مدحت پاشا

أحمد شفيق مدحت پاشا
مدحت پاشا على غلاف مجلة إنگليزية, 30 يونيو, 1877
مدحت پاشا

أحمد شفيق مدحت پاشا Ahmet Şefik Mithat Pasha (عاش اكتوبر 1822، اسطنبول8 مايو 1884، الطائف، الحجاز) كان رجل دولة عثماني مصلح نشيط ميال للغرب.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بداية حياته

أحمد شفيق، المشهور بلقبه: مدحت باشا، ابن القاضي محمد أشرف بن علي، أبو الأحرار، وواضع الدستور سنة 1876م. ولد في اصطنبول، ورافق والده إلى بعض مدن البلقان، وحفظ على يديه القرآن حتى سُمي لأجل ذلك «حافظ أحمد شفيق».

وبعد عودة والده إلى العاصمة توسم فيه عاكف باشا رئيس الكتّاب الخير، فأدخله المدرسة العرفانية التي أنشئت لتخريج موظفين لخدمة الباب العالي (1836ـ 1839)، فَبَذَّ أقرانه وامتدحت سيرته فغلب عليه لقب مدحت حسب عادة الترك (أي ممدوح السيرة)، وعيّن كاتباً في ديوان الباب العالي متابعاً دراساته الخاصة في جامع الفاتح، فدرس الفقه والمنطق والنحو والفارسية على يد علماء أجلاء كالطويرانلي والزغره لي وشيخ الإسلام عارف بك وغيرهم.

وأرسل في عام 1842 إلى ديوان كتابة دمشق وصيدا، وفي عام 1845 إلى ولاية قونية ثم إلى ولاية قسطموني، وفي عام 1850 أصبح رئيساً للكتّاب في ديوان الصدر الأعظم، وكلّف القيام بمهمات تحقيق كثيرة في مختلف الولايات أدان فيها كثيراً من الولاة والقادة الفاسدين، واسترد ما سرقوه، ولكنه اكتسب بصدقه وأمانته وإخلاصه للدولة عداوة كثيرين من رجال الحكم والإدارة واحترام المخلصين؛ فعين في عام 1854 والياً في بعض ولايات البلقان (الروم إيلي)، ونجح في كسب رضا الأهالي وإعادة السكينة بإدانته عدداً من كبار الباشوات والقادة في سليستريا Silistre وتورنوه Turnovo وغيرها واسترجاع ما سرقوه.

وكلّفه الوزيران المصلحان رشيد باشا وعالي باشا في عام 1855 وضع لائحة لإصلاح الدولة، ولم تعجب آراؤه قوى الفساد المعششة في الديوان السلطاني فاستقال عام 1857، وقام بجولة في أوربا للاطلاع على أسرار رقي الدول الأوربية فزار لندن London وڤيينا Vienna وبروكسل Brussels وأرسله الصدر الأعظم محمد قبرصلي باشا في عام 1860 والياً على ولاية نيش Nish في بلاد الصرب فنجح بسياسته المستنيرة والعادلة في كسب ثقة الأهالي فنال رتبة الوزارة (باشا)، وصعد نجمه في صدارة الوزير المصلح فؤاد باشا وشارك في إصلاح المالية والإدارة (1861- 1866).

ولما تأزمت الأوضاع في منطقة الخليج العربي وتعاظم التدخل الإنكليزي فيها أُرسل والياً على ولاية بغداد في عام 1869 فتمكن من توطيد الأمن ومد نفوذ الدولة العثمانية إلى منطقتي الأحساء وشمالي نجد، وقام بإصلاحات إدارية واقتصادية مهمة لايزال المؤرخون العراقيون يؤرخون بها بداية نهضة العراق الحديث، وفي عام 1872 وبدسٍّ من السفير الإنكليزي المهيمن على البلاط العثماني تم إبعاده عن بغداد.

