المدارس في عصر محمد علي

عنى محمد علي بنشر التعليم على اختلاف درجاته من عال الى ثانوي الى ابتدائي، ويتبين من مقارنة تاريخ المنشات العلمية انه عنى اولا بتاسيس المدارس العالية وايفاد البعثات، ثم وجه نظره الى التعليم الابتدائي، ونعم ما فعل ، لان الامم انما تنهض اولا بالتعليم العالي الذي هو اساس النهضة العلمية.[1]

وقد اراد بادئ الامر ان يكون طبقة من المتعلمين تعلما عاليا يستعين بهم في القيام باعمال الحكومة والعمران في البلاد، وفي نشر التعليم بين طبقات الشعب، وهذا هو التدبير الذي برهنت عليه التجارب انه خير ما تنخض به الامم، وقد ساعد على تكوين طبقة تعلمت تعلما عاليا قبل انشاء المدارس الابتدائية والثانوية ان الازهر كفل امداد المدارس العالية والبعثات بالشبان المتعلمين الذين حازوا من الثقافة قسطا يؤهلهم لتفهم دروس المدارس العالية في مصر او في اوروبا، فكان الازهر خير عضد للتعليم العالي.[2]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مدرسة الهندسة بالقلعة

ويبدو لنا ان اول ما فكر فيه محمد علي من بين المدارس العالية مدرسة الهندسة، وهذا يدلك على الجانب العملي من تفكيره، فانه راى البلاد في حاجة الى مهندسين لتعهد اعمال العمران فيها، فبدا بتعليم الهندسة.


وظاهر مما ذكره الجبرتي في حوادث 1231 هـ (1816 م) ان اول مدرسة للهندسة بمصر يرجع عهد تاسيسها الى تلك السنة، وذلك ان احد ابناء البلد على حد تعبير الجبرتي واسمه حسين شلبي عجوة، اخترع الة لضرب الارز وتبييضه، وقدم نموذحا الى محمد علي، فاعجب بها وانعم على مخترعها بمكافاة، وامره بتركيب مثل هذه الالة في دمياط، واخرى في رشيد، فكان هذا الاختراع باعثا لتوجيه فكره الى انشاء مدرسة للهندسة، فانشاها في القلعة.


رواية الجبرتي

قال الجبرتي: "ان الباشا لما راى هذه النكتة من حسين شلبي هذا قال ان في اولاد مصر نجابة وقابلية للمعرفة، فامر ببناء مكتب (مدرسة) بحوش السراية (بالقلعة) ورتب فيه جملة من اولاد البلد، ومماليك الباشا، وجعل معلمهم حسن افندي المعروف بالدرويش الموصلي، يقرر لهم قواعد الحساب والهندسة وعلم المقادير والقياسات، والارتفاعات. واستخرج المجهولات مع مشاركة شخص رومي (تركي) يقال له روح الدين افندي، بل واشخاصا من الافرنج، واحضر لهم الات هندسية متنوعة من اشغال الانجليز ياخذون بها الابعاد والارتفاعات والمساحة، ورتب لهم شهريات وكساوى في السنة، واستمروا على الاجتماع بهذا المكتب، وسموه مهندسخانة، في كل يوم من الصباح الى بعد الظهيرة، ثم ينزلون الى بيوتهم ويخرجون في بعض الايام الى الخلاء لتعلم مساحات الاراضي وقياساتها بالاقصاب وهو الغرض المقصود للباشا".

فهذه بعينها هي مدرسة الهندسة أو المهندسخانة بما فيها من دروس الرياضة والهندسة وما اليها، وتلاميذها يتعلمون مجانا وترتب لهم رواتب شهرية وكساوى ولها اساتذة من امثال حسن افندي الدرويش الموصلي وروح الدين افندي "بل واشخاص من الافرنج" كما يعتبر الجبرتي.

