غالة الرومانية

(تم التحويل من Roman Gaul)
سلسلة
حكومات فرنسا
الگال
الفرنجة
أسرة ڤالوا
أسرة البوربون
الجمهورية الأولى
الامبراطورية الأولى
استعادة البوربون
ملكية يوليو
الجمهورية الثانية
الامبراطورية الثانية
الجمهورية الثالثة
فرنسا ڤيشي
الجمهورية الرابعة
الجمهورية الخامسة

Roman Gaul consisted of an area of provincial rule in the Roman Empire, in modern day فرنسا, Belgium, Luxembourg, and western ألمانيا. Roman control of the area lasted for more than 500 years.

The Roman Republic began its takeover of Celtic Gaul in 121 BC, when it conquered and annexed the southern reaches of the area. Julius Caesar completed the task by defeating the Celtic tribes in the Gallic Wars of 58-51 BC and the romanization that ensued was quickest in the cities; Latin was spoken by a majority of Gauls in the third century AD but with some remains of the Gallic language.

The last vestige of Roman rule was effaced by the Franks at the Battle of Soissons (486); displacing the Visigothic kingdom of Toulouse in 507, the Franks brought most of Gaul, except Septimania in the south, under the rule of the Merovingians, the first kings of France.

The city of Lugdunum (now Lyon) had long been the capital of the Gaul.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غالة

لقد كان في مقدور جميع السفن ذات الحمولة المتوسطة، بما فيها سفن المحيطات أن تسير في تلك الأيام في نهر الرون من مرسيليا إلى ليون. أما القوارب الصغيرة فكانت تستطيع مواصلة السير إلى ما يقرب من أربعين ميلاً من نهر الرون الأعلى. فإذا نقلت البضائع بعد ذلك مسافة قصيرة فوق أرض مستوية استطاع الناس بعدها أن ينقلوها بالسفن مارّة بمائة مدينة وألف قصر صغير إلى بحر الشمال. وكانت قفزات أرضية شبيهة بهذه القفزة تؤدى من الرون والساؤون إلى اللوار وإلى المحيط الأطلنطي، ومن الأود Aude إلى الجارون وبردو، ومن الساؤون إلى السين وبحر المانش. وكانت التجارة تسير في هذه الطرق المائية، ونشأت بفضلها مدائن عند ملتقاها، وكانت فرنسا، كما كانت مصر، هبة مجاريها المائية.


التاريخ

ويمكن القول أن الحضارة الفرنسية - بأحد المعاني التي يمكن أن تفهم من لفظ الحضارة- بدأت منذ أيام "الرجل الأوريناسي Ourignacian man" أي قبل ميلاد المسيح بثلاثين ألف عام، فقد كان في هذا الوقت البعيد، كما تدلُّ كهوف منتنياك Montignac، فنانون يستطيعون أن يصوروا بالألوان الزاهية والخطوط الواضحة. ثم انتقلت فرنسا حوالي عام 12000 ق.م من ذلك العصر الحجري القديم، عصر الصيد والرعي، إلى حياة الاستقرار وفلح الأرض في العصر الحجري الحديث، وانتقلت منه بعد عشرة آلاف عام طوال إلى عصر البرنز. وحوالي عام 900ق.م أخذ جنس جديد هو الجنس "الألبي" المستدير الرؤوس يتسرّب إلى البلاد من ألمانيا، وينتشر في فرنسا، ومنها إلى بريطانيا وإيرلندة، ثم ينزل إلى أسبانيا. وجاء هؤلاء، "الكلت" معهم بحضارة هولستات Hallstatt الحديدية من النمسا. ثم استوردوا من سويسرا حوالي عام 550 ق.م فن لاتين La Te`ne في صناعة الحديد، وكان قد تقدم تقدماً كبيراً في سويسرا. وسمّت روما فرنسا أول ما عرفتها بإسم كلتيكا Celtica ولم يتغير هذا الاسم إلى غالة Gallia إلا في عهد قيصر.