وقام في عام 1874 بتقديم تقرير مهم «الصدارة العظمى» لإصلاح أحوال السلطنة المهددة بالسقوط وبالتدخل الأجنبي المباشر بعد أن زادت ديون الدولة في عهد السلطان عبد العزيز (1861- 1876) من 25 مليون ليرة ذهبية إلى 250 مليون ليرة ذهبية أدت إلى إعلان الدولة إفلاسها عام 1875.

وتداعى رجال الدولة المصلحون وعلى رأسهم مدحت باشا على أن إنقاذ الدولة لا يتم إلا بالحد من الحكم الفردي المستبد وإقامة حكم دستوري شوري وخلع السلطان، وتم ذلك في 30 أيار/مايو 1876. وقام الوزراء الإصلاحيون بتنصيب مراد الخامس سلطاناً (30/5/1876) ولجنونه قام مدحت باشا بإجلاس أخيه عبد الحميد الثاني على عرش السلطنة بعد تعهده بإقامة الحكم الدستوري. وعيّن مدحت صدراً أعظم في 21/12/1876.

كان مدحت باشا يرغب في إنقاذ السلطنة وتحديثها، في حين كان عبد الحميد يؤمن بأنه ظل الله على الأرض. هذا يريد أن يثبِّت عرش آل عثمان وبقاء السلطنة، وذاك يتمسك بالسلطة المطلقة ويريد أن يتخلص من الرجال المستنيرين كلهم، واصطدم أسلوبان من التفكير، وأبعد مدحت باشا عن الصدارة العظمى، وعيّن وزيراً للعدل فقدَّم للسلطان تقريراً لإصلاح السلطنة في 18/1/1877 لكنه رفضه، ولم يعرف التاريخ العثماني وزيراً وجه مثل هذا التقرير إلى أحد السلاطين «لقد كان غرضنا يا مولاي من وضع الدستور وإعلانه القضاء على الحكم المطلق وتنبيه جلالتكم إلى واجباتكم وتحديد صلاحيات وزراء الدولة والعمل بيد واحدة في سبيل إصلاح وطننا إصلاحاً حقيقياً، ونحن لم نتخذ من إعلان الدستور… القيام بمظاهرة نسد بها أفواه الأوربيين المتكالبين ضدنا. إنني أحترم شخص جلالتكم ولكن هذا لا يمنعني من مخالفتكم في أتفه الأمور التي أراها ضارة بمصلحة بلادي… إذا كنتم تريدون إقالتي فتفضلوا بتسليم زمام الأمور إلى شخص موافق لمزاج جلالتكم…»، فعزله السلطان ليتخلص منه تدريجياً. وأبعد مدحت إلى سلانيك فاستقال، وذهب إلى أوربا متابعاً دفاعه عن السلطنة، وخوفاً من اتصاله بأحرار العثمانيين في أوربا عيَّنَهُ والياً على ولاية سورية في 1878. ومع أنه كان يعرف مصيره فقد شمر عن ساعد الجد لإصلاح أحوالها مستعيناً بنخبة من رجالها المستنيرين وأعضاء جمعية النهضة، ولاتزال دمشق تحتفظ بذكرى إصلاحاته، «لقد عولت على إصلاح ولاية سورية لأن حب الإصلاح قد اختلط بدمي فكان كالمرض المزمن. وولاية سورية من الولايات المشهورة بذكاء سكانها…». وَدُسَّتْ عليه الدسائس فنقل إلى ولاية إزمير Smyrna. وفي عام 1879 تم القبض عليه ودبرت له تهمة قتل السلطان عبد العزيز، وتمت محاكمته محاكمة هزلية دافع فيها عن نفسه بذكاء وحنكة، وصدر الحكم بإعدامه مع رفاقه، ولم يجرؤ السلطان على ذلك فأمر بنفيه إلى الطائف، حيث تم فيها التخلص منه بقتله بطريقة دنيئة.


