بيع أسهم مصر في قناة السويس

بيع أسهم مصر في قناة السويس، تتناول المقالة بيع أسهم مصر في قناة السويس في نوفمبر 1875.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

أخذ التدخل البريطني شكلاً خطيراً لافتاً للأنظار سنة 1875 حين اشترت إنگلترة أسهم مصر في قناة السويس. وكان شراء الحكومة البريطانية أسهم مصر في القناة كان كارثة على مصر، إذ كانت أول خطوة خطتها إنگلترة نحو احتلالها لمصر.

كانت الحكومة المصرية في سنة 1875 على شفا الإفلاس، فقد ركبتها الديون، ورهن إسماعيل موارد الدولة مورداً بعد آخر في سبيل القروض المتلاحقة، وفوائدها الباهظة، وكان علية أن يؤدي في ديسمبر من تلك السنة مبالغ جسيمة قيمة (سندات) على الخزانة تستحق في هذا الموعد، فإما الوفاء، وإما إعلان الإفلاس، وكان معين المال قد نضب بين يدي ، فبحث في خزائن الحكومة عن موارد من الموارد المالية لم يُرهن بعد، فرأى أن لمصر في أسهم تأسيس قناة السويس تبلغ 176.602 سهم لا تزال ملكاً خالياً من الرهن، وهي توازي ؟؟؟؟ من رأس مال شركة قناة السويس، أي تكاد تبلغ نصف رأس المال، ففكر في أن يقترض بضمانتها عدة ملايين من الجنيهات، كي يؤدي قيمة المبالغ المستحقة، أو أن يبيعها إذا تعذر الاقتراض.


المحاولات الفرنسية

بدأت هذه الفكرة تساور إسماعيل في أوائل نوفمبر سنة 1875، وكان بباريس في ذلك الحين أحد الماليين الفرنسيين واسمه إدوار درڤيو Edoauard Dervieu له اتصال بالحالة المالية في مصر، ويعرف ارتباك الخديوي واضطراره إلي المال، فأرسل إلي أخ له في الإسكندرية يدعى أندريه درڤيو وهو أيضا من رجال المال، يطلب إليه أن يعرض على الخديوي بيع أسهم مصر في القناة، وأنه مستعد إذا قبل الخديوي البيع أن يجد المشتري لها في باريس، فذهب أندريه درڤيو إلي القاهرة، وهناك تلقى تلغرافاً من أخيه بتاريخ 11 نوفمبر 1875 يبعث على الأمل في نجاح الصفقة، فقابل على أثره إسماعيل باشا صديق "المفتش " وزير المالية في ذلك العهد، وصاحب الحظوة الكبرى عند الخديوي، وعرض عليه الفكرة، فلقيت منه قبولاً، إذ كان المفتش يبتغى تدبير المال اللازم بأية وسيلة، ولو بتضحية تلك الذخيرة العظيمة، لأداء المبالغ المستحقة في ديسمبر، وبادر إلي تقديم الرسول الفرنسي إلي الخديوي، فقص عليه نبأ مهمته، فارتاح الخديوي إلي الفكرة وقبل البيع مقابل 92 مليون فرنك.

وكانت الحكومة مدينة لشركة قناة السويس في عدة ملايين من الفرنكات تعهدت بأدائها نفاذاً للاتفاقات المبرمة بينهما من قبل، ووفاء لهذه المبالغ كانت الحكومة قد نزلت للشركة عما يخص اسهمها من الربح لمدة خمس وعشرين سنة تنتهي في سنة 1894، فكان مما عرضه المسيو أندريه درڤيو أن يدفع الخديوي للمشترين فائدة سنوية مقدارها 12% عن مبلغ الثمن، يعوض عليهم الحرمان من الربح من سنة 1875 إلي سنة 1894، فرضي الخديوي أن تكون الفائدة 8% بضمان إيراد جمرك بورسعيد، وترك للمسيو درڤيو خيار القبول حتى 16 نوفمبر، فأبرق درڤيو إلي أخيه بباريس بنتيجة المفاوضة الأولي، فبادر هذا السعي الحثيث لدى جمع من الماليين الفرنسيين طلب درڤيو مد أجل الخيار، فمدة الخديوي ثلاثة أيام أخرى، تنتهي في 19 نوفمبر 1875.

