الحياة السياسية في عصر محمد علي

كانت الحكومة المصرية على عهد محمد علي حكومة مطلقة تسود فيها قاعدة حكم الفرد، ولكن الفارق بينها وبين ما كانت عليه في عصر المماليك انمحمد علي باشا وضع نظاما لادارتها ، فحل هذا النظام محل الفوضى والارتباك، فهو وان كان يعد من دعاة الحكم المطلق (وهذه نقطة ضعف في تاريخه) الا ان ميزته انه كانت لديه فكرة النظام والاصلاح كما انه كان يميل الى مشاورة مستشاريه في الامور قبل ابرامها.[1]

ان انشاء حكومة قوية من اجل الاعمال التي قام بها محمد علي، لانها قضت على الفوضى التي كانت ضاربة اطنابها في البلاد، وبهذه الحكومة امكنه ان يتم الاصلاحات التي فكر فيها، وكان له الفضل الكبير في نشر لواء الامن في البلاد، وهذا الامن الذي بسطه محمد علي باشا كان من اهم دعائم العمران في وادي النيل، ومن الحق ان نقول ان استتبات الامن والنظام من مميزات هذا العصر، لان عصر المماليك اشتهر بفقدان الضبط والربط فلم يكن المزارعون والتجار والملاك يامنون على اموالهم واملاكهم بل كانت تتخطفها المناسر وقطاع الطرق، ومعلوم انه اذا لم يستتب الامن في بلد فلا يرجى له تقدم او حضارة، فمحمد علي قد وضع اول دعامة لعمران مصر بضبط الامن والضرب على ايدي الاشقياء وقطاع الطرق وقرصان النيل، وهذا من اجل اعماله مدة حكمه، قال المسيو جومار في هذا الصدد "ان من اهم نتائج حكم محمد علي وادعاها للاعجاب بسط رواق الامن بحيث يستطيع الانسان ان يجتاز الجهات البعيدة عن النيل امنا مطمئنا بعد ان كان يستهدف لاختطاف العربان اياه اذا تخطى عتبة الصحراء بل في وسط الجهات الزرعاية، وقد اخضعت الحكومة سطوة العربان ومنعت غزواتهم، ويمكن الانسان ان يسير وسط مضاربهم امنا على نفسه، وهم يشتغلون بتربية المواشي والغنم والاتجار بها في الاسواق".

فميزة حكومة محمد علي على انها وطدت دعائم الامن في البلاد، وبذلك امكنها ان تقوم بالاصلاحات التي مر بك ذكرها، ولكن بجاجنب ذلك لا مندوحة عن القول بان محمد علي لم يتجه ذنه قط الى انشاء نظام دستوري او شبه دستوري بالمعنى المفهوم، وهذه نقطة ضعف وموضع نقد شديد في تاريخه، وما الهيئات التي اسسها الى مجالس تنفيذية كانت الكلمة العليا فيها له او لكتخدائه، ومجلس المشورة لم يعمر طويلا، والظاهر ان ميوله النفسية لم تتجه الى ناحية النظام الدستروي، ولو انه عنى بهذه الناحية لامكنه ان يعد الامة للاضطلاع بمسئوليات الحكم في عهده، ولكنه لم يفعل، وترك المسالة فوضى بين خلفائه والشعب، فوقع الصدام بينهما في اواخر عهد اسماعيل واوائل عهد توفيق حتى افضى الى الثورة العرابية ثم الى الاحتلال الانجليزي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الدواوين

ومن هنا جاءت فكرة تاسيس بعض المجالس او الدواوين التي كان يرجع اليها في مختلف الشئون.

فقد الف مجلسا للحكومة يسمى الديوان العالي ومقره القلعة، وكان يتداول مع اعضائه في الشؤون المتعلقة بالحكومة قبل الشروع في تنفيذها، ورئيس هذا الديوان يلقب بكتخدا بك أو كتخدا باشا وهو بمثابة وكيل الباشا او نائبه، وله سلطة واسعة المدى في كافة شؤون الحكومة، وكان بمثابة رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وصار هذا الديوان يعرف على مدى السنين بالديوان الخديوي وسمى ايضا وقتا ما ديوان المعاونة.

