عبد الله بن عمر

عبد الله بن عمر بن الخطاب، ويكنى بأبي عبد الرحمن، أمه زينب بنت مظعون، ولد بعد البعثة بأربعة أعوام وأباه لازال على الكفر، وما إن أصبح يافعا كان الله قد هدى والده عمر بن الخطاب، فأخذ ينهل من تعاليم الإسلام عن الرسول محمد بن عبد الله مباشرة، حيث كان يتبعه كظله.

هاجر للمدينة المنورة مع والده وهو ابن عشرة أعوام وهناك اجتهد في حفظ القران. وشارك في غزوة الخندق عندما سمح له يذلك وهو ابن خمسة عشر عاما من العمر، كما شارك في بيعة الرضوان. عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشى العدوى

قال سفيان الثورى: لا يقتدى بعمر في الجماعة وبابنه في الفرقة [تذكرة الحفاظ (1/32)].

أمه: زينب بنت مظعون الجمحية.

مولده: ولد سنة ثلاث من المبعث النبوى فيما جزم به الزبير بن بكَّار قال: هاجر وهو ابن عشر سنين. وقال ابن مَنْدَه: كان ابن إحدى عشرة ونصف [الإصابة (3/254)]

إسلامه: أسلم مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم. كانت هجرته قبل هجرة أبيه [أسد الغابة (3/340)].

أجمعوا على أنه لم يشهد بدراً استصغره النبى (صلى الله عليه وسلم) فردَّه واختلفوا في شهوده أحداً والصحيح أن أول مشاهده الخندق وشهد غزوة مؤتة مع جعفر بن أبى طالب وشهد اليرموك وفتح مصر وأفريقية [أسد الغابة]

وصفه: كان عبد الله بن عمر رَبْعَة من الرجال آدم له جُمَّة تضرب إلى منكبيه جسيما يُخضب لحيته بالصفرة ويُحْفِى شاربه [البداية والنهاية م5 ج9 ص152].

متابعته لهدى النبى (صلى الله عليه وسلم):

عن نافع قال: لو نظرت إلى ابن عمر رضى الله عنه إذا تبع أثر النبى (صلى الله عليه وسلم) لقلت هذا مجنون [الحلية (1/372)].

كان يتتبع آثار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كل مكان صلى فيه أو قعد فيه حتى إن النبى (صلى الله عليه وسلم) نزل تحت شجرة فكان ابن عمر يتعاهدها ويصب في أصلها الماء حتى لا تيبس.

كان يعترض براحلته في طريق رأى رسول الله عرض ناقته ... وكان إذا وقف بعرفة يقف في الموقف الذى وقف فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) [البداية والنهاية (5/153)].

أخرج البغوى عن سعيد عن أبيه: ما رأيت أحد كان أشد اتقاء للحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ابن عمر [الإصابة م3].

عن نافع عن ابن عمر أنه كان في طريق مكة يأخذ برأس راحلته يثنيها ويقول: لعل خفاً يقع على خف (يعنى خف راحلة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)) [الحلية (1/384)].

فقارن بين حال هذا الصحابى وحال من يزعمون أن في ترك بعض السنن وسيلة للوصول إلى غاية كبرى وهى إقامة الدين.

جوده وكرمه:

كان إذا أعجبه شىء من ماله تقرب به إلى الله عز وجل.

كان له جارية يحبها كثيرا فأعتقها وزوجها لمولاه نافع ، وقال: إن الله تعالى يقول "لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ" [آل عمران : 92]

كان له نجيب اشتراه بماله فأعجبه لما ركبه فقال: يا نافع: أدخله في إبل الصدقة

أعطاه ابن جعفر في نافع عشرة آلاف دينار فقيل له: ما تنتظر ببيعه؟ فقال: ما هو خير من ذلك. هو حر لوجه الله.

كان عبيده قد عرفوا ذلك منه فربما لزم أحدهم المسجد فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال أعتقه. فيقال له: إنهم يخدعوك فيقول: من خدعنا في الله انخدعنا له. ما مات حتى أعتق ألف رقبة وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفا [البداية والنهاية م5 ج9 ص152].

زهده:

قال ابن عمر ما شبعت من طعام منذ أربعة أشهر وما ذاك ألا أكون له واجداً ولكنى عهدت قوماً يشبعون مرة ويجوعون مرة [الحلية (1/372)].

كان جابر بن عبد الله يقول: ما منا إلا من مالت به الدنيا ومال بها ما خلا عمر وابنه عبد الله.

وكانت تمضى عليه الأيام الكثيرة والشهر لا يذوق فيه لحما وما كان يأكل طعاما إلا وعلى مائدته يتيم [البداية والنهاية م5 ج9].

عن ميمون بن مهران قال: دخلت منزل ابن عمر فما كان فيه ما يسوى طيلسانى هذا [الحلية].

عن نافع مولى ابن عمر يقول: ما قرأ ابن عمر هاتين الآيتين قط من آخر سورة البقرة إلا بكى "وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ" [البقرة : 284] ثم يقول: إن هذا لإحصاء شديد [الحلية].

قال عبد الله يعنى ابن مسعود: إن أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر [الحلية].

ومن زهده فراره من الولاية:

أراده عثمان على القضاء فأبى ذلك وكذلك أبوه.

قال ابن سعد: لما قتل عثمان واستخلف علىٌّ أتاه ابن عمر فقال له علىٌّ: إنك محبوب إلى الناس فَسِرْ إلى الشام فقد وَلَّيْتُكها فقال: أُذَكِّرُك الله وقرابتى وصحبتى لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) والرحم إلا ما وليت غيرى وأعفيتنى فأبَى عليه فاستعان بحفصة أخته فكلمته ثم سار من ليلته إلى مكة هارباً منه [البداية والنهاية].

