العلاقات التركية الفلسطينية

العلاقات التركية الفلسطينية
Map indicating locations of Palestine and Turkey

فلسطين

تركيا

العلاقات التركية الفلسطينية،هي العلاقات الثنائية التاريخية والحالية بين تركيا وفلسطين.

شكلت المساعدات التركية مصدر إغاثة إنسانية لفلسطين، خاصة منذ بدء حصار قطاع غزة الذي تفرضه إسرائيل ومصر.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

على الرغم من علاقات تركيا البناءة مع إسرائيل، كانت الدبلوماسية بين تركيا والسلطة الوطنية الفلسطينية قوية ومفيدة نسبيًا، لا سيما عندما اتخذ رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في ذلك الوقت، إجراءات في الرد اللفظي على الاعتداءات الإسرائيلية على المقاومة في غزة. تاريخيًا، كانت فلسطين تحت الحكم التركي (الدولة العثمانية) لأربعمائة عام قبل الانتداب البريطاني على فلسطين.[2] حد الحكام العثمانيون بقوة من موجات الهجرة الصهيونية خلال فترة حكمهم.[بحاجة لمصدر] سعت تركيا لسرقة دور مصر كوسيط في عملية المصالحة الفلسطينية الداخلية. فهي، إلى جانب قطر، تقدم لحركة حماس الدعم السياسي والإنساني والدبلوماسي. ومع ذلك، يعتقد بعض المحللين أن تركيا تستخدم القضية الفلسطينية فقط لدفع أجندتها الإقليمية ولأنها تحظى بشعبية كبيرة بين الشعب التركي.[بحاجة لمصدر]. رحبت تركيا بتصويت الأمم المتحدة في 30 نوفمبر 2012، مما جعل فلسطين دولة غير عضو في المنظمة الدولية، قائلة إن هذه اللفتة الدراماتيكية ستعزز عملية السلام المحتضرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.[3]


العلاقات السياسية

تُعد تركيا واحدة من دول الإقليم القليلة التي تحتفظ بعلاقات ٍجيدة بشكل متواز مع قطبي السياسة الفلسطينية فتح وحماس"، هذا التوجه التركي مخالف لقاعدة التحالفات الإقليمية التي تتبناها كافة دول المنطقة، توافقاً مع ما تحظى به السياسة الخارجية التركية من مستوى جيد من الاستقلالية ومقاومة الضغوط الخارجية، إلى جانب مراعاة عنصر البرجماتية في بعض الأحيان لتحقيق التوازن ما بين محددات العلاقة وأهدافها، خاصة ًوأن للمسألة الفلسطينية أهميتها وحضورها لدى الأوساط التركية شعباً وأحزاباً؛ فقد تم افتتاح مكتب تمثيل منظمة التحرير في العاصمة أنقرة عام 1979، فيما كانت تركيا العلمانية ثاني دولة من خارج الدول العربية تعترف بالدولة الفلسطينية عام 1989 بعد إعلان الاستقلال في الجزائر، وقد جسدت ذلك بتحويل مقر منظمة التحرير في أنقرة إلى سفارة فيما بعد.

وفي ظل عدم نجاح سياسة "صفر مشاكل" التي تبناها وزير الخارجية ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو بسبب المتغيرات الإقليمية المتمثلة في توتر العلاقات مع إسرائيل والخلاف مع القوى الإقليمية الذي حول مسار التغيير في العالم العربي وما أطلق عليه الربيع العربي، واضطرارها التدخل في بعض النزاعات الإقليمية من جهة ٍ أخرى، أبقت تركيا على علاقات ٍجيدة مع قطبي السياسة الفلسطينية حركة حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية؛ لكن هذه العلاقة كانت دون المأمول فلسطينياً، خاصة ًوأن جميع هذه المتغيرات الإقليمية تسببت في حصر الدور التركي في حدود ضيقة أشغل تركيا عن التفرغ لملفات القضية الفلسطينية، الأمر الذي جعلها تتغاضى عن شرط رفع الحصار عن غزة لعودة العلاقات مع "إسرائيل" فياتفاق روما عام 2016، كما لم تنجح في تنفيذ وعدها بحل أزمة الكهرباء في غزة.

