جريدة لبنان

جريدة لبنان، هي جريدة لبنانية أنشأها داود باشا الأرمني، متصرف جبل لبنان عام 1867. [1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التأسيس والأهداف

هدف داود باشا من انشائها لم يكن فقط متجسدا في مهمة انقاذ لبنان الذي كان يعاني الأمرين من نتائج الحوادث الطائفية الدامية ابان الأربعينيات والستينيات لما سعى سعيا مشكورا لمد عروقه بالدم النابض بالحياة والحيوية. وقد أكد معظم الكتاب العرب والأجانب أن عملية الاحياء والانعاش أصبحت واقعا ملمومسا في المناطق التي حددها النظام الأساسي لجبل لنان حتى العام 1867. ولم يبق على الحاكم داود باشا سوى بعث الحياة في أوصال الكيان اللبناني. وقد لاحظ أحد منظري أيدييولوجية "الأمة المسيحية" بولص نجم أن أخطر مسألة واجهت بعث لبنان تركزت حينئذ وفي المستقبل "في اشكالية توسيع رقعة حدوده الجغرافية، لأن اللبنانيين كانوا يختنقون في بلدهم الصغير" . والحقيقة التي لا مراء فيها أن حكومة الباب العالي نجحت بمساعدة الدبلوماسية البريطانية في اقناع الدول الأوربية بالقبول بخريطة لبنان مشوهة ومشرذمة، رسمت رسما عشوائيا بحيث اقتطعت تقريبا نصف الأراضي اللبنانية الجغرافية – التاريخية والحقتها بالولايات السورية وهي: منطقة بعلبك، ووادي البقاع، وادي التيم ومرجعيون، وكل الساحل تقريبا مع مدنه الرئيسية بيروت وطرابلس وصيدا وصور (باستثناء مرفأ جونية الصغيرة). وكان داود باشا أعيد تعيينه متصرفا على لبنان سنة 1864 بفرمان من السلطان التركي وموافقة الدول الأجنبية، يرى أن مواقعه تعززت تماما بدرجة تمكنه من تحويل جبل لبنان والأراضي التابعة له تاريخيا الى دولة موحدة ذات استقلال ذاتي . وبناء عليه، كان داود باشا يطرح باستمرار وحزم أمام الباب العالي قضية توسيع حدود المتصرفية التي أوكل اليه أمر ادارتها.

وأقبل داود باشا عام 1867 على تحقيق مشاريعه الرامية الى بعث الحياة الاجتماعية – السياسية والفكرية – الثقافية، ولاسيما خطته في اصدار صحيفة رسمية تشد من أزره في تحقيق أفكاره ، وتسمية الجريدة "لبنان" تشير بحد ذاتها الى رؤية مستقبلية وتوجه سياسي جرئ، حتى لو كان من قبيل الرفض الهادف للتسمية الرسمية التجزيئية، وهي "جبل لبنان". مختصر القول : طرح الحاكم داود باشا مفهوما جديدا لا سابق له، أي لبنان التاريخي –الجغرافي والاداري – السياسي بمعناه الواسع، لبنان الرجاء والأمل والمستقبل.

وما من شك اطلاقا في أن الأسبوعية كانت أعجز من أن تعلن على الملأ ما تؤمن به ضمنيا أو اذاعة الهواجس والأفكار التي كانت تعتمل في صدر داود باشا، أو حتى بعض الكتابات والمراسلات الرسمية الموجهة الى عاصمة السلطنة. ولكن من المؤكد أن جريدة "لبنان" لم تكن كغيرها من الصحف الرسمية الصادرة في دمشق وحلب وغيرها من المدن السورية – أداة للبتشير بالدعوة الرسمية الرامية الى تتريك الرعايا والمواطنين غير الأتراك.

