علي سبتي الحديثي

علي سبتي الحديثي
علي سبتي الحديثي.jpg
وُلِدَ1953
الجنسيةعراقي
المهنةدبلوماسي و سياسي وكاتب
علي سبتي الحديثي مع صدام حسين.

علي سبتي الحديثي دبلوماسي و سياسي وكاتب عراقي مواليد مدينة حديثة في محافظة الانبار عام 1953.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السيرة


سفير العراق في البحرين

في أكتوبر 2001 اعتمدت البحرين الدبلوماسي العراقي الدكتور علي سبتي الحديثي أول سفير للعراق لديها منذ حرب الخليج في عام 1991 لكن وزير الإعلام البحريني نبيل يعقوب الحمر قال إن هذه الخطوة لا تعني تغييرا في سياسة البلاد.[1]


مؤلفاته

إسرائيل وإحتلال العراق

مع الاستاذ الصحاف في ابو ظبي عام 2018
في مؤتمر السفراء السنوي عام 1995 ويظهر خلف الاستاذ طارق عزيز السيد برزان ابراهيم.

في 15 يونيو 2023 كتب علي سبتي الحديثي:[3]

لعبت إسرائيل بأجهزتها الأمنية والأقتصادية وماكنتها العسكرية والسياسية، دورا أساسيا في الوصول بالعراق الى ما نحن فيه من الإحتلال والتدمير والفساد، لبلد كان من الممكن أن يشكل في لحظة من التاريخ قوة أنقاذا للشعب العربي الفلسطيني وقضيته العرب قضية العرب المركزية.

فالعقيدة التلموذية تتنبأ بأن الدمار الأخير سيصيبهم في (أرض الميعاد) قادما من الشرق على يد قائد وجيش ينطلق من بابل (العراق أو وادي الرافدين سمه ما تشاء)، وعلى ذلك لن تهدأ إسرائيل مهما بلغت أوضاع العراق من تردي، وستعمل على أطالة حالة الضعف والأنهيار ألى أن ينفذ أمر الله ويتحقق وعده للمؤمنين في سورة الإسراء، هذا قدر العراق والعراقيين وقدر اليهود بذات الوقت أن كنا مؤمنين.

ومقدما كي لا يتهمني القارئ الكريم أني ألقي بكامل المسؤولية على العامل الأسرائيلي فيما وصل أليه حال العراق، إستنادا لنظرية المؤامرة التي تمكنت من عقولنا لعقود طويلة من عمر الأمة، فأني أؤكد أن هنالك من العوامل الداخلية والخارجية ما قد أسهم بفعالية في هذا المآل، رغم حجم وعظم التحديات الخارجية وعدم التوازن مع قدرات الخصم وحلفائه.

وأعتقد أن أحد العوامل شبه المتفق عليها لدى طيف واسع من الوطنيين العقلانيين في العراق، تقديم المصلحة القومية للأمة على حساب المصلحة الوطنية، بسبب أتباع العراق عقيدة فكرية وسياسية تستند لفكر حزب البعث العربي الأشتراكي ونظريته وسياسته، وهو حزب قومي عربي قبل أن يكون حزبا وطنيا.

وقد تعززت تلك السياسة منذ عام 1979 عبر التوجه الشخصي لنائب أمينه العام وأمينه العام فيما بعد والذي يشغل بنفس الوقت موقع رئاسة الجمهورية ورئيس مجلس قيادة الثورة. فقد قدم الرئيس صدام حسين الشأن القومي العربي وبالأخص ما يتعلق بقضية فلسطين على الأولويات الوطنية.

وقد كان العامل الأبرز في مآلات الطريق الى الأحتلال وفقا لوجهة نظري، هو الفشل في التعاطي عمليا وبواقعية مع ترتيب أولويات التحديات الوطنية والعربية الكبيرة وفي مقدمتها قضية فلسطين. فقد نصبت قيادة العراق نفسها وصيا على القضية القومية وتجاوزت الحدود المسموح بها من قبل القوى الدولية الفاعلة، بدلا أن تلتزم بالخط العام الذي ألتزمت به الجامعة العربية عبر قرارات القمم العربية والعمل العربي المشترك، دون أن تضع نفسها في مواجهة دولية لا تقوى عليها، كي تحافظ على الكيان الوطني .

وثبت واقعيا أن هذا النهج الرسمي العربي الذي شذت عنه قيادة العراق في عهد الرئيس صدام حسين، كان أكثر حكمة وواقعية أذا ما وضعنا مقاييس العقل والمصلحة العليا للأوطان. وهذه الرؤيا ليست دفاعا عن المؤسسة المتعبة للجامعة العربية وعن الدولة القطرية، بل هي نظرة واقعية لا تتقاطع أبدا مع المبادئ العامة للعمل العربي المشترك غير الحالم.

ومما لا شك فيه إن عدم تقبل حزب البعث العربي الأشتراكي لشريك وطني يشاركه المسيرة ويتحمل معه المسؤولية ، كان سببا آخر فيما آل أليه وضع العراق. فقد إتخذ الحرس القديم في القيادة موقفا رافضا وبالضد من فكرة الشراكة الوطنية، حتى أن إحدهم بكى في أحد الأجتماعات التي ناقشت هذا الأستحقاق بعد صمت المدافع بين إيران والعراق.

وهنا أؤكد أن جميع الذين وقفوا ضد هذا التوجه ويمكنني أن أسميهم أذا تطلب الأمر ذلك ومعظم مثقفي المسيرة في الحزب والدولة يعرفون من أقصد. هؤلاء كانوا يخشون فقدان مواقعهم أذا ما شاركت في الحياة السياسية للعراق قوى حية ودماء شابة تفهم لغة العصر ومتغيراته، لاسيما وأن كثير منهم بقدرات ثقافية وفنية متواضعة وتجمدت عقول بعضهم خلف شعارات وأوهام عاشتها المسيرة لفترة طويلة ثبت فشلها، فشاركوا من حيث لا يدرون في خطيئة الوصول بالعراق الى الحال المظلم الذي نعيشه اليوم ، ولا أظن أن التاريخ أذا ما كتب بضمير وطني حي سيرحمهم. لقد تسببوا في حرمان الشعب العراقي من مشاركة القوى الوطنية الأخرى في الحياة السياسية للعراق والمسؤولية الوطنية وصناعة مستقبله، في وقت كان فيه بأشد الحاجة لذلك، ولو حصلت المشاركة لكانت بلا شك واحدة من روافع الخلاص الوطني وتجنب الإحتلال.