تاريخياً، سعت تركيا لكسب دعم الدول العربية في القضية القبرصية-على وجه الخصوص-سواء على صعيد الأمم المتحدة أوعلى صعيد منظمة المؤتمر الإسلامي، وهذ ما يفسر توجه تركيا لبناء علاقات دبلوماسية مع الدول العربية. كما كان للأزمات السياسية والاقتصادية التي عانت منها تركيا آنذاك دوراً كبيراً في تقليل اعتمادها على الدول الغربية الرافضة لإدخال تركيا ضمن الاتحاد الأوروپي والتوجه نحو الدول العربية الغنية بالموارد النفطية؛ مفضلة ً البقاء في معزل عن الأزمة التي تولدت إثر استخدام سلاح النفط من قبل الدول العربية الأعضاء في الأوبك، ورغبتها في الحفاظ على امتيازاتها النفطية لدى هذه الدول؛ لذا بدت تركيا أكثر اهتماماً بقضايا الشرق الأوسط،وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. ومؤخراً، وفرت حكومة العدالة والتنمية بيئة سياسية مواتية لإطلاق المجتمع المدني في تركيا السفينة ماڤي مرمرة عام 2010 بمعزل عن ضغوط الوضع الداخلي التركي، خاصة وأن التعديلات الدستورية التي أجريت مكنت المدنيين من الإمساك بالسياسة الخارجية وتفعيل ممارسة صلاحياتها بعيداً عن سيطرة الدولة العميقة المتمثلة بقيادة المؤسسة العسكرية، خصوصاً فيما يتعلق بملفات اليونان ودول الشرق الأوسط.

وكان مما أثر سلباً أيضاً على العلاقة بين تركيا وحماس، ماتم تداوله حول العلاقة بين الأخيرة ومحمد دحلان المتهم من بعض وسائل الإعلام في تركيا بتورطه في الانقلاب العسكري عام 2016، وهو ما حاول الرئيس محمود عباس استغلاله للتقارب مع الجانب التركي، ليس بهدف الاستفادة من دور تركيا الاقليمي لمصلحة السلطة الفلسطينية فحسب؛ إنما في محاولة لمزاحمة حماس وعدم ترك المجال لها لتطوير تحالفها مع تركيا؛ ما تسبب في إبعاد تركيا عن التأثير على المعادلة الداخلية الفلسطينية مؤقتاً.

وقد نجح محمود عباس في التمهيد لتفاهمات أمنية مشتركة مع تركيا عام 2018، وكانت تركيا محطة مهمة لعباس في يوليو 2021 بعد حرب غزة "سيف القدس" للانتهاء من توقيع الاتفاق الأمني؛ تمهيدا ً لنقل العلاقات الفلسطينية التركية لتكون أشبه بالنموذج الليبي، وهذا ما تطمح إليه تركيا في إطار صراعها على الغاز مع قوى شرق المتوسط.

تركيا والقضية الفلسطينية

يستدعي استعراض المحطات في العلاقات التركية الفلسطينية، الكثير من التساؤلات حول محددات تلك العلاقات، وإمكانية الاستثمار فيها فلسطينيا ً وإقليمياً، بالإضافة إلى تقييم تجربة تلك العلاقة بقطبي السياسة الفلسطينية فتح وحماس، وأخيراً، مستقبلها في ضوء تحولات ومتغيرات علاقات تركيا الإقليمية والدولية، والتحولات المحتملة على مستوى السياسة الداخلية، خاصة ً وأن تركيا مُ قبلة على انتخابات برلمانية ورئاسية حاسمة عام2023، سيكون لها انعكاسات على السياسة الخارجية التركية، وأجنداتها الإقليمية، وفي مقدمتها ملفات القضية الفلسطينية.

  • التعامل مع القضية الفلسطينية كمفتاح لدورها الإقليمي في المنطقة: ربطت تركيا علاقاتها مع العالم العربي بفتح مكتب تمثيل لمنظمة التحرير الفلسطينية في أنقرة عام 1979، وذلك في سياق محاولة تأمين احتياجاتها النفطية من قبل الدول العربية والتخلص من إحباطها بعد الفشل المتواصل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروپي على الرغم من تقديم التنازلات في بعض الملفات الإقليمية في سبيل ذلك، بالإضافة إلى رغبتها في كسب الدعم العربي لموقفها في القضية القبرصية. بالرغم من اعتراف تركيا باسرائيل مبكراُ عام 1949 وحفاظها على مستوى محايد فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إلا أن هناك محددات إقليمية تمثلت في استمرارية المواجهات العربية الإسرائيلية على أكثر من جبهة، وداخلية تمثلت في توالي الانقلابات العسكرية، أثرت على إبقاء العلاقة بعيداً عن التطور في مختلف المجالات، وهو ما لُوحظ فيما يتعلق بعلاقاتها الاقتصادية، حيث لم يتجاوز التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب حد ٢٠٠مليون دولار سنويا ً حتى عام 1994، ومع توقيع اتفاقية أوسلو تضاعف التبادل عام 1996 ليصل لنحو 763 مًليون دولار سنوياً.