تمت المفاوضة الأولى بين درڤيو والخديوي في طي الخفاء، دون أن يعلم بها أحد من رجال المال والسياسة في القاهرة، وخفي نبؤها على قنصل إنگلترة العام في مصر، الميجور جنرال ستانتون، ولكن عين السياسة الإنگليزية في لندن وباريس، كانت ساهرة، تراقب كل كبيرة من الأمور وصغيرها، فبلغها نبأ المساعي التي يبذلها إدوار درڤيو في باريس ليجمع الثمن المطلوب، فأبرق اللورد دربي وزير خارجية إنگلترة إلي الميجور جنرال ستانتون الرسالة التلغرافية الآتية:

Cquote2.png "علمت حكومة جلالة الملكة أن نقابة الماليين الفرنسيين عرضت على الخديوي شراء أسهمه في قناة السويس، وأن الصعوبات المالية التي تكتنف سموه تجعل قبوله في حيز الإمكان، فالمرجو أن تتحققوا من صحة هذا النبأ –دربي". Cquote1.png

بريطانيا تشتري

شعار بنك روتشلد.

وصلت هذه الرسالة القاهرة صبيحة يوم الثلاثاء 16 نوفمبر ن فبادر القنصل البريطاني إلي مقابلة نوبار باشا، وكان وقتئذ وزير لخارجية مصر، وسأله عن الحقيقة، فأخبره بالواقع من الأمر، فأبدى القنصل دهشته من أن الحكومة المصرية لم تكاشف حكومة إنگلترة بنبأ هذه الصفقة وقال إن الخديوي يجب أن يعتقد أن تنازله عن أسهم مصر في قناة السويس لا يمكن أن تقبله إنگلترة بعدم الاكتراث، وأنه إذا كان الخديوي راغباً حقاً في بيع هذه الأسهم، فمن المحقق أن إنگلترة ستعرض عليه أعلى ثمن، فأجاب نوبار باشا أن الحكومة المصرية في حاجة ملحة إلي مبلغ يتراوح بين 75 و100 مليون فرنك (أربعة ملايين من الجنيهات)، ولكن ليس ثمة ما يضطرها إلي بيع هذه الأسهم للحصول على هذا المبلغ، ويكفي أن تقرضها البنوك قيمته بضمانة الأسهم المذكورة، فطلب الجنرال ستانتون من نوبار باشا ومن إسماعيل باشا صديق وقف المفاوضة مع البيوت المالية الفرنسية، إلي أن يتلقى رأي وزارة الخارجية الإنگليزية في مسألة القرض بضمانة الأسهم، فوعد نوبار باشا بوقف المفاوضة لمدة ثمان وأربعون ساعة ن تنتهي يوم الخميس 18 نوفمبر، وقابل القنصل الخديوي في اليوم نفسه، وأفضى إلية بحديثه مع نوبار، فلم يخرج جواب الخديوي عن جواب وزيره، غير أنه طلب إلي القنصل شرط الحكومة الإنگليزية، ولم يكن لدى القنصل تعليمات من حكومته في هذا الشأن، استمهل الخديوي إلي أن ينتهي الموعد الذي حدده نوبار باشا.

وفي اليوم الثاني (الأربعاء 17 نوفمبر) قابل القنصل البريطاني نوبار ثانية فعلم منه شدة اضطرار الحكومة إلي الخمسة والسبعين أو مائه المليون من الفرنكات، لتدفع السندات التي تستحق في ديسمبر، ورأى منه ميلاً إلي إيثار بيع الأسهم على الرهن، وذلك أنه لم يكن ثمة أمل في أن تؤدي الحكومة ما تقترضه، وأن الأسهم في حالة الرهن مآلها حتما إلي الضياع، فأبرق القنصل نبأ هذا التحول في الرأي إلي حكومته.

وفي الساعة الثامنة مساء 18 نوفمبر وصلت القنصل الرسالة البرقية حملة جواب الحكومة الإنگليزية، وفيها يطلب اللورد دربي "إبلاغ الخديوي قبول حكومته شراء الـ 177.642 سهم بشروط معقولة"، فذهب القنصل من فوره إلي الخديوي، وأبلغه النبأ، فشكر الخديوي الحكومة الإنگليزية على ما عرضته، ولكنه أعتذر عن القبول، قائلاً إنه يبغي تحويل الديون السائرة إلي دين ثابت، وإنه في حاجة إلي تقديم هذه الأسهم ضمانة لهذا التحويل، على أنه وعد إذا عدل عن رأيه وآثر البيع فإنه يفضل الحكومة الإنگليزية على سواها.

هذا ما صارح به الخديوي القنصل البريطاني مساء 18 نوفمبر، على أنه في بضعة الأيام التالية لهذا الحديث رجحت عنده كفة البيع على الرهن، فأبرق القنصل البريطاني إلي حكومته يوم 23 نوفمبر ينبئها بان الخديوي رضي بأن يبيع الـ 177.642 سهم مقابل مائه مليون فرنك (أربعة ملايين جنيه)، فجاءه الرد في اليوم ذاته بطريق البرق بأن الحكومة الإنگليزية قبلت الثمن المطلوب، وأن بنك روتشلد بلندن تعهد بأدائه للخديوي فوراً.