ومما لا شك فيه أن أنفراد الرئيس صدام حسين لوحده بالقرارات المصيرية التي رسمت مصير العراق منذ يوليو 1979، كان عاملا أساسيا فيما آل أليه مصير العراق، فقد خسر الرئيس صدام حسين ومعه العراق في ذلك العام السيئ أفضل وأكفأ رفاقه ومستشاريه الذين أعدمهم وسجنهم فيما سمي بمجزرة قاعة الخلد، لمجرد الشك بالتآمر في مؤامرة مزعومة، بعد أن طرق لسمعه من جوقة المنافقين، أن البعض منهم يرى أن الوقت لم يحن بعد لتسلم الرفيق صدام الموقع الأول مع تقديرهم وإحترامهم لقدراته القيادية المتميزة، وأن المصلحة العليا تقتضي إستمرار الرئيس أحمد حسن البكر المعروف بحكمته ورجاحة عقله لفترة أطول ومعه صدام القائد الشاب الواعد المنتظر بنظر معظم رفاقه لقيادة المسيرة.

لقد توارى بعد أحداث قاعة الخلد المؤلمة المستشارين الحكماء والمخلصين، وتحول أعضاء القيادة والوزراء من مشاركين في أدارة الدولة والمسيرة الى جنود يتلقون أوامر قائدهم وليس لهم خيار غير التنفيذ (نفذ ثم نفذ ثم نفذ ولا تناقش) ولو تصدرت أسمائهم تلك القرارات الصعبة والخطيرة التي كان يتخذها في واقع الأمر القائد الفرد وخصوصا تلك التي رسمت مستقبل العراق وتوجهه نحو الهاوية، لقد كانوا مع الأسف يتسابقون لتنفيذ قرارات القائد التاريخي بأعتبارها نصوص مقدسة للحصول على رضاه، مع بعض الأستثناءات البسيطة التي يسمح بها القائد أو يوحي بها للبعض منهم، أو هو يريدها خصوصا للتكنوقراط في بعض الجوانب الأقتصادية والنفطية والتجارية والفنية. وحدث أستثاء واحد فقط في واحدة من مراحل العمل الخطيرة في حياة العراق المكلف بها وزير الخارجية اللامع الأخير الأستاذ الدكتور ناجي صبري الحديثي، الذي منحه الرئيس هامش من الحرية وأستمع له جيدا ودعمه ولكن مع الأسف في الوقت الضائع، فأبدع الدكتور ناجي وأحرز نجاحات كبيرة في إختراق الحصار السياسي والدبلوماسي العربي والدولي وتقبل شخصيته الدمثة المحببة العرب قبل الأجانب، وقاتل بشجاعة وذكاء منقطع النظير مع فريقه من السفراء والدبلومسيين قتال الصحابة، من أجل وقف مخططات الولايات المتحدة التي دخلت حيز التنفيذ التمهيدي والعملياتي لغزو العراق وإحتلاله، الذي تزامن تقريبا مع توليه قيادة الوزارة وأنفتاح الرئيس ودعمه له، وفيما فشلت الجهود التي بذلت من وسطاء دوليين وعرب لوقف الغزو الأمريكي البريطاني، نجح الوزير بجهود مضنية بذلها مع فريقه الكفوء في حرمان الولايات المتحدة الأمريكية من الغطاء القانوني لعدوانها تحت غطاء مجلس الأمن، الذي لم تحصل عليه فغزت العراق دون أية شرعية، وهذا مكسب للعراق الوطن بالأمس واليوم يحق للعراق من خلاله عندما يقيض الله له حكومة وطنية رشيدة بمستوى المسؤولية الوطنية مخلصة لشعبها، أن تنتزع له تعويضات مادية وإعتبارية مناسبة لحجم الضرر الذي وقع عليه ولو بعد أجيال، فحق الشعب العراقي بالتعويضات بسبب الغزو غير الشرعى التي قامت به الولايات المتحدة الإمريكية لوطنهم لا يسقطه التقادم.

بالمقابل كبح الرئيس وزير خارجيته الشهير الأستاذ طارق عزيز الذي نجح وتألق عربيا ودوليا خلال سنوات الحرب الإيرانية العراقية المرة، عندما أبدى رأيا عاقلا ورشيدا وذي بعد ستراتيجي في الأجتماع الأول للقيادة ومجلس الوزراء بعد غزو الكويت، الذي تقرر فيه ضم الكويت للعراق، فعندما أبدى رأيه المعارض وقال أن هذا الفعل لن تسمح به القوى الدولية الفاعلة وستجيش الولايات المتحدة كل أمكانياتها ، ولا تتردد من إستخدام القوة المفرطة من أجل طرد العراق من الكويت، سلط الرئيس عليه بأيماءة صديقه الشخصي لطيف نصيف عضو القيادة وزير الأعلام، الذي رد على الأستاذ الكبير طارق عزيز مستهزئا أين تقع الولايات المتحدة الإمريكية على الخارطة !!!!!! فصمت الرجل الرشيد وغطت أصوات المنافقين والمصفقين المشهد بكامله لحين إحتلال بغداد، وانعكست تلك الحادثة على أداء الأستاذ طارق ، ففشل في أغتنام الفرصة التي سنحت للعراق للوصول الى تسوية تخرجه محتفظا بماء وجهه، عندما قاد وفد العراق في مفاوضات الفرصة الأخيرة التي عقدت في جنيف مع نظيره الإمريكي بيكر، يوم 9 يناير 1991م قبل انطلاق الحرب بأيام التي (سمح بها) الرئيس بوش الأب (لتفادي الحرب). كما أنه فشل في إتخاذ القرار المناسب للتعاطي بإيجابية مع المبادرة العربية لحل الخلاف العراقي الكويتي فشلا ذريعا في قمة عمان في المملكة الأردنية الهاشمية عام 2001 رغم كل المحاولات المخلصة التي بذلها الملك عبدالله بن الحسين ومساعديه لأقناعه في الوقت الذي ترك فيه رئيس الوفد نائب الرئيس عزت أبراهيم حرية القرار له بإعتباره المسؤول أمام الرئيس عن كل ما يتعلق بالشأن الخارجي، وعلى أثر ذلك ومع تصريحات غير مناسبة أطلقها تنال من أحد القادة العرب قرر الرئيس (وهو المسؤول عن فشل أداء الأستاذ طارق في حقبة ما بعد غزو الكويت في ملفات إسهمت في نهاية المشهد المؤلم ) منعه من الأدلاء بتصريحات ، وقيد نشاطه وصلاحياته، ثم أنهى تكليفه بالأشراف على وزارة الخارجية مع تسلم الدكتور ناجي مهامه بشكل فعلي وكامل. وكان ذلك في تعميم وقعه الرئيس أطلع عليه كل الكادر المتقدم للدولة والحزب وأنا واحد منهم.

