مولاي عبد الله العلوي

(تم التحويل من عبد الله العلوي)
الأمير مولاي عبد الله بن محمد الخامس
مولاي عبد الله العلوي.jpg
وُلِد(1935-07-30)30 يوليو 1935
توفي20 ديسمبر 1983(1983-12-20) (aged 48)
الرباط، المغرب
الزوجلمياء الصلح (1961-1983)
الأنجالالأمير مولاي هشام

الأميرة لالة زينب

مولاي إسماعيل
الأبمحمد الخامس
الأملالة عبلة بنت الطاهر

مولاي عبد الله بن محمد الخامس بن يوسف (30 يوليو 1935 - 20 ديسمبر 1983)، هو أمير مغربي، شقيق الملك الحسن الثاني، وابن الملك محمد الخامس من زوجته الثانية لالة عبلة بنت الطاهر (1909-1992).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نسبه

هو عبد الله بن محمد الخامس بن يوسف بن الحسن الأول بن محمد الرابع بن عبد الرحمن بن هشام بن محمد الثالث بن عبد الله الخطيب بن إسماعيل بن الشريف بن علي بن محمد بن علي بن يوسف بن علي بن الحسن بن محمد بن الحسن الداخل (أول من قدم المغرب من مدينة ينبع)[1] بن القاسم بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن عرفة بن الحسن بن أبي بكر بن علي بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل بن القاسم بن محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب.[2]


الوفاة

توفي بالسرطان في 20 ديسمبر 1983، عن عمر 48 عاماً، في الرباط.

حياته

مولاي عبد الله العلوي طفلاَ.
مولاي عبد الله العلوي طفلاً ووالده الملك محمد الخامس.

الأمير مولاي عبد الله، هو الابن الأصغر للملك محمد الخامس، أخ الملك الحسن الثاني وعم الملك محمد السادس، تزوج الأميرة لمياء الصلح المنحدرة من العائلة الأميرية اللبنانية الذائعة الصيت، عائلة الصلح، وهي نجلة رياض الصلح، الوزير الأول اللبناني، وكان الزفاف يوم 9 نوفمبر 1961، قبيل وفاة والده الملك محمد الخامس، اهتمت الأميرة لمياء الصلح منذ حلولها بالمغرب، بالمكفوفين وترأست منذ نشأتها سنة 1967، المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بالمغرب، أنجبت الأمير مولاي هشام والأمير مولاي إسماعيل والأميرة لالة زينب.

الملك محمد الخامس ومولاي عبد الله العلوي وشقيقه محمد السادس.
الملك محمد الخامس ومولاي عبد الله العلوي وشقيقه محمد السادس.

تابع الأمير مولاي عبد الله دراسته بالمعهد المولوي بالمشور بالقصر الملكي، إذ منذ إحداثه سنة 1942 من طرف الملك محمد الخامس، تم فتح قسمين، الأول خاص بولي العهد آنذاك (الملك الحسن الثاني)، والثاني خاص بأخيه الأمير مولاي عبد الله.

عاش الأمير الوسيم في الخفاء، وراء الستار، وحسب المقربين منه لم يسبق أن أبدى أي اهتمام بالأمور السياسية أو بدواليب الحكم، وظل يفضل أن يظل بعيدا عن دوائر المسؤولية وعن الخوض في الدائرة السياسية، وذلك رغم أنه كان متتبعا للأمور وصاحب خبرة ودراية في معالجة الأمور وصاحب حس دبلوماسي مشهود له رغم قلة المهام الرسمية التي كلفه بها شقيقه الملك الحسن الثاني، لاسيما تمثيله والنيابة عنه في بعض المأموريات بالخارج، خلال فترة وجيزة بعد الانقلابين، عندما فقد الملك الحسن الثاني الثقة بالمحيطين به.

توتر العلاقات بين الملك والأمير

الملك محمد الخامس ومولاي عبد الله العلوي وشقيقه محمد السادس.
مولاي عبد الله العلوي.

لم يكن الأمير مولاي عبد الله ضحية مؤامرات من طرف ذيول الخيانة فقط، وإنما كان مستهدفا من طرف تدبير مخابراتي خاص ولصيق، كثير من جوانب هذه المؤامرة لم يكن الملك على علم بقيامها، وقد تمكن الأمير من التعالي عليها وعدم الاهتمام بها نظرا لطيبوبته وعدم اهتمامه بدواليب سدة الحكم، ولكونه لم يكن يعرف لا الكره ولا الانتقام، واعتبارا لسعيه إلى العيش كإنسان مهتم بمشاغله والنمط الحياتي الذي اختاره. لذلك قد يبدو أن بعض اللوبيات المحيطة بالملك قد نجحت ظرفيا في تسميم العلاقة بين الأخوين. تعرض الأمير مولاي عبد الله لأكثر من مؤامرة، ساهم في حبك خيوطها مغاربة وأجانب لتسميم علاقاته مع شقيقه الملك الحسن الثاني، لاسيما في الفترات العصيبة التي اجتازها المغرب. على امتداد سنوات، أكد أكثر من مصدر أن عسكريين ومدنيين عملوا كل ما في وسعهم لإبعاد الأمير مولاي عبد الله عن شقيقه الملك الحسن الثاني، لاسيما في الفترات العصيبة التي اجتازها المغرب، وكانت لمحاولات هؤلاء انعكاسات وخيمة، ليس على علاقات الشقيقين فقط، وإنما كذلك على المسار الذي سارت عليه البلاد. لقد جند الجنرال محمد أوفقير، وبعده الجنرال الدليمي، بعض عناصر المخابرات الموالين لهما، للعمل على تسميم العلاقات بين الشقيقين، الملك وأخوه الأمير، وفعلا، نجحوا مرارا في محاولتهم الدنيئة، إذ لم يتركوا فرصة إلا وحاولوا استغلالها. هناك جملة من القضايا قد يكون الأخوان قد اختلفا بصددها، ومنها ما ارتبط بشروط وضمانات استمرارية النظام الملكي بالمغرب، إذ أن الأمير مولاي عبد الله كان دائما يعتبر أن الضمانة الأساسية لاستمرارية استقرار الملكية بالمغرب هي اعتماد إصلاحها باستمرار، وهذا ما عبر عليه بجلاء، بعد وفاة الأمير مولاي عبد الله، نجله الأمير مولاي هشام. ومن جهة أخرى، كان الأمير مولاي عبد الله على علاقة مع مختلف أقطاب الحركة الوطنية، وظلت هذه العلاقة قائمة حتى بعد الاستقلال، واستمرت حتى حين التحق بعضهم بالمعارضة.

آنذاك استغل الجنرال محمد أوفقير وزبانيته الفرصة وجندوا عناصرهم وأعدوا تقارير بخصوص لقاءات الأمير مع جملة من السياسيين وقادة الأحزاب وضمنوها تخريجات تسيء للأمير قصد تأليب الملك عليه، الشيء الذي ساهم في توتر العلاقة بين الشقيقين، الملك والأمير، لاسيما وأن ذلك حدث في وقت كانت فيه الأحوال سيئة بالبلاد والجو متوتر بين الملك والمعارضة. وفي هذا الصدد أكدت بعض المصادر أن الملك الحسن الثاني قال لأخيه الأمير يوما ما معناه، أنه لو وقف في طريقه بجانب أعدائه سيقتله، وقد راجت هذه الحادثة كثيرا بين المثقفين في السبعينيات.

من نقط الخلاف بين الأخوين (الملك والأمير)، الدعم العربي الذي كان يحظى به هذا الأخير ومحاولته الحثيثة للدفع لربط مصير المغرب بالشرق الأوسط، وهذا طبعا ما لم يكن في حسبان الملك الحسن الثاني، إذ كان يستبعده في مختلف استراتيجياته واختياراته. ومن مؤشرات الاختلاف في المواقف بين الشقيقين، الملك والأمير، الروابط مع الأمازيغ، إذ أن الحسن الثاني كان أقرب إلى الأمازيغ من أخيه الأمير مولاي عبد الله، وفي هذا الإطار مكن الملك المحجوبي أحرضان من وزارة الدفاع والأمن، وكان ذلك حين كان أحرضان يتحرك في نطاق ما سمي بالحركة الأمازيغية ومكتب باريس، وقتئذ لم يكن الملك قد أسس بعد مخابراته الخاصة.