إتمام الصفقة

وصل هذا الرد ليلاً، وتلقاه القنصل في صبيحة اليوم التالي (24 نوفمبر)، فذهب مبكراً إلي سراي الخديوي، حيث قابل نوبار باشا وإسماعيل باشا صديق ومهردار الخديوي، وأنبأهم بفحوى الرسالة، فانعقد الاتفاق على البيع والشراء، وفى يوم 25 نوفمبر تحرر عقد البيع، ووقع عليه كل من إسماعيل باشا صديق نائباً عن الحكومة المصرية، والجنرال ستانتون نائباً عن الحكومة الإنگليزية.

وتبين قبل إبرام العقد أن الأسهم لم تكن 177.642 سهم كما كان مفهوماً بل هي 176.602، أي أنها تنقص 1040 سهم (أربعين وألف سهم)، فسوي حساب الثمن بعد استبعاد الأسهم الناقصة، فصار صافي الثمن 3.976.582 جنيهاً إنگليزياً، بعد أن كان أربعة ملايين، وأتفق الطرفان على أن يدفع من الثمن 25 مليون فرنك في أول ديسمبر، والباقي خلال شهر ديسمبر ويناير الذي يليه ، في المواعيد التي تحددها الحكومة المصرية، باتفاقها مع بيت روتشلد بلندن وبالتحديد ليونل دى روتشلد، والتزمت الحكومة المصرية بأن تدفع للحكومة الإنگليزية كل سنة ابتداء من عام 1875 حتى سنه 1894 فوائد 5% عن قيمة الثمن، أي 198.29 جنيه سنوياً، مقابل حرمان الحكومة الإنگليزية من أرباح الأسهم طوال هذه المدة، وعلى ذلك تمت الصفقة وفي وقت قياسي ولم تمضى عشرة أيام على علم الحكومة الإنگليزية برغبة الخديوي في البيع، ففي هذه المدة الوجيزة فحصت الوزارة الإنگليزية أمر الصفقة وأجمعت رأيها فيها ورسمت خطتها وأعدت المال اللازم لإتمامها، وفازت بها، على حين كانت المفاوضة بشأنها دائرة بين الخديوي والدوائر الفرنسية.

واستعجلت الحكومة الإنگليزية تنفيذ العقد، فاشترطت فيه أن لا يدفع الثمن إلا بعد تسليم الأسهم، ولذلك بادر إسماعيل باشا صديق في صبيحة 26 نوفمبر، أي غداة توقيع العقد بتسليم القنصلية البريطانية جميع الأسهم، مودعة في سبعة صناديق كبيرة، وانتهت عملية التسليم في ذلك اليوم، بأن بصمت الأسهم بأختام كل من إسماعيل باشا صديق، والقنصلية البريطانية ومحكمة القنصلية، واهتمت الحكومة البريطانية بأمر نقلها إلي إنگلترة، فأصدرت وزارة البحرية أمرها في أوائل ديسمبر غلي الباخرة ملابار القادمة من الهند أن تعرج على الإسكندرية في منتصف هذا الشهر، وإذ علم الجنرال ستانتون باجتياز الباخرة قناة السويس استقل من القاهرة قطاراً خاصاً، سار به إلي الإسكندرية وحمل معه الأسهم محفوظة بعناية تامة في أربعة صناديق مصفحة بالزنك، ولما رست الباخرة في ميناء الإسكندرية نقلوا إليها الصناديق، ثم أقلعت رأساً إلي بورتسموث، فبلغتها يوم 31 ديسمبر، وفي أول يناير 1876 جاء موظف من الخزانة البريطانية وتسلم الصناديق من قومندان الباخرة، وأودعت الأسهم في اليوم نفسه بنك إنگلترة.