ورعه وعلمه:

حدثنا سفيان عن ابن جريج عن طاوس: ما رأيت رجلاً أورع من ابن عمر [الإصابة].

كان ابن عمر شديد الاحتياط والتوقى لدينه في الفتوى وكل ما تأخذ به نفسه حتى إنه ترك المنازعة في الخلافة مع كثرة ميل أهل الشام إليه ومحبتهم له [الإصابة].

أخرج ابن المبارك في الزهد عن حيوة بن شريح عن عقبة بن مسلم: أن ابن عمر سُئل عن شىء فقال: لا أدرى ثم قال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا جسوراً في جهنم تقولون: أفتانا بهذا ابن عمر [الإصابة]

أخرج البغوى من طريق ابن القاسم عن مالك قال: أقام ابن عمر بعد النبى (صلى الله عليه وسلم) ستين سنة يقدم عليه وفود الناس – وأخرجه البيهقى عن الزهرى وزاد: فلم يخف عليه شىء من أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا أصحابه [الإصابة]

أخرج البيهقى من طريق يحيى بن يحيى ، قلت لمالك: أسمعت المشايخ يقولون: من أخذ بقول ابن عمر لم يدع من الاستقصاء شيئا. قال: نعم [الإصابة]

عن أبى سلمة بن عبد الرحمن قال: مات ابن عمر وهو مثل عمر في الفضل ومن وجه آخر عن أبى سلمة كان عمر في زمانه له فيه نظير وكان ابن عمر في زمان ليس له في نظير.

عن سعيد بن المسيب: كان ابن عمر حين مات خير من بقى [الإصابة]

روى عن النبى (صلى الله عليه وسلم) أحاديث كثيرة أسند ألفين وستمائة وثلاثين حديثا وروى عن الصديق وعن عمر وعثمان وسعد وابن مسعود وحفصة وعائشة وغيرهم وعنه خلق من التابعين [البداية والنهاية].

ابن عمر العابد:

عن السُّدّى: رأيت نفراً من الصحابة كان يرون أنه ليس أحد فيهم على الحالة التى فارق عليها النبى (صلى الله عليه وسلم) إلا ابن عمر.

ولقد مدحه (صلى الله عليه وسلم) فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلى من الليل ، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليل [البخارى 1121].

قال ابن المبارك: أنبأنا عمر بن محمد بن زيد أن أباه أخبره أن عبد الله بن عمر كان له مِهْراس (حجر منقور يوضع فيه الماء للوضوء) فيه ماء فيصلى ما قدر له ثم يصير إلى الفراش فيغفى إغفاء الطائر ثم يقوم فيتوضأ ثم يصلى فيرجع إلى فراشه فيغفى إغفاء الطائر ثم يثب فيتوضأ ثم يصلى يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمسا [الإصابة].

كان لا يترك الحج [الإصابة].

كان يتوضأ لكل صلاة ويدخل الماء في أصول عينيه [البداية والنهاية].

تعامله مع الفتنة في عصره:

كان في مدة الفتنة لا يأتى أمير إلا صلَّى خلفه وأدَّى إليه زكاة ماله [البداية والنهاية].

عن نافع قيل لابن عمر رضى الله عنه زمن ابن الزبير والخوارج والخشبية: أتصلى مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضاً؟ قال: من قال: حى على الصلاة أجبته ومن قال: حى على الفلاح أجبته ومن قال حى على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت: لا [الحلية (1/383)].

قال له مروان بن الحكم ليبايع له بالخلافة وقال له: إن أهل الشام يريدونك. قال: فكيف أصنع بأهل العراق؟ قال: تقاتلهم. قال: والله لو أطاعنى الناس كلهم إلا أهل فَدَك فإن قاتلتهم يقتل فيهم رجل واحد لم أفعل فتركه [الإصابة 242].

لم يقاتل في شىء ومن الفتن ولم يشهد مع علىٍّ شيئا من حروبه حين أُشكلت عليه ثم كان بعد ذلك يندم على ترك القتال معه [أسد الغابة (3/342)]. وعندما كلفه عل بن أبي طالب-بعدما بايعه الناس- بالذهاب إلى الشام ليتولى إمارته ، اعتذر له و ترجاه بأن يعفيه ، فلم يقبل منه ، فظل ابن عمر يبحث عن المعاذير و استعان عليه بأخته حفصة أم المؤمنين –رضي الله عنها- ثم خرج ليلا إلى مكة فارا دون علم من علي ، فلما سمع بأمره سكن

وفاته:

توفى بمكة بعد منصرف الناس من الحج وعمره أربع وثمانين سنة ودفن بالمُحصَّب وهو آخر من مات من الصحابة بمكة مات سنة 73 وقيل 74.

قصة وفاته:

كان سبب قتله أن الحجاج أمر رجلاً فَسَمَّ زُجَّ (الحديدة في أسفل الرمح) رمح وزحمه ووضع الزج في ظهر قدمه وإنما فعل الحجاج ذلك لأنه خطب يوماً وأخر الصلاة (تكلم عن ابن الزبير) فقال له ابن عمر: إن الشمس لا تنتظرك فقال له الحجاج: لقد هممت أن أضرب الذى فيه عيناك قال: إن تفعل فإنه سفيه مُسَلَّط [أسد الغابة]

أولاده:

أبو بكر وأبو عبيدة وواقد وعبد الله وعمر وحفصة وسودة (أمهم صفية) وعبد الرحمن وسالم وعبيد الله وحمزة (أمهم أم ولد) وزيد وعائشة (لأم ولد)