رسالة السيد محمود رياض وزير الخارجية إلى الدكتور جونار يارنج المبعوث الدولي إلى الشرق الأوسط حول الموقف الإسرائيلي من قرار مجلس الأمن

رسالة السيد محمود رياض وزير الخارجية إلى الدكتور جونار يارنج المبعوث الدولي إلى الشرق الأوسط حول الموقف الإسرائيلي من قرار مجلس الأمن، القاهرة، 8 ديسمبر 1968، منشور من جريدة الأهرام، العدد الصادر في 13 ديسمبر 1968.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنشور

الجمهورية العربية المتحدة

وزارة الخارجية

8 ديسمبر 1968

سري جداً

عزيزي السفير جونار يارنج

لقد صدر قرار مجلس الأمن في 22 نوفمبر 1967 متضمناً التسوية السلمية في الشرق الأوسط، والآن وقد انقضى عام على هذا القرار، فإن إسرائيل ما زالت تصر على اتباع أسلوب تشويه الحقائق والتلاعب بالألفاظ والتهرب من مواجهة التزاماتها التي يفرضها عليها قرار مجلس الأمن.


وإزاء ذلك فإني أود أن أسجل الملاحظات التالية:


إن إسرائيل لا زالت ترفض تنفيذ قرار مجلس الأمن، كما أنها ترفض الانسحاب من كافة الأراضي العربية التي احتلتها على إثر عدوانها على الدول العربية يوم 5 يونيه 1967، وهي بذلك ترفض تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط برفضها التسوية التي أقرها مجلس الأمن بالإجماع.

إن استمرار وجود قوات إسرائيلية فوق الأراضي العربية يشكل عدوانا دائما ومتواصلا على سيادة وسلامة الدول العربية.

إن إسرائيل لا تكتفي الآن برفضها قرار مجلس الأمن، بل هي أصبحت تعمل ضد هذا القرار، ويدلي المسئولون فيها بتصريحات تؤكد أهدافها التوسعية، وهي تعبر بذلك عن السياسة التي رسمتها الصهيونية العالمية منذ نشأتها والتي دأبت على تحقيقها لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين، والتوسع بها تدريجيا عن طريق العدوان والحرب.

فمنذ أن بدأت الصهيونية العالمية في تنفيذ خططها هذه، بدأت الاضطرابات في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط.

وعند طرح المشكلة الفلسطينية على الأمم المتحدة عام 1947 اتخذت الجمعية العامة قراراً بتقسيم فلسطين بين عرب فلسطين واليهود، وأقامت حدوداً لإسرائيل وهي الواردة في قرار الجمعية العامة لعام 1947

وعلى الرغم من أن شعب فلسطين والدول العربية ودولاً أخرى عديدة قد اعتبرت أن اقتطاع أرض عربية من شعب فلسطين وإعطاءها لإسرائيل، كان إجحافاً وعدواناً على حقوقهم، إلا أن إسرائيل لم تكتف بالحدود التي قررتها لها الأمم المتحدة بمقتضى قرار التقسيم عام 1947، بل عملت على التوسع، فاستولت في عام 1948 على أراض عربية أخرى تزيد 20% عما قرره لها قرار التقسيم، متجاوزة بذلك الحدود التي قررتها لها الأمم المتحدة.

إلا أن ذلك لم يكن ليرضي زعماء إسرائيل

فقد صرح بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل في أول يوم لقيامها عام 1948:

"ليست هذه نهاية كفاحنا (قيام إسرائيل) بل إننا اليوم قد بدأنا، وعلينا أن نمضي لتحقيق قيام الدولة التي جاهدنا في سبيلها من النيل إلى الفرات".

وذكر في أكتوبر 1951:

"إن المحافظة على الوضع الراهن لا يعتبر مجدياً، لقد أقمنا دولة ديناميكية تقوم على التوسع".

كما جاء في خطاب له عام 1952 في بير سبع:

"إنني أقبل تشكيل الحكومة الإسرائيلية بشرط أن أستخدم كل الوسائل الممكنة للتوسع جنوباً. وليفهم الجميع إن إسرائيل قامت بالحرب، وإنها لن تقنع بما بلغته حدودها حتى الآن. إن الإمبراطورية الإسرائيلية سوف تمتد من النيل إلى الفرات".