كانت هذه الصفقة فوزاً عظيماً للسياسة الإنگليزية، ويرجع هذا الفوز إلي التلكؤ الذي بدا من الماليين الفرنسيين في الشراء، فقد اختلفوا في أن تكون الصفقة شراء أو قرضاً، وكان لابد من تضامن عدة ماليين لتقديم مبلغ المائة مليون من الفرنكات، فكان اختلافهم عقبة عطلت المفاوضات التي تولاها المسيو درڤيو، وبلغ المسيو فردينان دليسبس نبأ هذا التلكؤ، فطلب إلي وزير الخارجية الفرنسي، والدوق دي كاز أن يبذل نفوذه لتمام الصفقة، وفي خلال المفاوضات انعقد الاتفاق بين درڤيو والخديوي على أن يقترض هذا من نقابة الماليين الفرنسيين 85 مليون فرانك بضمانة الأسهم بحيث تصبح ملكاً للنقابة إذا لم يردها في ثلاثة أشهر، وهذا معناه البيع المستتر وراء الرهن، وتحرر بذلك العقد الابتدائي، ولم يكن باقياً لنفاذه إلا قبول الماليين الفرنسيين، وكان في مقدور الدوق ديكاز أن يتدخل في الأمر ويتعجل القبول قبل أن تفوز إنگلترة بالشراء ولكن العوامل السياسية ثبطت عزيمته ذلك أنه خشي إذا آلت الأسهم إلي فرنسا بطريقة ما ن سواء بالبيع أو الرهن، أن تؤدي إلي تكدير علاقات الود بين الدولتين وكانت فرنسا وقتئذ في حاجة غلي صداقة إنگلترة بعد أن خرجت مهزومة من الحرب السبعينية وصارت هدفاً لحرب جديدة تشنها عليها ألمانيا، وكانت هذه الدولة لا تفتأ تهددها وتتوعدها بالحرب، وتبغي الغارة عليها حتى تحول دون استعادة مركزها وتجديد قوتها، من أجل ذلك أحجمت وزارة الخارجية الفرنسية عن إبرام الصفقة لحساب الماليين الفرنسيين، وذاد في أحجامها أنها في خلال المفاوضات استطلعت رأي وزارة خارجية إنگلترة فيما يكون لإبرامها من الأثر في العلاقات الودية بين الدولتين، فجاءها الجواب بما يدل على معارضة إنگلترة في أيلولة الأسهم المصرية إلي أيدي الماليين الفرنسيين فثبط هذا الجواب عزيمة الدوق دي كاز، وجعله يرأى أن لا يتم التعاقد عليها، وأنتهزت إنگلترة هذه الفرصة لتبادر إلي الشراء، وكان لمهارة بنجامين دزرائيلي رئيس الوزارة الإنگليزية وعظيم كفاءته، وصلته بالبارون روتشلد، وكانت تربطهما صداقة قديمة، فضلاً عن اتفاقهما في الدين لأن كليهما يهودي الديانة، على أن يقدم لحساب الحكومة الإنگليزية ثمن الأسهم، وفي بداية الأمر طلب ليونيل دى روتشلد إمهالة بعض الوقت لأن المبلغ كبير للإتصال وجمع المال من أبناء عمومته وهم أصحاب بنوك في فرنساوألمانيا وإيطاليا ولكنه جاءهم في نفس الليلة وقبل تقديم المال اللازم فوراً قبل أن يغير الخديوي رأيه، في الوقت الذي كان الماليون الفرنسيين مختلفين في أن تكون الصفقة شراء أو ارتهاناً، وقد لجأ دزرائيلي إلي روتشلد لأن الفرصة عرضت في غيبة مجلس العموم، ولم يكن في مقدور الحكومة فتح اعتماد بمبلغ الثمن دون موافقة المجلس، وكان الوقت لا يسمح بالتأجيل أو انتظار عقد البرلمان، فتغلب بنجامين دزرائيلي على هذه الصعوبة بالاتفاق مع البارون روتشلد على أن يدفع هذا المبلغ عن الحكومة الإنگليزية مقابل سمسرة 2.5% من الثمن علاوة على فائدة 55 % سنوياً تحتسب له من يوم أدائه المبلغ إلي الحكومة المصرية إلي أن يتسلمه من الحكومة الإنگليزية.

أذاعت الصحف نبأ هذه الصفقة غداة إبرام عقدها، فكان لها دوي كبير في الدوائر السياسية الدولية، فقوبلت في فرنسا بالألم والاستياء، واعتبرت هزيمة للسياسة الفرنسية، وقابلتها ألمانيا بالسرور لأنها رأت فيها سبباً لفتور العلاقات الودية بين فرنسا وإنگلترة، واستاءت روسيا منها، إذ رأت فيها خطوة جريئة من السياسة الإنگليزية لتحقيق أطماعها في المسألة المصرية.

ولما اجتمع البرلمان الإنگليزي في فبراير 1876 ألمحت خطبة العرش إلى شراء الأسهم، فقبل العمل من المجلس بالاجتهاد والاستحسان العام، ووافق البرلمان على الاعتماد المطلوب وعلى عقد الاتفاق.