موقف الشوام من مدحت باشا

ثمة خطأ شائع في الادبيات الاستشراقية حول الدور الذي لعبه مدحت باشا خلال ولايته على سورية (من كانون الأول (ديسمبر) 1878 إلى آب (أغسطس) 1880) في مجال انعاش الحياة الاجتماعية - السياسية داخل الأوساط الاسلامية خاصة، وغير الاسلامية عامة، ولاسيما ما يخص مسألة نشر الروح الدستورية وتأصيل الحركة القومية الداعية سرا لاستقلال سورية. فخلافا للرأي الشائع في الأدبيات ان كتاب "سر مملكة" لسليم سركيس كان السبب الرئيسي لهذا الخطأ، كأن المؤلف نفسه في الواقع ضحية الشائعات والاتهامات التي روجتها حاشية السلطان لتصفية الحساب مع مدحت باشا. وقد أصاب أنطونيوس عين الحقيقة حين شكك في مصداقية الرواية الشائعة المتعلقة بدعم الباشا لأعضاء جمعية بيروت السرية بيد أن الكاتب العرب (أمثال: عبد اللطيف الطيباوي وأحمد أمين وغيرهم) بالغوا كثيرا في تقدير دور مدحت باشا في التحولات السياسية – الاجتماعية التي شهدتها سورية خلال النصف الثاني من السبعينيات، اذ عدوها نتيجة طبيعية للتدابير الاصلاحية التي اتخذها الباشا، ناهيم بأنهم رأوا في نشاطه السياسي توجها معاديا للعثمانية (كذا). وقد أدى الافراط ببعض المستشقرين السوفيين (يوسفوف مثلا) الى القول: "لقد شاع جو من الابداع الحر في ميدان الأدب على عهد مدحت باشا في سورية ولبنان، أعطى فرصة ذهبية لمعارضي النظام للاعراب عن آرائهم وأفكارهم".[2]

وقد أكد كوتلوف – وهو على حق تماما – ان موقفا كهذا "يمثل تحديثا مفتعلا للوقائع التاريخية ولمواقف مدحت باشا نفسه "لأن نشاط الباشا كان موجها في الأساس" لتوطيد أركان الامبراطورية العثمانية، والحفاظ على سيطرة الأتراك وهينتهم على الشعوب غير التركية، ومن ضمنها العرب بالذات". أما الاختصاصي في التاريخ العثماني فادييف فقد قال: "كان الهدف الأساسي للاصلاحات التي أجراها مدحت باشا متركزا في انجاز السيطرة التركية على سورية. ان التدابير العمرانية، ومحاربة استغلال الموظفين الأتراك لمناصبهم، وترشيد النظام القضائي في الولاية وغيرها من الاجراءات التي قام بها الباشا التركي، لم تكن سوى عملية تجميل لترغيب الشعب السوري في الحكم التركي القبيح".

على الرغم من معارضته لمواقف بعض الكتاب العرب الذين زخرفوا وزينوا دور مدحت باشا، فان كوتلوف عينه بالغ في تقديره باعتباره "أبا الدستور التركي الذي خاض آخر معركة في سبيل أفكاره السياسية" على الأرض السورية، ولاسيما من منظور "تشجيعه للنشاط التنويري الذي قام به الرواد المسيحيون، أو بالأحرى بعث الميول الدستورية لدى المسلمين العرب". وأكثر من ذلك، فان كوتلوف حذا حذو عبد الرحمن الرافعي حين عد تأسيس جريدة "دمشق" غير الرسمية احدى مبادرات مدحت باشا.

المصادر

  1. ^ Hupchick, Dennis P. (2001). The Balkans: from Constantinople to Communism. New York: Palgrave. p. 244. ISBN 0-312-21736-6. ... a Bulgarian Pomak by birth and a dynamic, pro-Western reformer who transformed the region under his authority into a model province
  2. ^ نجاريان, يغيا (2005). النهضة القومية-الثقافية العربية. دمشق، سوريا: أكاديمية العلوم الأرمنية - الدار الوطنية الجديدة.

روابط خارجية