وقد دعا الجبرتي الى الكلام عن هذه المدرسة في ترجمة حسن افندي الدريوش المتوفى سنة 1231 هـ فقال: "لما رغب الباشا في انشاء محل لمعرفة علم الحساب والهندسة والمساحة تعين المترجم رئيسا ومعلما لمن يكون متعلما بذلك المكتب، وذلك انه تداخل بتحيلاته لتعليم مماليك الباشا الكتابة والحساب ونحو ذلك، ورتب له خروجا وشهرية ونجب تحت يده المماليك في معرفة الحسابات ونحوها، واعجب الباشا ذلك فذاكره وحسن له بان يفرد مكانا للتعليم، ويضم الى مماليكه من يريد التعليم من اولاد الناس ، فامر بانشاء ذلك المكتب واحضر اليه اشياء من الات الهندسة والمساحة والهيئة الفلكية من بلاد الانجليز وغيرهم، واستجلب من اولاد البلد ما ينيف على الثمانين شخصا من الشبان الذين فيهم قابلية التعليم، ورتبوا لكل شخص شهرية وكسوة من اخر السنة، فكان يسعى في تعجيل كسوة الفقير منهم ليتجملوا بها بين اقرانه، ويواسي من يستحق المواساة، ويشتري لهم الحمير مساعدة لطلوعهم ونزولهم الى القلعة، فيجتمعون للتعليم في كل يوم من الصباح الى بعد الظهر واضيف اليه اخر حضر من اسلامبول له معرفة بالحسابيات والهندسيات لتعليم من يكون اعجميا لا يعرف العربية مساعدا للمترجم في التعليم يسمى روح الدين افندي، فاستمر نحوا من تسعة اشهر ومات المترجم وافنرد برياسة المكتب روح الدين افندي".

هذا ما ذكره الجبرتي ، ومنه يؤخذ قطعا ان اول مدرسة للهندسة انشئت سنة 1816 بالقلعة، وبذلك تكون هذه المدرسة اول مدرسة عالية انشئت في عصر محمد علي، لان المدارس الاخرى انشئت بعد ذلك التاريخ، ويؤخذ من كلام الجبرتي ان التعليم فيها كان مجانيا، وكانت الحكومة تؤدي رواتب شهرية لتلاميذها، وكذلك كان شانها في كل المدارس التي انشئها، ويفهم ايضا من كلام الجبرتي ان انشاء هذه المدرسة راجع الى ما ظهر من المصريين من المواهب في الكفاءة والابتكار، فان ما راته محمد علي من حسين شلبي اذ وافق الى هذا الاختراع، او النكتة، كما يقول الجبرتي، جعله يفكر في انشاء المدرسة، فحسن استعداد المصريين وذكاؤهم الفطري كانا من اعظم ما حفز همة محمد علي الى انشاء المدارس في مصر.

ويحصل من رواية الجبرتي ان مدرسة الهندسة كان بها مدرسون من الافرنج، ولعل هذه المدرسة هي التي يشير اليها الامر الصادر من محمد علي باشا بتاريخ 4 ذي الحجة سنة 1235 (12 سبتمبر سنة 1820) الى كتخدا بك بتعيين احد القسس لاعطاء دروس في اللغة الطليانية والهندسة لبعض تلامذتها وان يخصص له محل للتدريس في القلعة، والهيا ايضا يشير الامر الصادر بتاريخ 16 سبتمبر من تلك السنة بتعيين الخواجة قسطي بمدرسة المهندسخانة لتدريس الرياضة والرسم بها.


مدرسة المهندسخانة ببولاق

والظاهر ان مدرسة القلعة لم تف على مر السنين بحاجات البلاد الى المهندسين ، أو ان برنامجها لم يكن وافيا بالمرام، فانشا محمد علي في سنة 1834 مدرسة اخرى للمهندسخانة في بولاق، وعين ارتين افندي احد خريجي البعثات العلمية وكيلا لها، ثم تولى نظارتها يوسف حاككيان افندي احد خريجي البعثات ايضا، وفي سنة 1838 اسندت نظارتها يوسف لامبير بك لغاية سنة 1840 اذ تولاها علي مبارك بك (باشا)، وهذه المدرسة من اجل وانفع المدارس التي انشاها محمد علي باشا، ومنها تخرج عدد كبير من المهندسين الذين خدموا البلاد خدمات جليلة، ومحمود باشا الفلكي، ودقة بك ، وابراهيم بك رمضان، واحمد بك فايد وسلامة باشا.

مدرسة الطب

اسس محمد علي مدرسة الطب سنة 1827 اجابة لاقتراح الدكتور كلوت بك، وكان مقرها في اول عهدها بابي زعبل لوجود المستشفى العسكري بها من قبل، فانشئت المدرسة بالمستشفى اذ كان اليق مكان في ذلك الحين لايواء المدرسة لتوافر وسائل التعليم الطبي والتمرين، والغرض منها تخريج الاطباء المصريين للجيش، ثم صار الغرض عاما بان صار الاطباء يؤدون الاعمال الصحية للجيش وللبلاد عامة.

واختارت الحكومة للمدرسة مائة تلميذ من طلبة الازهر، وتولى ادارتها وادارة المستشفى الدكتور كلوت بك، فاختار لها طائفة من خيرة الاستاذة الاوروبيين ومعظمهم من الفرنسيين يدرسون علوم التشريح والجراحة، والامراض الباطنية، والمادة الطبية، وعلم الصحة، والصيدلة، والطب الشرعي، والطبيعة، والكيمياء، والنبات، وكان فيها اساتذة اخرون لتدريس اللغة الفرنسية للتلاميذ الازهريين.

