جريدة ثمرات الفنون

ثمرات الفنون، هي جريدة أسبوعية علمية لبنانية، تأسست عام 1875.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التأسيس والأهداف

كانت جريدة ثمرات الفنون، كانت أسبوعية علمية، صدر العدد الأول منها في بيروت بتاريخ 20 أبريل 1875، ولكن ظهور الصحيفة حدث في ظروف مغايرة تماما لما ذكره كريمسكي هي باكورة الجرائد الإسلامية في البلاد السورية. أنشأتها "جمعية الفنون"المؤلفة من بعض أدباء وأعيان الطائفة السنية، التي حاولت التشبه بالجمعية السورية الأولى التي كانت من المسيحيين طرا. رغم تأخر الفنون فكريا وثقافيا أكثر من ربع قرن من الزمان.[1]

ان واقع كون "ثمرات الفنون" في بداية عهدها شركة مساهمة مؤلفة من اثني عشر سهما ، وقيمة كل سهم ألفان وخمسمئة غرش، يتطلع المساهمون فيها الى الربح والمنفعة الشخصية، وهذا يدل دلالة قاطعة على الطبيعة البرجوازية لأصحاب الأسهم. وبالتالي على التحالف القائمة بينهم وبين رجالات النهضة المحافظين ، ذلك التحالف الذي وجد انعكاسا له في العدد الأول من "ثمرات الفنون" لسان حال رجال الدين – المساهمين من الطائفة السنية العاملين تحت رئاسة الحاج سعد ابن السيد عبد الفتاح حمادة، والذي شارك في اعداده رهط من أدباء المسلمين فضلا عن بعض الأدباء المسيحيين ذوي الاتصال الوثيق بالشيخ يوسف الأسير، نذكر منهم اسحاق عوني واسكندر طراد وابراهيم الأحدب وغيرهم. وحبذا لو اقتصر الأمر على ذلك، فكريمسكي الذي اعتمد على شهادة أوردها سليم سركيس صديق أديب عن توليه لتحرير "ثمرات الفنون" علق على ذلك بقوله: "ان الركض وراء الشهرة الأدبية دفع إسحاق للعمل في تحرير "ثمرات الفنون"، ولكنه خفف من وقع هذا الانطباع في هامش الصفحة ذاتها بقوله: "لكن عمله في التحرير لم يستمر طويلا، اذ غادر الى بيروت عاجلا".

ومن الحقائق المسلم بها أن أديب إسحاق كان خلال حياته القصيرة جدا، زاهدا بالمال ومتاع الدنيا، ومن غير المعقول أبدا أن يقايض بين مبادئه وبين آية مكافأة مالية مهما عظمت ليشتغل في جريدة نزلت الى الميدان وكل ديدنها "توجيه الضربة القاسية الى مطالب وبدع المشركين". كان حريا بكريمسكي أن يتخذ عبرة من مشاركة إسحاق وغيره من الرواد المسيحيين في هذا الموضوع ذي الطابع التنويري في الأوساط الإسلامية، فيقدره تقديرا موضوعيا بعيدا عن التقييمات الذاتية. كما فعل. ومن الجدير بالذكر هنا تلك الشهادة القيمة التي أوردها فيليب الطرزي (ونقلها عنه يوسف سركيس في موسوعته)، والتي مفادها أن أديب إسحاق لم يكن صحفيا عاديا في "ثمرات الفنون" لسان حال الطائفة السنية، بل تسلم ادارة تحريرها في أول عهدها".