هناك تساؤل قد يتبادر إلى الذهن، وهو هل طبيعة العلاقات بين الشقيقين، الملك والأمير، ظلت حاضرة واستمرت في اختراق علاقات الأمير مولاي هشام مع عمه الملك الحسن الثاني، علما أن الأمير هشام تأثر بوالده رغم أن عمه كان معلمه حسب تعبيره؟ من المعلوم أن الملك الحسن الثاني تكلف بتربية أبناء أخيه الراحل الأمير مولاي عبد الله، ومنذ سنة 1985 بدأت تبرز بعض التشنجات في علاقات الأمير مولاي هشام وعمه الملك الحسن الثاني، علما أن الأمير ظل يعتبر عمه الملك معلمه الأول الذي علمه كل شيء وظلت نقطة الخلاف القائمة بينهما هي إشكالية المواطنة في بلدان العالم العربي، لاسيما وأن هذه الإشكالية كان من شأنها أن تثير جملة من التساؤلات حول الأنظمة السياسية المعتمدة في هذه البلدان، وقد أثار الأمير وضعية المغرب بهذا الخصوص، وتأكد هذا المنحى عندما عبر الأمير هشام عن كشف أفكاره وأطروحاته بكل وضوح، فيما يتعلق بـ “الملكية الديمقراطية والحديثة بمساهمة كل الفعاليات الوطنية”.

وعموما، قد نجح أصحاب المكائد، في أكثر من محطة، في تسميم العلاقات بين الأخوين، الملك الحسن الثاني والأمير مولاي عبد الله، إلى حد أن الملك غضب على أخيه، وقد وصل به الأمر، حسب إحدى المصادر العليمة، إلى حد رفض مقابلته والحد من حريته أحيانا، ولم يكن هذا ممكنا دون التقارير المغرضة التي سهر على تهييئها بعض رجالات المخابرات الموالين للخونة أو أبنائهم.

ومهما يكن من أمر، فقد تأكد، بما فيه الكفاية وزيادة، أن جيوب مقاومة التطور الإيجابي ولوبيات المصالح الطفيلية ساهمت بشكل دنيء في تسميم العلاقات بين الأخوين، الملك الحسن الثاني والأمير مولاي عبد الله، وذلك على امتداد حياة هذا الأخير الذي ظل مغيبا اسمه من الكتابات التاريخية الرسمية، علما أنه ظل حاضرا، وبقوة برغم أنف أصحاب المكائد، في ذاكرة التاريخ الشعبي.

ومن المفارقات أن أغلب المسؤولين عن هذا التغييب المخطط له مع الإصرار وسبق الترصد، أغلبهم هم خونة الأمس بما فيهم أبناءهم وأقاربهم، وبالتالي فلا غرابة، ما دام هؤلاء ظلوا يشكلون جيوب عرقلة التطور المتزن والطبيعي للمجتمع المغربي لأنه، بكل بساطة،فمآل مسار هذا التطور كان سيعصف بمصالحهم المبنية على الانتهازية والطفيلية، إن آجلا أم عاجلا، وقد تنبه الأمير مولاي عبد الله لهذا الأمر مبكرا، وكان هذا كذلك من أسباب الخلاف مع أخيه الملك الحسن الثاني في أكثر من مناسبة.

ورغم كل إساءات الجنرال محمد أوفقير للأمير مولاي عبد الله، أضحى من المعروف حاليا، أن الأمير ظل يرأف بعائلة الجنرال رغم خيانته، وحسب عبد الجليل البوصيري، ظلت العلاقة متوترة بين الأمير والجنرال على امتداد تواجده قريبا من الملك ورجل ثقته. لقد دأب الجنرال على اختلاق الأحداث والمواقف لتأليب الملك الحسن الثاني على أخيه الأمير مولاي عبد الله، لاسيما منذ الستينيات إلى حدود لقاء حتفه في غشت 1972. وحسب أكثر من مصدر وظف الجنرال محمد أوفقير جملة من رجاله وعملائه لمحاولة تشويه صورة الأمير سواء في الداخل أو الخارج.

وحسب مصدر جيد الإطلاع، كان الأمير مولاي عبد الله ضحية للشلة المحيطة به من الأصدقاء، إذ أن الكثيرين منهم أساؤوا إليه باستغلال اسمه والقرب منه، دون علمه، لخدمة جملة من مصالحهم الذاتية، وأحيانا كثيرة، كانت مصالح دنيئة، وقد انكشف أمر جملة من القضايا وتجلى الاستغلال الدنيء لهؤلاء لقربهم من الأمير سواء في إطار الاستفادة، بدون وجه حق، من الأراضي المسترجعة أو من قانون المغربة أو السطو على بعض الأراضي أو تحقيق “خبطات” في مجال الأعمال والسطو على بعض القطاعات الاقتصادية، وفي هذا الصدد تبرز قضية أراضي أولاد خليفة في منطقة الغرب، التي سقط ضحيتها الكثير من الفلاحين في فجر السبعينيات.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأمير مولاي عبد الله ومجلس الوصاية

يقر عمر بندورو، أستاذ القانون الدستوري، أن دستور 1962 هو الذي تبنى مجلس الوصاية وخول له مهامه في حالة عدم بلوغ الملك سن الرشد.

وإذا كان هذا الدستور حدد سن رشد الملك في 18 سنة، إلا أن التعديل الدستوري الذي أقره استفتاء 23 مايو 1980 خفض سن رشد الملك إلى 16 سنة فقط، ورفع من أعضاء مجلس الوصاية من أربعة (دستور 1962) إلى أربعة عشر عضوا بناء على دستور 1996. قبل 1980 كان رئيس مجلس الوصاية هو أخ الملك، الأمير مولاي عبد الله، لكن الأمر تغير بعد استفتاء 23 مايو 1980، وأصبح الرئيس هو الرئيس الأول للمجلس الأعلى للقضاء بعضوية رئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين ورئيس المجلس العلمي لمدينتي الرباط وسلا و10 أعضاء يختارهم ويعينهم الملك بمحض إرادته.

علما أن الجديد الذي جاء به دستور 1962 والدساتير اللاحقة (1970 و1972 و1992 و1996) هو أن الوراثة على العرش أصبحت مقتصرة فقط على ذرية الملك الحسن الثاني، كما تم الاستغناء عن البيعة في اختيار ولي العهد وتنصيب الملك الجديد، وهذا ما أدى بالبعض إلى انتقاد هذا التغيير الجذري بخصوص مسطرة اختيار الملك باعتبارها مناقضة لمبادئ التقاليد الدستورية المحلية، وقد عبر على هذا الرأي العالم محمد بن العربي العلوي، وكان آنذاك من كبار العلماء ومستشارا للبلاط، وبعد دسترة الوراثة على الحكم والاستغناء عن البيعة برز تساؤل بخصوص مسطرة البيعة ومغزى المسطرة الجديدة.

علما أنه في التقاليد الدستورية المغربية تعني البيعة بالأساس الموافقة على تنصيب الملك الذي يلتزم بالعمل على احترام الشريعة الإسلامية والقوانين والسهر على الوحدة الترابية والدفاع عليها، أي أن البيعة عقد بين الأمة والملك، وبالتالي في حالة عدم احترام الملك لالتزاماته وواجباته يحق للأمة عدم الخضوع لأوامره وفسخ هذا العقد. لكن من الناحية المبدئية، يبدو أنه لا يجب الاحتفاظ بالبيعة مادام أن الدستور قد قنن مسطرة الوراثة وأخضعها لشروط واضحة، وإذا كانت هناك رغبة في الاحتفاظ بها وجب التنصيص عليها في الدستور وتبني المسطرة المعمول بها في تاريخ الدولة العلوية، وبالرجوع لموقع شقيق الملك، الأمير مولاي عبد الله، في مجلس الوصاية بعد تعديل 1980. إذ لم يعد عضوا فيه، وقد طرح هذا التغيير جملة من التساؤلات آنذاك، لاسيما فيما ارتبط بمغزى إلغاء عضوية أخ الملك.