وهذه العوامل الداخلية والخارجية سوف أتصدى لها بشكل أكثر تفصيلا وسوف أتطرق للأسماء والمسميات أذا تطلب الأمر، في حلقات مستقلة من ذاكرتي ورؤيتي، ولكني سأركز في هذا الجزء وأسلط الضوء على الزاوية المتعلقة بدور إسرائيل كما شهدت شخصيا وتعاملت مع بعض الأحداث ، وكيف أثرت وفقا لوجهة نظري في توجيه المسار نحو إحتلال بغداد وتدمير قدراتها. وبالتأكيد ستكون رؤيا من زاويتي الشخصية متأثرة بما تعاملت به أنا، وما شهدته أو ما تقدمت به من رأي أو نفذت به أمر من مراجعي بحدود مسؤوليتي وموقعي في سلم المسؤولية والمطل على كثير من الخفايا، وحتما فأنها رؤيا شخصية بحت لا تعبر عن رأي أحد أو مجموعة أو حزب، فلكل قناعاته ورأيه ومثلي لا يملى عليه أبدا مع أحترامي لجميع من عملت معهم وليس عندهم.

مقدمات تاريخية منذ الطفولة

في هزيمة يونيو 1967 كنت صبيا في قريتي بحديثة الفرات، وأستشهد بن عمي عبدالوهاب حردان في المعركة ودفن بالمفرق بمدافن شهداء الجيش العراقي الباسل. أقامت له القرية مجلس فاتحة (يسمونه في المدن عزاء)، بكيته فقال لي والدي عليك أن تفتخر أن لك أبن عم شجاع أستشهد من أجل فلسطين هذا عرس للقرية وليس ميتم أرفع رأسك يا ولدي.

في معركة أكتوبر 1973 قدمت حديثة شهداء بينهم صديقي الضابط الشاب طالب الصميدعي، كان ضمن كوكبة شهداء العراق الواحد الذين حمو بدمائهم الطاهرة دمشق من سقوط محتم أمام زحف الجيش الأسرائيلي. وشارك صقور الجو الشجعان في معركة عبور القناة من الضياء الأول في الصولة الأولى للمعركة على الجبهة المصرية، وتواجدت القيادات العسكرية العليا في مقار القيادة المتقدم ومعهم السيد طه ياسين رمضان عضو القيادة العليا السياسية وممثلها في الجبهة السورية.

كنا طلبة في جامعة بغداد وودعنا نحن وطلبة الثانويات والأبتدائيات وكثير من أهالي بغداد والفلوجة قطعات الجيش المتوجه لجبهات القتال في الجولان، وكانت القيادة بأجمعها تقف في الطريق المؤدي الى الشام، تودع الجنود والضباط الشجعان في مشهد يشبه العرس الكبير، ودباباتهم تسير على سرفها ولا تنتظر دورها لتحمل على الناقلات.

في 19 نوفمبر 1977 زار الرئيس المصري أنور السادات القدس، وألقى كلمة في الكنيست دعى فيها إسرائيل للسلام، (في خطوة كسرت التابو المقدس وأذهلت العدو قبل الصديق). كتبت في تلك المناسبة مقالة طويلة نشرت في جريدة العراق (لمن يحب الأطلاع عليها يمكنه العودة لأرشيف جريدة العراق الناطقة بلسان أهلنا وأخوتنا الكورد). حملت في مقالتي تلك القادة العرب مسؤولية الخطوة المنفردة التي قام بها الرئيس السادات مضطرا ومجتهدا، ولم أتهمه بالخيانة كما فعلت كثيرا من الصحف والأقلام، قال لي الأستاذ المصري الدكتور محمد أنور عبدالسلام الذي كان يقدم إستشارات سياسية لرئيس المخابرات العراقي حينذاك، ناصحا ومعجبا بما كتبت: أنتبه ولا تتجاوز الحدود المسموح بها هناك خطوط حمر عليك أن تقف عندما تصلها.

بين 15 الى 17 سبتمبر 1978 عقد مؤتمر كامب ديفيد بين الرئيس محمد أنور السادات ومناحيم بيغن رئيس وزراء إسرائيل، برعاية الرئيس الإمريكي جيمي كارتر، وأسفر عن توقيع (اتفاق أطار للسلام في الشرق الأوسط)، مع دعوة الأطراف الأخرى للنزاع للأنضمام له.

في 2 نوفمبر 1978 عقدت قمة بغداد ردا على ذلك. في 15 فبراير 1979 أتفق العراق وسوريا على أقامة إتحاد بين القطرين الشقيقين وتوحيد المؤسسات .

وفي 26 مارس 1979 وقع الرئيس أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، (إتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر) في واشنطن بحضور الرئيس الإمريكي جيمي كارتر وبرعايته.

في 31 مارس 1979 بعد خمس أيام من التصديق على (معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل)، أجتمع القادة العرب في بغداد مرة أخرى وقرروا طرد مصر من جامعة الدول العربية.

في السبعينات بنى العراق علاقات وثيقة مع فرنسا وتعاقد معها على مشروع بحثي نووي عملت إسرائيل جاهدة على أفشاله، نجحت في محاولتها الأولى في ميناء طولون وفشلت في الثانية، ودمرت في الثالثة قلب المشروع في قلب العراق بغداد في منطقة التويثة بضواحيها وقت زوال الشمس تماما. في يوم رمضاني وقت أفطار الصائمين صادف 7 يونيو 1981، والحرب مستعرة بين إيران والعراق، ولن أنسى ماحييت ذلك الوميض الكبير والمشهد الحزين.

المصيبة تبين في الكواليس بعد ذلك، أن توقيت الضربة وصل خبره قبل وقت قصير ولكنه مناسب، لأتخاذ التدابير اللازمة لأفشال الضربة لو وصلت المعلومة في وقتها المناسب الى قيادة الأركان، وهكذا تمكن العدو من هدفه بفضل عدم أكتراث الضابط المسؤول العقيد محمد السبعاوي (ضابط كفوء ووطني خانه تقدير الموقف دون أن يدري أهمية البرقية التي كان يتوجب عليه الأطلاع عليها) بقراءة البرقية المشفرة القادمة عبر الأثير من أحدى عواصم أوربا بالسرعة اللازمة وتأمين وصولها لقيادته لتتخذ الأجراء اللازم والتي وصلت ظهرا مع إنتهاء الدوام الرسمي للموظفين ومنهم العقيد محمد السبعاوي (أغتيل هذا الضابط أمام بيته بعد أن دنس الإحتلال تراب بغداد بفترة قصيرة). لقد سهل أهمال الضابط غير المتعمد للعدو هدفه الذي أختار توقيت ذكي جدا لتنفيذ الضربة وأخترق الدفاعات الجوية الحصينة في لحظة الغفلة وتناول الجنود المكلفين بحماية المنشأة الحيوية قصعتهم (طعامهم)، فضاع مشروع كبير كان يطمح من خلاله العراق لحماية أمنه الوطني والقومي، ودعم القضية الفلسطينية وتقصير أمد الحرب بين إيران والعراق، الهدف الذي كانت تعمل إسرائيل على أدامته أطول فترة ممكنة. صمت العراق على مضض على أمل أن تأتي الفرصة المناسبة ويثأر.