والف على التعاقب لكل فرع من فروع الحكومة مجلسا او ديوانا يختص به، فكان هناك ديوان للحربية (الجهادية)، وديوان للبحرية، وديوان للتجارة والشؤون الخارجية، وديوان للمدارس (المعارف العمومية) وديوان للابنية واخر للأشغال، وكانت هذه الدواوين بمثابة فروع واقسام للديوان العالي.

ولما تقدمت شؤون الحكومة الف سنة 1834 مجلس دعاه المجلس العالي، يتالف من نظار الدواوين ورؤساء المصالح واثنين من العلماء يختارهما شيخ الجامعة الازهر، واثنين من التجار يختارهما كبير تجار العاصمة، واثنين من ذوي المعرفة بالحسابات واثنين من الاعيان من كل ميدرية من مديريات القطر المصري ينتخبهما الاهالي.

وعين لرئاسة هذا المجلس عبدي شكري بك (باشا) احد خريجي المجلس النائبين عن التجار والعلماء والمديريات سنة واحدة.

وغني عن البيان ان هذه المجالس او الدواوين لم تكن على درجة كبيرةم ن الرقي وحسن النظام، لكنها كانت الخطوة الاولى لنظام حكومي لم تعرف البلاد مثله من قبل حيث كانت الفوضى ضاربة اطنابها في مختلف نواحي الحكم.

قال الدكتور كلوت بك في هذا الصدد: "من المحقق ان هذه الهيئات الحكومية لم تبلغ درجة الاتقان لكن ينبغي ملاحظة ما بذله محمد علي من الجهود في هذا السبيل وما بثه من روح النظام وتقرير اوضاعه وما اظهره من سداد النظر وصدق العزيمة في وضع النظام الاداري الحكومي ولا ريب انه اذا توافر عنده الوقت الكافي وتخلص من مشاغله الحالية واخرجت المدارس عددا كافيا من الاكفاء سيضع لمصر نظاما دستوريا ثابتا يكون قد بحثه ونفذه بما عهد فيه من الحكمة".


مجلس المشورة

(سنة 1829)

كانت المجالس المتقدمة مجالس حكومية تنفيذية تتالف في الجملة من كبار الموظفين ، ولم تكن هيئات شعبية تمثل طبقات الامة او يصح اعتبارها نواة لنظام نيابي او شبه نيابي، ولكن هيئة واحدة الفها محمد علي سنة 1829 يصح ان تعد نواة لنظام شورى وهي (مجلس المشورة) ويتالف من كبار موظفي الحكومة والعلماء واعيان القطر المصري برئاسة ابراهيم باشا، وهذا المجلس يشبه في عدد اعضائه وتمثيلهم لمختلف الطبقات ان يكون جمعية مؤلفة من 156 عضوا منهم 33 من كبار الموظفين والعلماء و24 من ماموري الاقاليم و99 من كبار اعيان القطر المصري.

وهو من جهة التمثيل افضل من الديوان العمومي الذي انشاه نابليون في عصر الحملة الفرنسية، فان هذا الديوان كان مؤلفا من اعيان وتجار القاهرة فقط، وهو اقرب في تشكيله الى الديوان العام الذي اسسه نابليون ايضا اذ كان مؤلفا من العلماء والاعيان النائبين عن مختلف مديريات القطر المصري.

اما من جهة السلطة فلم يكن لمجلس المشورة سوى سلطة استشارية، وكذلك الديوان العمومي والديوان العام في عهد الحملة الفرنسية، وكانت مشورته مقصورة على مسائل الادارة والتعليم والاشغال العمومية، وما يقترحه الاعضاء في هذا الصدد مما ترشدهم اليه اختباراتهم، وينظر في الشكايات التي تقدم اليه، وينعقد مرة واحدة في السنة ويجوز ان يستمر الانعقاد عدة جلسات.

أعضاء مجلس المشورة

يهمنا كثيرا ان نذكر هنا اسماء اعضاء مجلس المشورة، فمنهم تالفت اول هيئة نيابية شورية في عصر محمد علي، وجدير بنا ان نعرف اسماءهم بعد ان اثبتنا في الجزءين الاول والثاني من تاريخ الحركة القومية اسماء اعضاء الهيئات التمثيلية التي تالفت على التعاقب في عهد الحملة الفرنسية لكي يكون لدينا صورة جلية لمن يصح التعبير عنهم بانهم نواب الشعب في مختلف ادوار الحركة القومية ولنقف من هذا البيان على اسماء كبار اعيان مصر في ذلك العصر، لان الذين انتخبوا لعضوية مجلس المشورة كانوا بالبداهة رؤساء العشائر والعائلات وكبار الاعيان البارزين في القاهرة والاقاليم.

