الأفلاج

الأفلاج إقليم من أقاليم نجد ومحافظة سعودية تابعة لمنطقة الرياض. وكانو امرائها الحقبان من الدواسر قبل التوحيد تقع الأفلاج على بعد أكثر من 300 كم عن العاصمة السعودية الرياض، وتتألف من مجموعة من القرى الزراعية الواقعة على جبل طويق (جبل العارض سابقاً) ابتداءً من سفحه الشرقي وحتى حافته الغربية. أهم قرى الإقليم ليلى (و هي عاصمة المحافظة)، ومن قراها الأخرى رفاع والسيح والروضه ،الخرفه، الصغو، الاحمر، الغيل، ستاره، حراضه، واسط، العمار، البديع ،مروان، سويدان، العجلية مركز تابع للافلاج ،الهدار، وهي آخر حدود الأفلاج غرباً. ويبلغ عدد سكان المحافظة حالياً حوالي 60 ألفاً وغالبية سكان الافلاج من قبيلة الدواسر .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عيون الأفلاج

سمّيت الأفلاج بهذا الاسم بسبب عيون الماء المنفلجة (أي المنبثقة) خلال أراضيها منذ القدم، إذ كانت المنطقة تحوي حتى زمن قريب سبعة عشر عين ماء، مصدرها من المياه الجوفية التي تجري تحت إقليم اليمامة القديم منذ أقدم العصور. وقد كانت المياه تنساح من بعض هذه العيون لتشكل قنوات يمكن الاستفادة منها في الزراعة، ولذلك تسمى إحدى مناطق الأفلاج بالسيح الشمالي، والأخرى بالسيح الجنوبي. وقد كانت هذه العيون أشبه بالبحيرات من حيث الحجم إذ بلغ طول إحداها كيلومتراً كاملاً وكانت تصل في عمقها إلى ما يزيد عن الثلاثين متراً، إلا أنها جفّت جميعها تقريباً في الثمانينات من القرن العشرين بعد استهلاك المياه الجوفية في زراعة القمح.

عين الرأس. وهي أكبر عيون الأفلاج مساحة عين أم هيب وقد أحاطتها وزارة الزراعة بسور شائك وتعد آخر عين جفت من عيون الأفلاج حيث جفت بشكل نهائي قبل عامين تقريباً. عين الرويس عين الباطن عين أم برج عين الشقيبات أو (الشقيب) عين أم البقر عين المليحة أم درج الفضول


تاريخ الأفلاج

كانت تسمى المنطقة قديماً بفلج وأحياناً بفلج الأفلاج، وكانت من أهم حواضر وسط الجزيرة وتحوي سوقاً تجارياً مهماً. وكان أغلب سكان المنطقة من بني كعب من بني عامر، وهم قبائل جعدة والحريش، ومن قبلهم بني عقيل، وكانت المنطقة مزدهرة حتى القرن الرابع الهجري. ويعتقد أن ليلى العامرية وقيس بن الملوح كانا من أهل هذه المنطقة، خصوصاً بسبب وجود جبل التوباد فيها، وهو الجبل الذي كثيراً ما يذكره ابن الملوّح في شعره، كما يعتقد أن بلدة ليلى، أكبر بلدان الإقليم حالياً، قد سمّيت بهذا الاسم نسبة إلى ليلى العامرية. وقد انقلبت حال المنطقة بعد ذلك وطغى عليها الفقر والاقتتال الداخلي وانعدام الأمن، وقد زارها الرحالة الفارسي ناصر خسرو في القرن الخامس الهجري ووصفها وصفاً دقيقاً حيث قضى فيها بضعة أشهر، ووصف ما آلت إليه حالها من بؤس.

محافظة الأفلاج

تشكّل الأفلاج حالياً محافظة من محافظات منطقة الرياض وأكبرها في المملكة العربية السعوديةحيث تبلغ مساحتها 54120كم2، وتشكّل بلدة ليلى مقرّ المحافظة. تحدّ المحافظة من الشمال محافظة الخرج والدلم ومحافظة الحوطة والحريق، ومن الجنوب [[محافظة السليّل، ومن الشرق المنطقة الشرقية، والغرب محافظة القويعيةو وادي الدواسر. ويمرّ بالأفلاج طريق الجنوب السريع المعبّد، الذي يصل بين الرياض وأبها ماراً بالخرج والأفلاج ووادي الدواسر.