في عام 1984 إنعقد مؤتمر أمن الخليج العربي في بغداد في فندق الشيراتون، الذي أعد له مركز دراسات الخليج العربي برئاسة الأستاذ الدكتور مصطفى عبدالقادر النجار رئيس المركز، برعاية جهاز المخابرات متمثلا بقائده الوطني ذي العقل الرشيد الدكتور فاضل البراك، وحضر المؤتمر نخبة مهمة من أساتذة ومفكري العالم وشخصيات مهمة من عواصم الفعل والقرار (أحدهم رامز كلارك). كلفني الدكتور فاضل البراك أن أمثله وأشرف على بعض نشاطات المؤتمر، وطلب مني الأهتمام بشكل خاص بالوفد العربي المصري الذي كان يضم شخصيات تاريخية من رفاق جمال عبدالناصر، أبرزهم الأساتذة محمود رياض ومحمد حسنين هيكل ومراد غالب وأحمد حمروش وخالد محي الدين ومعهم شخصيات علمية الدكتور أبراهيم صقر والدكتور علي الدين هلال رئيس جامعة القاهرة آنذاك.

كما طلب مني تهيأتهم لمقابلة الرئيس وتمت المقابلة. وتواجد معي في معظم الأحيان الأعلامي وصديقي الشخصي الأستاذ عصام فاهم العامري. لقد أتاحت لي الفرصة التي توفرت لي في المؤتمر المذكور (حيث كنت أعمل باحث علمي في مركز الدراسات والأبحاث ومدير للأبحاث السياسية الخاصة بإيران وإسرائيل الذي كان يترأسه الدكتور عبدالستار عزالدين الراوي)، التعرف على شخصيات مهمة لها رؤيا وتاريخ أمثال الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي حوارته حول تعقيدات العلاقة بين الكويت والعراق وموقف عبدالناصر الحقيقي منها، بعد إعلان عبدالكريم قاسم إعتبار الكويت قضاءا تابعا للواء (محافظة) البصرة.

وأستفدت كثيرا من حوارات شخصية مع الأستاذ محمود رياض الأمين العام الأكثر شهرة في تاريخ جامعة الدول العربية ووزير خارجيته عبدالناصر في حقبة مهمة من عهده. وحاولت التعرف أكثر من الأستاذ الدكتور تيم نيبلوك على رؤيا بلده بريطانيا حول الحرب الدائرة بين إيران والعراق وكذلك تصوره لحل يستند على أساس قرار الأمم المتحدة 242 لسنة 1967 التي صاغته بريطانيا في حينها. وفي هذا المؤتمر كذلك عرفت الأستاذ الدكتور عبدالله النفيسي الذي كان يفيض حيوية وشباب وعقله يقدح كما يقول المثل العراقي، فإستمعت بأمعان لمحاضرته الخطيرة في المؤتمر الذي أستشرف فيها مستقبل المنطقة والخليج العربي وتنبأ بإحتلال المنطقة بالجنود الأمريكان وليس بالنفوذ فقط، بعد أن تضع الحرب الإيرانية العراقية أوزارها، في دراسة مستقبلية تنبأية من الطراز المتقدم، مستندة إلى معلومات ووثائق وليست نتاج خيال جامح تحقق معظمها إعتبارا من عام 1988. كما تنبأ بأنتهاء الحرب الإيرانية العراقية في عام 1988 بعد أن تنتهي الولايات المتحدة الإمريكية من أستكمال بناء قواعدها العسكرية في المنطقة التي كانت قد باشرت العمل بها، وما زالت تلك المحاضرة لا تفارق مخيلتي فقد كانت الأهم التي إستمعت لها في ذلك المؤتمر في كل ما تضمنته من رؤيا ومعلومات وتنبأ لمستقبل المنطقة.

بعد المؤتمر كتبت بحثا متخصصا عن مستقبل الصراع العربي الصهيوني في ظل التحدي النووي الأسرائيلي، لنشرة في مجلة الأمن القومي التي تصدر شهريا عن كلية الأمن القومي التي كنت ألقي على طلبتها محاضراتي في مادة العلاقات الدولية لسنوات، فكتب لي الدكتور فاضل البراك بعد أن أطلع عليه: أن رؤيتك ستراتيجية وجريئة ولكنك تستدير بفوهات المدافع من الشرق نحو الغرب، ونحن الآن في مواجهة شرسة مع إيران تقتضي منا تحييد العجوز وهو مثل عراقي دارج معروف مقاصده. لكن عناد الشباب ركب رأسي، فتوجهت ومعي الأستاذ عصام العامري الى الدكتور محسن الموسوي رئيس تحرير مجلة آفاق عربية لنشره ونشر البحث، ولم تصدر عن الدكتور فاضل ردة فعل غير أبتسامة وتعليق بسيط في أحد اللقاءات معه، حيث قال لي أن عدم صدوره في مجلة الأمن القومي لا يلزمنا برؤيتك، فآفاق عربية مجلة أدبية أكثر مما هي سياسية ولاتعبر عن مواقف الدولة في هذه الأمور الحساسة. أنني الآن بعد أن غزا الشيب ما تبقى من شعري أدرك تماما، أن كلام الدكتور فاضل البراك في تلك اللحظة كان كلام العقلاء الذين بتعاملون مع الواقع بدون تأثيرات وضغوط الشعارات الجماهيرية الشعبوية، والذين يدركون بتجربتهم وحكمتهم أن المعركة عندما لا تنضج ظروفها ومستلزماتها، تتحول في نتائجها الى هزيمة ونكسات وبالتالي من الأفضل تأجيلها.

خلال الحرب الإيرانية العراقية تعاملت القيادة العراقية بكل كفاءة وعقلانية وحكمة وأحترافية في أدارة معركتها، ووزارة الخارجية بالخصوص (وبالطبع بإسناد عميد الدبلوماسية العربية الأمير سعود الفيصل والشيخ صباح الأحمد وزير خارجية الكويت وأميرها فيما بعد) ونجحت الدبلوماسية العراقية بقيادة الأستاذ طارق عزيز سواء في أدارتها لعلاقات العراق الخارجية عموما أو لجهة تعاملها مع الشأن الفلسطيني، وحدث العكس تماما بعد هزيمة الكويت، حيث أعلن العراق موهوما أنه منتصر وسمى الهزيمة أم المعارك، مثلما أطلق الرئيس تسمية الحواسم على حرب إحتلال العراق عام 2003 وكانت أسم على مسمى فقد حسم من خلالها مستقبل العراق نحو المجهول لعقود طويلة نساله تعالى أن ينزل رحمته ويرأف بأهل العراق ويختصر زمن السقوط والتردي.