ذكرت جريدة الوقائع نبأ انعقاد مجلس المشورة لاول مرة، فقالت انه اجتمع عصر يوم 3 ربيع الاول سنة 1245 (2 سبتمبر سنة 1829) في قصر ابراهيم باشا (القصر العالي) وتحت رئاسته، وحضر الاجتماع جميع الاعضاء، وعرض عليه كل الشؤون الخاصة بالاقاليم خصوصا ما كان موجودا منها بالديوان العالي وذكرت اسماء الاعضاء ننقلها بترتيب نشرها في الوقائع مع بيان وظائفهم والقابهم، بعد حذف عبارات التفخيم التي كانت مالوفة في لغة ذلك العصر.

ابراهيم باشا (رئيس المجلس)

أعضاء من رؤساء المصالح الحكومية والعلماء:

عباس باشا (حفيد محمد علي)، أحمد باشا مامور الاقاليم الوسطى، محمد خسرو باشا مامور الجيزة والمنوفية والبحيرة، شريف بك (الكتخدا بك) مامور الاقاليم الصعيدية، محمود بك ناظر الجهادية، السيد البكري نقيب الاشراف، السيد السادات، الشيخ الامير مفتي المالكية، الشيخ محمد المهدي مفتي الحنفية، الشيخ علي، الحاج ابراهيم افندي ناظر مجلس المشورة، كتخدا اغا والي جدة، امير اللواء محمد بكناظر عموم المهمات الحربية ومعمل البارود والطبخانة وعموم الفابريقات، حسن اغا رئيس بوابي الركاب العالي وناظر المواشي الاميرية، خليل افندي ناظر الترسانات، عبد الباقي افندي مدير خزينة الجهادية وباشمحاسبجي، محمد افندي الداوندار سابقا، محمد امين افندي ناظر الابنية الميرية، حسين بك ناظر الارز والغلال، الحاج عبد الله اغا سر كردكان ، حسين اغا ناظر الجوقة، عمر افندي ناظر الجلود، محمد افندي ناظر المنسوجات، امين افندي ناظر البيع، حافظ افندي معاون الفابريقات، عرفي افندي معاون جرنال المحروسة، احمد مميش افندي المعاون، محمد عارف افندي المعاون، علي راغب افندي المعاون، خالد افندي المعاون،سامي افندي محرر الوقائع المصرية، كاشف افندي باشكاتب الوقائع المصرية.

أعضاء من ماموري الاقاليم:

خليل بك محافظ دمياط،سليمان اغا مامور الجعفرية، حسين بك مامور زفتى، حسين اغا مامور الفيوم، اسماعيل اغا مامور نصف البهنسا، حسن بك مامور الجيزة، رستم افندي مامور نصف المنوفية، محمد افندي مامور نصف المنوفية، رستم افندي مامور نصف البحيرة، حسن افندي مامور نصف الشرقية، ابراهيم اغا مامور طنطا، ابراهيم بك مامور نبروه، محرم اغا مامور نصف البهنسا، تيمور اغا مامور نصف الشرقية،يوسف افندي مامور فوه، صالح افندي مامور ميت غمر والسنبلاوين، محمد اغا مامور القليوبية، ابراهيم اغا مامور شرق اطفيح، الحاج عبد الرازق اغا مامور محلة دمنه، محمود اغا مامور المنيا، محمد افندي مامور اسيوط، حسين اغا مامور منفلوط، الشيخ المصري بجرنال المحروسة، الشيخ عبد الله فواز بجرنال اسيوط.

مشايخ واعيان الاقاليم:

الجيزة: الشيخ حسن، الشيخ عبد الواحد.

السنبلاوين: الشيخ موسى خليفة، الشيخ حفناوي، الشيخ علي الغول، الشيخ اسماعيل ابو جاد، الشيخ خضر، الشيخ عبد الرحيم سلامي، الشيخ حسين سالم، الشيخ احمد سعدي.