وبالنسبة لعلاقاتها في المجالات العسكرية والأمنية، التي دفعت بها عملية السلام بين منظمة التحرير وإسرائيل إلى الارتفاع بشكل ٍ ملحوظ وغير مسبوق، حيث وقعت العديد من الاتفاقيات العسكرية بين الطرفين، إثر توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، لذا وصفت فترة التسعينيات بالمرحلة الذهبية في العلاقات العسكرية؛ وذلك تزامناً مع تخلص تركيا من العتب والإحراج السياسي إقليمياً مع التطبيع المتبادل بين طرفي الصراع أنفسهم، الأمر الذي جعلها ترفع من مستوى التمثيل الدبلوماسي مع كلا الطرفين بفتح سفارتهما عام 1991. بالإشارة إلى السفينة مرمرة، فقد جاءت بعد حوالي 7 سنوات من صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، وكانت حدثاً مهماً للسياسة الخارجية التركية التي بدأت تتخذ توجهاً مستقلاً عن إملاءات المؤسسة العسكرية وهيمنتها إثر التعديلات الدستورية، ومنذ ذلك الحين أخذت علاقات تركيا بقطبي السياسة الفلسطينية حركة حماس والسلطة الفلسطينية تشق طريقها نحو التطور على المستويين الإنساني الإغاثي والسياسي.

تدرك تركيا أنه من خلال القضية الفلسطينية يمكنها أن تلعب الكثير من الأدوار الإقليمية في الشرق الأوسط، فهي لا تترك الطرف الفلسطيني يتجه لتحالف الغاز المضاد في المتوسط من جانب، وتبقي على القضية الفلسطينية واحدة من أهم أدوات الضغط على "إسرائيل"، أو تخفيف الضغط الاقليمي عليها عبر حزب العمال الكردستاني-حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تعتبرهما تركيا منظمتين إرهابيتين، وتتهمهما بتلقي الدعم من إسرائيل والولايات المتحدة.

ومهما بلغ مستوى العلاقات بين الجانبين الفلسطيني والتركي، إلا أن الأخيرة تحافظ على خطوط حمراء لا تتجاوزها في علاقتها مع الأطراف الإقليمية والدولية المختلفة، وهو ما بدا واضحاً في اتفاق إعادة العلاقات مع إسرائيل بعد انقطاعها بسبب حادثة السفينة مرمرة حتى عام 2016، وقبل ذلك طلبت السلطات التركية مغادرة صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس الحالي الأراضي التركية، على إثر تصريحات له في إسطنبول عام 2015 تبنّى خلالها عملية خطف المستوطنين الثلاث في الخليل، الأمر الذي لا ترغب به تركيا لكيلا تسجل موقفًا يدينها أمام حلفائها الدوليين في الغرب.

كلما تحسنت علاقات تركيا بحلفائها الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، انعكس ذلك سلباً على توجهات تركيا فيما يتعلق بسياستها الخارجية تجاها لقضايا العربية عامةً، والقضية الفلسطينية خاصةً، على سبيل المثال؛ تبنت تركيا مواقفاً أكثر حذراً، خلال فترة الثمانينيات، وذلك على إثر محاولتها تحسين علاقاتها بالغرب بابتعادها عن أي توجهات قد تصيب هذه العلاقة بالسوء، على العكس تماماً ًمن توجهاتها خلال فترة السبعينيات، حيث شهدت علاقاتها بالغرب والولايات المتحدة ًبروداً وتراجعاً ملحوظاً بسبب القضية القبرصية التي كانت أيضاً الدافع الرئيسي لنسج تركيا علاقات إيجابية مع دول العالم العربي على مختلف المستويات آنذاك، وتبنت مواقفاً تتماشى وتتقاطع في عمقها الإقليمي مع المواقف العربية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهي المقاربة ذاتها ًالتي لعبت دوراً خلال انقطاع العلاقات السياسية والدبلوماسية والعسكرية مع "إسرائيل" بعد الهجوم على السفينة مرمرة عام 2010، واستمرت حتى اتفاق روما لتطبيع العلاقات عام 2016، حيث شهدت سنوات القطيعة الدبلوماسية تقارباً تركياً من القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهو ما بدأت ًتركيا مؤخرا مراعاته -نسبياً- من خلال تبني مواقفا ًأكثر حذرا؛ ًرغبة في منع أي توتر لعلاقاتها بحلفائها الدوليين من شأنه أن يؤثر على الوضع الاقتصادي عامةً، وعلى وضع الحزب الحاكم الداخلي، خاصةِ، وأنه على أبواب انتخابات مرتقبة.