وقد بذلك كلوت بك جهودا صادقا للنهوض بالمدرسة والسير بها الى ذروة النجاح، واعترتضه صعوبا جمة واهمها لغة التعليم، فقد كان المقرر جعل التعليم باللغة العربية، ولكن الاساتذة كانوا يجهلون تلك اللغة، فاختير لهم مترجمون يجيدون اللغتين الفرنسية والعربية، فكان المدرس ياتي الى الفرقة ومعه المترجم فيلقي الدرس بالفرنسية وينقله المترجم الى العربية، ويكتبه التلاميذ بخطوطهم في كراريسهم.

ثم صار المترجمون يختارون من بين اوائل تلاميد المدرسة الذين تعلموا اللغة الفرنسية في ساعات فراغهم وفي معهد الحق خصيصا بالمدرسة لتعلم تلك اللغة، لكن هذا المعهد لم يلبث ان الغي.

والحق بالمستشفى حديقة للنبات فيها كل ما تنب الارض من العقاقير والنباتات النادرة. وبعد خمس سنوات من انشاء المدرسة تخرجت الطائفة الاولى من تلاميذها، فوزعوا على المستشفيات وفيالق الجيش، واختير من بينهم المتفوقين على اقرانهم وهم عشرون، فابقي منهم ثمانية في المدرسة في وظيفة معيدين للدروس، وارسل الاثنا عشر الباقون الى باريس لاتقان علومهم واتمامها، فلما عادوا عينوا اساتذة في المدرسة، وهم الذين تالفت منهم البعثة العلمية الرابعة كما سيجئ بيانه.

ذكر المسيو مانجان ان عدد تلاميذ مدرسة الطب بلغ سنة 1837 140 طالبا و50 طالبا في مدرسة الصيدلة، ووصف مستشفى ابي زعبل، فقال انه احتوى على 720 سريرا، وان غرفة منسقة تنسيقا بديعا، يتخللها الهواء الطلق، وتسودها النظافة حيث عهد الى مدرسي مدرسة الطب ملاحظة خدمة المستشفى فجمعوا بين التدريس وملاحظة المستشفى.

ثم نقلت المدرسة ونقل معها المستشفى الى مصرسنة 1837، واختير لها قصر العيني فصارت المدرسة والمستشفى اقرب الى القاهرة وادعى الى نشر التعليم الطبي ومعالجة المرضى.

مدرسة الصيدلة ومدرسة الولادة

والحقب بمدرسة الطب مدرسة خاصة للصيدلة، ثم مدرسة للقابلات والولادة واختيرت لهذه الاخيرة طائفة من السودانيات والحبشيات تعلمن فيها اللغة العربية وفن الولادة والحق بمدرستهم مستشفى صغير للنساء ثم نقلت المدرسة من ابي زعل الى القاهرة.

كلوت بك

هو كما ترى صاحب الفضل الكبير على النهضة الطبية الحديثة في مصر، ولد في مدينة جرينوبل بفرنسا سنة 1793 من ابوين فقيرين، ولما ترعرع اكب على الدرس على ما كان فيه من عوز وفاقة، وتعلم الطب واضطر ان يشتغل صبيا عند حلاق بمرسيليا ليتابع دروسه، ولم يزل مكبا على تعلم الطب الى ان اخذ اجازته وعين طبيبا ثانيا في مستشفى الصدقة بمرسيليا، ثم انفصل عن هذا المنصب، ومارس مهنة الطب في تلك المدينة الى ان تعرف الى تاجر فرنسي كان محمد علي عهد اليه ان يختار له طبيبا للجيش المصري، فرغب اليه قبول هذه المهمة فرضى بها وجاء مصر سنة 1825، وكان عل اخلاق فاضلة وعزيمة صادقة، فعهد اليه محمد علي تنظيم الادارة الصحية للجيش المصري المنشاة حوالي سنة 1820، وجعله رئيس اطباء الجيش فعنى بتنظيم هذه الادارة عناية تامة، ولما كانت الخانكة حين مجيئه الى مصر مقرا للمعسكر العام للجيش اشار على محمد علي باشا بانشاء مستشفى عسكري بابي زعبل بجوار المعسكر العام، فانفذ محمد علي اقتراحه وانشا المستشفى الذي صار فيما بعد مستشفى عاما لمعالجة الجنود وغيرهم ونموذجا للمستشفيات التي انشئت من بعده، ثم خطر له ان ينشئ بجوار المستشفى المذكور مدرسة لتخريج الاطباء من ابناء البلاد، فعمل محمد علي باقتراحه وانشا بابي زعبل سنة 1827 مدرسة الطب التي صارت مبعث النهضة الطبية في مصر، وتولى كلوت بك ادارتها ثم نقلت المدرسة ومعها المستشفى الى قصر العيني سنة 1837 كما رايت في سباق الكلام، ولكلوت بك كثير من المؤلفات الطبية ترجم معظمها خريجو مدرسة الطب، وقد اسس مجلسا للصحة على النظام الفرنسي كان له فضل كبير في النهوض بالحالة الصحية للبلاد وعنى بتنظيم المستشفيات وانشا مجلس الصحة البحري في الاسكندرية.