وغلب المهاجرون أهل البلاد أو فاقوهم في عددهم، واستقروا قبائل مستقلّة لا تزال أسماؤها تنم عليها المُدن التي شادوها . ويقول قيصر إن الغاليين كانوا قوماً طوال القامة، وأقوياء الأجسام، ظاهري العضلات(23)، يمشطون شعرهم الغزير الأشقر ويرسلونه خلف رؤوسهم وعلى أقفيتهم، وكان بعضهم يطيلون لحاهم، والكثيرون منهم يتركون شواربهم تتثنى حول أفواههم. وقد نقلوا معهم من بلاد الشرق، وربما كان ذلك عن الإيرانيين الأقدمين، عادة لبس السراويل القصيرة، وأضافوا هم إليها رداء مصبوغاً بألوان كثيرة ومطرزاً بالأزهار، ومن فوقه عباءة مخططة تتدلى من الكتفين، وكانوا مولعين بالجواهر، ويتزينون في الحروب بالحلي الذهبية - إن لم يكن عندهم ما هو أثمن منها(24). وكانوا يكثرون من أكل اللحم، وشرب الجعة والخمر غير المخفف بالماء، لأنهم كانوا "سكّيرين بفطرتهم" إذا جاز لنا أن نصدق أبيان(25). ويصفهم أسترابون بأنهم قوم "سذّج.. ذوو شمم وكبيراء، لا يطيقهم أحد إذا انتصروا، وتطير نفوسهم شعاعاً إذا غُلبوا"(26)، ولكن علينا ألا نثق كل الثقة بهذه الأقوال لأنه ليس من الخير في كل الأحوال أن يكتب عن الناس أعداؤهم. وقد اشمئزّت نفس بوسيدونيوس حين رآهم يعلقون رؤوس أعدائهم بعد فصلها عن أجسامهم في رقاب جيادهم(27). وكان يسهل استثارتهم للجدول والقتال، وكانوا في بعض الأحيان يسلّون أنفسهم في المآدب بأن يتبارزوا حتى يقتلوا بعضهم بعضاً. ويقول عنهم قيصر: "إنهم كانوا أكفاء لنا في الشجاعة وفي التحمس للحرب"(28)، ويصفهم أميناس مرسلينس Ammianus Marcellinus بأنهم:

"مهما تكن سنهم يليقون للخدمة العسكرية، فالشيخ منهم يخرج للحرب وهو لا يقل شجاعة عن الشاب في مقتبل العمر... والحق أن سريّة كاملة من الأجانب لتعجز عن الوقوف في وجه غالي واحد إذا دعا زوجته إلى تأييده، وهي في العادة أشد منه بأساً وأعظم شراسة، وخاصة إذا نفخت عنقها، وعضت على أسنانها، ولوّحت بذراعيها الضخمتين، وشرعت تكيل الربات بيديها وقدميها كأنها حجارة تُقذَف من منجنيق".

