[13]

واعتبر المؤرخ المغربي أن وضع نصوص گابرييل ڤيير تحت مبضع النقد والمساءلة والاستنطاق، تنحو بنا نحو الإقرار بصدقية أقواله بناء على عشر مؤشرات وقرائن، الأول أنه كانت لـ"فيير" صداقة حميمية مع السلطان، وعاش في بلاطه مدة 4 سنوات كانت كافية لرصد سلوكاته وتسجيلها بدقة.

والمؤشر الثاني، وفق بوتشيش، أن المتن الأجنبي عموما، بخلاف المصدر المغربي، يتسم بالجرأة، وعدم القبول بالمساومة أو التستّر عن ذكر الحقائق والبوح بأسرار البلاط، كما أنه لا يخشى خدش رمزية السلطان وهيبته، ويتعامل معه كغيره من البشر الذين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ويذكر أخطاءه وزلاته التي يمكن أن يرتكبها أي شخص عاد.

والمؤشر الثالث، تبعا للأكاديمي ذاته، الذي يرجح مصداقية أحكام كابرييل حول انغماس السلطان مولاي عبد العزيز في اللهو والتسلية بالمخترعات الأوروبية، أن السلطان تولى مقاليد الحكم صبيا دون الرابعة عشر من عمره، وعاش السنوات الست الأولى من حكمه تحت وصاية الرجل النافذ أحمد بن موسى الملقّب "بباحماد" وأمه "للارقية".

وبعد وفاة "باحماد" في سنة 1900، سيخضع لحجر سياسي آخر من قبل رجل الدولة القوي آنذاك السيد المنبهي الذي استغل فتوة سنه ليجعل بينه وبين عالم السياسة حجابا سميكا، وتعتيما جعله لا يقدّر الأمور بما ذلك القضايا الداخلية الحساسة، حيث كان يجهل خطر ثورات بوحمارة والريسوني وغيرهما من الثوار والمتمردين.

والمؤشر الرابع أنه عرف عن السلطان مولاي عبد العزيز بإيثاره الإقامة في قصر مراكش الذي كان فضاء يوفّر له كل أدوات اللهو والاستمتاع، بعيدا عن قصر فاس الذي كان مقرّ الحكم الإداري، وسرّة الحكم التي منها توجه القرارات وتعالج القضايا المصيرية، مما جعله غير مطّلع على موازين القوى السياسية والعسكرية.

وأما المؤشر الخامس، يقول بوتشيش، أن الأوروبيين عرفوا كيف يوظفون الطفرة التكنولوجية التي شهدها الغرب في تمرير مشاريعهم الاستعمارية، ونجحت فرنسا وأنجلترا في إغراق المولى عبد العزيز بمنتجات الغرب التكنولوجية الترفيهية لإلهائه تمهيدا للاحتلال.


والمؤشر السادس أن فتاوى من قبل علماء المغرب صدرت تحرّم التعامل مع الأجانب والتشبّه بعاداتهم، ورغم أن هذه الفتاوى تعبّر عن انغلاق في العقلية التقليدية، فإنها تعبّر أيضا عن تبرّمها من سلوكات السلطان التي كانت مقلدة للطراز الغربي، من خلال شغفه باختراعاتهم واقتنائها بأموال باهظة، مما يقوم دليلا على أن روايات فيير تتساوق مع فتاوى العلماء.

والمؤشر السابع، يردف بوتشيش، أن خلع السلطان مولاي عبد العزيز ومبايعة أخيه مولاي عبد الحفيظ، هي عملية تحمل دلالات حول عدم رضى خالعي البيعة عن السلوكات التي كان ينهجها السلطان، إذ أنه من الشروط التي تضمنتها البيعة الحفيظية عدم التعامل مع الكفار، وهو شرط يشي بتذمر الرعية من سلوكات مولاي عبد العزيز، المتمثلة في الإقبال على اقتناء منتوجات الغرب ،وترك فريضة الجهاد.

والمؤشر الثامن، يتابع بوتشيش، أن وضع السلطان مولاي عبد العزيز في هذه الصورة السلبية هو انعكاس أمين لصورة الدولة المغربية نفسها في تلك الفترة، باعتبار أنها دولة هشّة ومهترئة، أنهكتها الأزمات المتعددة، واتساع رقعة بلاد "السيبة"، واستفحال ظاهرة المغاربة المحميين من طرف السلطات الأجنبية، واندلاع الثورات في طول المغرب وعرضها..