وقد بذل جهودا صادقة في ترقية حالة البلاد الصحية ومقاومة الامراض، وهو الذي اشار باستعمال تطعيم الجدري لمقاومة انتشار هذا المرض في القطر المصري بعد ان كان يودي بحياة نحو ستين الفا من الاطفال كل عام، وكافح هو وتلاميذه وباء الكوليرا الذي وقع بمصر سنة 1830، وقد سر محمد علي لما بذله من جهود في مقاومة هذا الوباء فانعم عليه بالبكوية فصار يعرف بكلوت بك.

وبذل ايضا جهودا كبيرة في مقاومة الطاعون الذي حل بالبلاد سنة 1835 وانعم عليه لهذه المناسبة برتبة امير لواء.

ولما تولى عباس باشا الاول اضمحلت مدرسة الطب وعاد كلوت بك الى فرنسا، ثم اقفلت المدرسة في عهد سعيد باشا وانتظم تلاميذها في سلك الجيش، غير ان سعيد باشا عاد واعتزم فتحها فاستدعى كلوت بك من فرنسا واعيد فتح المدرسة سنة 1856 باحتفال فخم، غير ان كلوت بك قد ضعفت صحته فارتحل الى فرنسا سنة 1858 واقام بها الى ان وافته المنية في اغسطس سنة 1868.

مدرسة الالسن

انشئت سنة 1836 مدرسة الألسن (مكان فندق شبرد الآن 1930 تاريخ الطبعة الاولى) وهي التي تولى نظارتها رفاعة بك رافع سيجئ الكلام عنه في ترجمته.

بقية المدارس العالية والخصوصية

  • مدرسة المعادن بمصر القديمة أسست سنة 1834
  • مدرسة المحاسبة بالسيدة زينب أسست سنة 1837
  • مدرسة الفنون والصنائع (وتسمى مدرسة العمليات) اسست سنة 1839 وتولى نظارتها يوسف حككايان بك.
  • مدرسة الصيدلة بالقلعة اسست سنة 1829.
  • مدرسة الزراعة بنبروه، ثم نقلت الى شبرا سنة 1836، ثم الغيت سنة 1839.
  • مدرسة الطب البيطري، أنشئت أولا برشيد ثم نقلت الى ابي زعبل بالقرب من مدرسة الطب ، ثم نقلت الى شبرا وتولى ادارتها المسيو هامون.
  • المدرسة التجهيزية (الثانوية) بابي زعبل، ثم نقلت الى الازبكية.
  • المدرسة التجهيزية بالاسكندرية.

المدارس الحربية والبحرية

تكلمنا عنها في الفصل العاشر والحادي عشر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ديوان المدارس (وزارة المعارفة العمومية)

لما تقدمت المدارس العالية والخصوصية التي انشاها محمد علي، واتسع نطاقها راى ان ينشئ لها ادارة خاصة سميت (ديوان المدارس) سنة 1837، وكان موجودا من قبل باسم مجلس شورى المدارس، وقد ساعد على تنظيم هذه الادارة تخرج نوابغ اعضاء البعثات وعودتهم الى مصر، فراى محمد علي ان يهيئ لهم الفرصة للانتفاع بمواهبهم في تنظيم نهضة التعليم فاسس ديوان المدارس، واسند رياسته الى امير اللواء مصطفى مختار بك احد خريجي البعثة الاولى، فكان هذا الديوان اول وزارة للمعارف في مصر، وقد توفى مختار بك سنة 1838 وخلفه سنة 1839 امير اللواء ادهم بك (باشا) وهو ذلك الضابط القدير الذي كان مديرا للترسانة بالقلعة، وتكلمنا عنه انفا، وبقى يتولى هذا المنصب الى سنة 1849.

وكان لديوان المدارس مجلس مؤلف من مصطفى مختار بك رئيسا، ومن الاعضاء الاتية اسماؤهم، كلوت بك، كياني بك، ارتين بك، اسطفان بك، حككيان بك، فارين بك، رفاعة رافع بك، محمد بيومي افندي، لامبير بك، هامون بك، دوزول ، بعض هؤلاء العضاء من خريجي البعثات المصرية.