فهناك من قال إن هذا التعديل استهدف سحب الطبيعة الشخصية للمجلس في شخص أخيه رغبة في جعل المجلس أكثر ديمقراطية. إلا أن آخرين ذهبوا إلى تأويل هذا التغيير في اتجاه مختلف، وفسروه بخوف الملك الحسن الثاني من أن يحول رئيس مجلس الوصاية، آنذاك أخوه الأمير مولاي عبد الله، الوراثة على العرش إلى شخصه وذريته، لاسيما وأن اختصاصات مجلس الوصاية كان منها ما هو تقريري ومنها ما هو استشاري إلى غاية بلوغ الملك سن 16 كاملة.

الأمير مولاي عبد الله وأطروحة عبد الصادق الكلاوي

مولاي عبد الله العلوي وعبد الصادق الكلاوي.

خطط التهامي الكلاوي، باشا مراكش، لخيانة المغرب والمغاربة للحفاظ على استمرارية الملكية بالبلاد، هذه هي الأطروحة التي اعتمدها ابن الباشا عبد الصادق الكلاوي بحثا عن صيغة من صيغ إعادة الاعتبار لوالده، إلا أن مجهوداته ذهبت سدى بفعل ما ألحقه أبوه بالمغرب وبالمغاربة، علما أن ما قام به باشا مراكش، وما اقترفه من خيانة عظمى، قام به عن قناعة وخدمة لمصالح آنية ومستقبلية أكيدة لا تمت بصلة بما يدعيه ابنه، لكن ما موقع الأمير مولاي عبد الله ضمن أطروحة عبد الصادق الكلاوي؟

في محاولته للدفاع عن والده، والتقليل من الأضرار التي سببها للمغرب والمغاربة قاطبة، بفعل تعامله غير المشروط مع الاحتلال الفرنسي والخونة، أصدر عبد الصادق الكلاوي كتابه: “العودة، والدي التهامي الكلاوي” للتعبير عن ألمه وتمزقه العميقين جراء ما اقترفه والده في حق الشعب المغربي ورموزه وأجياله. وقد تضمن هذا المؤلف بعض خبايا ما حدث في المغرب قبل نهاية 1950، وبالضبط قبل يوم 23 دجنبر 1950، وهو يوم طرد التهامي الكلاوي من القصر الملكي ذليلا مذموما.

وقد اعتمد عبد الصادق الكلاوي على ذاكرته مستعينا ببعض الوثائق والمستندات والرسائل لتقديم شهادته في حق والده، باشا مدينة مراكش. وما يهمنا في هذا الصدد هو بعض ما ارتبط بالأمير الراحل مولاي عبد الله شقيق الملك الراحل الحسن الثاني.

فمن المعلوم أن أغلب المؤرخين اعتبروا ما صدر عن التهامي الكلاوي يوم 23 دجنبر 1955 داخل أسوار القصر الملكي بالرباط بمثابة انفجار في الركح السياسي المغربي آنذاك، شهورا معدودة قبل الإعلان عن الاستقلال، وكذلك عن موت الباشا (قبل وفاته بـ 3 أشهر)، وهذا عندما انحنى مقبلا أقدام الملك الراحل محمد الخامس طلبا للصفح والعفو وتعبيرا منه عن الندم جراء ما صدر عنه، لاسيما بخصوص الدور الحيوي الذي لعبه في مؤامرة 20 غشت 1953، مؤامرة خلع السلطان من العرش ونفيه بمعية عائلته الملكية. عند التهييء لمؤامرة خلع السلطان محمد الخامس، دار الحديث حول خطتين: تعويض محمد الخامس بشخصية علوية أخرى يمكن التحكم فيها بسهولة أو التخلي عن الملكية واعتماد نظام آخر.

ومن الملاحظ أن المؤرخين مروا مرور الكرام على الأطروحة الرامية لتهييء الشروط للتخلي عن النظام الملكي بالمغرب، واقتصروا فقط على تسليط الأضواء الكاشفة على خطة المؤامرة التي اعتمدت تعويض الملك الشرعي للبلاد بشخصية علوية قريبة من القصر والعائلة الملكية، بل إن الأغلبية الساحقة للمؤرخين عملوا على تغييب، جملة وتفصيلا، أطروحة التخلي عن النظام الملكي بالمغرب كأنها لم تكن في الحسبان.

ورغم اقتصار أغلب المؤرخين على شخصية محمد بن عرفة، فإن القليل منهم من أثاروا تداعيات خطة اقتراح تعويض الملك محمد الخامس، بابنه الأصغر، الأمير مولاي عبد الله بعد خلع الملك ونفيه بمعية ولي عهده (الملك الحسن الثاني) آنذاك، فكيف تناول المؤرخون هذه القضية؟

يقول عبد الوهاب بنمنصور بأن اسم ابن عرفة بدأ تداوله ليحل محل الملك الشرعي منذ بروز معالم الأزمة بين السلطان محمد الخامس والمقيم العام الفرنسي (الجنرال جوان) خلال صيف سنة 1951، حيث اتصل الخونة المتآمرون، بمحمد بن عرفة، وكان آنذاك يقيم بمدينة فاس منهمكا في تدبير أملاكه الفلاحية (إقطاعاته كشريف علوي من بين أحد أبناء البلاط)، فعرضوا عليه الجلوس على العرش بعد خلع الملك الشرعي، فقبل الأمر وحضر إلى دار الباشا الكلاوي بمراكش قصد تهييء الترتيبات الأخيرة للمؤامرة، أي إعداد أضعف الشرفاء العلويين وأجهلهم لمرتبة الملوكية بالمغرب.

بموازاة مع هذا، كان الحديث رائجا بين الخونة وبعض أقطاب سلطة الاحتلال بخصوص اعتماد خطة أخرى لاستبعاد الغضب الشعبي، ومفادها إعلان الأمير مولاي عبد الله ملكا محل والده، بعد إبعاد الملك وولي العهد عن المغرب، لكن شريطة تنصيب التهامي الكلاوي، باشا مراكش وصيا على العرش، وفعلا تجند الخونة تحت إمرة الحماية الفرنسية للتآمر على الملك والعرش بعد خطاب العرش يوم 18 نونبر 1952، المتزامن مع الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء الملك محمد الخامس عرش المغرب، والذي جاء فيه: “… الحماية الفرنسية بالمغرب مثل قميص أعد لطفل صغير، فكبر الطفل ونما وترعرع وبقي القميص على حاله”.

مهام الأمير الوسيم

في بداية الاستقلال، كان الأمير مولاي عبد الله يظهر كثيرا رفقة والده الملك محمد الخامس وأخيه الملك الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك)، إلا أنه لم يكن يضطلع بمهمات رسمية واضحة، ما عدا بعض التكليفات المناسباتية، مثلا سنة 1959، أشرف على تنظيم أول مهرجان للفولكلور بمدينة مراكش بمعية جملة من الشخصيات، منهم المهدي المنجرة وأحمد العلوي وعبد الحق الشرايبي مدير السياحة آنذاك، ولازال هذا المهرجان حيا يرزق بعد أن حظي بصيت عالمي واسع. ورغم قلة المهام الرسمية التي اضطلع بها الأمير مولاي عبد الله، إلا أنها كانت، على قلتها، بليغة الأهمية والخطورة، ومنها التمثيل الشخصي للملك الحسن الثاني بعد الانقلابين الفاشلين، والنيابة عنه عندما يكون مسافرا إلى الخارج، كما قام بتكليف من الملك بجملة من المهام الدبلوماسية البالغة الأهمية، ولعل أهم دور قام به الأمير مولاي عبد الله، في الظل، محاولاته الكثيرة والمتكررة في تلطيف حدة التوترات بين أقطاب الحركة الوطنية والأحزاب السياسية وأخيه الملك الحسن الثاني في لحظات حرجة اجتازها المغرب. ولا مناص الآن، من كشف هذه المجهودات القيمة التي قام بها الأمير الوسيم اعتبارا لأهميتها التاريخية وحيويتها، لاسيما، وهذا غالبا ما يتناساه الكثيرون، ذلك أن الأمير حضر مفاوضات إيكس ليبان وحضر المؤتمرات والقمم العربية والإفريقية وجملة من اللقاءات المهمة التي أجراها أخوه الملك الحسن الثاني، وآخرها لقاؤه مع الرئيس الجزائري الشاذلي، وفي سنة 1957 رافق والده، الملك محمد الخامس، إلى الولايات المتحدة وحضر مقابلته مع الرئيس ازنهاور بعد انخراط المغرب بالأمم المتحدة منذ 20 يوليوز 1956، وخلال هذه الزيارة ألقى الملك خطابا أمام الجمعية العامة بنيويورك يوم 9 نوفمبر 1957.