التبعات

أضاع إسماعيل بهذه الصفقة الخاسرة رأس مال عظيم القيمة في شركة القناة، وجعل استقلال مصر هدفا للخطر، دون أن تنال فائدة من الثمن، إذ ماذا تنفع أربعة ملاين في إنقاذ الخزانة من الهاوية التي انحدرت فيها؟ أضف إلى ذلك أن مصر خسرت خسارة مالية هائلة في بيع أسهمها، فقد اشترتها إنگلترة بثمن بخس أربعة ملاين من الجنيهات على حين أن ثمنها بلغ 32 جنيه سنة 1905، ثم صعد إلى 72 مليون جنيه سنة 1909، هذا فضلا عما فقدته مصر من أرباح هذه الأسهم.

والجدير بالذكر أن وعد بلفور وهو عبارة عن خطاب موجه من وزير خارجية بريطانيا أرثر بلفور إلى ليونل روتشلد وهو ابن (ناثان روتشلد (1840–1915)، وحفيد ليونل دى روتشلد الذي سبق ذكره. وأن البارون دموند روتشلد (1845- 1934) هو ابن أخي ليونل دى روتشلد - ولكنه من الفرع الفرنسي والذي يعود له الفضل في تأسيس أول مستوطنة يهودية في فلسطين سنة 1882 وقاد الدعاية للهجرة لأرض الميعاد من أوروپا وقام بتأجير سفن المهاجرين لفلسطين وقام بشراء الأراضي وإنشاء المزارع والمصانع وخاصة النبيذ بها حتى أن رفاته تم نقلها بعد موته من فرنسا لإسرائيل في فرقاطة بعد الحرب العالمية الثانية وكان في استقبالها بن گوريون وأطلقت المدافع عند وصولها للميناء. لذا فإن الفضل يعود لهذه العائلة على اليهود في العالم لدعمه المالي لهم وتأسيس إسرائيل.

وإن المرء ليدهش كيف تصل الحالة بالخديوي إسماعيل إلى حد التفريط في هذه الذخيرة القومية الكبيرة. وأين ذهبت تلك الملاين التي جباها من الضرائب أو حصل عليها من القروض طوال هذه السنين ؟ وهل يتفق هذا التصرف مع قوله حين ولي الحكم :"أنى أريد أن تكون القناة ملكا لمصر لا أن تكون مصر ملكا للقناه "؟.

لاشك أن تلك الأسهم كانت رمزاً حياً ومظهراً فعلياً لملكية مصر للقناة، فتفريطه فيها قضى على أمل مصر في أن تكون القناة على عهده ملكاً لمصر.

وقد كان هذا العمل عواقب سياسية تفوق العواقب المالية ضرراً فإن إنگلترة إنما قصدت بهذه الصفقة أن تجعل لنفسها الكلمة العليا في شئون القناة، ومن ثم تمهد لنفسها سبيل التدخل في شئون مصر، بواسطة امتلاك القناة وقد صارا لها فعلاً صوت مسموع للتحدث عن القناة ومصيره، ومصير الأرض التي تجتازها، ولم يفد كتاب أوروبا وسياستها أن يلمحوا الخطر الماثل في هذه الصفقة، غداة عقدها، فقد كتب المسيو شارل مازاد في "مجلة العالمين" الفرنسية بالعدد المؤرخ أول ديسمبر 1875 يقول:"إن هذا العمل سياسي محض، وهنا وجه الخطر فيه، فإذا لم يكن في ذاته احتلالاً لمصر، فإن الخطوة الأولى لهذا الاحتلال، والآن وقد اصبح لإنگلترة عميل يحتاج إلى أن تعطيه مائة مليون فرنك لتسوية ديونه، فهي لن تتركه وشأنه، بل تراقب ماليته، وتقرضه وتبذل له المال من جديد، وستطلب منه طبعاً ضماناً وتأمينات أخرى، وهكذا بعد أن كانت إنجلترا تعارض في إنشاء القناة تحولت سياسته إلى العمل لامتلاكها".

كتب هذا الكلام سنة 1875، وقد حققت الأيام مع الآسف هذه النبوءة، فان إنگلترة أخذت تحقق أطماعها في التدخل في شئون مصر، حتى احتلت البلاد سنة 1882، أي قبل أن تنقضي سبع سنوات على حيازة أسهمها في القناة، فالعوامل المالية للاحتلال الإنگليزي ترجع إذاً إلى قروض إسماعيل، ومنها الأربعة ملاين من الجنيهات التي اشترت بها إنگلترة أسهم في القناة فلا جرم إن كانت هذه الصفقة كارثة على البلاد.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً

المراجع