وقد قرر هذا المجلس تنظيم التعليم بالمدارس، ووضع لائحة لنشر التعليم الابتدائي تشمل 27 مادة ذكر فيها ضرورة انشاء خمسين مدرسة ابتدائية، منها 4 بالقاهرة، وواحدة بالاسكندرية، والباقي في انحاء القطر المصري لنشر التعليم بين طبقات الامة، وقضت هذه اللائحة بان يكون عدد التلاميذ بكل مدرسة بمصر والاسكندرية 200 تلميذ، وبكل مدرسة من مدارس الاقاليم 100 تلميذ.

فديوان المدارس اذن هو مبتكر نظام التعليم الابتدائي في مصر، ولذلك يلاحظ ان معظم المدارس الابتدائية (وتسمى مكاتب) انشئت سنة 1837 أوما بعدها.

المدارس الابتدائية

وهاك اسماء المدارس الابتدائية التي انشئت في عصر محمد علي مرتبة بحسب المديريات.

البحيرة: مدرسة الرحمانية، مدرسة النجيلة وشبراخيت، مدرسة دمنهور (ثم احيلت على مدرسة الرحمانية).

الغربية: مدرسة ابيرا، مدرسة المحلة الكبرى، مدرسة زفتى، مدرسةشربين، مدرسة طنطا، مدرسة فوه، مدرسة الجعفرية، مدرسة نبروه.

المنوفية: مدرسة اشمون جريس، مدرسة شبين الكوم، مدرسة منوف (ثم احيلت على مدرسة اشمون جريس).

الدقهلية: مدرسة المنصورة، مدرسة ميت غمر، مدرسة المنزلة، مدرسة صهرجت، مدرسة فارسكور، مدرسة محلة دمنه.

الشرقية: مدرسة الزقازيق، مدرسة العزيزية، مدرسة بلبيس، مدرسة كفور نجم، مدرسة ميت العز.

القليوبية: مدرسة بنها، مدرسة قليوب، مدرسة الخانكة (ثم نقلت الى السيدة زينب)، مدرسة ابي زعبل، مدرسة طوخ.

الجيزة: مدرسة حلوان الفيوم: مدرسة الفيوم بني سويف: مدرسة بني سويف، مدرسة بوش.

المنيا: مدرسة المنيا، مدرسة الفشن، مدرسة بني مزار اسيوط: مدرسة اسيوط، مدرسة ابو تيج، مدرسة الساحل، مدرسة ساقية موسى، مدرسة سنبو ، مدرسة ملوي، مدرسةمنفلوطجرجا، مدرسة اخميم، مدرسة جرجا، مدرسة سوهاج، مدرسة طهطا.

قنا واسنا: مدرسة قامول، مدرسة قنا، مدرسة فرشوط، مدرسة اسنا.

ويلاحظ ان معظم المدارس الابتدائية قد الغيت في اواخر عهد محمد علي. وكان التعليم في المدارس كافة عالية وتجهيزية وابتدائية مجانا، والحكومة تنفق على التلاميذ من مسكن وغذاء وملبس، وتجري على كثير منهم الارزاق والمرتبات، ولكن لم يكن الاهالي في بدء افتتاح المدارس راضين عن ادخال ابنائهم فيها، بل كانوا نافرين منها نفورهم من الجندية، فكانت الحكومة تدخلهم المدارس في غالب الاحيان بالقوة، ولكن ما لبث الاهلون ان راوا ثمرات التعليم فكفوا عن المعارضة في تعليم ابنائهم في المدارس واقبلوا عليها.

وذكر كلوت بك ان عدد التلاميذ بمدارس القطر المصري قاطبة بلغ على عهد محمد علي 9000 تلميذ ، تتولى الحكومة الانفاق على تعليمهم وسكناهم وغذائهم، وملبسهم، وتؤدي لهم رواتب ضئيلة.