أعلان العراق النصر في هزيمة الكويت وتسميتها أم المعارك دفعت أستاذ الأجتماع السياسي الكبير(أستاذي)العلامة الدكتور صادق الأسود، والذي عمل مستشارا للرئيس صدام حسين في السبعينات عندما كان الشخص الثاني في قيادة الدولة، أن يخاطب لرئيس في رسالة بعثها مع السيد عبد حمود عندما كان يدرس الماجستير قال له فيها: أن علاج وضع العراق الحالي من تداعيات هزيمته لبناء مستقبل جديد وعلاج جراحه والبدء بعملية أعادة بناء داخلية وتصحيح علاقاته الخارجية مع العالم يقتضي الأعتراف بالهزيمة والتعامل مع أستحقاقاتها كما فعلت كل من ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية ونجحتا.

لكن الرئيس تمسك بالطاقم الذي أستعان به في سنوات الحرب الحرب مع إيران وخلال غزو الكويت، رغم علمه أن معركة العراق بعد هزيمته في نهاية فبراير 1991م معركة دبلوماسية بأمتياز بعد أن فقد العراق أنيابه، تتطلب على صعيد السياسة الخارجية وكثير من جوانب عمل الدولة وجوه جديدة من الرجال والكفاءات والقادة مختلفة تماما، فكيف يتعامل ذلك الجيل من القادة والمسؤولين وهو جيل المواجهة والهزيمة مع خصوم العراق الذين هزموه ليصل الى حل وتسوية معهم كفيل بأعادة تأهيل العراق وقبوله مجددا في المجتمع الدولي ومؤسساته. وإستمر الحال على صعيد السياسة الخارجية الى ما بعد قمة عمان عام 2001 حيث بدء الرئيس يفكر جديا بالتغيير، بعد فوات الأوان في الوقت والفرصة التي سنحت له بعد توقف الحرب نهاية فبراير 1991 وهي كافية جدا لو إستثمرها بمتطلباتتها وأعاد ترتيب أوراقه وراجع نفسه وسياساته الخاطئة والحالمة في الشأن الفلسطيني خصوصا بل زاد الطين بله عندما أعلن تأسيس جيش القدس من 7 ملايين متطوع معظمهم فضائيين تبخروا فور دخول قوات الإحتلال الإمريكي بغداد، وظل يسبح هو ومساعديه في قيادة الدولة عكس التيار، موهمين أنفسهم قبل الشعب صواب منهجهم في أدارة الدولة، في مرحلة تحد جديد غير مسبوق في تاريخ العراق الحديث، أستلزم إناطة المسؤولية لجيل جديد متعلم ومتنور من القادة قادر على الوصول الى حلول معقولة تحفظ العراق وتوصله الى بر الأمان وهم كثر فالعراق ولاد وغني بهم.

ألتقينا في منتصف الثمانينات في مؤتمر لتأسيس الجمعية العربية للعلوم السياسية في قبرص أنا والدكتور صائب عريقات، وكان أستاذا في جامعة النجاح الفلسطينينة قبل أن يتفرغ للعمل السياسي، وكذلك في مؤتمرها الثاني بفندق المنصور ميليا في بغداد عام 1985، وحدثني عن أهتمام مركز دايان الإسرائيلي للأبحاث بشخصية الرئيس صدام حسين منذ مطلع السبعينات وأنهم يعدون عنه مجموعة دراسات سنوية كان قد جمعها، سلمني أياها وأخذت طريقها لوجهتها في حينه، هذه الفقرة الأعتراضية أعلاه تعني الكثير بالنسبة لي وتساعدني للتمهيد للقول أن العراق عندما خرج منتصرا من حرب الثمان سنوات التي فرضتها إيران عليه، وحاول الغرب وإسرائيل أدامتها لأطول فترة ممكنة، لم يتمهل ويستكمل شروط معركة أكبر من قدرته على التأثير الدولي بمسافة شاسعة من الزمن، بل بدأ التحرش بإسرائيل وكأنه الوصي على القضية الفلسطينة، موهوما بقياسات غير منطقية ولا علمية لقدراته التقليدية العسكرية الكبيرة وتجربته الصعبة والثرية في معارك الحرب الإيرانية – العراقية. وحقيقة الأمر أن فائض القوة التي بدا يشعر به العراق ويتلمسه، كان مع الأسف غير مكتمل الدراسة والتمحيص في جميع جوانبه، فهو لم يأخذ بنظر الأعتبار المشهد العام للقوة والتأثير والفعل خارج حدود العراق، التي تمتلكه قوى عظمى تدعم وجود إسرائيل وتمسك بتلابيبه وتتحدد بموجبها مصائر الشعوب والأمم، متجاوزا هذه المرة المنطق والسياسة العقلانية الرشيدة التي أنتهجها طوال سني الحرب مع إيران في موضوع القضية الفلسطينية.

وبدأت إسرائيل ومعها حبايبها تركز أكثر فهي مترصدة أصلا بكل قدرات أجهزتها وعيونها وأذانها، بما يفكر صدام وعلى ماذا يرسم. لماذا أرسل ضباط أركان لمرات يستطلعون الجبهة الأردنية مع إسرائيل، من حدود فلسطين في طبريا والجولان، الى جنوب النقب والعقبة، وماذا يهدف من أرسال طائرة الأستطلاع السوفيتية المتطورة الميغ 25 في حينها التي صورت موقع الديمونا، مخترقة دفاعاتها، تتبع الأسرائيليون تحركات العراق وتأكدوا أنه يعد العدة لأمر جلل ينتظرهم.

وقبل ذلك تذكرت حديث شخصي دار بيني وبين صديقي وزميلي السفير عبدالجبار عمر الدوري قبل سنوات ، وأستمحيه عذرا فسوف أستل منه بعض المعلومات من اجل تسجيل الذاكرة المستندة للصدق والحقيقة لأجل العراق ومستقبل أجياله.