مغيب رغم ظهوره باستمرار

مولاي عبد الله العلوي.

رغم أن الأمير مولاي عبد الله ظل دائم الظهور على امتداد حياته، فإنه قل الكلام عنه في الإعلام وفي الكتابات الرسمية والتاريخية، فكل المغاربة، كبارا وصغارا، منذ حصول المغرب على الاستقلال إلى بداية الثمانينيات، يتذكرون ظهور الأمير الوسيم مولاي عبد الله على الدوام خلف والده الملك محمد الخامس أو على يمين شقيقه الملك الحسن الثاني، وذلك، قبل وبعد، ولادة الملك محمد السادس، ولي العهد آنذاك.

وقد برز الشعور بإرادة تغييب الأمير الوسيم مولاي عبد الله، مرة أخرى، بمناسبة هجوم عبد الحق المريني، مدير التشريفات والقصور الملكية، على الصحافة المستقلة، حينما تجاوز حده وحدوده ونصب نفسه للقيام بمهام لا يخولها له القانون، ضاربا مقتضيات الدستور أو متجاهلا لها، وهو (الدستور) الذي لا يقر بالتقاليد وإنما، فقط بالقانون وبالقاعدة القانونية، علما أن عبد الحق المريني لم يحرك ساكنا عندما كان موضوع بعض ما نشر ببعض الصحف بخصوص الأمير الراحل مولاي عبد الله، وكذلك الأمر بالنسبة لابنه الأمير مولاي هشام، أم أن التقاليد التي، يبدو، أنه “يقدسها” لا تعني هؤلاء. وقد اعتبر البعض أن هذا التصرف من بين المؤشرات الفاضحة لوجود رغبة لاستمرار تكريس تغييب الأمير مولاي عبد الله من تاريخ المغرب المعاصر.

علاقة الأمير بوالده

مولاي عبد الله العلوي.

حسب أغلب المقربين من دوائر العائلة الملكية والبلاط، ظل الأمير مولاي عبد الله، على امتداد حياته، قريبا جدا من والده الملك محمد الخامس، وبشهادة الجميع، كان الأمير مولاي عبد الله، الابن المدلل للملك محمد الخامس، بعد شقيقته الأميرة لالة أمينة، أصغر أبنائه وآخر “العنقود” كما يقال.

كان الأمير مولاي عبد الله قريبا دائما من أبيه حتى في أصعب اللحظات وأحرجها، ومنها عندما بدت بشائر تطويق القصر الملكي بالرباط بالدبابات، بأمر من القائد الأعلى للجيش الملكي، لإرغام الملك محمد الخامس على تنحية عبد الله إبراهيم من على رأس الحكومة وقتئذ وإعفائه من مهامه. وقد سجل التاريخ استياء الأمير مولاي عبد الله، الكبير بخصوص محاولة احتجاز شي غيفارا، رئيس الوفد الكوبي، بفندق “باليما” بالرباط. حسب العالمين بباطن الأمور، كان الأمير مولاي عبد الله سند والده الملك محمد الخامس في لحظات العسرة وانكسار خاطره، سواء بسبب أقرب المقربين إليه أو البعيدين منه.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأمير والحركة الوطنية

مولاي عبد الله العلوي.

ظلت علاقة الأمير مولاي عبد الله بالوطنيين المغاربة الأوفياء وقادة المقاومة وأعضاء جيش التحرير قائمة منذ البداية، وهذا بعلم والده الملك محمد الخامس، الذي كلفه، مرارا، بضمان التواصل مع بعضهم باسمه، كما كان يحمل إليهم رسائل الملك في أحلك الظروف التي مر منها المغرب، وقد قام بهذه المهام وهو في ريعان شبابه، وساعده على ذلك الابتعاد الظاهري عن أمور الحكم وأمور السياسة دون أن يثير فضول المخبرين وعيون الاستعمار الفرنسي المبثوثة بالقصر الملكي.

وفي هذا الصدد يقر جملة من قادة المقاومة والفداء، أن الأمير مولاي عبد الله كان يزودهم بجملة من المعلومات المرتبطة بالسلطات الاستعمارية وعملائها، الشيء الذي ساعد الفدائيين على التخطيط لعدة عمليات كان لها التأثير العميق على الركح السياسي وساحة النضال والكفاح، كما كشف الأمير الوسيم لأقطاب الحركة الوطنية عن أسماء جملة من المتعاونين مع الاستعمار الفرنسي وعملائه قصد اتخاذ جميع الاحتياطات بخصوصهم. بشهادة جملة من الوطنيين وأقطاب المقاومة أنفسهم، كان الأمير مولاي عبد الله يجتهد اجتهادا للتسلل من القصر الملكي بعد أن يتحين فرصة غفلة عيون الاستعمار ليتصل بالوطنيين ورجالات المقاومة واللقاء بهم لإبلاغهم برسالات شفوية واردة من والده الملك محمد الخامس.

الأمير والعالم العربي

صورة عائلية للملك عبد الله العلوي.

تأكد خلاف الأخوين، الملك الحسن الثاني والأمير مولاي عبد الله بخصوص علاقات المغرب مع العالم العربي، لاسيما بعد أن اختلف الملك مع الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، عندما شرع في بناء مخابراته على النمط السوفياتي آنذاك.

فمنذ أواسط السبعينيات إلى بداية الثمانينيات اعتمد الملك الحسن الثاني على أخيه الأمير مولاي عبد الله لتفعيل دعم العالم العربي لمواقف المغرب في جملة من القضايا، آنذاك كان الأمير يلعب دورا كبيرا في توطيد العلاقات بين المغرب والمشرق منذ 1963، حين عرفت البلاد أزمات سياسية واقتصادية قوية ما بين 1961 و1980، وفي هذا الصدد، ورغم أن الأمير كان بعيدا عن القضايا الأمنية والعسكرية، ساهم في إعداد ظروف بعث التجريدة المغربية إلى الجولان بسوريا وتجريدة أخرى إلى سيناء بمصر للمساهمة في الدفاع والتصدي للاعتداءات الإسرائيلية، وهذه من المهام التي قام بها الأمير مولاي عبد الله في الظل.

كما كلفه أخوه ببعض المهام في نطاق لجنة القدس التي كان يترأسها والتي أخذت على عاتقها إنقاذ مدينة القدس من مخططات التهويد.

موقع الأمير مولاي عبد الله في العهد الحسني

مولاي عبد الله العلوي.

في المغرب ظل الأمراء يحظون بوضع خاص في عرف الدولة العلوية، اجتماعيا يحتلون مراكز تخول لهم امتيازات عامة وأخرى خاصة بالعائلة الملكية، واقتصاديا يمكنهم بسهولة احتكار قطاعات بكاملها، وموقعهم هذا، من الناحية الاجتماعية ومن الناحية الاقتصادية يمكنهم من نفوذ، قد يكبر أو يصغر، وهذا النفوذ هو الذي يموقعهم في دواليب وآليات صناعة القرار السياسي، وبالتالي يحدد مدى مساهمتهم في تدبير شؤون السلطة والحكم. وحالة الأمير الراحل مولاي عبد الله تحكمت فيها ظروف تاريخية خاصة وتوترات قوية عرفتها البلاد، إذ يبدو أن قوة شخصية الملك الحسن الثاني، منذ شبابه، قد ساهمت في حجب الأمير مولاي عبد الله رغم استمرار ظهوره بجانب والده الملك محمد الخامس وبجانب شقيقه الملك الحسن الثاني بعد اعتلائه عرش البلاد.

فبعد الاستقلال سنة 1956 كلف الملك محمد الخامس ولي عهده الحسن الثاني آنذاك، بمهام سياسية وعسكرية جسيمة، فكان رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية وساهم بكثافة في تسيير الشؤون العامة للدولة بجانب والده الذي كلفه سنة 1960 بمهام، من المفروض أن تكون موكولة لرئيس الوزراء (الوزير الأول)، إذ اضطلع لفترة بمهمة وزير أول بعد عزل حكومة عبد الله إبراهيم، علما أن الملك الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك هو الذي فرض على والده تنحية عبد الله إبراهيم من على رأس الحكومة، ويقال إنه شرع في تطويق قصر الرباط بالدبابات لبلوغ هذه الغاية.