المدارس العلمانية في مصر

بالاضافة الى ذلك أنشأ محمد علي باشا المدارس العلمانية العامة لأول مرة في التاريخ المصري . فقد تأسست 66 مدرسة ابتدائية بلغ عدد تلامذتها أكثر من ستة ألاف، تراوحت أعمارهم ما بين 8 و12 سنة. وقد كانوا يدرسون العربية والحساب لمدة ثلاث سنين. وكان المتفوقون من خريجي هذه المدارس زهاء 2200 متخرج سنويا يلتحقون بالمدارس الثانوية (التجهيز) في ابي زعبل والقصر العيني والإسكندرية وغيرها. ويدرس في كل منها مئات التلاميذ (800 في مدرسة القصر العيني)، بالاضافة الى ما مر، اللغة التركية والتاريخ والجغرافية والرسم ، وبعد التخرج من التجهيز يرسل المتفوقون الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و19 سنة الى مدارس خاصة على الطراز الأوروبي مثل مدارس الطب والصيدلة والتوليد والزراعة والادارة المدنية والحسابات، والألسن والترجمة ، والصنائع والفنون، والموسيقا العسكرية، والكيمياء والتعدين والمشاة، والفرسان والمدفعية. وقد بلغ عدد التلاميذ في ثلاثة أنواع منها نحو 900 تلميذ يلبسون زيا موحدا ويعيشون في الاقسام الداخلية، حيث يطعمون مجانا ويتقاضون رواتب خاصة.[3]

أولى هذه المدارس الكبرى هي مدرسة الهندسة التي أنشئت عام 1816 في القاهرة ونقلت الى بولاق عام 1934. كان ابراهيم الدسوقي (1811-1883) كبير المصحيين في المدرسة ، فبرز في ميدان تعريب المصطلحات العلمية الأوروبية وتصحيح الكتب العلمية المترجمة. وفي عام 1849 تولى ادارة مطبعة بولاق وتحرير الجريدة الرسمية "الوقائع المصرية".

تأسست مدرسة الطب عام 1827 والصيدلة عام 1829 في أبي زعبل، ونقلت المدرستان الى القصر العيني عام 1832 وحولتا الى معهد عالي للطب والصيدلة تعلم فيه زهاء 300 طالب، وأشرف على ادارته أساتذة وخبراء فرنسيون وايطاليون واسبان وألمان برئاسة الدكتور كلوت بك، بينما كان الشيخ الأزهري محمد بن عمر التونسي (1789-1857) صلة الوصل بين الأساتذة الأجانب والطلبة، ولاسيما في مجال تعريب المصطلحات الطبية، وكانت مدرسة طب الحيوان (البيطرة) الرابعة في الترتيب، اذ تأسست عام 1828 في دمياط ، ثم نقلت الى أبي زعبل ومنها الى شبرا. كان يدرس فيها 120 طالبا، وأساتذتها من الفرنسيين تحت اشراف هامون وبربيتو. وفي عام 1834 تأسست مدرسة التعدين، وفي 1836 مدرسة الزراعة.

وقد أشرف الخبراء العسكريون ولاسيما الضباط الفرنسيون الكلونيل سيف (سليمان باشا الفرنساوي) بداء من سنة 1819 والمشير بوابيه والعميد غودييه، بدءا من سنة 1824 على ادارة مركز التدريب الحربي في أسوان (لاحقا في خانقاه وبنا حليم)، كما ترأس ضباط المعهد البونابرتي وفي مقدمتهم بولونين مدرسة المشاة في دمياط، والضابط فارين مدرسة الفرسان في الجيزة، وتسلم البرتغالي انطونيو دي سيغارا (بمساعدة الضابطين البونابرتيين غوندار ديو فينيور ورييه) ادارة مدرسة المدفعية (البجية) في طره (قرب القاهرة) . كانت تدرس بالاضافة الى اللغتين التركية والعربية مواد كثيرة في الفن الحربي والرياضيات والهندسة والجبر والميكانيك والرسم. كل ذلك جعل مهمة نقل العلوم العسكرية الى اللغتين التركية والعربية من المهام العاجلة والملحة. كان المترجمون الوطنيون المسلمون منكبين أساسا على ترجمة كتب التاريخ أمثال مصطفى الشرابي وحسن السعودي وعبد الله حسين وحسين افندي. بينما انشغل المترجمون النصارى المصريون والسوريون بنقل العلوم الدخلية. وقد اشتهر منهم حنين عنحوري ويوسف فرعون ويعقوب الجبيلي واوغنسطين سكاكيني وجورجي فيدال. وسعيا من الحكومة لرفع مستوى الترجمة والتحرير في الدواوين أنشأت مدرسة الألسن والترجمة سنة 1835-1836. وكان يدرس فيها بالاضافة الى اللغات والآداب الشرقية والأوروبية العديد من المواد الأخرى غير الأدبية، التي ساهمت في توجيه مترجمي المستقبل والعاملين في مجال السلك الدبلوماسي والحقول الأخرى توجيها سليما، ولاسيما ما يخص اتقان المصطلحات العلمية الحديثة، وفي عام 1842 أنشئ "قلم الترجمة" التابع لمدرسة الألسن، الذي تولى رئاسته رفاعة الطهطاوي، فقام العاملون في هذا القلم بترجمة أكثر من مئتي كتاب الى اللغات العربية والتركية والفارسية.