ان افتراضنا بشأن تشجيع الرواد المسيحيين، ولاسيما أديب إسحاق الهادف الى اصدار جريدة "ثمرات الفنون" ليس نابعا من فراغ، بل له جذوره في أرضية الواقع. فمصادر تاريخ الصحافة العربية تؤكد أن الأجواء التي سادت حول "جمعية الفنون" ولسان حالها "ثمرات الفنون" في أول عهدها كانت مغايرة تماما للمناخ السائد مستقبلا. فبعد الوفاة المبكرة للحاج سعد حمادة (1878) تسلم عبد القادر القباني كرسي الرئاسة الشاغر. وهو رجل لم يشتهر في حياته اللهم الا في مجال التعصب الديني وسوى أنه كان صاحب امتياز الجريد’. ولكن القباني كان يفاخر دائما بأن نسبه يتصل بالامام زين العابدين، وأن أصل عائلته من بلاد الحجاز، انتقلت الى العراق ثم جاء بعض أجداده الى سورية لمحاربة الغزاة الصليبيين، فسكنوا أولا في جبيل ثم تحولوا الى بيروت. ادخل القباني "جمعية الفنون" في خبر كان، واغتصب ادارة التحرير من الشيخ يوسف الاسير، وجعل قبلته خدمة أفكار "الجامعة الاسلامية" و"الأمة الاسلامية" و"الجامعة العثمانية"، فكانت جريدته تدعو لطاعة أمير المؤمنين والالتفاف حول عرش الخيفة التركي. وهذا يعني أن "ثمرات الفنون" قبل الفترة القبانية، خدمت فكرا مناوئا لأهداف "الجامعة الاسلامية" و"الجامعة العثمانية"، أي الفكر النهضوي السوري – القومي ولو كان في حدوده الدنيا المحافظة المعتدلة. وبناء على ذلك نستنتج أن تسلم اسحاق لادارة التحرير كان يعني خطوة أولى على طريق استقطاب الطوائف الاسلامية حول حركة النهضة الثقافية القومية.

ينبغي التذكير في هذا السياق أن جريدة "التقدم" امتازت على أيام أديب بالاستقلالية في الأمور المرهونة بالطبع بمدى استقلالية الأفكار الحرة التي نادى وعمل بهديها أديب اسحاق ورفاقه وأنصاره. وبالفعل، اذا كانت الجرائد النهضوية تتلقى دعما ماديا من الأوساط البرجوازية في بيروت (عضد آل المدور مثلا "حديقة الأخبار") والجهات الرسمية (كان الوالي والمتصرف يدعمان بأموالهما آل الخوري، بينما آزر الوالي وخديوي مصر البستانيين)، فان أديب اسحاق وأنصاره كانوا بعيدون كل البعد عن الاستجداء والاستعطاف لإدراكهم حق الادراك "أن الناس عبيد الاحسان" – كما يقول المثل، ولذلك كانوا من الفرسان الأحرار في مبادئهم السياسية وأفكارهم الاجتماعية.

ان تزايد رغبة الجمهور في التمثيل ببيروت وطموح رواد النهضة السوريين – وهم أسبق المشارقة الى اقتباس فن التمثيل – لاشاعة هذا الفن التنويري دفع نخبة من الأدباء النوابغ والممثلين الى تقديم عروض مسرحية ، وقلما استخدموا هذا الفن للارتزاق والكسب. ولكن عندما كانت تنزل بهم الضائقة المالية، كانوا يستخدمون بعضا لمال للحفاظ على جرائدهم. فكانوا يمولون عن هذا الطريق ليس فقط نشاط "جمعية زهرة الآداب" ولسان حالها جريدة "التقدم" ، بل ويدعمون مطبعة الشفلون التقدمية وأعمال النشر وانشاء المدارس وغيرها من المشاريع والتدابير الثقافية. وللعلم نقول أن معظم أعباء النشاط المسرحي تأليفا وترجمة وتمثيلا كانت تقع على عاتق أديب اسحاق وسليم نقاش، الذين تعاونا في اقتباس روايات ومسرحيات الأدب الفرنسي الكلاسيكي، ولاسيما مسرحيات كورنيل، وراسين ومواءمتها مع مقتضيات الزمان والمكان في الواقع العربي.

ان فقدان المعلومات عن الوثائق البرمجية والأهداف والمطالب التي توختها "جمعية زهرة الآداب" ، ولسيما غياب أعداد "التقدم" في طورها الأول ، يجعلنا مضطرين للجوء الى المعطيات الجانبية الثانوية.


المصادر

  1. ^ نجاريان, يغيا (2005). النهضة القومية-الثقافية العربية. دمشق، سوريا: أكاديمية العلوم الأرمنية - الدار الوطنية الجديدة.