ورغم استمرار ظهوره بجانب والده الملك محمد الخامس، لم يضطلع الأمير مولاي عبد الله بمهام جسيمة، إلا نادرا جدا وبصفة مؤقتة وبذلك ظل محجوبا، وبالتالي لم يكن لديه وزن سياسي آنذاك، واستمر الوضع على هذا الحال في عهد شقيقه الملك الحسن الثاني، ما عدا لماما بخصوص بعض المهام التمثيلية التي كلفه بها الملك بعد محاولة انقلاب الصخيرات الفاشلة في صيف 1972، عندما عينه ممثلا شخصيا له.

عموما، سواء في عهد الملك محمد الخامس أو عهد الملك الحسن الثاني، لم يكن للأمير مولاي عبد الله وزن سياسي ظاهر للعيان.

زوجة أوفقير صديقة والدة الأمير مولاي عبد الله

حسب فاطمة الشنا، زوجة الجنرال محمد أوفقير، كانت والدة الأمير مولاي عبد الله من صديقاتها المقربات، لم تكن تفارقها على امتداد مدة ولوجها إلى القصر الملكي بعد أن سمح لها الملك محمد الخامس بالاقتراب من حريمه عندما تبنى ابنتها مليكة لمرافقة الأميرة لالة أمينة.

وتحكي مليكة أوفقير.. بمناسبة الاحتفال بالذكرى 25 لعيد العرش في عهد الملك محمد الخامس، نظم القصر الملكي بالرباط حفلا ضخما استدعى إليه الأعيان والموظفين السامين والمقربين من دائرة البلاط، ومن ضمنهم مرافقي الملك وزوجاتهم. في هذا الإطار كان محمد أوفقير وزوجته فاطمة الشنا من المدعوين لهذا الحفل.

آنذاك كان الملك محمد الخامس قد سمح لزوجة مرافقه، محمد أوفقير، بالاقتراب كثيرا من زوجاته وحريمه، ومنهم والدة الأمير مولاي عبد الله، التي أصبحت تفضل القرب منها، وبدأت تستدعيها يوميا وتشركها في حياتها الخاصة.

كانت زوجة محمد أوفقير لا تفارق الحريم، آنذاك كانت نساء البلاط لا يفارقن فضاء القصر ولا يخرجن، وكانت فاطمة الشنا غالبا ما تنوب عنهن في اقتناء ملابسهن بمحلات العاصمة ومواد التجميل وتلبي طلباتهن المختلفة، كما تحكي لهن أجواء الحياة خارج أسوار القصر الملكي.

مع مرور الوقت توطدت العلاقة بين فاطمة الشنا، وزوجتي الملك محمد الخامس، لالة عبلة “أم سميت سيدي” والدة ولي العهد آنذاك (الملك الحسن الثاني)، ولالة باهية والدة ابنة الملك المدللة، لالة أمينة المزدادة بالمنفى، بمدغشقر.

لحظات حرجة بجانب الملك

قضى الأمير مولاي عبد الله لحظات حرجة على متن البوينغ الملكية القادمة من باريس في صيف 1972، وهي تتعرض لهجمات طائرتي “ف 5″ تحت أوامر الكومندار الكويرة في السماء وتعليمات الكولونيل أمقران ببرج المراقبة بالقاعدة الجوية بالقنيطرة. عندما دخلت الطائرة الملكية الأجواء الوطنية، وبالضبط فوق سماء مدينة تطوان، أحاطت بها طائرات ف 5 لمرافقتها إلى مطار الرباط سلا كالعادة، وقتئذ، كان الملك الحسن الثاني جالسا على مكتبه بالطائرة والأمير مولاي عبد الله واقفا على يساره يتحدثان في أمور مفرحة، وأحداث طرأت بالديار الفرنسية، وبمجرد وصول الطائرة، سماء شاطئ مولاي بوسلهام استهدفت طائرتي ف 5 البوينغ الملكية وشرعت في إطلاق النار عليها، آنذاك كان الشقيقان لايزالان يتحدثان، الملك جالس في مكتبه والأمير بجانبه الأيسر، اكتسح دخان الفضاء، وسقطت فوق رؤوسهما كمامات الهواء… قام الملك وهم بمغادرة مكتبه، آنذاك كان الأمير قد سقط من جراء رجة قوية، مسك الملك بيده وساعده على القيام أمرا إياه بالاستقرار على مقعد وتثبيت حزام السلامة، ثم اتجه إلى مقدمة الطائرة، لكن الأمير مولاي عبد الله مسك إحدى الكمامات الهوائية وهو ينادي شقيقه قائلا: “عليك بوضع الكمامة.. خذ الكمامة..”

لم يلتفت الملك لما قاله الأمير فاتجه إلى مقصورة القيادة وانحنى على الطيار محمد القباج والطائرة متجهة بسرعة نحو الأسفل خارج تحكم الطيار. وبعد لحظة تمكن محمد القباج من التحكم فيها واستقر طيرانها، آنذاك اقترب الملك الحسن الثاني من أذن الطيار اليسرى ليقول له: “عليك إشاعة أنني أصبت إصابة خطيرة.. وأنك ستهبط الطائرة بالقاعدة الجوية”. وهذا ما كان، وبفعل هذه الخدعة أنقذ الملك حياته وحياة شقيقه الأمير مولاي عبد الله.

نصحني الأمير كيف أنمي دخلي الشهري

عندما علم الملك محمد الخامس أن طبيبه “فرانسوا كليري”، أصبح بدون دخل قار ومضمون، قرر تعيينه بظهير كطبيبه الخاص، وطلب من الوزير الأول تسوية وضعيته الإدارية والمادية على ضوء هذه الصفة. وبعد انتظار تبين أن الراتب الذي خصصته له خزينة المملكة غير كاف، لذلك عملت بعض عناصر العائلة الملكية، وعلى رأسهم الأمير مولاي عبد الله ولالة عبلة، على مساعدته لتحسين دخله وتنمية ثرواته.

من السبل التي استفاد منها الدكتور “كليري” بواسطة هؤلاء وعبرهم وبفضلهم، الاستفادة من عمولة مهمة يتسلمها من مزودي القصر الملكي والدولة المغربية بالسيارات وغيارها، وكانت هذه العمولة مرتبطة بكمية السيارات وأجزاء الغيار المسلمة وكما كانت مرتبطة بالتسهيلات المتعلقة بتخفيف الرسوم الجمركية أو الإعفاء منها. كما كان الدكتور “كليري” يستفيد، وبطريقة مسترسلة، من الأظرفة المالية التي دأب على توزيعها القائم على الشركة الشريفة للفوسفاط على أفراد العائلة الملكية والمقربين منهم، وقتئذ كان المدير العام لتلك الشركة، التي كانت تدير أهم ثروة طبيعية بالمملكة، يأتي أسبوعيا للقصر الملكي بالرباط ويوزع أظرفة تحوي مبالغ مالية على جميع أفراد العائلة الملكية والمقربين منهم، وعلى بعض الأشخاص حسب توصيات مسبقة، ومن ضمن هؤلاء، ظل اسم الدكتور “كليري” واردا لمدة طويلة ضمن لائحة المحظوظين الذين يتوصلون بأظرفتهم الأسبوعية.

“شلة” الأمير الوسيم

كانت ثلة من الأشخاص تحيط بالأمير مولاي عبد الله، وأغلب هؤلاء كانوا بعيدين عن دواليب السياسة ودوائر صنع القرار، ومهتمين بالأعمال أو ميسوري الحال يجتمعون في سهرات خاصة، لاسيما بالدار البيضاء بإحدى الفيلات الكائنة بعين الدياب والتي كان مكلفا بتدبيرها أحد المحسوبين على الأمن الوطني دون أن يمارس أي مهمة بالإدارة. ظل جملة من رفاقه في المعهد المولوي قريبين منه طوال حياته، علما أن قسمه كان يضم كل من عبد الرحمان الكوهن وعبد المجيد برادة وعلي بناني وعبد الرؤوف حجي وعبد الله الحريزي والمهدي العلوي وتوفيق بنسليمان والقباج والكراوي. وكان المحيطون بالأمير يحاولون استقطاب جملة من الشخصيات غير الرسمية إلى دائرته، لكن الوازنة، ومن هؤلاء الدكتور عمر الخطابي، إذ حاول أحد عناصر ثلة الأمير إدماجه في أوساط القصر الملكي وفي اللقاءات الحميمية، إلا أن الدكتور عمر الخطابي كان قوي الإرادة وسلك مسلكا آخر غير المسلك الذي اختارته له ثلة الأمير. وحسب مصدر عارف بخبايا الأمور، من القضايا التي كانت سببا في خلافات الأمير مع أخيه، أن جملة من المقربين كانوا يستغلون القرب منه ويفاوضون باسمه، وقد اكتشف الملك الحسن الثاني عدة أمور بهذا الخصوص، وظل يلومه، بشدة أحيانا، بخصوص علاقته مع بعض الأشخاص الذين ظلوا يسيؤون له.