وسعيا من أبو لغد لابراز أهمية التغييرات الفكرية والثقافية في عصر محمد علي، اظهر اصرارا شديدا حين ادعى ان جميع الكتب المترجمة المذكورة اعلاه كانت قد ترجمت الى اللغة العربية ، محاولا ايهام القارئ بأن النهضة الفكرية في مصر في القرن 19 لم يكن لها نظير أبدا. وعلى كل حال، أسدى "قلم الترجمة" خدمات جليلة في مضمار تطوير علم الطب العربي (وغيره من العلوم الدنيوية)، لأن المترجمين والمؤلفين من الأطباء والصيادلة في العصر الأول من النهضة أمثال ابراهيم النبراوي، وأحمد حسن الرشيدي وحمد علي باشا البقلي، ومحمد بك شافعي، ومحمد عبد الفتاح وغيرهم ممن تلقوا علومهم في أوروبة أو الوطن، خلفوا آثارا مترجمة أو مؤلفة في الطب وفروعه، والطب البيطري والهندسة والترابة.

من الطبيعي أن تاسيس مدرسة الألسن كان في باب المستحيل لو لم يقم محمد علي بارسال البعثات العلمية من نبهاء الطلاب سنة 1809 وفي 1826 للدراسة في جامعات فرنسة وانكلترة وايطالية. وقد اشارت المصادر التاريخية ومن بينها كتاب عمر طوسون، الى أن عدد الطلبة المصريين من عرب وأتراك وأقباط وأرمن وأحباس كان قد وصل الى 350 طالبا. أما أبو لغد فيشير الى الرقم 408 ابان فترة 1826-1863، من بينهم 3198 طالبا خلال سني 1826-1848. وفي مطلق الأحوال كان معظم هؤلاء الشبان ممن وقفوا حياتهم على الخدمة العسكرية التقنية، ولذلك وجب عليهم أن يستوعبوا المواد الاجبارية (الرياضيات والهندسة والجغرافية والتاريخ والرسم) ويتعمقوا في اختصاص من الاختصاصات التالية: الفن الحربي، الهندسة العسكرية، المدفعية، البحرية، الادارة المدنية والحسابات، والدبلومكاسية (وبضمنها القانون الدولي وجملة المصطلحات الدولية) وعلم الاقصتاد (التجارة والأعمال المصرفية) والزراعة (ومن ضمنها الآلات والمعدات الزراعية) والطبيعيات والبيطرة والطب والصيدلة والكيمياء (وبضمنها صناعة البارود والورق والسكر) والميكانيك والتعدين والمنشآت المائية (الجسور، والقنوات، القناطر، السدود، والنوافير) والبناء والفن المعماري والحفر والنقش وأخيرا الترجمة.

وتعجيلا لثمار سعيه في اعداد الجند المنظم عهد محمد علي الى المستشرق الفرنسي جومار باختيار ستين شابا من أمم مختلفة للدراسةف ي فرنسة وهي البعثة العلمية الأولى. وقد ذكر زيدان وطوسون بعضة وأربعين شابا، ورغم الأخطاء الواردة في جدول البعثة الأولى، فان المصدرين المذكورين يظلان أكثر من غيرهما، وحسب طوسون وزيدان فان ثلاثة من الموفدين كانوا من الرؤساء ذويي المناصب العليا وهم: عبدي أفندي المهردار في الادارة المدنية، ومصطفى أفندي مختار الدويدار في الادارة العسكرية، والحاج حسين الاسكندراني في البحرية (الأول والثاني تركيان والثالث عربي). وثلاثة من رجال الدين العرب وهم: الشيخ العلوي والشيخ محمد الرقيقة والشيخ رفاعة الطهطاوي. أما البقية فكان توزعهم القومي على الشكل التالي: 4 أرمن مسيحيون، و5 جركس، و2 كرجي (جيورجي) مسلم، واحد يوناني مسلم، واحد لاز، و27 تركيا.