وكان الغاليون يؤمنون بآلهة كثيرة، نسي الناس كل أمرها فلا ضير عليها إذا لم نذكر أسماءها. وكان اعتقادهم بحياة سعيدة في الدار الآخرة قوياً إلى حد حمل قيصر على الحكم بأن هذا الإيمان كان له أكبر الأثر في شجاعة الغاليين. ويقول فالريوس مكسمس: إن قوّة هذه العقيدة كانت تدفع رجالهم إلى أن يُقرِضوا المال على أن يردَّ إليهم في الديار الآخرة، ويقول ليسدونيوس إنه رأى الغاليين في إحدى الجنازات يكتبون الرسائل إلى أصدقائهم المتوفين ويلقون بها على كومة الحريق حتى يحملها الميت إلى المرسَلة إليهم(30)؛ وليتنا نستطيع أن نستمتع برأي رجل غالي في هذه القصص الرومانية. وكان كهنتهم يشرفون على جميع شؤون التعليم، ويعنون كل العناية بغرس العقيدة الدينية في نفوس المتعلمين؛ وكانوا يقومون بطقوس دينية ذات روعة، يؤدونها في الأيك أكثر مما يؤدونها في الهياكل، ويسترضون الآلهة بتقديم الضحايا البشرية يأخذونها من المحكوم عليهم بالإعدام لجرائم ارتكبوها؛ وقد تبدو هذه العادة همجية لمن لم يروا بأعينهم في هذه الأيام طريقة الإعدام بالكهرباء؛ وكان الكهنة هم الطائفة الوحيدة المتعلمة - ولعلّها كانت الطائفة والوحيدة غير الأمية - في هذا المجتمع الغالي؛ وكانوا يؤلّفون الترانيم الدينية، والقصائد، ويكتبون السجلات التاريخية، ويدرسون النجوم وحركاتها، وحجم الكون والأرض، ونظام الطبيعة"(31)، وقد وضعوا لأنفسهم تقويما عملياً، وكانوا قضاة لهم نفوذ كبير في بلاط ملوك القبائل. وكانت غالة قبل عهد الرومان، كما كانت في العصور الوسطى، تسير على النظام الإقطاعي المكتسي بثياب الحكم الديني. وبلغت غالة الكلتية ذروة مجدها تحت حكم هؤلاء الملوك والكهنة في القرن الرابع قبل الميلاد، وازداد عدد السكان لوفرة الإنتاج الناشئ عن أساليب لاتين La Te`ne الفنية، فأدى ذلك إلى سلسلة من الحروب للاستيلاء على الأرض، ولم يحل عام 400 ق.م حتى كان الكلت الذين يمتلكون معظم أوربا الوسطى وغالة، قد استولوا على بريطانيا، وأسبانيا، وشمالي إيطاليا. وفي عام 390 اندفعوا جنوباً نحو روما، وفي عام 278 نهبوا دلفي واستولوا على فريجيا؛ وبعد قرن من ذلك الوقت أخذت قوتهم في الاضمحلال؛ وكان بعض السبب في هذا لين طباعهم الناشئ من ثروتهم ومن تأثرهم بالأساليب اليونانية، وبعضه الآخر قوة أمراء الإقطاع السياسية. فكما أن الملوك قد قضوا في العصور الوسطى على قوة الأمراء وأنشئوا بعد القضاء عليها دولة موحدة، كذلك قضى أمراء الإقطاع في القرن السابق لظهور قيصر على سلطة الملوك، وتركوا غالة مقطعة الأوصال أكثر من ذي قبل. وأخذ الكلت يردون إلى الوراء في كل مكان عدا أيرلندة، فأخضعهم القرطاجيون في أسبانيا، وأخرجهم الرومان من إيطاليا، وفتح الرومان في عام 125 ق.م جنوبي غالة لحرصهم على تأمين طريقهم إلى أسبانيا، وجعلوا تلك البلاد ولاية رومانية. وفي عام 58 ق.م استغاث زعماء الكلت بقيصر ليساعدهم على صد غارة ألمانية، فأجابهم قيصر إلى ما طلبوا وحدد هو ثم هذه المعونة:

التنظيم الجغرافي والاداري

وأعاد قيصر وأغسطس تنظيم غالة فقسّماها أربع ولايات: غالة التربونية في الجنوب، وهي المعروفة للرومان باسم بروفنسيا Provincia ولنا باسم بروفانس Provence، وقد اصطبغت هذه الولاية إلى حد كبير بالصبغة اليونانية بسبب استيطان اليونان لشاطئ البحر الأبيض المتوسط، وأكوتانيا في الجنوب الغربي، ومعظم سكانها من الأيبيريين، وغالة اللدجونية Ludgonensis في الوسط، وكانت الكثرة الغالبة من أهلها من الكلت، وبلجيكا في الجنوب الشرقي وكثرة أهلها ألمان. وقد أقرّت روما هذه الأقسام العنصرية وزادتها حدة لتتقي بذلك ثورتها الجامحة، فأبقت المقاطعات التي تسكنها القبائل المختلفة على حالها واتخذتها أقساماً إدارية. وكان المُلاّك هم الذين يختارون الحكام، وقد ضمنت روما ولاء هؤلاء الملاك بما كانت تقدمه لهم من عون د الطبقات الدنيا، ومنحت حق المواطنية الرومانية مكافأة منها للغاليين الموالين لها الذين يؤدون لها خدمات قيمة. وكانت جمعية إقليمية تضم ممثلين يُختارون من كل مقاطعة تجتمع كل عام في مدينة ليون. وقد قصرت وظيفتها في أول الأمر على القيام بطقوس عبادة أغسطس، ولكنها ما لبثت أن انتقلت من هذا إلى التقدّم بملتمسات إلى الحكام الرومان، ثم أصبحت هذه الملتمسات توصيات ثم مطالب. وانتزعت شؤون القضاء من أيدي الكهنة، وبدد شملهم، واتبع القانون الروماني في فرنسا، وظلّت غالة ما يقرب من قرن خاضعة مستسلمة للنير الجديد.