وبعد وفاة الأمير، سطا جملة من الذين كانوا قريبين منه على جملة من أمواله وأملاكه، ومن هؤلاء شخصيات وازنة في الدولة، ورغم تدخل الملك الحسن الثاني بهذا الخصوص، تمكن الكثير من هؤلاء من السطو والاستحواذ على جملة من تركة الأمير، الذي كان يثق كثيرا في المحيطين به وأصبحوا الآن من أكبر الأثرياء بقدرة قادر بعد وفاته، ويكفي مساءلة هؤلاء “من أين لك هذا؟” لينكشف الأمر بسهولة، لكن الرغبة لم تكن حاضرة آنذاك للسير على هذا الدرب.

لاكوريدا عند السيدة صولانج

مولاي عبد الله العلوي على غلاف مجلة زمان المغربية.

في نهاية الخمسينيات كان الملك الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) يتردد على مطعم “لاكوريدا” من حين لآخر رفقة شقيقه الأمير مولاي عبد الله، وفي أحد الأيام وقع سوء تفاهم مع الملك الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) وصاحبة المطعم، “السيدة صولانج”، فتدخل شقيقه الأمير مولاي عبد الله قائلا: “أتعرفين مع من تتكلمين؟”، ومما جاء في جوابها: “أعرف أنكم أمير، لكن عليكم أن تعرفوا أن…”. كان الشقيقان يترددان في نهاية الخمسينيات على مطعم “لاكوريدا” التي استضافت كل المشاهير الذين زاروا الدار البيضاء آنذاك، فمن الفنانين زارها ايدي ميتشيل، جون ماري، بريجيت باردو، أزنا فور، جاك بريل، فيرنانديل وغيرهم، ومن السياسيين بنبلة وبنبركة، ومحمد أوفقير وإدريس البصري وأزولاي وأحمد العلوي… وتقول صاحبة المطعم: “استقبلت الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني (ولي العهد) وأخاه الأمير عبد الله في مطعمي…” وأضافت: “.. الجميع مر من مطعم “لاكوريدا”، فنانون وسياسيون ورجال أعمال ودبلوماسيون ومحامون، حتى بعض أعضاء منظمة “إيتا” الانفصالية وبعض كبار رؤوس المافيا مروا من هنا.. وهكذا كان حال الدار البيضاء آنذاك..” وصولانج مارمانو هذه هي التي فقدت زوجها في أحداث انقلاب الصخيرات سنة 1971، حيث كانت مكلفة برفقته بإعداد أكلة “البايا” لضيوف الملك الحسن الثاني في عيد ميلاده. آنذاك كانت بالقرب من الملك، وفي خضم الارتباك قصدها طفل، فحملته وضمته إلى صدرها، إنه الملك محمد السادس صغير السن آنذاك. دفن الأمير مولاي عبد الله 4904333-7318092في خريف 1983 تمت مراسيم دفن الأمير مولاي عبد الله بالضريح العلوي الموجود بجانب القصر الملكي بالمشور بالرباط، وبعد تشييد ضريح محمد الخامس بمسجد حسان، تم نقل جثمان الملك محمد الخامس إليه، وظل قبر ابنه الأمير مولاي عبد الله في مكانه رغم أن ضريح حسان كان قائما وقتئذ، الشيء الذي أثار أخذا وردا وسط العائلة الملكية، لاسيما من جانب والدة وعقيلة الأمير. وحسب أحد المصادر العليمة وصل الأخذ والرد بهذا الخصوص درجة من الحدة تسربت بعض تجلياتها خارج أسوار القصر، وفي نهاية المطاف تم الإعلان الرسمي عن نقل رفاة الأمير مولاي عبد الله إلى جانب والده بضريح حسان، علما أن جثمان والده محمد الخامس نقل إلى الضريح في 30 أكتوبر 1971.

الأمير والفرس العربي الأصيل

الأمير مولاي عبد الله العلوي.

اهتم الأمير الوسيم بتربية الحصان العربي الأصيل وتحسين سلالته عبر إشرافه على فضاءات تربية الحصان العربي الأصيل. عمل الأمير مولاي عبد الله على جلب الحصان العربي الأصيل من الشرق الأوسط، إما مباشرة من (أو عبر) فرنسا (فضاء “بامبادور” و”تارب”) أو تونس (“سيدي تابث”) أو الجزائر (“تيارت”)، وذلك عندما قرر الأمير الاهتمام بهذا النشاط بحرسه بعين عودة. كانت الانطلاقة مع الفرس “نادر”، نتاج التزاوج بين الحصان “برهان” الذي جلبه الأمير من مصر والفرس “مونى”. وبعد وفاة الأمير مولاي عبد الله في 1983، اهتم أخوه الملك الحسن الثاني بما بدأه شقيقه، وطور تربية الفرس العربي الأصيل في “الضويات” بفاس ثم في حرس بوزنيقة، الذي داع صيته الآن دوليا، وتم إحداث جمعية تهتم بتربية الخيول العربية الأصيلة سنة 1985، وكانت البداية بـ 60 فرسا إلى أن وصل عددها الآن إلى أكثر من 1200 فرس عربي أصيل.

خلاصة القول

مهما يكن من أمر، ظلت يدي الأمير الوسيم، مولاي عبد الله نظيفة، فلم يسبق أن ارتبط اسمه بأي تجاوز، مهما صغر أمره، بل ظل الوجهة التي يقصدها كل من صدت الأبواب في وجوههم، حتى بخصوص القضايا الشائكة والمستعصية التي لم يكن يقو أن يتجرأ أحد مجرد التلميح إليها للملك الراحل الحسن الثاني، ومنها إشكالية عائلة الجنرال محمد أوفقير، الذي أساء للأمير الوسيم كثيرا، حيث ساهم في تسميم علاقته مع أخيه الملك الحسن الثاني، ورغم ذلك ظل الأمير مولاي عبد الله يناشد أخاه الملك إلى آخر يوم في حياته كي يفرج عن زوجة أوفقير وأبنائه، وبذلك يكون قد رد على الإساءة بالجميل، وهذا أمر عرف على الأمير ولا يمكن أن ينكره أحد ممن كانوا قريبين منه وأساءوا إليه أو أخطأوا في حقه، لقد كان دائما يصفح عنهم.

لم يسبق أن سجل على الأمير مولاي عبد الله أنه ساند اعتقال أو اختطاف أو تعذيب أو جور أحد أو دافع عن جلاد أو ناهب مال الشعب أو تستر على فساد، فما يمكن مؤاخذاته عليه هو أنه كان كثير المغفرة عند المقدرة، وهذا ما جلب له الكثير من المتاعب، ورغم ذلك ظل العفو والصفح من صفاته الأساسية، كان رحيما حتى على من أخطأوا في حقه وأساؤوا إليه حتى أقرب المقربين له. وفي هذا المضمار، قد يتساءل المرء، هل التاريخ يعيد نفسه؟ وهل لازالت هناك بقايا لجيوب مقاومة التغيير الإيجابي للمغرب، لاسيما وأن بعض وسائل الإعلام تكلمت عن بعض تحفظات الأمير مولاي رشيد بخصوص جملة من قضايا تدبير الشأن السياسي للبلاد؟

لقاء مع مصطفى العلوي صحفي

مولاي عبد الله العلوي والملك حسين.