يقول السفير الدوري والرجل على مستوى عال من الشعور بالمسؤولية الوطنية والصدق والرأي الشجاع والحكمة وصمام أمان طوال فترة عمله في الكويت: أنتهت مهمتي سفيرا في الكويت عام 1987، فزارني للمجاملة والتوديع السفير الأمريكي في بيتي وكان شخصية مهمة وتربطني به علاقة صداقة فوجئت بقوله لي أنك ستغادرنا يا عبدالجبار وبعد عام ستنتهي إلحرب لكنكم لن تتعلموا ستغزون الكويت ونطردكم منها. وقد نقل السيد الدوري هذا الحديث الذي وجده خطيرا الى الرئيس عن طريق السيد طارق عزيز وزير الخارجية نائب رئيس الوزراء واجابه بعد يوم أنسى الموضوع ولا يدري هل أطلع الرئيس عليه أم لم يطلع !!!!!، ونقله الى الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية الأمير فيما بعد وكان صديقه الشخصي وقال له يا أبو عمار أمريكا تعرف أكثر منك ومني !!!

في الجامعة العربية في مؤتمر صحفي للوزير.

حضر الرئيس قمة مجلس التعاون العربي التي إنعقدت في عمان في عام 1990 وخاطب المؤتمرين على الهواء قائلا أرى من هنا أضواء منائر بيت المقدس.

في نوفمبر 1989م كان السيد برزان أبراهيم (رئيس المخابرات العراقي المعروف) يشغل موقع ممثل العراق الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف وكان له صديق سويسري تربطه علاقة صداقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أسحق شامير، نقل رسالة تحريرية من شامير الى الرئيس صدام حسين من خلاله – أي من خلال السيد برزان _ خلاصتها (من فضلك لا تقترب منا ولانطالبك بعلاقة، نعترف بك قوة أقليمية مهمة في المنطقة ، لن نتعرض لمصالح العراق ولا تتعرض لنا)، وبدون التفاصيل التي شرحها لي السيد برزان ابراهيم حين دعاني الى جنيف بعد مؤتمر السفراء السنوي عام 1995م الذي كاد يطيح برأسي بسبب طرحي الشروط غير المعلنة لرفع الحصار عن العراق، والذي سأتطرق أليه في هذه الجزء من مذكراتي حين يأتي سياق البحث والحديث … رد الرئيس على رسالة شامير الورقة ذاتها مستشهدا برد نبي الأمة العظيم رسول الله وخاتم النبيين عليه وعلى آل بيته وصحابته أتم الصلاة والتسليم (والله لو وضعوا الشمس في يمني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك دونه ما تركته). وطلب من السيد حامد حمادي سكرتيره الخاص أستدعاء السيد برزان أبراهيم من جنيف وتسليمه الرد على الورقة ذاتها التي تضمنت رسالة شامير ليعيدها للوسيط، قال لي السيد برزان عام 1995م في جنيف نقلا عن صديقه السويسري أن شامير عندما قرأ رد الرئيس صدام على رسالته ضرب كفيه ببعض وقال ما يلي: لقد أنتهى العراق وهذه آخر محاولة معه. وقد اشار لهذه الواقعة الأستاذ الدكتور محمد مهدي صالح الراوي وزير التجارة العراقي الشهير السابق ، في مذكراته الرائعة التي صدرت في العام المنصرم في بيروت نقلا عن السيد حامد حمادي سكرتير الرئيس صدام في تلك الفترة، التي تم فيه تبادل الرسائل، ولكنه لم يشر الى ان الرسالة هي من شامير، أما أنا فقد إستمعت للرواية من السيد برزان مباشرة.

في نهاية عام 1989م بعث جوليو أندريوتي زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي الأيطالي ورئيس وزرائها آنذاك برسالة سرية الى الرئيس صدام حسين الذي كانت تربطه علاقة طيبة معه، حملها سفير العراق في روما الأستاذ محمد سعيد الصحاف وزير الخارجية فيما بعد، خلاصتها كما سمعتها شخصيا من الأستاذ الصحاف أكثر من مرة لقد تقرر بمعنى قيادة الغرب قررت في أجتماع سري لكبارها، أن يزال النظام العراقي الذي يقوده البعث وصدام حسين عن بكرة أبيه، وتتضمن الخطة تجيع بقايا البعثيين بعد القضاء عليهم في معسكرات في صحراء الرطبة، وفصل الرجال عن النساء حتى ينقرض آخر بعثي. سلم على الرئيس وقل له أني لم أتمكن من معارضة القرار، وعليه أن يأخذ الأمر على محمل الجد ويتهيأ ليتعامل مع هذه المخطط الجديد تجاهه وتجاه نظامه أو يواجه العواقب فالأمر جلل، وأستميح الأستاذ الصحاف عذار لنشري بعض جوانب حوار شخصي معه لهدف واحد يجمعنا هو البحث عن حقيقة ما جرى وأحسب أنه يقدر ذلك فهو أحد شهود العصر لما جرى في العراق وعلى العراق.

التحشيدات البريطانية والأسرائيلية الأعلامية وغيرها لم تنقطع وتصاعدت، بل أستنفرت بعد وقف إطلاق النار بين العراق وإيران للبحث عن كمائن أو أفتعالها يقع فيها العراق، خصوصا في مجال البرنامج النووي وقصة المدفع العملاق وغيرها من القصص والفبركات، لكي تستخدم لاحقا في أيذائه ومن ثم ذبحه كما جرى في نهاية المشهد.

في 15 مارس 1990 أعدمت السلطات العراقية الصحفي البريطاني من الأصول الأيرانية فرزاد بازوفت، بعد أعترافه وأدانته بالتخابر لصالح إسرائيل خلال عمله في العراق، بعد أن ألقي القبض عليه في مطار بغداد في أغسطس 1989م وبحوزته وثائق تتضمن معلومات وعينات تربة عن مجمع الصناعات العسكرية في الأسكندرية جنوب بغداد، الذي تعرض حينها لحادث أنفجار ودخله بازوفت بمساعدة صديقته الممرضة الريطانية بسيارة المستشفى التي كانت تعمل بها، متجاهلا منع السلطات الأمنية الصحفيين من دخول موقع الأنفجار. ورغم المناشدات البريطانية والأوربية وتهديدات ماركريت تاتشر رئيسة الوزراء أعدم بازوفت ليتأزم الموقف المتأزم أصلا مع بريطانيا التي تحاول إفتعال أي مشكلة مع العراق لتعويق تطوره العسكري والعلمي لصالح إسرائيل. وقد تعامل العراق بخشونة مع بريطانيا، ولم يستخدم ورقة بازوفت للمساومة والمناورة، كما تفعل الحكومات الأكثر رشدا ومرونة في العالم، التي تتعامل مع هكذا قضايا وتحولها لورقة لصالحها، فزاد الطين بلة كما يقول المثل العربى.