وحدث في عام 68م وفي عام 71م أن اندلع لهيب الثورة زمناً قصيراً بقيادة فندكس Vindex وسفيلس Civilis، ولكن الأهلين لم يقدموا إلا عوناً قليلاً لهاتين الحركتين، وفضّلوا الاستمتاع بالرخاء، والأمن والسلام على حب الحرية.

وأصبحت في ظل السلم الرومانية من أغنى أقسام الإمبراطوريّة، وكانت روما نفسها تعجب من ثراء الأشراف الغاليين الذين انظموا إلى مجلس الشيوخ في عهد كلوديوس، وأخذ فلورس Florus بعد مائة عام من ذلك الوقت يذكر الفرق بين ثراء غالة المزدهرة وضعف إيطاليا المضمحلة (33). فقد قُطّعت الغابات لتفسح الأرض للزراعة، وجففت المستنقعات، وارتقت أساليب الزراعة حتى استخدمت حصّادة آلية(34)، وانتشرت الكروم وأشجار الزيتون في كل مقاطعة، وكان بلني وكولملا Columella في القرن الأول الميلادي يمتدحان خمور برغندية وبردو. وكانت في البلاد ضياع واسعة يفلحها العديد وأفنان الأرض ويمتلكها أسلاف أمراء الإقطاع في العصور الوسطى، ولكن كان فيها أيضاً كثيرون من صغار الملاّك، وكانت الثروة في غالة القديمة، كما هي في فرنسا الحديثة، موزعة توزيعاً أقرب إلى المساواة منه في أية دولة متمدنة أخرى. وتقدمت الصناعة بوجه خاص تقدماً سريعاً، فلم يحل عام 200م حتى أخذ صناع الفخار والحديد ينتزعون أسواق ألمانيا وأسواق الغرب من إيطاليا، والنساجون الغاليون يقومون بالجزء الأكبر من صناعة النسيج في الإمبراطوريّة، وحتى كانت مصانع ليون تُخرج الزجاج التجاري وأدوات زجاجية ذات روعة فنية ممتازة(35). وكانت البراعة الفنية في الصناعة يتوارثها الأبناء عن الآباء، حتى أضحت جزءاً ثميناً من التراث الروماني، وكانت الطرق التي أصلحها الرومان أو أنشئوها والتي يبلغ طولها 13000 ميل غاصّة بأدوات النقل والتجارة.

وأثرت بلدان كِلتيكا القديمة بفضل هذه الحياة الاقتصادية المتسعة، فأصبحت مدائن كبرى في غالة الرومانية، فكانت بردجالا Burdegala (هي بوردو الحالية) عاصمة أكوتانيو من أكثر ثغور المحيط الأطلنطي حركة وتجارة، وكانت ليمونم Limonum (ليموج) وأفريكم Avaricum (يورج). وأُغسطنمتم Augustonemetum (كيرمون - فران Clermont. Ferraand) مدائن غنية.