ظل الأمير على عادته دون أن تؤثر عليه مظاهر النفوذ والسلطة يعتبر مصطفى العلوي، قيدوم الصحفيين، من الرعيل الأول الذي غامروا بامتهان الصحافة المستقلة في وقت كانت فيه حرية الصحافة والتعبير حلما عسير التحقيق. ومن موقعه هذا، كصحفي مستقل، في وقت كانت فيه الصحافة صنفين لا ثالث لهما، إما حزبية حتى النخاع وإما موالية للدولة… تابع من قلب الأحداث، وبرؤية مختلفة، مجمل اللحظات العصيبة التي مر منها المغرب، قام بذلك بتتبع خبايا الكواليس وأدى عن ذلك ضريبة الجرأة والشجاعة الصحفية. من هذه الخلفية يحدثنا مصطفى العلوي مليا عن الأمير الوسيم، مولاي عبد الله، شقيق الملك الحسن الثاني الابن الثاني للملك محمد الخامس. - من هو الأمير الراحل مولاي عبد الله؟ - + الأمير الراحل مولاي عبد الله، هو الولد الثاني للملك المرحوم محمد الخامس، إذن فهو الشريك الثاني في كل ما عرفه المغرب من أحداث سنة 1952، وهو ذلك الشاب الذي رأيناه في الصور، يغادر القصر الملكي المحاط بالدبابات الفرنسية، وهو يتبع والده الملك محمد الخامس، وأخاه الملك الحسن الثاني ونرى رجليه حافيتين حتى من الجوارب، لأنه كان يلبس فقط لباس النوم، وضع عليه جلباب وغادر القصر مع عائلته في اتجاه المنفى. - كيف كان موقع الأمراء والأميرات تحت الاحتلال الفرنسي والإسباني؟ + لم يثبت لا في التاريخ ولا في الوثائق الفرنسية والإسبانية، أن كان للأمير مولاي عبد الله أية علاقة مع هذه السلطات وإن كنا رأينا أخاه الأمير مولاي الحسن، لابسا الزي العسكري، وهو على ظهر الباخرة الفرنسية جان دارك، أو جالسا بجانب والده محمد الخامس، مع رؤساء دول الحلفاء، في مؤتمر أنفا بالدار البيضاء، دوكول وروزفلت وتشرشل، فإن الأمير مولاي عبد الله لم يكن يظهر إلا نادرا، وربما لم يكن سنه يسمح له بالتدخل.

- ما هو الموقع الذي كان يحتله الأمير الراحل مولاي عبد الله في عهد الملك الراحل محمد الخامس؟ وما هي طبيعة علاقاته مع والده وشقيقه؟ + من المؤكد أن مولاي عبد الله كان هو الولد المدلل عند أبيه محمد الخامس، الذي لم يكن يرفض له طلبا.. ولم يسجل أحد من الملاحظين يوما أن رآه ينهر ولده الثاني، بقدر ما كانت العلاقات متوترة في بعض الأوقات بين الملك محمد الخامس وولده الملك الحسن الثاني، الذي كان يتمتع بشخصية قوية، وهو الذي نظم شبه انقلاب على حكومة محمد الخامس التي كان يرأسها المرحوم عبد الله إبراهيم. - إذا طولبتم بمقارنة بين الملك الراحل الحسن الثاني وشقيقه الأمير الراحل مولاي عبد الله، كيف سيكون ردكم؟ + مرة أخرى، الحسن الثاني كان قوي الشخصية، ومهووسا بشخصية نابليون منذ صغره، بينما الأمير عبد الله أقرب شبها بوالده المرحوم محمد الخامس، كان هادئا بقدر ما كان مولاي الحسن عصبيا، كان بشوشا بقدر ما كان أخوه الحسن قاسيا.. وقد أتى زمن الحسن الثاني عند شبابه ليصبح ملكا بينما بقي أخوه مولاي عبد الله على عادته دون أن تؤثر عليه مظاهر النفوذ والسلطان، التي لها من الآثار السلبية، أكثر مما لها من الجوانب الإيجابية.

- هل كان الأمير الراحل مولاي عبد الله يهتم بالشأن السياسي بنفس القدر الذي كان مهتما به شقيقه الملك الراحل الحسن الثاني؟ + ما كتب عن الجوانب السرية في حياة الأمير مولاي عبد الله، هو ما ظهرت آثاره على علاقته بأخيه الملك الحسن الثاني، فعند توتر العلاقات بين الملك الحسن الثاني والمعارضة الاتحادية، حصلت مخابرات أوفقير على حجج تؤكد اجتماعات سرية بين الأمير عبد الله وبعض أقطاب المعارضة، وربما عبد الرحيم بوعبيد، والفقيه البصري، الشيء الذي جعل الكاتب الفرنسي ستيفان سميت يكتب أن أوفقير، وأمام شهود عيان هدد الأمير مولاي عبد الله بالقتل، وقال له: مولاي إني أحبك كثيرا، ولكن لا أحب أن تتصل بالمعارضة وتغدر بأخيك، وإذا فعلت ذلك فإنني سأقتلك. - كان الأمير الراحل مولاي عبد الله أقرب من شقيقه الملك الراحل الحسن الثاني بالعالم العربي والمشرق، هل سبب هذا خلافا بينهما؟ + قرابة الأمير مولاي عبد الله من المشرق العربي ترجع أولا إلى مصاهرته أكبر العائلات الشرقية التي فرضت نفسها على تاريخ السياسة في سوريا ولبنان،، عائلة الزعيم رياض الصلح، التي لو كانت موجودة بنفس النفوذ الآن في لبنان، لما كان هناك صراع داخلي في بلاد الأرز، واختار الأمير مولاي عبد الله بنت هذا الزعيم، وجر والده محمد الخامس ليركب الطائرة، ويذهب إلى بيروت ليخطب له لمياء ابنة رياض الصلح. - قبيل الإعلان عمن سيضطلع بمهمة ولاية عهد الملك الراحل محمد الخامس، هل فعلا تم اقتراح الأمير الراحل مولاي عبد الله من طرف بعض الأعيان والمسؤولين آنذاك؟ + طبعا عندما كان الملك محمد الخامس في المنفى، وفرضت المقاومة المغربية رجوعه حاولت أطراف استعمارية، أن تفرض حلا وسطا باقتراح مولاي عبد الله لصغر سنه، ملكا على المغرب، ليعود للرباط، كشرط لاسترجاع محمد الخامس حريته، وبذلك كان الفرنسيون يريدون استبعاد الحسن الثاني الذي كانوا يعرفون خطورته في التعايش معهم. - قيل إن الأمير الراحل مولاي عبد الله، كان يفضل الابتعاد عن أمور السياسة وشؤون الحكم، فهل هذا ما يشكل السبب الرئيسي لابتعاده عن هذا المجال؟ + الأمير مولاي هشام، ولد الأمير مولاي عبد الله، ورث عن أبيه هذه الحكمة التي تقول بأن الحكم هو مرتع المشاكل ومجلبة صداع الرأس، والحقيقة أن أكثر الناس عرضة للمتاعب والخطر وصداع الرأس، هو الملك، وأن أميرا يعيش في الخفاء بين الناس مكلفا بعائلته الصغيرة هو أكثر أمانا وأسلم طريقا، لذلك لم يكن الأمير عبد الله راغبا لا في ملك، ولا الخوض في مشاكل السياسة.


مولاي عبد الله العلوي وزوجته لمياء الصلح.