رافق ذلك تنفيذ الأمريكان مناورات عسكرية في الكويت تحاكي هجوما عراقيا لغزوه عام 1989، قادها الجنرال نورمان شوازكوف الذي قاد قوات التحالف الثلاثيني بعد ذلك بعام.

عاش العراق طيلة التسعينيات حتى تاريخ إحتلال بغداد تحت رحمة قرارات أممية ملزمة ظالمة وقاسية، أصدرها مجلس الأمن كبلت العراق في كل شيء وفرضت عليه شروطا لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث، ومات بسببها أكثر من نصف مليون طفل وأكثر من مليون من كبار السن.

عام 1993م زار طرابلس في رمضان المبارك السفير ووزير الدولة برزان أبراهيم مبعوثا من أخيه الرئيس صدام حسين الى الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي. وبقي معنا ثلاثة أيام، قال لي في حديث خاص: أن الرئيس ذاهب بنا الى المجهول. وتبين لي فيما بعد أنه قال الكلام ذاته للسيد أمجد الفلاحي مدير محطة المخابرات في السفارة. والحقيقة أني كنت حريصا على أن يرافقني السيد أمجد خلال زيارة السيد برزان معظم الوقت، فقد كان أضافة لوظيفته احد تلاميذي في كلية الأمن القومي وصديقا أثق به وصاحب حضور أجتماعي.

في مطلع عام 1995م أنعقد المؤتمر السنوي للسفراء في بغداد، وكان أحد الموضوعات المطروحة للنقاش في يوم كامل، هو كيف يصل العراق الى صفقة شاملة مع مجلس الأمن يستجيب بموجبها لكل ما تطلبه الأمم المتحدة مقابل رفع كامل للحصار، خصوصا أن المبعوث الأممي أيكيوس قطع شوطا أيجابيا في الأتجاه. (لكن الفريق حسين كامل أطلق على هذه الصفقة رصاصة الرحمة بهروبه من العراق …) وكان المتحدثون المكلفون بعرض الأفكار والمعلومات الخاصة بهذا الموضوع هم كل من الأساتذة السفراء الدكتور عبدالأمير الأنباري ونزار حمدون، وكلاهما عمل في مواقع حساسة على تماس بالأشكالية المطروحة للنقاش. فالدكتور الأنباري شغل لفترة مهمة موقع ممثل العراق في الأمم المتحدة، والسيد نزار حمدون سفيرا للعراق في واشنطن في عز تحسن العلاقات.

وكان يمثل التصنيع العسكري كل من الوزيرين العالمين الفريق المهندس الدكتور عامر رشيد والفريق المهندس الدكتو عامرالسعدي، وهما معنيان مباشرة بالتعامل مع لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة ميدانيا. أنعقد المؤتمر بأشراف الأستاذ طارق عزيز نائب رئيس الوزاراء بصفته المشرف آنذاك على وزارة الخارجية وعلى التفاوض مع الأمم المتحدة ولجانها. ترأس المؤتمر وأداره الأستاذ محمد سعيد الصحاف وزير الخارجية وجلس الى جانبه السفير برزان أبراهيم. وتركزت النقاشات على نقطة جوهرية واحدة هي الصفقة الشاملة بمعنى أن العراق يقدم كل شيئ مقابل رفع فوري للحصار الأقتصادي. تحدث الجميع عن كل شيء ولم يتطرق أي منهم عن الشرط الجوهري الخفي والحاسم لرفع الحصار. وكعادتي لم أصمت عندما أرى الضباب يغشي الحقيقة في هذا الموقف وغيره، دون أن أحسب أبدا نتائج وردود الفعل مهما عظمت، لأني واثق من سلامة موقفي الوطني المسؤول، وأيماني بالله وحبي للعراق وحرصي عليه وعدم ولائي لغيره مهما كان. فالحمدلله كان وما يزال ولائي الأول والأخير للوطن كما تشهد مسيرتي النضالية والوظيفية. فأنا والحمدلله من الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم، وهنا لا أستعرض بطولات موهومة بل حقائق يشهد الله عليها وكثير من زملائي شهود أحياء لتلك الواقعة.


رفعت يدي طالبا الكلام فأذن لي رئيس المؤتمر، وبدأت بالحديث ألذي وأوجزه بما يلي: أقتنيت في طريقيمن عمان الى بغداد من مكتبة بيسان كتابا خطيرا عنوانه الشرق الأوسط الجديد بقلم شمعون بيرز أبرز مفكري وقادة الحركة الصهيونية، وقرأته مرتين قبل أن أحضر المؤتمر. شعر الأستاذ الصحاف بالأستفزاز كعادته في الأمور الحساسة فقال لي باللهجة العراقية (أي) بمعنى ماعلاقة ذلك بموضوعنا؟ بطبيعة الحال أنا أكن للأستاذ الكبير أبي زياد أحتراما ومحبة كبيرة، فهو أخ كبير لي وتاريخ في العروبة والوطنية وذو عقل جوال وكفاءة كبيرة في تاريخ العراق الحديث، ولوأختلفت معه بالرأي لقد تحملني كثيرا عندما عملت معه. قلت له: أن الأساتذه أحاطوا بكل الموضوع وإشتراطات رفع الحصار الأخطر إلا أمرا واحدا وهو الأخطر والأهم. فسأل ماهو ؟ والتوتر يظهر عليه جليا، وأزعم اليوم أنه قرأ في عقله الباطن ما سأقوله وقد قلته بكل ثبات مستندا الى ثوابتي الوطنية العروبية وأيماني العميق بعقيدتي الأسلامية والقرآن الكريم. أجبته: إن المعنى الذي يطرحه بيرز هو أن لا شرق أوسط جديدا بدون العراق. هنا أجاب الأستاذ الصحاف بعصبية بالغة: (هذا مو شغلنا شغل القيادة) وطلب مني التوقف عن الحديث، والتحول الى العلاقات مع ليبيا وتقديم صورة موجزة عنها. فقلت: نحن آذان وعيون القيادة وعلينا أن نحيطها بالحقيقة كاملة ولا نوهمها ولها بعد ذلك أن تقرر ما تشاء وتتحمل نتائج قراراتها أمام الله والشعب، أما العلاقة مع ليبيا فأني والحمدلله أديرها بكل سلاسة فقد بنيت علاقة محبة وثقة ووضوح ومصاقية مع الرئيس معمر القذافي ورفاقه وشعبه. وتوقفت لأتفحص وجوه زملائي الذين طبع الوجوم وجوههم بما فيهم السفير برزان ابراهيم، الذي كان يصغي لكلامي جيدا ويدرك ما أعنيه ويعرفني جيدا وهو الشجاع الذكي الذي أنفتح على العالم والمجتمع الدولي وتفهم في أثناء عمله في جنيف كيف يدار العالم. ولا أنسى قوله لي بعد خروجنا من الأجتماع: ماذا فعلت؟ وقال لي كلاما لا أحد غيره يمتلك الشجاعة في قوله تلك اللحظة.