مدينة الافلاج

مدينة الأفلاج قديمة قدم الزمان وكانت تسمى (بالفلج) لكثرة العيون والمياه فيها, إذ تضم سبع عشرة عيناً بعضها من أكبر العيون في جزيرة العرب. وقد كانت سيولها متدفقة وأنهارها جارية, ولا يزال جزء من المنطقة يسمى السيح ويقع عن العيون شمالاً وهو مليء بالنخيل والزروع. يقول امرؤ القيس الكندي:

    • بعيني ظعن الحي لما تحملوا
    • لدى جانب الأفلاج من جنب تيموا
  • وقال لبيد بن ربيعة:
    • فتكلم بتلكم غير فخر عليكم
    • وبيت على الأفلاج ثم مقيم

ولا زالت هناك بعض المعالم والآثار التي تزار بها إلى يومنا هذا وما هي إلا شاهد على ذلك, ومن هذه المعالم: عيون الافلاج, صداء, جبل أكمه, حصن مرغم, القصر العادي, قصور جعدة, قصر سلمى, قصر جحا. وجبل التوباد بالغيل, وهو جبل خلد ذاكرة قيس المجنون وجعله رمزاً لقصته مع ليلى, وكثيراً ما يردده الشعراء: جبال التوباد - ويجعلونه عنواناً للحب العذري العفيف وقد قال فيه قيس بن الملوح (مجنون ليلى):

وأجهشت للتوباد حين رأيته وكبر للرحمن حين رآني وأذرفت دمع العين لما عرفته ونادى بأعلى صوته فدعاني فقلت له أين الذين عهدتهم حواليك في خصب وطيب زمان فقال مضوا واستودعوني بلادهم ومن ذا الذي يبقى من الحدثان وإني لأبكي اليوم من حذري غداً فراقك والحيان مؤتلفان

ويقول فيه أيضاً أمير الشعراء أحمد شوقي على لسان قيس:

  • جبل التوباد حياك الحيا
  • وسقى الله صبانا ورعا

فيك ناغينا الهوى في مهده ورضعناه فكنت المرضعا وحدونا الشمس في مغربها وبكرنا فسبقنا المطلعا وعلى سفحها عشنا زمناً ورعينا غنم الأهل معا

وجبل التوباد يتوسط قرية الغيل ويقع شمال الوادي, وفي الجبل غار يقال ان المجنون كان يرتاده فسمي بغار (قيس وليلى) وبالقرب من الجبل شعب فيه بقايا اطلال وآثار ومقبرة قديمة وحوله الآن كثير من النخيل والزرع وقد ذكر قيس قرية الغيل في عدد من قصائده فمنها قال: يخاطب ليلى يكنيها بأم مالك:

أنت ليلة بالغيل يا أم مالك لكم غير حب صادق ليس يكذب

وقال أيضاً:

كأن لم يكن بالغيل أو بطن أيكة أو الجزع من تول الاشاءة حاضر

وتبعد قرية الغيل عن مدينة ليلى التي هي قاعدة الافلاج حالياً بنحو 25 كيلو متراً باتجاه الشمال الغربي والذي يظهر لنا أنه ما اطلق عليها هذا الاسم إلا تخليداً لليلى العامرية وهي (ليلى) وتبعد عن الرياض جنوباً 300 كيلو متر تقريباً, كما سمي النادي الرياضي والثقافي بالافلاج باسم نادي التوباد لما اشتهر به جبل التوباد من حب عفيف وعذري. وينتمي الشاعر قيس بن الملوح إلى العصر الأموي وقد عاش في زمن مروان بن الحكم الذي توفي في حدود عام 65هـ. ولابد أن أوضح أنه على الرغم بما تحتضنه الأفلاج من الآثار والمعالم إلا أنها لم تحظ بالاهتمام من ذوي العابثين من الزائرين مما توضحه الصور والكتابات الموجودة داخل الغار بمختلف اللغات بما فيها الهندية, فلماذا لا تخط هذه المعالم والآثار بالاهتمام, والتي هي جزء من تاريخنا وحضارتنا التي نفخر بها منذ عصور. هذا ويقال: إن قيساً وليلى وهما أبناء عم من قبيلة بني جعدة تعارفا وهما صبيان حينما كانا يذهبان لرعي إبلهم وماشيتهم عند جبل التوباد. ثم ظلا كذلك حتى نمت عواطفهما الطاهرة البريئة وترعرعت وهذا ما دل عليه قيس في شعره حين قال:

تعلقت ليل وهي غرٌّ صغيرةٌ ولم يبد للأتراب من ثديها حجم صغيرين ترعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

فأجابته ليلى باكية لما سمعت شعره:

كلانا مطهر للناس بغضاً وكل عند صاحبه مكين تخبرنا العيون بما أردنا وفي القلبين ثم هوى دفين

فلما سمع مقالتها خر مغشياً عليه, فلما أفاق قال:

صريع من الحب المبرح والهوى وأي فتى من علة الحب يسلم

ففطن جلساؤه عند ذلك, فأخبروا أباها, فحجبوها عنه وعن سائر الناس وقدموه إلى السلطان فأهدر السلطان دمه ان هو زارها. فلما حجبت عنه أنشأ يقول:

ألا حجبت عنه ليلى والى أميرها عليّ يمنياً جاهلاً لا ازورها وأوعدني فيها رجال أبوهم أبي وأبوها خثنت لي صدورها على غير شيء غير أني أحبها وإن فؤادي عند ليلى أسيرها وإني إذا حنّت إلى الالف إلفها همّا بفؤادي حيث حنت سحورها