- هل سبق للأمير الراحل مولاي عبد الله أن اضطلع بمهام في عهد والده أو عهد شقيقه الملك الراحل الحسن الثاني؟ + الأمير مولاي عبد الله عين في 19 يونيو 1972، ممثلا شخصيا للملك، وهو قرار حكيم للملك الحسن الثاني الذي قدمه للرأي العام بقوله: “لقد اخترت ممثلا شخصيا لما يتوفر عليه من خصال الخبرة الصالحة، والتجربة الواسعة والمعالجة الذكية المتبصرة لكبريات الأمور، ولما أوتيه من جميل التأني وراجع النظر”. وفعلا كان يحضر بجانب أخيه اجتماع مجلس الوزراء، وعندما حدث انقلاب 16 غشت بضعة شهور بعد تعيينه ممثلا شخصيا للملك، شارك في المجلس الوزاري الذي أعقب الانقلاب، وكان له دور كبير في قلب الرأي العام الدولي حينما صرح لإذاعة فرنس انتير ليلة يوم الانقلاب بأن الحالة عادت إلى نصابها وأن الجيش لم يشارك في الانقلاب، كما أنه في 26 ماي 1973، سافر إلى أديس أبابا نيابة عن الملك ليحضر مؤتمر القمة الإفريقي العاشر. مولاي عبد الله وقبل موته بصم الوضعية السياسية بموقفين أساسيين: أولا: إنه قدم استقالة مكتوبة بخط يده، بعد أن يئس من كبح جماح أخيه الملك الحسن الثاني. ثانيا: إنه قبل وفاته، وهو على فراش المرض طلب من أخيه إطلاق سراح أفراد عائلة أوفقير. لقاء مع عبد الجليل البوصيري مقاوم كثيرون هم الذين أساؤوا للأمير مولاي عبد الله في دردشة مع عبد الجليل البوصيري وجد أن الأمير مولاي عبد الله ظل معروفا بطيبوبته وتواضعه، وقريبا على الدوام من والده وأخيه الملك الحسن الثاني، في السراء والضراء. قبل إجراء مفاوضات “سان كلو” و”إيكس ليبان”، جرت عدة محادثات بخصوص من سيحكم المغرب، وفي هذا الإطار طرحت جملة من الاحتمالات صادرة عن سلطات الاحتلال الفرنسي، منها إبعاد الملك واقتراح إقامته معززا مكرما بالديار الفرنسية مع ضمان كل ظروف الحياة اللائقة بملك، أو إبعاد الملك وولي عهده وتعيين ابنه الأصغر، الأمير مولاي عبد الله ملكا تحت وصاية مجلس للعرش، إلا أن هذه التخريجات تكسرت بفعل الوحدة المتينة للعائلة الملكية، وقد دارت مثل هذه الأحاديث في زيارة المحامي “إيزار” الفرنسي للملك محمد الخامس بمنفاه.

آنذاك كانت جملة من الجرائد الفرنسية، اجتهدت لإشاعة مثل هذه التخريجات، لأن الفرنسيين المتطرفين كانوا يكنون أكبر العداء لولي العهد وقتئذ (الملك الحسن الثاني)، وحاولوا ذلك بجميع الوسائل؛ وفي هذا الإطار روجت بعض الصحف لفكرة تنصيب الأمير مولاي عبد الله كسبيل لإبعاد الملك الحسن الثاني، إلا أن مثل هذه الأفكار سرعان ما اندثرت ولم يعيرها أحد أي اهتمام. وظلت علاقة الأمير مولاي عبد الله بأقطاب الحركة الوطنية وبالقادة السياسيين حسنة، قوامها الاحترام والتقدير على امتداد حياته، لذا كان يلعب دور السفير والدبلوماسي المحنك بينهم وبين الملك، لاسيما عندما تتشنج العلاقات بين القصر والأحزاب وفي أصعب اللحظات التي اجتازتها البلاد، فكلما كانت تلك العلاقات تتوتر، يتدخل الأمير مستغلا ارتباطاته الطيبة مع الأقطاب السياسية، وغالبا ما كان ينجح في هذه المهمة بفعل التقدير الذي كان يحظى به لديهم، وقد رأى بعض المقربين للملك الحسن الثاني والمحيطين به، في هذه العلاقة وهذا التقدير، خطرا عليهم، لذا تفننوا في تسميم الروابط بين الأخوين. فالأمير مولاي عبد الله كان على علاقة وطيدة وطيبة بعبد الحفيظ القادري، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ووزير سابق، وكذلك بنقيب المحامين اعبابو وزوجته ثريا بنت عبد القادر برادة، باشا مدينة فاس. وظلت علاقات الأمير بعبد الحفيظ القادري قوية رغم توتر العلاقة بين الملك وحزب الاستقلال عندما أصبح معارضا. ولعب الأمير تقريبا نفس الدور في الشرق الأوسط اعتبارا لعلاقاته الطيبة مع رجالاته وقادة البلدان العربية لاسيما في نهاية الستينيات والسبعينيات. هذا الدور الذي كان يلعبه الأميرـ سبب له جملة من المتاعب، إذ أن بعض المحيطين بالملك الحسن الثاني شعروا بأن ما يقوم به الأمير في هذا المضمار يشكل عليهم خطرا، فحاولوا افتعال المشاكل بين الأخوين، لاسيما القريبين من الجنرال أوفقير وأعوانه. وكان معروفا عن الأمير مولاي عبد الله تعلقه بأصدقاء طفولته وشبابه، لاسيما الذين درسوا معه في المعهد المولوي، ومنهم عبد الحق القادري وجنان، وكان هذا الأخير قائما على جملة من مصالحه، ورغم أن الكثيرين من المقربين للأمير أساؤوا له، فإن الأمير مولاي عبد الله ظل عفوا عنهم وكان يغفر للمخطئين في حقه بسهولة. وقد استغل بعضهم طيبوبة الأمير والقرب منه واستعملوا اسمه لقضاء مآربهم والاستيلاء على شركات وعقارات والسطو على أراضي فلاحية باسمه وبدون علمه، وقد انفضح أمر بعضهم عندما انكشفت بعض القضايا مثل محاولة السطو على أراضي أولاد خليفة، كما أن جملة من شركائه تنكروا لذلك، وبذلك ضاع جزء كبير من أمواله وأملاكه، وهذا ما دفع أخاه الملك الحسن الثاني بعد وفاته إلى البحث عن الكثير من الذين كانوا يتصرفون في أموال وعقارات أخيه الراحل، عندما اكتشف أنهم نصبوا عليه.


الأمير عبد الله العلوي ولمياء الصلح في حفل زفافهما.

ومن أسباب الخلافات بين الأمير والملك، أن هذا الأخير لم يتفهم قبول صفح أخيه عمن كانوا يسيئون له، إذ كان يغفر لهم بسهولة، وكان هذا موضوع خلاف بينهما، ومن النوازل التي أقلقت الملك بهذا الخصوص محاولة بعض المقربين من الأمير السطو على أراضي لإقامة تجزئات وضيعات باسمه وتوهيم أصحابها والقائمين عليها أن الأمير هو الذي يرغب فيها، ومنها أرض بلمنصور بالفوارات وأرض أولاد خليفة التي أثارت ضجة كبيرة في فجر السبعينيات وسقط بسببها فلاحون بفعل القمع الدموي الذي أشرف عليه الجنرال محمد أوفقير، وارتبطت هذه القضية بوسيط يدعى “لوموان”، كما انكشفت قضية سطو باسم الأمير ودون علمه تورط فيها الكولونيل بوبكر.

كان جل المقربين من الأمير والمحيطين به يتاجرون باسمه، ورغم علمه بتصرفات بعضهم وانكشاف أمرهم لم يسبق للأمير مولاي عبد الله أن كان سببا في إيذاء أحد منهم.

وكان الأمير رجلا يهتم بالرياضة والرياضيين، ظل رئيسا شرفيا للفتح الرباطي وقريبا منه جدا منذ نعومة أظافره، إذ كان من مؤسسيه، كما كان على علاقة بجميع الفرق، لاسيما الوداد والنادي القنيطري، وبقي قريبا من العصبة الحرة لكرة القدم التي كان يترأسها بلكورة.

وخلافا لما يشاع كان الملك الحسن الثاني يشرك أخاه الأمير مولاي عبد الله في القرارات الكبرى رغم خلافهما في بعض القضايا، لكن الأمير كان على الدوام ينضبط لأخيه الملك ولرؤيته بخصوص الأمور الكبرى، وقد كان حاضرا إلى جانب لالة عبلة والجنرال عبد الحفيظ عندما جاء الجنرال محمد أوفقير إلى القصر الملكي مساء فشل الهجوم على الطائرة الملكية في 16 غشت 1972.

حياته الشخصية

في 9 نوفمبر 1961، تزوج لمياء الصلح، ابنة رياض الصلح، أول رؤساء وزراء لبنان. أنجبا مولاي هشام ومولاي إسماعيل، وهما أبناء خال الأمير السعودي الوليد بن طلال.

الهامش

  1. ^ "دعوة الحق - نظرة عن مناقب ملوك الدولة العلوية الشريفة". Retrieved 2019-04-25. {{cite web}}: Cite has empty unknown parameter: |(empty string)= (help)
  2. ^ {{cite book}}: Empty citation (help)

المصادر