بل كانت ذات توجه ثقافي واجتماعي محدد. بمعنى آخر: كانت تراعي القواعد العامة المفروضة قسرا على جميع الصحف الصادرة في بلد خاضع لسيادة السلطان التركي، ولكنها لم تتوان يوما عن التشديد على خصائص ومميزات لبنان، وفي طليعته الاستقلالية النسبية عما في الأقطار الأخرى التي أهلته الى حد ما لتثبيت أركان الحكم، وتعميق التآلف والتضامن بين الطوائف المتباينة، وهو ما توصل اليه داود باشا بشق الأنفس وبذل الغالي والرخيص. ومن الحقائق التاريخية الهامة ان داود باشا الذي كان ينفق من خزينة الدولة لتقديم المساعدات المالية الى جريدة "حديقة الأخبار" البيروتية في الفترة ما بين 1861-1867 لم يتوقف عن دعمها يوم شرع بتأسيس جريدة "لبنان" ، ولكنه أوعز الى محرري صحيفته أن ينشروا مواد شيقة لتستقطب حولها قراء "حديقة الأخبار" البيروتية لصاحبها خليل الخوري، ولتحويل "لبنان" ان لم يكن الى الدورية الوحيدة ، فعلى الأقل جعلها لسان حال البك. وقد عنى هذا من جانب آخر أن داود باشا كان يرغب في انتزاع الدور الطليعي المخصص لرواد النهضة في بيروت، والحد من التأثير الذي كانوا يتركونه على الحياة الاجتماعية والثقافية في جبل لبنان، فضلا عن اظهار العزم الراسخ على ترويج الأفكار الاستقلالية داخل بيروت نفسها بمساعدة جريدة لبنان عينها، وهناك حقيقة هامة وهي أن "لبنان" كان نصفها عربي العبارة ونصفها الآخر فرنسي، وليس تركياً على جري العادة في الصحف الرسمية المنتشرة في أصقاع الدولة العثمانية. خلاصة القول: كان داود باشا يسعى لتأكيد الواقع التالي، وهو أن السكان في لبنان كانوا دون سواهم على جهل مطبق باللسان التركي، فضلا عن التركيز على الفكرة أن محور الاستقطاب الفكري والثقافي في جريدته لم يكن عثمانيا متخلفا، بل أوربيا تقدميا.

كان قد تولى ادارة تحريرها وكتابة قسمها العربي أولا صاحب السيف والقلم وسليل الأسرة المارونية العريقة التي تولت منطقة القويطع في شمال لبنان، حنا بك أبو صعب (1820-1897). وبعد أن انتقلت اسرته الى المتن تلقى أصول اللغة العربية والنظم على الشاعر المشهور نقولا الترك. تسلم مدة ستة أعوام نصب رئيس كتبة الأمير أمين بن بشير الذائع الصيت، فتعلم منه نظم الشعر. ثم سافر سنة 1840 مع الأمير المشار اليه أعلاه الى جزيرة مالطة وإسطنبول فقاسى معه الأمرين في المنفى وعاد الى وطنه سنة 1849، أي قبل وفاة الأمير التي حلت في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1850). وقد عين حينئذ كاتبا لمصطفى باشا الشكدوري والي بيروت. وهو أول من نال لقب بك بين نصارى جبل لبنان وبلاد الشام قاطبة. وفي عام 1852 سكن في بيت الدين وأنشأ هناك مطبعة خاصة هدف منها نشر الكتب الأدبية الزمنية طرا وترويجا بين الناس. وكان حنا أبو مصعب الذي شارك سابقا في المعارك ضد الأتراك خلال شهري آب وأيلول (أغسطس – سبتمبر) لعام 1840 من أجل وحدة الامارة اللبنانية واستقلالها، قد بادر الى اصطلح مطبعته فنظم أمورها ووضعها تحت تصرف داود باشا حاكم لبنان.

كان مساعد رئيس التحرير في جريدة لبنان الياس بن يوسف حبالين (1863-1889) من أسرة مارونية سكنت الزوق بجبل لبنان وعملت بصناعة الحبال. تخرج في مدرسة الآباء اللعازاريين في عينطورا فأحرز نصيباً وافرا من العلوم العقلية والنقلية، وأتقن آداب اللسانين العربي والفرنسي. اشتهر في الأوساط الثقافية بعدائه السافر للأتراك. وقد شارك في ادارة تحرير الجريدة كل من حبيب خالد الحلو والشيخ يوسف الأسير وفرنسيس دياب وغيرهم.