وقد بدأت إسرائيل في عام 1955 في تنفيذ مخططاتها التوسعية، فاحتلت في سبتمبر من هذا العام منطقة العوجة، وهي المنطقة المنزوع سلاحها حسب اتفاقية الهدنة والتي تعهدت إسرائيل باحترامها والالتزام بتنفيذ كافة بنودها، وطردت مراقبي الأمم المتحدة، وأنزلت علم الأمم المتحدة من هذه المنطقة وأعلنت ضمها لإسرائيل، متنكرة لتوقيعها هذه الاتفاقية.

ولم تكتف إسرائيل لهذا الحد، بل شنت عدوانها على مصر عام 1956 بقصد تحقيق أغراضها التوسعية. فأعلن بن جوريون ضم سيناء لإسرائيل، كما أعلن أن اتفاقية الهدنة قد ماتت ودفنت.

وقد اضطرت إسرائيل للانسحاب من سيناء عندما رفض المجتمع الدولي التوسع الإسرائيلي.

إلا أن إسرائيل ومن ورائها الصهيونية العالمية ظلت تستعد وتتحين الفرص من أجل تحقيق أهدافها التوسعية، فعاودت عدوانها على الدول العربية في الخامس من يونيه 1967 من أجل ضم المزيد من الأراضي.

وقد صرح أشكول في 12/6/1967 على إثر العدوان الإسرائيلي "بأن إسرائيل إذا احتلت أراضي جديدة فلن تعود أبدا إلى الحدود السابقة".

كما ذكر موشى ديان في 11/6/1967:

"إن قواتي ينبغي أن تبقى في سيناء، وإن القدس ينبغي أن تظل عاصمة إسرائيل تحت سيادتها. إن إسرائيل يجب ألا تتنازل عن قطاع غزة والضفة الغربية من الأردن".

وصرح ديان في 10/8/1967:

"إن إسرائيل ترفض العودة إلى حدود عام 1949 القديمة، وإن على إسرائيل ألا تسمح لدول أخرى تعمل لمصلحتها الخاصة أن تجبرها على العودة إلى الأوضاع القديمة".

"إسرائيل لن تعود إلى اتفاقيات الهدنة أو لتلك الحدود التي أقرتها هذه الاتفاقيات".

"إن إسرائيل يجب أن تحتفظ بجزء من سيناء بما فيها شرم الشيخ. إن حدود إسرائيل يجب أن تمتد من نهر الأردن إلى البحر الأبيض، وإن المرتفعات غرب الأردن يجب أن تكون قاعدة دفاع عن حدود إسرائيل".

كما صرح ديان في الخامس من يوليه 1968 أمام اتحاد شباب الكيبوتز الإسرائيلي في اجتماع عقده في الأراضي السورية المحتلة جاء به ما يلي:

"إن آباءنا قد وصلوا إلى الحدود التي اعترف بها مشروع التقسيم عام 1947، وإن جيلنا قد وصل إلى حدود 1949. أما جيل الأيام الستة (أي الجيل الذي قام بعدوان 5 يونيه) فقد أمكن له الوصول إلى السويس ونهر الأردن وهضبة جولان في سوريا". ثم أعلن موشي ديان: "إن هذه ليست النهاية، لأن هناك بعد خطوط وقف إطلاق النار الحالية خطوطا جديدة تصل إلى ما وراء نهر الأردن، وقد تصل إلى لبنان وأواسط سوريا".

وصرح ايجال آلون نائب رئيس الوزراء الحالي في 15/7/1967:

"إن أمن وسلم حدود إسرائيل الشمالية يتطلب منا عدم التخلي عن مرتفعات جولان السورية، كما أن نهر الأردن يجب أن يعتبر حدوداً شرقية لإسرائيل".

كما صرح ديان يوم 17 أكتوبر 1968 بما يلي:

"يجب أن نقيم المستعمرات في مرتفعات جولان، وأن نحصن سيناء، وأن ندمج الضفة الغربية وغزة اقتصادياً وإدارياً في إسرائيل".

وذكر رئيس وزراء إسرائيل في الكنيست يوم 5 نوفمبر 1968:

"إننا عندما نقول إن نهر الأردن يعتبر حدوداً آمنة بالنسبة لإسرائيل، فإننا نعني بذلك أنه بمجرد عقد اتفاقية سلام لن نسمح لأي قوات أجنبية بأن تعبر تلك الحدود، حتى بعد توقيع اتفاقية صلح، وإن إسرائيل لن توافق على بقاء قوات أردنية أو عربية أخرى في الضفة الغربية للأردن في أية تسوية نهائية".