منذ عام2002 يسيطر حزب العدالة والتنمية على الحكم، لكن تعقيدات البيئة الداخلية التركية تحد من حركة السياسة الخارجية، فتدخل تركيا في ليبيا بطلب من الحكومة الشرعية في طرابلس، وتوتر علاقاتها مع أطراف عربية وغربية عرّضها لانتقادات داخلية متواصلة من أحزاب المعارضة، هذه الانتقادات تلقى صداها في الشارع التركي، خاصة وأن انعكاسات تلك المتغيرات في علاقاتها الإقليمية والدولية جراء تدخلاتها تظهر بشدة على مستوى الاقتصاد التركي. ولعل ما يميز القضية الفلسطينية عن غيرها من القضايا الاقليمية المرتبطة بتركيا، أنها تحظى بتعاطف شعبي جيد مقارنة بالقضايا والملفات الأخرى، الأمر الذي حرصت أحزاب المعارضة على إظهاره مؤخراً، من خلال ترحيب واستقبالبعض قياداتها لرئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، وكذلك أثناء تغطية وسائل إعلامها لقضية إلقاء الأمن التركي القبض على خلية عملاء للموساد الاسرائيلي مكونة من 15 شخص، تطرقت إليها بشكل ٍايجابي، وركزت التحليلات على معاناة الفلسطيني في الخارج بسبب الملاحقة الأمنية الاسرائيلية، واستعرضوا بعض حوادث الاغتيالات للفلسطينيين في بلدان مختلفة.

لكن تبقى بعض مكونات المجتمع التركي ذات الصبغة العلمانية والقومية، عائقا ً أمام الانفتاح التركي على العالم العربي، وبدرجة أقل على القضية الفلسطينية، لذلك تراعي الحكومة التركية تلك البيئة وتحرص على عدم توفير دعم عسكري وأمني لحركة حماس، وتكتفي بالدعم الإنساني والسياسي؛ مراعاة لتركيبة السياسة الداخلية التركية المتمثلة بأحزاب المعارضة من جهة، والقوى الاقليمية والدولية من جهة أخرى، نظراً لما تمتلكه هذه القوى من أدوات داخل اللعبة السياسية التركية، وهذا ما يجعلها تفضل البقاء في المنطقة الرمادية، ورفع مستوى الدعم والمساندة تدريجياً وفق حساباتها الداخلية دون المساس بهذا المحدد.

كان للمرجعية الفكرية ذات الجذور الإسلامية لعدد منقيادات الحزب الحاكم دوراً مهماً وملحوظاً في نشوء علاقات جيدة بين قيادات حزب العدالة والتنمية وحركة حماس منذ بدايات اقتحام الأخيرة معترك السياسة؛ إثر فوزها في انتخابات 2006، وقد كان لهذا العامل دوراً كبيراً في صياغة التوجهات الأولية لحكومة العدالة والتنمية متمثلة برئيسها أردوغان، الذي برر علاقاته مع حركة حماس في البدايات بعد التعرض للانتقادات داخلياً وخارجياً بأن حماس على رأس حكومة منتخبة، ويجب دمجها في مسار عملية السلام وإعطائها فرصة سياسية، كما فُ عل قبل ذلك مع حركة فتح وقيادتها المتمثلة في ياسر عرفات.