كانت شؤون الادارة والنشر موكلة الى يوسف فارس الشلفون (1839-1896) الذي كان جده يوسف الخوري الشلفون حاكم على ساحل لبنان. وبعد أن أتقن فن الطباعة لدى المرسلين الأمريكان وفي "المطبعة السورية" التي كانت تطبع "حديقة الأخبار" أنشأ عام 1861 في بيروت "المطبعة العمومية" التي أصدرت أكثر من ستين كتابا في شتى العلوم والآداب، اضافة الى مجلة "الشركة الشهرية". نؤكد في هذا المقام أنه، خلافا للمواقف العدائية التي اتخذتها الاقطعية – الأرستقراطية المارونية الدينية والزمنية تجاه المتصرف داود باشا ، سادت في أوساط المثقفين أمثال حنا أبو صعب وإلياس حبالين ويوسف الشلفون وغيرهم مواقف الاستيعاب والتفهم الكاملين ازاء التدابير الايجابية التي كان يقوم بها الحاكم الأرمني المحتد لعلمهم علم اليقين ان هاتيك المساعي كانت موجهة أساسا الى تحقيق الوحدة اللبنانية بين الطوائف وهي ضرورة حيوية لازبة للسير على طريق تقدم البلاد. فقد نظم حنا بك أبو صعب قصيدة في مدح داود باشا كمؤسس لجريدة "لبنان الرسمية" وبمناسبة تدشين مطبعة بيت الدين جاء في مطلعها:

في عصر داود مولانا المشير لقد جادت سواجعنا في كل تغريد
مولى له الراية البيضاء في ملأ غيث وغوث لظمآن ومنكود

وقال في آخرها:

كانت جوانبا بالحزن منبئةوالآن تنبئ بسر كل تجهيد {{{2}}}

وللعلم نقول ان الاتفاق في الآراء والممارسات بين رجال النهضة المحافظين وبين السلطات المتصرفية وجد تجسيدا له في تعطيل جريدة "لبنان" على أيام حاكم الجبل الثاني فرنكو نصري باشا ذي الأصل الأرمني أيضا، والذي اتخذ من "حديقة الأخبار" جريدة رسمية سنة 1868. لكن "لبنان" عادت الى الظهور في غرة تشرين الأول (أكتوبر) 1891 بعناية المتصرف واصل باشا وصهره كوبليان أفندي في بعبدا، فكانت شبه رسمية اذ كان صاحب امتيازه ابراهيم بك الأسود أحد أعضاء المجلس الاداري لجبل لبنان.

نود التنبيه هنا الى ما ذكره الطرزي عن مسألة تعطيل جريدة "لبنان" بعد داود بااشا، بالميل الشديد الذي أبداه المتصرف الجديد فرنكو باشا نحو التجارة والاقتصاد. مثل هذا التأكيد لا يمكن أن يكون أهلا للثقة. ونميل نحن الى الافتراض أن المتصرف فرنكو باشا كان يقر بفكرة اعتبار بيروت مركزا فكريا وثقافيا لجبل لبنان، الأمر الذي يتوافق مع واقع تأثير النهضويين المحافظين على الحياة الاجتماعية والثقافية لرعاياه.

كان هذا أمر لا مناص من لسبب بسيط وهو أن مستوى تطور الحياة الاجتماعية – الاقتصادية والفعاليات الفكرية – الثقافية في اطار الجبل والمناطق الساحلية المحاذية له – خلافا للتحولات التي حدثت هناك – لم يكن يؤهله للتنافس والتحدي. فمن الجدير بالذكر أن "حديثة الأخبار" أجرت تنازلا هاما، والأحرى تراجعا كبيرا تمثل في تحولها للصدور باللسانين العربي والفرنسي بدءا من 12 آب (أغسطس) 1868 ولمدة خمسة عشر عاما. مما دفع مؤلفي "دائرة المعارف الإسلامية" الى اعتبار جريدة خليل الخوري من الصحف التي صدرت بلغتين. ومن نوافل القول انه اذا كانت ازدواجية اللسانين العربي والفرنسي في جريدة "لبنان" الرسمية ظاهرة ايجابية تستحق التقدير والتبجيل، فانها لم تكن كذلك بالنسبة "لحديقة الأخبار" التي ما كان بمقدورها الا أن توسع الهوة بين رجالات النهضة التقدميين والمحافظين ابان الخلافات الداخلية التي اشتغلت في بداية الستينيات.


المصادر

  1. ^ نجاريان, يغيا (2005). النهضة القومية-الثقافية العربية. دمشق، سوريا: أكاديمية العلوم الأرمنية - الدار الوطنية الجديدة.