والمؤشر التاسع، وفق المصدر، أن فشل الإصلاح الذي حاول أن يقوم به السلطان مولاي عبد العزيز، ساهم في اهتزاز صورة السلطان الحازم التي انحدرت إلى مستوى السلطان المراهق في نص مذكرات كابرييل، باعتبار أن ضريبة الترتيب لم تجلب سوى سخط الأعيان والمحميين والمتنفذين في المجتمع، مما جعل كل عملية إنقاذ شبه مستحيلة.

وذهب بوتشيش إلى أن المؤشر العاشر، يتمثل في "صمت معظم المصادر التاريخية المغربية عن سلوكات مولاي عبد العزيز المراهقة، وهو ما يمكن أن يؤول بمنهج الإعراض والنسيان، ففي الوقت الذي كتب عن أبيه الحسن الأول عدد من المؤلفات، فإن المؤرخين ألجموا قلمهم عن التعرض لتاريخ ابنه"، معتبرا أن هذا الصمت يحمل دلالات عميقة ويؤكد صحة نصوص گابرييل ڤيير.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكراه

بعد الوفاة المفاجئة للسلطان السابق في 1943، نـُقِل جثمانه إلى المغرب الفرنسية حسب طلب السلطان محمد الخامس.

وقد قام مارك زوبر بتمثيل شخصيته في فيلم الريح والأسد The Wind and the Lion عام (1975).


تكريمات

انظر أيضاً


الهوامش

  1. ^ "Abd al-Aziz". Encyclopædia Britannica. Vol. I: A-Ak - Bayes (15th ed.). Chicago, IL: Encyclopædia Britannica, Inc. 2010. pp. 14. ISBN 978-1-59339-837-8.
  2. ^ There is a dispute on the exact date of birth with two dates given: Feb 24, 1878 or Feb 18, 1881, while Chisholm (1911) states 1880.
  3. ^ "دعوة الحق - نظرة عن مناقب ملوك الدولة العلوية الشريفة". www.habous.gov.ma. 2019-04-25. Retrieved 2019-04-25.
  4. ^ {{cite book}}: Empty citation (help)
  5. ^ السلطان مولاي عبد العزيز بن الحسن العلوي حبوس، تاريخ الولوج 22 مارس 2014 Archived 2017-09-03 at the Wayback Machine
  6. ^ مولاي عبد العزيز أغرب سلطان علوي حكم المغرب باللعب: جمع في قصره كل الغرائب: تلفون، تلغراف، سيارات، دراجات، قطار وأسلحة نارية وأجهزة تصوير الهدهد، تاريخ الولوج 22 مارس 2014[[تصنيف:مقالات ذات وصلات خارجية مكسورة from خطأ: زمن غير صحيح.]]<span title=" منذ خطأ: زمن غير صحيح." style="white-space: nowrap;">[وصلة مكسورة] Archived 2016-12-21 at the Wayback Machine
  7. ^ هكذا استطاع الحاجب السلطاني "أبا حماد" حُكْمَ المغرب هسبريس، - إسماعيل التزارني، تاريخ الولوج 22 مارس 2014 Archived 2017-03-21 at the Wayback Machine
  8. ^ حزن السلطان مولاي عبد العزيز على رحيل باحماد وعبيد القصر يستولون على ممتلكاته سعاد رودي، نشر في المساء يوم 10 - 07 - 2009 Archived 2017-08-25 at the Wayback Machine
  9. ^ المغرب في مطلع القرن العشرين الأوضاع الداخلية والإتجاه نحو فرض الحماية Archived 2017-08-12 at the Wayback Machine
  10. ^ مفاكهة ذوي النبل والإجادة لعبد الحي الكتاني [[تصنيف:مقالات ذات وصلات خارجية مكسورة from خطأ: زمن غير صحيح.]]<span title=" منذ خطأ: زمن غير صحيح." style="white-space: nowrap;">[وصلة مكسورة] Archived 2020-01-10 at the Wayback Machine
  11. ^ العلاقة الديبلوماسية المغربية في عهد الدولة العلوية الشريفة -3- دعوة الحق العدد 39 Archived 2017-10-06 at the Wayback Machine
  12. ^ "السلطان عبد العزيز.. هل باع المغرب مقابل ألعاب؟". أصوات مغربية. 2017-10-30. Retrieved 2020-06-03.
  13. ^ "هذه حقيقة سلطان علوي يُصور حريمه ويتسلى بصعق عبيده". هسپرس. 2015-08-09. Retrieved 2020-06-03.
  14. ^ "No. 27329". The London Gazette. 2 July 1901. p. 4399.
  15. ^ Royal Ark

المصادر

وصلات خارجية

سبقه
الحسن الأول
سلطان المغرب
1894–1908
تبعه
عبد الحفيظ