باحتكار مصر لإدارة ملف المصالحة الفلسطينية دوراً سلبياً في العلاقة بين تركيا وحماس، حيث تجاهل المصريون الموقف التركي؛ مثلما جرى عندما اضطرت حماسإلى التنازلعن اللجنة الإدارية لقطاع غزة للجانب المصري دون علم الأتراك، كما تأثرت ًالعلاقة أيضاً نتيجة تداعيات اتفاق الشاطئ 2014، الذي قاد حركة حماس إلى التنازل عن حكومتها "الحكومة المقالة"، التي كانت تمثل أحد مبررات تطوير العلاقات بين الجانبين في ضوء الاعتبارات القانونية والشرعية. لابد من الإشارة هنا، إلى أن الدور التركي عادة ما يصطدم بالدور المصري، الذي شكل عائقاً حقيقياً أمام المحاولات التركية لتفعيل دورهم، خاصة فيما يتعلق بلعب دور الوساطة في بعض ملفات القضية الفلسطينية، وهو ما لوحظ عندما باءت معظم محاولات الأتراك وعدد من دول الإقليم بالفشل بمجرد اصطدامها بالتضييق المصري خلال محطات تاريخية مختلفة، فمثلاً؛ على الرغم من إبداء أردوغان - أكثر من مرة-رغبة تركيا لعب دور الوساطة في ملف المصالحة الفلسطينية، إلا أن مصر سمحت لتركيا فقط بالتواجد كضيف ٍمراقب عام 2011؛ ويرجع ذلك إلى ما يتمتع به الدور المصري من عوامل تاريخية، وقرب ٍ جغرافي، وأيضاً عوامل سياسية تتعلق بتفاهمات كامب ديڤد التي دعمّت هذا الدور بدعم أمريكي وعلاقة جيدة مع إسرائيل- مكنت مصر من لعب دور الوساطة تارة، وتمثيل القضية الفلسطينية بمشاركة الفلسطينيين تارة أخرى.

بعد فشل محاولة الانقلاب 2016، تخلصت الحكومة التركية من الكثير من معارضيها على مستوى الدولة العميقة، وفُصل وحُوكم آلاف الموظفين في كافة أجهزة الدولة المدنية والأمنية والقضائية، وشهدت السياسة الخارجية نقلة غير مسبوقة على صعيد التحول من السياسة الدفاعية إلى الهجومية في بعض القضايا الإقليمية، وهو ما انعكس إيجابياً على علاقة تركيا بقطبي السياسة الفلسطينية حماس والسلطة الفلسطينية، حيث وفرت تركيا البيئة المناسبة والآمنة لإقامة القيادات الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس التي توُ فر لها أيضاً مساحة من حرية السياسية والإعلامية والقانونية وفق صيغ مؤسسية تلتزم القوانين التركية المعمول بها التي تنظم عمل الجمعيات والمؤسسات المدنية.

العلاقات مع حماس

تُعتبر تركيا البلد الوحيد القادر على إتاحة حرية الحركة لقيادات العمل الوطني الفلسطيني بمختلف توجهاته وانتماءاته، حيث تعقد العديد من الجهات والمؤسسات الفلسطينية لقاءاتها ومؤتمراتها في تركيا نظرا ً للحرية السياسية والقانونية التي يتيحها القانون التركي بخلاف عدم توفر مثل هذه الامكانية لدى دول تعتبر على صلة بالوضع الفلسطيني وتتمتع بصلات قوية مع حركة حماس؛ كقطر وإيران، إضافة إلى ضمان البيئة القانونية والسياسية في تركيا من خلال إمكانية ترخيص مؤسسات فلسطينية، والتي تساهم في تطوير الحالة الفلسطينية داخل تركيا وخارجها باتجاه دعم واسناد الفلسطينيين في الداخل، فضلاً عن إمكانية الانفتاح على المجتمع المدني التركي دون معارضة الحزب الحاكم.

ساهمت العلاقات الجيدة لحماس مع تركيا بجانب عوامل أخرى، من تطوير الموقف السياسي لحركة حماس اتجاه قضايا الصراع مع دولة الاحتلال، مثل مسألة القبول المبدئي بفكرة إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 في إطار حل الدولتين مع تمسّك حماس بعدم الاعتراف باسرائيل، ويعتبر ذلك نوع من التمهيد لأن تكون طرفاً مقبولاً إقليمياً ودولياً في حال جرت أي ترتيبات مستقبلية بشأن القضية الفلسطينية، وهو ما ظهر بشكل ٍ واضح من خلال قيام حركة حماس بتغيير بنود وثيقتها المتعلقة بهذه المسألة، كما يمكن أن تمنح هذه العلاقة حماس إمكانية الاستفادة من الدور الإقليمي المتنامي لتركيا في إطار سياسة شرعنتها إقليمياً؛ أبرزها دور تركيا الإقليمي فيسبيل تحسين علاقات حماس مع أطراف عربية، كالإمارات والسعودية، خاصة في ظل تطبيع العلاقات الثنائية مع تلك الأطراف مؤخراً.[4]