ميت غمر: الشيخ رزق الله، الشيخ الحاج شريف، الشيخ محمد خليل، الشيخ عبد الله هلال، الشيخ حنفي شرف الدين، الشيخ علي غندور، الشيخ الحاج منصور، الشيخ همام حبيب، الشيخ عيسى سالم، الشيخ قاسم طه، الشيخ محمد المغربي، الشيخ سليمان حجاب، الشيخ سليمان منصور.

الفيوم: الشيخ نصر عثمان ، الشيخ محمد الشبكي.

زفتى: الشيخ محمد فتوح، الشيخ علي سالم.

اشمون جريس: الشيخ محمد عبيد.

منوف: الشيخ ابراهيم شحاتة.

ابو كبير: الشيخ ايوب عيسوي، الشيخ عبد الغالب سالم، الشيخ صالح، الشيخ منصور، الشيخ علي المكاوي، الشيخ مصطفى علي.

شيبة (شرقية):الشيخ حسن اباظة، الشيخ غيث، الشيخ بغدادي اباظة.

مليج: الشيخ محمد ابو عامر، الشيخ ابو عمارة.

ابيار: الشيخ حاجي سليما، الشيخ حاجي احمد غربية: الشيخ ابراهيم ابو دربالة،الشيخ علي ابو احمد ههيا: الشيخ احمد دريبة.

قسم اول شرقية: الشيخ ابراهيم سالم، الشيخ محمد خضر، الشيخ محم عليوه.

المنيا: الشيخ علي شريعي، الشيخ حبيب.

شرق اطفيح: الشيخ حسين ابو علي، الشيخ حماد.

بني سويف: الشيخ بكر بدر، الشيخ محمد الخولي، الشيخ عبد الرحمن ابو زيت.

سمنود: الخواجة علي.

بشبيش: الشيخ ابو يوسف، الشيخ احمد سرجاني، الشيخ حسن أبو زيت.

نبروه: الشيخ علي كرفوز، الشيخ فوده، الشيخ احمد أبو اسماعيل، الشيخ غانم محمد ، الشيخ محمد أبو علي.

المحلة الكبرى: الشيخ حبيب جاويش، الشيخ مطاوغع دهلان، الشيخ مصطفى،الشيخ عيسوي خضر، الشيخ ابو عامر.

الشباسات: الشيخ يونس، الشيخ عبد الرحمن، الشيخ شمس الدين، الشيخ اسماعيل . كفر الشيخ: الشيخ محمد أبو صادر، الشيخ عمر، الشيخ ابراهيم سليمان.

فوه: الشيخ يوسف رجب.

طنطا: الشيخ احمد المنشاوي، الشيخ احمد ربع، الشيخ علي ابو عائد.

العزيزية: الشيخ موسى، الشيخ محمد عبد الله، الشيخ ابراهيم، الشيخ ابو نصير.

المحلة: الشيخ يوسف سماح، الشيخ محمد عبد الله، الشيخ الخولي عبيد.

دمنهور: الشيخ دسوق خير الله.

الرحمانية: الشيخ محمد.

النجيلة: الشيخ مصطفى.

كفر الزيات: الشيخ حسن سليمان.

القليوبية: الشيخ محمد القاضي، الشيخ خضر، الشيخ محمد الشواربي، الشيخ جمعة منصور، شيخ العرب احمد حبيب.

بعض أعمال مجلس المشورة

يتبين من الاطلاع على ما نشرته الوقائع المصرية من قرارات مجلس المشورة نوع الاعمال التي كان يتداول فيها، فغالبها كان خاصا بالادارة والتعليم والاشغال والقضاء، ومعظم قراراته كان بناء على اقتراحات الاعضاء الموظفين فيه.

ومما يلفت النظر ان اول قرار له في اولى جلساته كان خاصا بالتعليم، اذ قرر اعداد مكتب لتعليم كتبة الديوان اللغتني العربية والتركية، واحوال الفلاحة وتعيين محمد افندي دويدار ناظرا لهذا المكتب، والشيخ مصطفى مدرسا للغة العربية، وقرر انه كلما يتم تعليم عدد من كتبة الديوان يرسلون الى الاقاليم ويجئ خلافهم لتعليمهم ثم ارسالهم "ويستمر العمل حتى يصير القائمون بالعمل فيهم الكفاءة لادارة مصالح الحكومة".