حتى قد استطاعت هذه المدينة الأخيرة أن تقدم لزنودوتس Zenodotus أربعمائة ألف سسترس ليقيم بها تمثالاً ضخماً لعطارد(36). وفي غاليا التربونية بلغت المُدن من الكثرة درجة جعلت بلني يصفها بأنها "أشبه بإيطاليا منه بولاية من ولاياتها"(37). وكان في الجهة الغربية مدينة طولوزا Tolosa (طولوز الحالية) التي اشتهرت بمدارسها، وكانت ناربو Narbo نربونة (Narbonne) عاصمة الولاية في القرن الأول الميلادي أعظم مدائن غالة، وأهم الثغور التي تصدر منها غلاتها إلى إيطاليا وأسبانيا، وقد وصفها سيدونيوس أبلينارس Sidonius Apollinaris بقوله إن "فيها أسواراً، وطرقاً للتنزّه، وحانات، وعقوداً وأروقة ذات عُمَد، وسوقاً عامة، وملهى، وهياكل وحمّامات، وأسواقاً للبيع والشراء، ومراعي، وبحيرات، وقنطرة، وبحراً"(38). وكان إلى شرق هذه المدينة على طريق دوميتيا العظيم الذي يصل أسبانيا بإيطاليا بلدة نموسس Nemousus (نيمز Nimes). وقد شاد أغسطس والمدينة بيتها المربع Maison Carre`e الجميل تخليداً لذكرى حفيديه لوسيوس وكيوس قيصر؛ ومما يدعو إلى الأسف أن أعمدته الداخلية داخلة في جدران المحراب، ولكن أعمدته الكورنثية المنفصلة لا تقل جمالاً عن أية عُمَد في روما. ولا تزال الاحتفالات تقام من آن إلى آن في مدرجها الذي كان يتسع لعشرين ألفاً من النظارة. وتحولت القناة الرومانية التي كانت تنقل الماء العذب إلى روما على مر الزمن إلى قنطرة نهر جار Gard ولا تزال العقود السفلى لهذه القنطرة قائمة إلى اليوم في صورة آثار ضخمة محطمة في الريف العابس القريب من المدينة تظهر بجلاء ما بينها وبين العقود الصغرى التي فوقها من إختلاف، وتشهد هذه وتلك بعظمة فنون روما الهندسية.

وأنشأ قيصر شرق هذه المدينة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط مدينة أرلات Arelate (آرل الحديثة Arles) ظناً منه أنها ستحل محل مساليا Massalia) المشاكسة؛ فتكون مركزاً لبناء السفن وثغراً تجارياً هاماً. وكانت مساليا (مرسيليا) مدينة قديمة حين ولد قيصر، وبقيت يونانية بلغتها وثقافتها إلى آخر أيامه، وكانت فنون الزراعة، وغرس الأشجار، وزراعة الكروم، والثقافة اليونانية قد دخلت بلاد غالة من مرفأ هذه الفُرضة البحرية. وفيها بنوع خاص كانت أوربا الغربية تستبدل بغلاتها حاصلات بلاد اليونان والرومان، وكانت إلى هذا من أعظم مراكز الجامعات في الإمبراطوريّة، وكان أعظم ما اشتهرت به مدرسة الحقوق. وقد اضمحلّ شأنها بعد قيصر ولكنها ظلت ما كانت مدينة حرّة مستقلّة في شؤونها عن حاكم الولاية. وكان يليها من جهة الشرق فورم لولياي Forum Lulii (فريجو Frejus)، وأنتبوليس Antipolis (أنتيب Antibes) ونيسيا Nicaea (ميس)، ويتألف منها كلها ولاية الألب البحرية الصغيرة. وإذا انتقل المسافر في نهر الرون من أرلات وصل إلى أڤنيو Avenio (أڤنيون الحديثة Avignon) وأروسيو Arausio (أورانج Orange) وقد بقي في هذه المدينة الأخيرة قوس عظيم من أيام أغسطس؛ وفيها أيضاً ملهى روماني ضخم لا تزال تمثل فيه مسرحيات قديمة.

وكانت أكبر ولايات غالة هي غالة اللجدونية، وسميت كذلك نسبة إلى عاصمتها لجدونم Lugdunum (ليون الحالية). وكانت هذه العاصمة تقع عند ملتقى الرون والساؤون وملتقى عدة طرق برية كبرى أنشأها أجربا، ولذلك أضحت المركز التجاري لإقليم غني وعاصمة لغالة كلها. وقد استطاعت بفضل ما قام فيها من صناعات الحديد والزجاج والخزف أن تقبل في القرن الأول الميلادي عدداً من السكان بلغ حوالي مائتي ألف(40). وكان إلى شمالها بلدة كيلونم Cabillonum (شالون-على-الساؤون Chalon-sur-Saone) وقيصردونم Caesarodunum (تور Tours الحالية) وأغسطودونم Augustodunum (اوتون Outun الحالية) وسنابوم Cenabum (اورليان الحالية Orleans) ولورتريا Luteria (باريس الحالية). وكتب الإمبراطور يوليان يصف هذه المدينة الأخيرة فقال: "لقد قضيت الشتاء (357-358) في لوتيريا مدينتنا المحبوبة، لأن هذا هو الاسم الذي يطلقه الغاليون عن مدينة الباريزيين الصغيرة، وهي جزيرة في النهر... يعصر فيها الخمر الطيب(41).