على الجانب الآخر، تسعى تركيا إلى تحقيق مكاسب سياسية من علاقاتها مع الأطراف الفلسطينية، وهذا ما يفسر توقيعها الاتفاق الأمني مع السلطة الفلسطينية، حتى إن كانت تركيا ترفض أي نشاطات عسكرية لحماس تنطلق من أراضيها، إلا أنها لا تسعى إلى فرض رؤيتها على حركة حماس، وهذا ما يفسر أيضا ً تصريحات وزير الخارجية الصهيوني يائير لاپيد الذي طالب فيها إغلاق مكاتب حركة حماس في إسطنبول. تُعد تجربة العلاقات الحمساوية التركية فريدة من نوعها، مقارنة مع تجارب أخرى مشابهة، لكن في المقابل لم ينعكس ذلك على شكل دعمٍ مادي مباشر للحالة الفصائلية أو السياسية التي تقودها حركة حماس في قطاع غزة، ويعود ذلك إلى ما بعد اتفاق الشاطئ 2014، وحل اللجنة الادارية 2018؛ فقد أثرت تلك الأحداث سلباً على تواصل المؤسسات التركية العاملة في غزة مع حكومة حماس. تتمحور السمة الإيجابية في العلاقة بين حماس وتركيا، في كون الطرفين على اتصال دائم ومباشر على المستويات المختلفة وفي مقدمتها المستوى السياسي، خلافاً لما جرت عليه العادة في بعض علاقات الفصائل الفلسطينية بالأنظمة السياسية المختلفة في الإقليم حيث ظلت تتعامل معها باعتبارها ملفاً أمنياً أو حصرت التواصل فقط في القنوات الأمنية والاستخباراتية، وهذا مؤشر جيد يشير إلى إيلاء تركيا أهمية خاصة للعلاقة مع حركة حماس ووفق مقاربة جزء مهم من السياسة الخارجية التركية، وهو ما يعطي انطباعاً إيجابياً فيما يتعلق بطبيعة التوجه التركي الرسمي نحو علاقتها بحركة حماس. يؤخذ على حركة حماس في علاقاتها مع تركيا عدم سعيها الى الانفتاح على المجتمع التركي والأطراف السياسية المختلفة، وقد بدأت تتنبه لهذه المسألة مؤخراً، خاصة في أن استطلاعات الرأي في تركيا تشير إلى وصول تراجع في شعبية حزب العدالة والتنمية، وهذا ما يستدعي سعي الحزب الحاكم إلى التحالف مع أحزاب جديدة خلافاً لحزب الحركة القومية.

حاولت تركيا اتباع سياسة متوازنة في صياغة علاقاتها مع الأطراف المختلفة المتواجدة في الساحة الفلسطينية بشكل متزامن، ما منحها دوراً بارزاً وفعالاً في القضية الفلسطينية، خاصة ً في ما يتعلق بالمجال الإنساني من خلال تسهيل وصول مساعداتها عبر مؤسساتها الرسمية، وفي المجال السياسي من خلال مواقفها السياسية الداعمة للقضية الفلسطينية في المؤسسات الدولية والإقليمية، وبجانب حفاظها على علاقات جيدة مع حماس، أقامت بشكل رسمي علاقات جيدة مع السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس.

في إطار هذه العلاقة الرسمية، التي بدأت سابقاً مع منظمة التحرير، ومن ثم دخلت في إطار التعاون المشترك والمتبادل مع السلطة الفلسطينية عام 1994، عقب اتفاقية أوسلو، أولت السلطات التركية أهمية إلى علاقتها بالسلطة الفلسطينية الجديدة، فقد تم تعيين مسؤول تركي برتبة وزير معني بشكل مباشر بقضية القدس في تركيا، وفي سياق هذا التعاون المشترك بين الطرفين عملت تركيا على ترسيخ العلاقات التجارية، بهدف تعزيز دورها المتنامي في القضية الفلسطينية في الآونة الأخيرة، من خلال مشاريع حقيقية على أرض الواقع تكون نتائجها ملموسة على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وهو ما لوحظ من خلال مؤسساتها التنموية ومشاريعها المستمرة، التي تمثلت في افتتاح "مكتب التنمية" في مدينة رام الله، ومن ثم مكاتب تيكا TİKA والهلال الأحمر التركي، كما تُوّج هذا التوجه التركي نحو التنمية الاقتصادية للسلطة الوطنية بتوقيع سلسلة من التفاهمات المشتركة اشتملت على تعاون اقتصادي تجاري عام 2018. وبالنسبة للدعم السياسي المتبادل فقد حاولت تركيا العمل على عقد وساطة سلام بين السلطة ودولة الاحتلال في نوفمبر 2007، حيث لبى كل من محمود عباس وشمعون پـِرِس دعوة عبد الله گول، وألقيا خطاباً أمام البرلمان التركي، وأُطلق على تلك المبادرة "كامب ديڤد تركيا"، وعلى الرغم من أنها باءت بالفشل إلا أنها أعطت مؤشرا ً واضحا ً على الرغبة التركية في إطار سياستها الخارجية تجاه القضية الفلسطينية بلعب دور إقليمي فعال، في المقابل بذلت السلطة الفلسطينية هي الأخرى جهودا ً للوساطة في تسوية النزاع بين تركيا واليونان بين عامي 1999-2002.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مستقبل العلاقات