ولما عرف عنه بين القبائل حبه لابنة عمه وولهه بها قام أبوه واخوته وبنو عمه وأهل بيته فأتوا أبا ليلى وسألوه بالرحم والقرابة والحق العظيم ان يزوجها منه, وأخبروه أنه ابتلي بها, فأبى أبو ليلى ولج وحلف, فأخرجه أبوه إلى مكة كي يدعو الله في بيته الحرام ان يعافيه مما ابتلي فيه, فلما قدما مكة قال له أبوه: يا قيس تعلق باستار الكعبة, ففعل, فقال: قل اللهم ارحني من ليلى وحبها, فقال قيس: اللهم منّ عليّ بليلى وقربها, فضربه أبوه, فانشأ يقول:

  • دعا المحرمون الله يستغفرونه
  • بمكة شعثاً كي تمحى ذنوبها
  • وناديت يا رحمن أول سؤلتي
  • لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
  • وإن أعط ليلى في حياتي لم يتب
  • إلى الله عبد توبة لا أتوبها

فأخذ أبوه بيده إلى محفل من الناس, فسألهم ان يدعوا الله له بالفرج, فلما أخذ الناس في الدعاء انشأ يقول:

ذكرتك والحجيج لهم ضجيج بمكة والقلوب لها وجيب اتوب إليك يا رحمن مما عملت فقد تظاهرت الذنوب فأما من هدى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب وكيف وعندها قلبي رهين أتوب إليك منها أو انيب

ومرض الشاعر العاشق مرضاً كبيراً وازدادت علته وتعسر علاجه, وأعيا الأطباء دواؤه.. ولم ينجح فيه الدواء وصار إلى اسوأ حال من توحشه في الصحاري, فشق ذلك على ليلى وأذهلها فدعت بغلام وكتبت اليه: بسم الله الرحمن الرحيم - والله يا ابن عمي ان الذي بي أضعاف ما بقلبك ولكن وجدت السترة ابقى للمودة وأحمد في العاقبة

فلو أن ما ألقى وما بي من الهوى بأرعن ركناه صفاً وحديد تقطع من وجد وذاب حديده وأمسى تراه العين وهو عميد ثلاثون يوماً كل يوم وليلة أموت وأحيا إن ذا لشديد

فأجابها قيس عن كتابها بعدة أبيات منها:

وجدت الحب نيراناً تلظى قلوب العاشقين لها وقود فلو كانت إذا احترقت تفانت ولكن كلما احترقت تعود كأهل النار إذا نضجت جلودٌ أعيدت للشقاء لهم جلود

وبينما هو في أودية مصلة وهو حزين كئيب إذ مر به فارسان فنعيا إليه ليلى وقالا: مضت لسبيلها فخر قيس مغشياً عليه, فلما أفاق مضى حتى دخل الحي بعدما لم يكن يمر به إلا من بعيد, فأتى أهل بيتها فعزاهم, فعزوه فقال: دلوني على قبرها, فلما عرفه رمى بنفسه على القبر والتزمه, وأخذ يقول فيها القصائد والأشعار وأصبح قيس هائماً في الصحراء لا يرجع إليه عقله إلا بذكر ليلى ورثائها حتى يغشى عليه. ويقول أحد الأعراب: فلما أن بكرت إليه وطلبته فلم أقدر عليه فانصرفت إلى الحي وأعلمتهم. فقام اخوته وبنو عمه وأهل بيته فطلبناه يومنا وليلنا, فلما أصبحنا هبطنا إلى وادٍ كثير الحجارة والرمل إذا به (ميتاً) وقد كان خط بإصبعه عند رأسه هذين البيتين من الشعر:

توسد أحجار المهامة والقفر ومات جزِع القلب مندمل الصدر فياليت هذا الحب يعشق مرة فيعلم ما يلقى المحب من الهجر

فرثيناه وعلت أصواتنا بالبكاء وحملناه إلى الحي, فبكى عليه الغريب والقريب, وكل من سمع باسمه يوماً, ثم غسلناه وكفناه ودفناه إلى جانب قبر ليلى.. مات العاشق الولهان.. دون أن ينعم بابنة عمه وماتت العاشقة الولهانة دون أن تنعم بابن عمها وهذا حال المحبين.. دموع, وآهات, وسهر ونيران, وجراح ومع ذلك لا يتوبون أبداً. لحظة عطاء ما بين جوعي وشوقي اليك تظل البيارق مرفوعة ووهج المسافة ليمتد في ورق الليل, والعيون مسافرة, والميادين مفتوحة, النشر على الأفق صفحة من كتاب التمرد على التقاليد والروتين القاتل, وتعال إليّ فالشوق في قلبي يناديك والحب في فؤادي ينتظرك.

الجبل الذي كان يتلاقى عنده قيس وليلى

‎ ‎ ‎