كما صرح أيضاً في الكنيست في 11 نوفمبر 1968:

"إن إسرائيل سوف تتمسك بمضايق تيران كجزء من أية تسوية لمشكلة الشرق الأوسط".

وهكذا تتضح خطة إسرائيل التوسعية من عدوانها على ثلاث دول عربية في الخامس من يونيه 1967، فهي من واقع تصريحات المسئولين تهدف إلى:


1. ضم القدس.

2. وجود قوات إسرائيلية في سيناء والضفة الغربية ومرتفعات جولان في سوريا.

3. إنشاء مستعمرات إسرائيلية في الضفة الغربية وجولان في سوريا.

4. إدماج الضفة الغربية وغزة اقتصادياً في إسرائيل.

5. نزع سلاح كافة المناطق العربية التي تحتلها إسرائيل، بمعنى عدم وجود قوات عربية بها، مع تواجد قوات عسكرية إسرائيلية. وإنشاء مستعمرات إسرائيلية فيها.

هذا هو مفهوم السلام لدى إسرائيل، وهذه هي التسوية التي تبغي فرضها على الدول العربية والتي تقوم على استمرار احتلالها للأراضي العربية تمهيداً لاغتصابها بعد التخلص من سكانها العرب، ولجلب المزيد من المهاجرين اليهود لإسرائيل.

وإن سياسة إسرائيل هذه ومطامعها الإقليمية ومخططها التوسعي العدواني تفسر رفضها تنفيذ قرار مجلس الأمن والذي يطالبها بالانسحاب من كافة الأراضي العربية التي احتلتها على إثر عدوانها في الخامس من يونيه 1967، كما يؤكد عدم شرعية ضم أراض نتيجة للحرب.

إلا أن إسرائيل تحاول الإيحاء بأنها تعمل من أجل إيجاد تسوية سلمية حسب قرار مجلس الأمن، وذلك عن طرق طرح أسئلة عديدة في مذكراتها التي قدمتها لكم. وإسرائيل بذلك تعمل بوجهين مختلفين، الأول الذي يمثل السياسة العدوانية التي تتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن، هذه السياسة التي يعبر عنها بوضوح رئيس وزراء إسرائيل والمسئولون فيها. أما الوجه الآخر فهو الذي يتمثل في المذكرات التي تتقدم بها إسرائيل إليكم والتي تملأها بالخداع والتلاعب بالألفاظ، وكأن العالم لا يسمع تصريحات رئيس وزراء إسرائيل والمسئولين فيها حول مفهوم التسوية السلمية التي يريدون فرضها على الدول العربية، ولا يشهد ما تقوم به إسرائيل فعلا من أعمال عدوانية وتوسعية فوق الأراضي التي تحتلها.

وفي الوقت الذي مازالت إسرائيل تكرر فيه هذه الأسئلة، فقد امتنعت عن الإجابة على السؤال الأساسي وهو:

"هل إسرائيل على استعداد لتنفيذ قرار مجلس الأمن، والانسحاب من أراضي الدول العربية؟" "وهل يمكن لإسرائيل أن توضح لكم كيف يمكن إنهاء حالة الحرب في الوقت الذي يعلن فيه المسئولون في إسرائيل عن تصميمهم لضم أراض عربية وعن الإصرار على استمرار تواجد قوات إسرائيلية في مناطق عربية عديدة؟"

كما أننا نلاحظ إن إسرائيل لازالت ترفض حتى الآن الإجابة على الأسئلة المتكررة التي وجهتموها لها بالنسبة للحدود الآمنة.

إن الجمهورية العربية المتحدة ما زالت مقتنعة بأن تنفيذ قرار مجلس الأمن إنما سيؤدي إلى حالة سلام في الشرق الأوسط، وإن الوصول لهذا الهدف يتطلب أن تقوم إسرائيل بسحب قواتها من كافة الأراضي العربية التي احتلتها نتيجة لعدوانها في الخامس من يونيه سنة 1967.

وأود أن أؤكد لكم أنني، سأظل مستعدا للاستمرار في اتصالاتي معكم، كما أن الجمهورية العربية المتحدة ستواصل تعاونها معكم في سبيل تنفيذ المهمة التي تقومون بها.


المصادر