تدرك تركيا حساسية المسألة الفلسطينية، وتظهر رغبة واضحة في الحافظ على توازن علاقتها مع الأطراف الفلسطينية المختلفة، ولا تميل إلى التعامل بمنطق التحالف مع طرف فلسطيني ضد آخر رغم استفادة كل الأطراف من هذه العلاقة، وهذا ما أكد عليه الرئيس التركي أردوغان في لقاء غير معلن مع قيادة حماس، بعد زيارة الرئيس محمود عباس إلى تركيا في يوليو٢٠٢١، حيث أشار الرئيس التركي أن تركيا تعطي أهمية خاصة لعلاقتها بالرئيس أبو مازن والسلطة الفلسطينية في رام الله، كونهامعترف بها ًدولياكممثل ٍ عنالشعب الفلسطيني.

أثبتت التجارب السابقة أن المراهنة على طرف سياس ي بعينه وتجاهل الأطراف السياسية الأخرى، أو بناء العلاقات اعتمادا ً على أيديولوجيا فكرية معينة أمر محفوف بالمخاطر، وقد يكلف مختلف الأقطاب الفلسطينية الكثير من الخسائر على مستوىالعلاقة بتركيا، في حال حدوث أي تحولات في المشهد السياسي التركي، مما ينذر بنتائج كارثية ، لأن تركيا العدالة والتنمية لا توفر بيئة مناسبة لحركة حماس في أراضيها فحسب؛ بل تتعداها إلى مستوى حلفاء أخرين، فالسياسة الخارجية التركية القوية شكلت درع حماية للحكومة القطرية التي تستضيف حركة حماس وتوجّ ه لها بعض أشكال الدعم السياس ي والمالي. أمّ ا إمكانية توجه كلا القطبين، وخاصة حركة حماس، مؤخرا ً نحو الانفتاح على الأطراف السياسية الأخرى، قد لا يحقق النتائج المرجوة الآن، لأن أحزاب المعارضة التركية منشغلة في صراعها مع أردوغان، وتحاول استغلال الأزمة الاقتصادية لمصلحتها، وتطالب بانتخابات مبكرة بهدف توجيه أنظار الشعب التركي نحو ما تراه أخطاء الرئيس أردوغان في السياسة الداخلية والخارجية، أو بعبارة أخرى، فإن انشغال تلك الأحزاب بالأوضاع الداخلية قد لا يمنح القطبين الكثير من الفرصفي هذا التوقيت لتوطيد علاقاتها مع مختلف الأحزاب في تركيا استباقا ً لأي تغييرات محتملة يمكن أن تطال شكل القيادة التركية بُعيد الانتخابات المزمع عقدها في عام 2023، في حين تبدو علاقة تركيا بالسلطة الفلسطينية قادرة على الحفاظ على استقرارها النسبي طالما تسير في إطارها الرسمي الذي قد لا يتأثر كثيرا ً في ظل أي تحولات في السياسة الداخلية تفضي إلى تغيير الحزب الحاكم.