في صباح اليوم التالي دخل على القاعة ونحن مجتمعون، الأخوة السفير الدكتور سعدون الزبيدي والوزير المفوض الأستاذ صبار الحديثي المكلفان بالمساعدة في أدارة المؤتمر وطلبا مني مغادرة الأجتماع، لأن ثمة من ينتظرني في مكتب الأستاذ برزان. وفعلا وجدت شخصين قدما نفسيهما بكل أدب وأحترام بأنهما ضابطين من الأمن الخاص، وقد تنسب بأمرالسيد الرئيس أن نأخذ أقوالك بما تحدثت به أمس أمام المؤتمرين تحريريا. شكرت الله في قلبي لأني سأتمكن من توضيح ما طرحته وبما لايسمح للمتصيدين بالماء العكر والمتربصين والمنافقين أن ينالوا مني. وفي مبادرة تنم عن نبل أخلاق قال لي أحدهما أني العقيد أحمد وقد درستني علاقات دولية في كلية الأمن القومي، ربما لا تتذكرني فأنت أستاذي. شكرته ثم دخلت الى مكتب الأستاذ برزان وكتبت أجابة وافية شافية، وقلت في خاتمتها ان السيد الوزير الصحاف لم يتركني أستكمل فكرتي ورؤيتي وأربكني وقاطعني بردود فعله وأستنفاره. وهكذا مرت العاصفة بسلام بعد أن تفهم الرئيس صدام حسين الصورة كاملة. وكان أحد أصدقائي وطلابي من الضباط العاملين في الأمن الخاص، قد زارني ليلا يوم حديثي المثير، ونقل لي تفاصيل التقرير الهاتفي الخاص الذي قدمه الوزير وعرضه السكرتير على السيد الرئيس وبموجبه تقرر التحقيق معي. وللتاريخ لم ينزعج رئيس الجمهورية ولم يتخذ أجراء يكبح حرصي على تقديم الرأي الشجاع والمسؤول عندما يتطلب الأمر ذلك مهما كانت النتائج. ولم تكن تلك اللجنة الأخيرة التي حققت معي الأولى ولا الأخيرة طوال مسيرتي في خدمة العراق. فقد كانت مبادئي وشرفي وصدقي وحرصي على الوطن بعد رعاية الله هي العوامل التي تكفلت بحفظ الله لي لأني عبد مؤمن صادق مع ربي ومع وطني ونفسي.

وبعد هزيمة العراق في حرب الكويت وتكبيله بسلسلة ظالمة من القرارات الأممية، طرحت مبادرات عديدة من دول عربية وأجنبية ومن شخصيات مهمة لأعادة تأهيله في أطار النظام الدولي السائد آنذاك، ولرفع القرارات التي كبلت حريته ووضعته تحت السلطات القمعية لمجلس الأمن.

وأهمها مبادرة أمريكية في الولاية الثانية للرئيس بل كلنتون، تفاوض حولها جهاز المخابرات العراقي الذي تفهمها لأنه الأقدر والأدرى والأكثر وعيا لما يجري في الظلام، وفق معلومات ووثائق وليس بناء على رؤى شخصية أو تقارير صحفية. لكن رئيس الجمهورية رفضها لكونها تشترط التطبيع مع إسرائيل هكذا قيل، وقيل لأنها تضمنت شرط أجراء أنتخابات حرة تحت سلطة الأمم المتحدة يسمح للرئيس بخوضها ومن حقه بعد ذلك أن يستمر بحكم البلد أذا فاز، ولكنني أرجح أسباب رفض الرئيس للمبادرة وفقا لمعلوماتي من مصادر موثوقة وقناعاتي الشرط الأول المتعلق بإسرائيل.

بالنسبة للمبادرات التي طرحت خلال التسعينيات وصولا الى قمة شرم الشيخ قبيل الغزو والإحتلال فقد كانت كثيرة ومتعددة، وأنصبت بإتجاه تفادي الغزو الإمريكي المحتمل وهنا، سوف أخصص الحلقة القادمة بإذن الله مذكراتي بوصفي سفير العراق الأخير في الأمارات قبل إحتلاله، لمبادرة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، ولمبادرة السيدة بينظير بوتو. علما أن المبادرة الثانية قد هيأ لها السيد الفاضل ناصرعبدالله لوتاه مدير مكتب الشيخ مكتوم بن راشد أل مكتوم حاكم دبي بمباركة ودعم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي وزير الدفاع في حينها. وتعاملت معها بعد أن حصلت على أذن قيادتي من خلال الفريق طاهر حبوش مدير المخابرات العراقي وبأشرافه المباشر للتحرك، حيث أرسل لي أحد ضباطه المحترمين وهو الشهيد خضر المعماري،الذي مكث معي في دبي لحين إنتهاء المهمة، وسأتحدث بالتفصيل عن المبادرتين في الحلقة القادمة.

وفي ختام هذه الحلقة أود أن أؤوكد أن ما تطرقت أليه ليس ألا جزءا قليلا جدا من مشهد كبير لم نعرف ألا القليل منه، وخفي علينا معظمه في عالم الظلمات السري. ولكني أعتقد أن ما سردته آنفا يشكل عناصر دلالة مهمة على دور إسرائيل المؤكد في دمار العراق وإحتلاله.

وفي نهاية هذه الحلقة أود أن أتسائل، إذا ما سلمنا بأن إسرائيل كانت سببا أساسيا لأحتلال العراق مؤكدا من جديد أيماني العميق والمطلق بوعد الله في محكم كتابه الكريم في سورة الأسراء .. هل يحق للرئيس صدام حسين أن يرهن مصير العراق كوطن من أجل قضية مؤجلة تخص أولا الشعب العربي الفلسطيني ثم الأمة العربية والأسلامية كلها؟،أم كان عليه أن يعيد ترتيب الأولويات من أجل الحفاظ على العراق بأقل الأضرار؟. سؤال أطرحه على عقلاء العراق والأمة بكل مسؤولية وتجرد.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  1. ^ "المنامة تعتمد أول سفير عراقي منذ حرب الخليج". الجزيرة. 2001-10-09. Retrieved 2023-08-04.
  2. ^ "كتاب الحرب الإيرانية العراقية 1980 1988م ضغوط التاريخ وأوهام العقائد". noor-book. Retrieved 2023-08-08.
  3. ^ "السفير الدكتور علي سبتي الحديثي: إسرائيل وإحتلال العراق.. محطات عايشتها". رأي اليوم. 2023-06-15. Retrieved 2023-08-08.