ثمة اعتبار هام يثير انتباهنا أكثر من تحديد عدد الطلبة أو هويتهم القومية، فقد ذكر الشيخ رفاعة الطهطاوي، إمام البعثة العلمية الأولى التي أرسلها محمد علي الى فرنسة، أن مصريا (لا يذكر اسمه) كان يعيش في مرسيلية استقبل البعثة وقدم لأفرادها ما يلزمهم من عون ومساعدة، وقد عارض كريمسكي مقولة المستشرق براون الألماني: "ان الشخص المذكور لم يكن سوى الكونت رشيد الدحداح الماروني"، وأثبت بما لا يدع مجالا للشك أن ذلك الشخص هو هوسيب هاكوب (يوسف آغوب) باشا (1795-1832) الأرمني المصري الذي عاش في مرسيلية وتفرنس الى حد بعيد، وكان أول من استقبل البعثة العلمية المصرية . ومما لا شك فيه أيضا أن هاكوب هذا هو سليل هاكوب الأرمني (يعقوب الأرمني) الذي كان حلقة الوصل في المفاوضات المصرية الروسية ابان ستينيات القرن الثامن عشر يوم رفع علي بك المملوكي والشيخ ضاهر العمر السوري راية التمرد على السلطان التركي، فكانا على قناعة تامة بأن السلاح الروسي هو الضمانة الوحيدة لتحقيق النصر. وكان رسولهما الأرمني يؤمن الاتصال الدائم مع الاميرال الروسي أرلوف الراسي بأسطوله في شرقي المتوسط. وقد عين في عام 1826 ، هوسيب هاكوب "المنحدر من أسرة أرمنية مستعربة" – على حد قول التقليد المتبع في الأدب الاستشراقي – أستاذا لتعليم اللغة الفرنسية للطلبة المصريين، أي انه كان الواسطة الأساسية في ايصال المعارف الأوروبية الى عقولهم وقلوبهم. وكان من المعجبين جدا باصلاحات محمد علي الثقافية لدرجة انه نظم فيه قصيدة مديح بالفرنسية عنوانها "القيثارة المهشمة" ، ترجمها الطهطاوي ونهشرها في باريس سنة 1827، بعنوان "نظم العقود في كسر العود". ومن الجدير بالذكر ان كراتشكوفسكي صنف آغوب باشا في طبقة الشعراء العرب الذين كتبوا بلغات أجنبية، معتبرا أشعاره هامة جدا من زاوية النظر الى الفكر العربي ككل.

ونؤكد بهذه المناسبة أن الأرمن هاروتين تشراكيان (آرتين أفندي) (1803-1859) وستبيان سيباستياتسي (آسطفان أفندي سباسطية)، وخسروا تشراكيان الأرمني (خسرو أفندي) كانوا في البعثة العلمية الأولى الى باريس حتى عام 1831، حيث ظلوا هناك فترة 1826-1831، ولحق بهم في فترة 1828-1835 كل من هوسيب هيكيكيان ونوبار نوباريان 1844-1849 ومن 1849-1856 هاروتيون ختشادوريان وغيرهم.

هذا ويرجع بالفضل في تجديد مدرسة الهندسة (المهندسخانة) لكل من جراكيان بك وهيكيكيان (1833). كما أوكل الى كل من هيكيكيان مهمة اعادة تنظيم مدرسة الصنائع وادخال قسم الفنون فيها. والى يعقوب أفندي ادارة مدرسة الزراعة المنهارة، والى يوسف كشفي الأرمني ادارة مدرسة التعدين، وبمبادرة من جراكيان بك وأسطفان الأرمني أنشئت في القلعة سنة 1834 مدرسة العاملين في دارة الاقطاعات ، أضف الى ذلك أن محمد علي أمبر بفتح مدرسة مصرية خاصة في باريس سنة 1836 يديرها اسطفان بك، ووكيل له أرمني اسمه خليل أفندي جراكيان. فأرسلت الحكومة نحو أربعين طالبا للتفقه في العلوم العالية وجلهم من أمراء العائلة الخديوية. عمرت هذه المدرسة حتى عام 1867. وكانت المدرسة الحربية بفرعيها العسكري (الهندسة) والإداري (كلية الحقوق) قد تحولت عام 1844 الى مدرسة أركان حرب، فأوكل منصب المدير المفوض الى أسطفان أفندي سباسطية، ونظارتها الى خليل جراكيان. وكان أبناء وأحفاد محمد علي باشا وفي جملتهم حليم وحسين (أبناء) وأحمد واسماعيل (أبناء ابراهيم) يتلقون تعليمهم فيها . واتفق ان ابراهيم باشا مر بتلك المدرسة أثناء سياحته في أوربة ومعه سكرتيره نوبار باشا الأرمني، فأعجب بنجاحها ومستوى العلم فيها.

المصادر

  1. ^ الرافعي, عبد الرحمن (2009). عصر محمد علي. القاهرة، مصر: دار المعارف. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameter: |coauthors= (help)
  2. ^ الرافعي, عبد الرحمن (2009). عصر محمد علي. القاهرة، مصر: دار المعارف. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameter: |coauthors= (help)
  3. ^ نجاريان, يغيا (2005). النهضة القومية-الثقافية العربية. دمشق، سوريا: أكاديمية العلوم الأرمنية - الدار الوطنية الجديدة.