علاوة على ذلك، عند تقييم علاقة حماس مع أحزاب المعارضةالتركية؛ فإن آخر لقاء رسمي بينهما كان مع زعيم المعارضة كمال كلتشدار أوغلو عام 2012، وهو ما تم بتنسيق ٍ رسمي من القيادة التركية آنذاك، ويمكن إرجاع تغاض ي الحزب الحاكموٍتنسيقه لهذا اللقاء إلى عاملأساس ي؛ مرتبط بانعدام التهديد الانتخابي من قبل المعارضة آنذاك، وثقته بالحصول على الأغلبية الساحقة لحزب العدالة والتنمية، مما جعله لا يولي أي تخوف من هكذا تقارب،وهو ما تغير ًنسبيافي ظل تحولات المرحلة الحالية في التركيبة السياسية الداخلية في تركيا، خاصة مع تراجع شعبية الحزب الحاكم، وتنامي قوة المعارضة في ظل الائتلاف الخماس يالحالي، لذا سيكون على حركة حماس أن تتمسك بسياسة حذرة في علاقاتها مع الأحزاب التركية في بيئة مشحونة سياسيا ً مع الاقتراب من استحقاق الانتخابات التركية، ولكي لا تفسّ ر خطواتها بشكل سلبي سواء لدى حزب العدالة والتنمية الحاكم أو بعض أحزاب المعارضة؛ تحسبا ً لأي احتمال تتغير معه معادلة الحكم في تركيا.

كما لا يمكن تصور نهاية العلاقة بين تركيا وحركة حماس باحتمالية خروج العدالة والتنمية من الحكم، لأن خطاب المعارضة العلماني والقومي ليس موجها ً ضد العرب بالقدر الذي يسعى فيه لربط أزمات تركيا بالتوجه نحو الشرق الأوسط على حساب العلاقات التركية مع الغرب، كما أن أزمة اللاجئين السوريين في تركيا لا تُعبر عن توجه المعارضة العام، ولا تنسحب على موقف تركيا اتجاه حماس أو غيرها من الأطراف العربية، ولم يظهر أي هجوم أو انتقاد في الإعلام التركي ضد حماس أو قيادات الاخوان، لأن نظرة الشعب التركي سلبية تجاه كافة الأنظمة العربية، ولديهم قناعة بأن كافة الأنظمة العربية قمعية ومتعاونة مع إسرائيل. من ناحية أخرى، وعلى مستوى العلاقات التركية الإسرائيلية، ومدى تأثيرها على علاقات تركيا بقطبي السياسة الفلسطينية، فقد شهدت السنوات القليلة الماضية ظهور العديد من الصراعات الاقليمية التي تمس الأمن القومي التركي، ولعل أبرزها أزمة شرق المتوسط، واستمرار سخونة الجبهة السورية، ودعم اسرائيل الواضح لتنظيمات PKK – PYD؛ ما يجعل مسألة عودة العلاقات الاسرائيلية التركية إلى ما كانت عليه قبل 2010 ليس بالأمر اليسير، بالتالي ستبقى تركيا بحاجة للقضية الفلسطينية وأقطابها السياسية المختلفة للحفاظ على دور ٍ إقليمي فعال تسطيع من خلاله أن تحافظ على ميزان القوى كونها لاعب رئيسي في المنطقة.

يبقى تطور علاقة تركيا بقطبي السياسة الفلسطينية "حركتي حماس وفتح" رهن حسابات سياسيةبالدرجة الأولى، ولا يمكن الارتهان لحسابات الايديولوجيا، وهذا ما يجعل تركيا تتابع دعمها للقضية الفلسطينية بالبقاء على عنصر التوازن في علاقاتها بالأطراف الفلسطينية، وكذلك الحال بالنسبة لعلاقاتها الاقليمية والدولية. كما أنها تبقي العناصر المحددة لسياستها الخارجية أمام نصب عينيها أثناء دعمها لكلا القطبين؛ لأنها تعد القضية الفلسطينية العامل الرئيس ي المحرك للدور التركي في المنطقة، لذا يبقى مدى تطور هذا الدور إقليميا ً مرتبط بطبيعة العلاقة مع الأطراف الفلسطينية. كما تسعى تركيا إلى تجنب الدخول في أزمات سياسية مع الأطراف الإقليمية والدولية أثناء صياغة علاقاتها بقطبي السياسة الفلسطينية حماس والسلطة، لذلك تحاول في علاقتها مع حماس على وجه الخصوص تقديم الدعم السياس ي والاقتصادي والمالي دون التطرق إلى المجالات الأخرى.

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ "Over 129,000 Palestinian families to receive food aid from Turkey." United Nations, 2 August 2012.
  2. ^ "Turkish PM storms out of Davos' Gaza session, slams moderator".
  3. ^ "Palestinian UN statehood bid gets thumbs-up". 29 November 2012.
  4. ^ "علاقة تركيا بقطبي السياسة الفلسطينية.. محدداتها، تقييم التجربة، إمكانية تطورها ومستقبلها". مجموعة الحوار الفلسطيني. 2022-05-18. Retrieved 2022-05-25.