وكانت ولاية بلجيكا التي تشمل أجزاء من فرنسا وسويسرا الحاليتين بلاداً لا يكاد أهلها يشتغلون بغير الزراعة؛ وكان معظم ما فيها من صناعات قليلة متصلاً بالقصور الصغيرة ذات الحدائق التي تدل بقاياها الكثيرة على أن أصحابها كانوا من الأشراف الذين يعيشون معيشة الدعّة الوترف. وفي هذه الولاية أنشأ أغسطس المدائن المعروفة الآن بأسماء سواسون Soissons، وسان كنتن St. Quentin، وسنلي Senlis، وبوفيه، وتريف Treves، وازدهرت آخر هذه المدن، وكانت تسمى أغسطا ترڤيرورم Augusta Trevirorum لأنها كانت مركز قيادة الجيش المدافع عن الرين، وأصبحت في أيام دقلديانوس عاصمة غالة بدل مدينة ليون، وصارت في القرن الخامس أكبر مدينة في شمال جبال الألب، ولا تزال حتى الآن غنية بآثارها الرومانية القديمة - فلا تزال پورتا نگرا Porta Nigra محتفظة بأسوارها الرومانية، ولا تزال فيها حمامات سانت بربارا، وفي إيجل Igel القريبة منها مقبرة أسرة سكنديني، وفي نوماجين Neumagen المجاورة لها النقوش الفجة التي كانت على كتل الحصن الحجرية.

اللغة والحضارة

غالة الشمالية "سو", 440-450, 4240mg.

وبُدلت الحياة حول هذه المُدن ظاهرها تبدلاً بطيئاً وجُددت عناصرها في عناد شديد فاحتفظ الغاليون بحقهم، وسراويلهم القصيرة، وظلوا ثلاثة قرون محتفظين بلغتهم ولكن اللغة اللاتينية غلبتهم على أمرهم في القرن السادس. وكان أكبر السبب في هذه الغلبة استخدامها في الكنيسة الرومانية، ولكنها كانت وقتئذ قد شذّبت ورخّمت حتى صارت فرنسية. ونالت روما أعظم فوز لها في غالة بنقل الحضارة الرومانية إليها. ويرى بعض كبار المؤرخين الفرنسيين أمثال جوليان وفنك برنتانو Funck Brentano أن فرنسا كانت تكون خيراً مما هي لو لم تفتحها روما، ولكن مؤرخاً آخر أعظم من هذين المؤرخين يعتقد أنه لو لم تفتح روما غالة لفتحتها ألمانيا حتماً، وأنه لو لم ينتصر قيصر في تلك البلاد كما يقول ممسن Mommsen:

مقاتل ڤاشر، تمثال لمقاتل غالي يرتدي ملابس رومانية (ح. القرن الأول ق.م.)

"لحدثت هجرة الشعوب قبل حدوثها بأربعمائة عام، وفي وقت لم تكن الحضارة الإيطاليّة قد تأقلمت في غالة أو على ضفاف الدانوب، أو في أفريقية وأسبانيا. وبفضل ما كان للقائد والسياسي الروماني العظيم من بصيرة نافذة أدرك بها أن القبائل الألمانية هي العدو المنافس للعالم الروماني - اليوناني، وبفضل قوته وشدة بأسه التي استطاع بها أن يضع للدولة نظامها الجديد نظام الدفاع الهجومي بجميع تفاصيله ودقائقه ويعلم الناس أن يحصنوا حدود الإمبراطوريّة بالأنهار والأسوار الصناعية... بفضل هذا كله كسب للثقافة اليونانية - الرومانية الفترة التي لم يكن منها بد لتمدين الغرب"(44).

لقد كان نهر الراين هو الحد الفاصل بين الحضارة الرومانية - اليونانية وبين الحضارة البدائية؛ فأما غالة فلم يكن في وسعها أن تدافع عن هذا الحد، وأما روما فقد دافعت عنه، وكان دفاعها هذا هو الذي حدد مجرى تاريخ أوربا إلى يومنا هذا.

طالع أيضاً


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش

المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

وصلات خارجية