فالقرار كما ترى مفيد وحكيم، اذ هو يرمي الى ترقية المستوى التعليمي لكتبة الدواوين وارسال من يتم تعليمهم الى الاقاليم حتى يشغلوا الوظائف عن جدارة واستحقاق، وذلك هو عين الصواب.

وقرر في جلس 2 ربيع الاول ارتداء جميع الموظفين كساوي الجهادية، وقرر في جلسة 3 ربيع الاول بناء على طلب الدفتردار (مدير الشئون المالية) جعل اعمال السخرة بالمناوبة بحيث يتناول اهل كل بلد العمل اسبوعا بعد اسبوع، الا اذا كان كثيرا فيستخدمون باجمعهم حتى يتم، ولا يعفى من العمل الا عمال الفابريقات.

وقرر في هذه الجلسة ذاتها بناء على طلب مامور السنبلاوين ان يكون عمل الفلاحين في التطهيرات وبناء القناطر واصلاح الجسور في اشهر توت وبابه وكيهك وطوبه وامشير وبرمهات وبؤونه، وبنى اقتراحه على ان الفلاحين في باقي اشهر السنة يكونون مشغولين بالزراعة والحصاد وجني القطن، فوافق المجلس على الاقتراح ، وكلف مامور الديوان الخديوي بان يامر بذلك نظار الاقسام وماموري الاقاليم.

ومن قراراته انه قرر اخذ 100 غلام من كل ثمن من اثمان القاهرة وبولاق ومصر القديمة وجملتهم 1000 غلام لتشغيلهم بالاجرة في فابريقات الحكومة، وكذلك قرر اخذ الصالحين للعمل من المتسولين (الشحاذين) للالتحاق بهذه الفابريقات وان ترتب لهم ارزاق يومية، وبعد تعلمهم الصناعة ترتب لهم اجور يومية، ولهذا القرار قيمته في تعليم الصناعة ومحاربة البطالة.

وبحث في عقاب الموظفين ومشايخ البلاد (العمد) الذين تمتد يدهم الى الرشوة (البرطيل) او سلب اموال الاهالي، فقرر الزامهم برد ما اخذوه ومجازاتهم بالعقوبات الشديدة.

ويقول المسيو لينان باشا في كتابه (مذكرات عن اهم اعمال المنفعة العامة بمصر ص 334) انه عرض مشروعه في بناء القناطر الخيرية على مجلس المشورة، فطلب منه المجلس بيان ما يقتضيه المشروع من نفقات، فابدى له رقما تقديريا، ويطالعنا المسيو لينان بحقيقة هذا المجلس فقد قال عنه أنه "مؤلف من مشايخ الاقاليم الذين كان المراد ان يحلوا محل الترك في الحكم، ولكنه لم يدم طويلا"، فيتبين من ذلك ان هذا المجلس الذي كان يمكن ان يكون نواة لنظام نيابي لم يكن طويل العمل ، ولذلك لم يظهر له اثر في معظم عهد محمد علي.

القانون الأساسي سنة 1837

وفي سنة 1837 وضع محمد علي باشا قانونا اساسيا يعرف بقانون (السياستنامة) احاط فيه بنظام الحكومة واختصاص كل مصلحة من مصالحها العامة، وقد حصر السلطة في سبعة دواوين وهي:

أولا: الديوان الخديوي، وينظر في شؤون الحكومة الداخلية العامة وله سلطة قضائية اذ كان يفصل في بعض الدعاوى الجنائية، فقد ورد في لائحة تأسيسية انه يختص بالضبط والربط في مدينة القاهرة والفصل في الخصومات والشكايات التي ترفع اليه، اما الدعاوى الشرعية فكان يحيلها الى المحاكم الشرعية، وكان يختص بالحكم في جرائم القتل والسرقات الى ان انشئت سنة 1842 (جمعية الحقانية) التي سيرد الكلام عنها، وكان له الاشراف والرئاسة على عدة مصالح، منها مصلحة الابنية (المباني) وفروعها، والمخبز الملكي، والكيلار العامر (ادارة المخصصات العذائية للباشا) ، والسلخانة، والقوافل، وديوان المواشي، وترسانة بولاق، والمستشفيات الملكية، والروزنامة (ادارة اموال الميري) وبيت المال، والاوقاف المصرية، والتمرخانة، وجبال المرمر، ومحاجر طره، واثر النبي، ومهماتترعة المحمودية، وخزينة الامتعة، والبوستة، وامور الاحكام بالاسكندرية.

ثانيا: ديوان الايرادات، وهو قسمان، احدهما يختص بحسابات كافة المديريات وجزيرة كريد، والحجاز والسودان، والثاني يختص بايراد مدينتي مصر والاسكندرية، والكمارك والمقاطعات والزمامات، وكان لهذين القسمين مفتشون يعرفون بمفتشي الاقاليم للتنقيب على المصالح.

ثالثا: ديوان الجهادية، واليه يرجع النظر في نظام الجنود البرية وضبط وربط حراكاتها وتعليماتها، ومهمات الفيالق والثكنات ومواضع الخيام والقلاع، والمستشفيات العسكرية، والشؤون الصحية للجنود وورش ومخازن المهمات الحربية، ومعامل البارود وتعلقاتها واشوان المؤن العسكرية والمخابز، وعلى العموم كافة المصالح العسكرية.

رابعا: ديوان البحر، واليه يرجع النظر في ادارة وتنظيم الدونانمة (الاسطول) وضبط وربط حركاتها، والترسانة والمخازن والخزينة البحرية، وتجهيز المهمات والمؤونة وسائر حاجات الدوتانمة والمستشفيات البحرية.

خامسا: ديوان المدارس واليه يرجع النظر في امور المدارس الابتدائية والتجهيزية والخصوصية (العالية) والكتبخانة ومخازن الالات والادوات، و[[القناطر الخيرية]، ومطبعة بولاق وادارة الوقائع المصرية ومصلحة الامور الهندسية وادارة زرائب المارينوس والاصطبلات الكبرى فيشبرا.

سادسا: ديوان الامور الافرنكية والتجارة المصرية واليه يرجع النظر في العلاقات الخارجية ومعاملة الاجانب وبيع متجر الحكومة ومشترياتها.

سابعا: ديوان الفابريقات واليه يرجع النظر في ادارة فابريقة الطرابيش في فوه وكافة الفابريقات التي كانت توجد في مدينة مصر ومدن الاقاليم.

وكان مفروضا على رئيس كل من هذه الدواوين ان يقدم للباشا تقريرا في كل اسبوع عن احوال ديوانه ، وكشفا شهريا بحساباته الى تفتيش الحسابات، وميزانية سنوية عن الايراد والمصرف.


المجلس الخصوصي والمجلس العمومي

وفي يناير سنة 1847 الف محمد علي ثلاثة مجالس جديدة عدا الهيئات المتقدمة اهمها (المجلس الخصوصي) واختصاصاته النظر في شؤون الحكومة الكبرى وسن اللوائح والقوانين واصدار التعليمات لجميع مصالح الحكومة، وكان يراسه ابراهيم باشا، واعضاؤه كتخدا باشا (عباس باشا حفيد محمد علي) واحمد باشا يكن وحسن بك رئيس جمعية الحقانية، وبرهان بك.

والمجلس العمومي او الجمعية العمومية بديوان المالية وهي هيئة مؤلفة من مدير المالية ووكيل الديوان الخديوي ومدير المدارس (أدهم بك) ومدير الحسابات (باسليوس بك) ومفتش الفابريقات (لطيف بك) ومفتش الشفالك (حافظ بك) ورؤساء اقلام دواوين الحكومة، وينعقد هذا المجلس مرتين في الاسبوع على الاقل وينظر في شؤون الحكومة العمومية التي تحال عليه، ويرسل قراره الى المجلس الخصوصي فاذا وافق عليه احاله على الباشا ليامر بتنفيذه اذا اقره.

مجلس عمومي آخر بالاسكندرية يختص بالنظر في شؤونها يراسه ناظر ديوان الاسكندرية، واعضاؤه ناظر ديوان البحرية وناظر ديوان التجارة ومامور الضبطية وامين الجمرك وناظر الترسانة ووكيل الدونانمة.

المصادر

  1. ^ الرافعي, عبد الرحمن (2009). عصر محمد علي. القاهرة، مصر: دار المعارف. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameter: |coauthors= (help)